كتابات
21/06/2019

مفهوم الولاية التكوينيّة

مفهوم الولاية التكوينيّة

إنّ في تفسير الولاية التكوينيّة احتمالات؛ بعضها باطل ومستحيل، وبعضها ثابت لا شكّ فيه، وبعضها ممكن، ولكن لا دليل عليه:

الاحتمال الأوّل: إنّ للولاية دوراً تنفيذياً وإداريّاً يتمثّل في سدّ النقص في المولَّى عليه؛ فالأب – مثلاً – يكون وليّاً على الطفل، على أساس أنّ الطفل لا يستطيع أن يتحرّك بما يصلحه، أو بما يرتّب أوضاعه، فيأتي الأب (الوليّ) ليكمل هذا النقص.

وهذا الاحتمال باطل في المقام؛ لأنَّ الله سبحانه أقام الكون على أساس نظام دقيق خالٍ من أيّ نقص أو ثغرة {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}[الملك: 3] والأنبياء – وفقاً لما قدّمهم به القرآن الكريم – ليسوا جزءاً من النظام المذكور، ولا يشغلون دوراً أو مهمة وظيفيّة تجعلهم جزءاً متمّماً للنقص المذكور على فرض وجوده؛ بل إنّ مهمّتهم الرساليّة هي أسمى من ذلك بكثير، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّنا نسأل: هل هناك نقص في إدارة الله تعالى للكون حتى يأتي بالأنبياء ليدبّروا له الكون؟ لا، ليس هناك نقص البتَّة، فهو الغنيّ المطلق عن عباده وهم الفقراء إليه.

وبعبارة أخرى: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد رتَّب الكون كلَّه من أصغر ذرَّة إلى أكبر ذرّة بشكلٍ دقيق ليس فيه أيّ خلل، فأيّ حاجة للوليّ بالمعنى المذكور؟! فإذا قلنا إنّ الأنبياء (عليهم) هم أولياء الكون، وأولياء النّعم، والأئمة (عليهم)– أيضاً – أولياء الكون، وأولياء النّعم، فذلك يعني الإيمان بالنقص في هذا الخلق، مع أنّه ليس هناك نقص حتى يكملوه بالولاية.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الولاية التكوينية، أنّ الله فوّض إلى الأنبياء والأئمّة أمر تدبير الكون وشؤونه، بمعنى أنّهم هم الذين يأمرون الشمس بأن تشرق ويدبّرون لها إشراقها، وهم الذين يأمرون البحار بأن تتلاطم أمواجُها، وهم الذين يدبّرون العالَم بما فيه من الكواكب والنجوم بشكل فعليّ... باختصار: إنّ الله سبحانه وتعالى جعل دفّة العالَم بأيديهم وفوّضهم إدارة الكون.

أقول: إنّ التفويض في بعض معانيه باطلٌ بالضّرورة؛ بل ربّما كان الاعتقاد به يقارب الكفر أو الشّرك، كما لو كان القائل بالتفويض يفرض استقلالهم (عليهم السلام) عن الله في التأثير، ولو بقاءً، ونحوه الاعتقاد أنّ الله كفّ يده عن التأثير في الكون، فهو لا يتدخّل في إدارة شؤون الكون بعد أن أوكلها إلى غيره. ولا أعتقد أنّ أحداً من العلماء يقول بالتفويض بهذا المعنى أو ذاك، وقد قام الدّليل القرآني وغيره على بطلان التفويض. نعم، يبقى احتمال ثالث في تفسير التّفويض، وهو أن يُراد به أنّ الله فوّض شؤون الكون إلى النبيّ والأئمة، مع بقائه فعلاً في موقع التأثير والفاعلية، وهذا المعنى لا دليل عليه؛ بل الدليل على بطلانه، كما سيأتي، كما أنّه يلتقي مع بعض الوجوه الآتية.

الاحتمال الثالث: هو أنّ الولاية التكوينية تعني أنّ الله جعل الأنبياء والأئمة موظّفين مثل الملائكة، ومهمّتهم الوظيفيّة هي إدارة الكون في كلّ حركته ونظامه. وهذا أيضاً لا دليل عليه؛ بل هو مرفوض؛ فالأئمة والأنبياء ليست وظيفتهم إدارة الكون؛ بل هم فوق ذلك، ومهمّتهم الرساليّة أشرف وأعلى من ذلك، على أنّ الكون يتحرّك في ضوء القوانين والسُّنن المودَعة فيه، والتي أرادها الله أن تحكم كلّ نظامه وحركته، وقد استطاع الإنسان في مسيرته العلميّة أن يكتشف الكثير من هذه القوانين، ويربط الأشياء ويتعرّف إلى أسرارها وخصائصها.

الاحتمال الرابع: أن يكون المقصود بالولاية التكوينيّة، أنّ الله مكّن الأنبياء من أن يقوموا ببعض الأعمال التي هي خارقة للعادة، من قبيل {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله}، ومن قبيل {وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله}[آل عمران: 49]. أو كما في قصّة المؤمن الذي لديه علمٌ من الكتاب والذي أحضر عرش بلقيس إلى سليمان (عليه السلام)، {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النّمل: 40].

والخلاصة: إنّ الله أعطى الأنبياء والأئمة القدرات التكوينيّة التي يحتاجونها في نبوّتهم وفي إمامتهم وفي حدود الوسائل التي يمكن أن يستخدموها، فيتصرّفون في الأشياء في هذه الدائرة، أو تتحرّك الأشياء معهم في هذه الدائرة.

وإذا كان القائلون بالولاية التكوينية يريدون هذا المعنى، فهذا ما يؤمن به كلّ المسلمين؛ لأنّه يدخل في نطاق المعجزة أو الكرامة، وهي موضع تسالمٍ من المسلمين قاطبةً؛ بل ويتبنّاها غير المسلمين أيضاً؛ مع ملاحظة أنّه حتى في موارد المعجزة، لا دليل على أنّ النبيّ نفسه أُعطي القدرة على الخلق أو الإحياء أو ما إلى ذلك، وإنّما جرى ذلك بقدرة الله تعالى. ولهذا، فإنّنا نستبعد أن يكون هذا هو مراد القائلين بالولاية التكوينيّة؛ بل هو خلافُ صريحِ كلماتِهم.

كما أنّنا نستبعد أن يكون مرادهم بولاية التكوين استجابة الدّعاء، بمعنى أنّ الأنبياء والأئمّة (ع) يدعون الله سبحانه ليحقّق لهم بعض الخوارق، والله سبحانه يستجيب دعاءهم؛ لأنّهم في موقع القُرب من الله، ولا يطلبون إلّا ما فيه المصلحة، فهذا المعنى – أيضاً – لا يُنكره مسلم، ولا يُظنّ أنّه مراد القائلين بالولاية التكوينية.

ويبقى الاحتمال الخامس: وهو أن يُقال: إنَّ الله جعل لهم الولاية على الكون، بمعنى أنّ زمام أمر العالَم التكويني بأيديهم، ولهم السّلطة التامّة على جميع الكائنات بالتصرّف فيها كيفما شاؤوا إعداماً وإيجاداً، ولهم أن ينقلوا الشّمس من المشرق إلى المغرب وأن يزيلوا الجبال...

إلّا أنّ هذا ما لم يقم عليه دليل؛ بل القرآن دليل على خلافه، كما سيتّضح فيما يأتي. ولذلك، نحن لا نقول بالولاية التكوينية بهذا المعنى، ليس لأنّه لا دليل عليها فحسب؛ بل لأنّ الدليل على خلافها. ولو أنّنا استبعدنا – فرضاً – أن يكون هذا الاحتمال هو مراد القائلين بالولاية التكوينيّة، فلربّما يحصل حينئذٍ الصّلح بين المُنكرين والمُثبتين؛ لأنّ نظر المُنكرين يكون إلى الولاية بالمعنى الذي يؤدّي إلى التفويض أو ما يقارب من التفويض، ونظر المثبتين إلى الولاية بنحو المعجزة والكرامة وما إلى ذلك، إلاّ أن القائلين بالولاية التكوينيّة يتبنّون مضمون الاحتمال الخامس، الأمر الّذي يؤكّد أنّ الاختلاف حقيقيّ وليس لفظيّاً.

*من كتاب "نظرة إسلاميّة حول الولاية التكوينيّة".

إنّ في تفسير الولاية التكوينيّة احتمالات؛ بعضها باطل ومستحيل، وبعضها ثابت لا شكّ فيه، وبعضها ممكن، ولكن لا دليل عليه:

الاحتمال الأوّل: إنّ للولاية دوراً تنفيذياً وإداريّاً يتمثّل في سدّ النقص في المولَّى عليه؛ فالأب – مثلاً – يكون وليّاً على الطفل، على أساس أنّ الطفل لا يستطيع أن يتحرّك بما يصلحه، أو بما يرتّب أوضاعه، فيأتي الأب (الوليّ) ليكمل هذا النقص.

وهذا الاحتمال باطل في المقام؛ لأنَّ الله سبحانه أقام الكون على أساس نظام دقيق خالٍ من أيّ نقص أو ثغرة {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}[الملك: 3] والأنبياء – وفقاً لما قدّمهم به القرآن الكريم – ليسوا جزءاً من النظام المذكور، ولا يشغلون دوراً أو مهمة وظيفيّة تجعلهم جزءاً متمّماً للنقص المذكور على فرض وجوده؛ بل إنّ مهمّتهم الرساليّة هي أسمى من ذلك بكثير، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّنا نسأل: هل هناك نقص في إدارة الله تعالى للكون حتى يأتي بالأنبياء ليدبّروا له الكون؟ لا، ليس هناك نقص البتَّة، فهو الغنيّ المطلق عن عباده وهم الفقراء إليه.

وبعبارة أخرى: إذا كان الله سبحانه وتعالى قد رتَّب الكون كلَّه من أصغر ذرَّة إلى أكبر ذرّة بشكلٍ دقيق ليس فيه أيّ خلل، فأيّ حاجة للوليّ بالمعنى المذكور؟! فإذا قلنا إنّ الأنبياء (عليهم) هم أولياء الكون، وأولياء النّعم، والأئمة (عليهم)– أيضاً – أولياء الكون، وأولياء النّعم، فذلك يعني الإيمان بالنقص في هذا الخلق، مع أنّه ليس هناك نقص حتى يكملوه بالولاية.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الولاية التكوينية، أنّ الله فوّض إلى الأنبياء والأئمّة أمر تدبير الكون وشؤونه، بمعنى أنّهم هم الذين يأمرون الشمس بأن تشرق ويدبّرون لها إشراقها، وهم الذين يأمرون البحار بأن تتلاطم أمواجُها، وهم الذين يدبّرون العالَم بما فيه من الكواكب والنجوم بشكل فعليّ... باختصار: إنّ الله سبحانه وتعالى جعل دفّة العالَم بأيديهم وفوّضهم إدارة الكون.

أقول: إنّ التفويض في بعض معانيه باطلٌ بالضّرورة؛ بل ربّما كان الاعتقاد به يقارب الكفر أو الشّرك، كما لو كان القائل بالتفويض يفرض استقلالهم (عليهم السلام) عن الله في التأثير، ولو بقاءً، ونحوه الاعتقاد أنّ الله كفّ يده عن التأثير في الكون، فهو لا يتدخّل في إدارة شؤون الكون بعد أن أوكلها إلى غيره. ولا أعتقد أنّ أحداً من العلماء يقول بالتفويض بهذا المعنى أو ذاك، وقد قام الدّليل القرآني وغيره على بطلان التفويض. نعم، يبقى احتمال ثالث في تفسير التّفويض، وهو أن يُراد به أنّ الله فوّض شؤون الكون إلى النبيّ والأئمة، مع بقائه فعلاً في موقع التأثير والفاعلية، وهذا المعنى لا دليل عليه؛ بل الدليل على بطلانه، كما سيأتي، كما أنّه يلتقي مع بعض الوجوه الآتية.

الاحتمال الثالث: هو أنّ الولاية التكوينية تعني أنّ الله جعل الأنبياء والأئمة موظّفين مثل الملائكة، ومهمّتهم الوظيفيّة هي إدارة الكون في كلّ حركته ونظامه. وهذا أيضاً لا دليل عليه؛ بل هو مرفوض؛ فالأئمة والأنبياء ليست وظيفتهم إدارة الكون؛ بل هم فوق ذلك، ومهمّتهم الرساليّة أشرف وأعلى من ذلك، على أنّ الكون يتحرّك في ضوء القوانين والسُّنن المودَعة فيه، والتي أرادها الله أن تحكم كلّ نظامه وحركته، وقد استطاع الإنسان في مسيرته العلميّة أن يكتشف الكثير من هذه القوانين، ويربط الأشياء ويتعرّف إلى أسرارها وخصائصها.

الاحتمال الرابع: أن يكون المقصود بالولاية التكوينيّة، أنّ الله مكّن الأنبياء من أن يقوموا ببعض الأعمال التي هي خارقة للعادة، من قبيل {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ الله}، ومن قبيل {وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله}[آل عمران: 49]. أو كما في قصّة المؤمن الذي لديه علمٌ من الكتاب والذي أحضر عرش بلقيس إلى سليمان (عليه السلام)، {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النّمل: 40].

والخلاصة: إنّ الله أعطى الأنبياء والأئمة القدرات التكوينيّة التي يحتاجونها في نبوّتهم وفي إمامتهم وفي حدود الوسائل التي يمكن أن يستخدموها، فيتصرّفون في الأشياء في هذه الدائرة، أو تتحرّك الأشياء معهم في هذه الدائرة.

وإذا كان القائلون بالولاية التكوينية يريدون هذا المعنى، فهذا ما يؤمن به كلّ المسلمين؛ لأنّه يدخل في نطاق المعجزة أو الكرامة، وهي موضع تسالمٍ من المسلمين قاطبةً؛ بل ويتبنّاها غير المسلمين أيضاً؛ مع ملاحظة أنّه حتى في موارد المعجزة، لا دليل على أنّ النبيّ نفسه أُعطي القدرة على الخلق أو الإحياء أو ما إلى ذلك، وإنّما جرى ذلك بقدرة الله تعالى. ولهذا، فإنّنا نستبعد أن يكون هذا هو مراد القائلين بالولاية التكوينيّة؛ بل هو خلافُ صريحِ كلماتِهم.

كما أنّنا نستبعد أن يكون مرادهم بولاية التكوين استجابة الدّعاء، بمعنى أنّ الأنبياء والأئمّة (ع) يدعون الله سبحانه ليحقّق لهم بعض الخوارق، والله سبحانه يستجيب دعاءهم؛ لأنّهم في موقع القُرب من الله، ولا يطلبون إلّا ما فيه المصلحة، فهذا المعنى – أيضاً – لا يُنكره مسلم، ولا يُظنّ أنّه مراد القائلين بالولاية التكوينية.

ويبقى الاحتمال الخامس: وهو أن يُقال: إنَّ الله جعل لهم الولاية على الكون، بمعنى أنّ زمام أمر العالَم التكويني بأيديهم، ولهم السّلطة التامّة على جميع الكائنات بالتصرّف فيها كيفما شاؤوا إعداماً وإيجاداً، ولهم أن ينقلوا الشّمس من المشرق إلى المغرب وأن يزيلوا الجبال...

إلّا أنّ هذا ما لم يقم عليه دليل؛ بل القرآن دليل على خلافه، كما سيتّضح فيما يأتي. ولذلك، نحن لا نقول بالولاية التكوينية بهذا المعنى، ليس لأنّه لا دليل عليها فحسب؛ بل لأنّ الدليل على خلافها. ولو أنّنا استبعدنا – فرضاً – أن يكون هذا الاحتمال هو مراد القائلين بالولاية التكوينيّة، فلربّما يحصل حينئذٍ الصّلح بين المُنكرين والمُثبتين؛ لأنّ نظر المُنكرين يكون إلى الولاية بالمعنى الذي يؤدّي إلى التفويض أو ما يقارب من التفويض، ونظر المثبتين إلى الولاية بنحو المعجزة والكرامة وما إلى ذلك، إلاّ أن القائلين بالولاية التكوينيّة يتبنّون مضمون الاحتمال الخامس، الأمر الّذي يؤكّد أنّ الاختلاف حقيقيّ وليس لفظيّاً.

*من كتاب "نظرة إسلاميّة حول الولاية التكوينيّة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية