معنى الولاية التّكوينيّة
س: ما هي الولاية التكوينيّة؟ وما رأيكم فيها؟
ج: يراد بمصطلح الولاية التكوينيّة ما مفاده: أنّ الله تعالى قد أعطى الأئمّة ولايةً
على تدبير شؤون الكون، أو قسماً منها للنبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وآله
(عليهم السلام). وقد ذهب فريقٌ من العلماء إلى القول بها والاعتقاد بصحّتها، فيما
ذهب فريق آخر إلى القول ببطلانها. والأقوى عندنا هو القول ببطلانها، وذلك لأنّ
الولاية المذكورة إن كانت تعني أنّ الله تعالى لا يتدخّل في إدارة تلك الشؤون،
فأوكل أمرها إلى غيره من الخلق المتميّز، كالملائكة والأنبياء والأوصياء، فهم
يستقلّون في تدبيرها، فذلك هو (التفويض) الذي اتّفق علماء الشيعة على رفضه، في إطار
ردّهم على مَن قال بذلك من فرقة المعتزلة، وحينئذٍ، فإنّ كلّ ما يُقال في إثبات
بطلان التّفويض هو مما يمكن قوله لإثبات بطلان الولاية التكوينيّة.
وأمّا إذا كان مرادهم بالولاية التكوينية معنى آخر غير التّفويض، وهو أنّه تعالى قد
شرّفهم فأوكل إليهم إدارة تلك الشؤون، رغم كونه تعالى هو المدبّر الحقيقي والمهيمن
الأوحد، فإنّنا نقول: حيث إنّ دورهم، صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، هو هداية
الناس وقيادتهم نحو الخير، فإنّ ما عدا ذلك من شؤون هذا الوجود لا يتناسب مع دورهم
المذكور، ولا هو ضروريّ للقيام بدورهم هذا، ولا يصحّ اعتبار المعجزات من مصاديق
الولاية التكوينيّة المدّعاة؛ لأنّ المعجزة حدث طارئ واستثنائي يُجريه الله تعالى
على يد المصطفين من الأنبياء لغرض إثبات نبوّتهم، وهو أمرٌ لا ريب في ثبوته، لكن لا
يصحّ إطلاق مصطلح الولاية التكوينية عليه، مادام ليس حالةً دائمةً لهم (عليهم
السلام)، كما هو المدّعى عند القائلين بالولاية التكوينية.
ومهما يكن من أمر، فإنّ الذي يجب الوقوف عنده في مثل هذه الأمور، هو أنّ الله تعالى
قد أكّد في كتابه الكريم أنّه هو المهيمن على هذا الوجود والمدبّر له، لا شريك له
في خلق ولا في تدبير، وأنّه حين أجرى الأمور بأسبابها، ظلّ هو المحرّك لها والحاضر
فيها والمدبّر لها، وأنّ الملائكة الكرام الذين قد كلّفهم بشيء من شؤون التدبير، لا
استقلاليّة لهم؛ بل هم: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ}[الأنبياء: 27]، ولم يثبت أنّ من عدا الملائكة من الخلق لهم دور معيّن
في إدارة هذا الوجود، وبخاصة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وما ورد في
الروايات ممّا ينافي ذلك، هو إمّا ساقطٌ دلالةً لمنافاته لهذا الثّابت القرآنيّ، أو
هو ضعيف السّند، فلا يعتدّ به.
والمحصّلة: ليس للنبيّ والأئمّة ولاية تكوينية، ولا يعلمون الغيب إلاّ ما علّمهم
الله سبحانه وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ
أَحَداً}[الجن: 26]. وعِلم الأئمّة (عليهم السلام) قد يكون من خلال تعليم الرسول،
كما جاء في حديث الإمام عليّ (عليه السلام): "علّمني رسول الله ألف باب من العِلم،
فتحَ لي مِن كلّ باب ألف باب". وفي حديثه عن بعض المغيّبات قيل له: هل هذا علم غيب؟
قال: "لا، ولكنّه علمٌ من ذي عِلم".
نظريّة الفيض
س: لديّ سؤال حول القول بالوساطة في الفيض، فإنّ بعض مَن يؤمن بها، يصف الطّرف
الآخر الذي يجحد بها إمّا بالغلوّ، أو بالتّكفير. والمشكلة تكمن في أنّ هؤلاء
يستندون إلى آراء بعض كبار العلماء المعاصرين، أمثال الشهيد المطّهري والسيد
الطباطبائي والإمام الرّاحل الخميني والسيد الخوئي، وغيرهم ممّن يطرحون وبقوّة
مسألة (وساطة الفيض) بالطريقة التي تنتقدها سماحتكم وبعض العلماء الآخرين، والتي
ترون فيها شبهات الشّرك أو الكفر، والعياذ بالله؟
ج: إنّ كون المعصوم سبباً في الفيض أو اللّطف الإلهيّ أمر مقبول، وتؤيّده بعض
النصوص. أمّا الوساطة في الفيض فهي غير مقبولة؛ لأنّ الله تعالى – بظاهر القرآن
الكريم – ينسب الخلق والتكوين إلى نفسه جلّ وعلا، والله تعالى على كلّ شيء قدير،
والمحذورات المذكورة في ذلك غير تامَّة، وهي نتيجة الذهنيَّة الفلسفيَّة التي لم
تؤيّدها النصوص الشرعيّة. وقول علماء كبار بهذه النظرية أو تلك لا يعني ثبوتها؛ بل
لكلّ رأيه، وخصوصاً في مجال العقليّات التي تتأثر الأذهان باتّجاه معيّن فيها، وهذا
الذي دعا إلى القول بالولاية التكوينية التي ينفيها القرآن الكريم، وما خالف كتاب
الله لا يؤخذ به. وعليكم النظر إلى الأدلّة للقضايا العقيديّة لا للأشخاص، فإنّ
عظمتهم لا تعني أنّهم معصومون، وعليكم أن تقرؤوا القرآن جيّداً، لتعرفوا أنّ نظرية
الفيض مخالفة للقرآن في حديثه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) والأنبياء (عليهم
السلام)، وأنّ المشكلة هي أنّ التأثّر بالفلسفة قد يبتعد عن النصوص الشرعيّة
القرآنيّة.
الولاية التكوينيّة والدُّعاء
س: هل فعل الإمام (ع) للمعجزة أو الكرامة، كإحياء الميت، أو إبراء الأبرص والأكمه
مثلاً من باب الدّعاء، أي إنّه يدعو فيستجيب الله دعاءه، أو هو من باب الإقدار، أيّ
إنَّ الله أودع فيه قوّةً خاصّةً أن يفعل المعجزة؟ وإذا كان الجواب فرضاً أنّه من
باب الإقدار، فما هي حقيقة هذه القدرة؟
ج: حصول ذلك من باب إجراء الله لذلك على يديه، فيقوم به بإذن الله تعالى، إمّا
كمعجزة عند الأنبياء، أو كرامةً عند الأولياء، لا من جهة قوّة خاصّة لديه، أو–
بعبارة أخرى– كالولاية تكوينية. وربّما كان ذلك في بعض الحالات من باب استجابة
الدّعاء.
كن فيكون
س: ما رأيكم في {كُنْ فَيَكُونُ}؛ هل عند النّاس قابليّة الوصول إلى ذلك إذا وصلوا
إلى درجة معيّنة من الإيمان؟ وهل نبيّنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته
(عليهم السلام) حازوا هذه القابليّة ومارسوها؟
ج: هذه القدرة ليست موجودةً لغير الله تعالى، وإنّما هناك استجابة لدعاء المؤمن،
وخصوصاً الأولياء من أنبياء وأئمّة. والله تعالى يعطي أنبياءه وأولياءه القدرة في
مواضع خاصّة، وذلك لحكمة، كالمعجزة للأنبياء، والكرامة للأولياء، وفي غير ذلك، ليس
لأحد السلطة التكوينية؛ فإنّ القرآن الكريم لا يثبت ذلك بل ينفيه.
س: إذا كان دعاء أهل البيت (عليهم السلام) مستجاباً، ألَا تتحقّق بذلك الولاية
التكوينيّة، بحيث إنّهم إذا أرادوا شيئاً دعوا الله فيحقِّقه لهم؟
ج: ليس هذا هو المراد بالولاية التكوينيّة، فإنّ ما تقوله من إجابة دعائهم هو أمر
مسلَّم به، أمّا الولاية التكوينيّة، فيراد بها – في بعض محتملاتها – أنّ للأئمة
وظائف في هذا الوجود، كإنزال المطر والرّزق، وتحريك الكواكب ونحو ذلك، وهي أمور نرى
أنّها أقلّ قيمةً من أن يديرها البشر الكاملون من الأنبياء والأوصياء، بعد أن
شرّفهم الله تعالى بدور أسمى من ذلك، وهو توجيه العقول إلى الله تعالى، وقيادة
المجتمعات نحو العدل. وشتّان بين إمامٍ معصومٍ يوظّفه الله تعالى لتحريك الكواكب،
وإمام معصوم يوظّفه الله تعالى للتّعريف به والدّلالة عليه.
ليلة القدر والولاية التكوينيّة
س: ما الدّليل عندنا على أنّ التنزيل في ليلة القدر يكون على المعصوم، وهو الإمام
الحجّة (عج)؟ وهل هذا التّنزيل، تنزيل الأمر أم تنزيل الحقيقة القرآنيّة؛ إذ إنّ في
الأحاديث ما مضمونه أنّه لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن؟ أنا أعلم أنّه في ليلة
القدر يقدّر الله أقدار العباد من الآجال والأرزاق إلى ما شاء الله تعالى، ولكن
أريد أن تتفضّلوا أيضاً بمزيد من البيان حول كيفيّة إمضاء الحجّة (عج) عليها (تقديرات
العباد)؟ ولماذا يجب أن يمضي عليها إذا كان الأمر مقدوراً مِن قِبَل الله تعالى؟
هذه ليست أسئلة مشكّك، إنّما هي أسئلة مَن يرجو الاستزادة من العِلم والمعرفة.
وجزاكم الله خيراً.
ج: إنّنا لا نرى صحةً لما رُوي حول ذلك؛ بل إنّنا لا نرى للمعصوم ولايةً تكوينيةً،
لا في ليلة القدر ولا في غيرها، وإنّ ما يجري في ليلة القدر هو شأنٌ إلهيّ محض، فهو
عزّ وجلّ وحده المتصرِّف والمدبِّر والمهيمن، والإمام الحجّة (عجّل الله فرجه)
ينتظر أمر الله تعالى له بالظّهور ليمارس دوره كإمام قائد، وهو في حال غيبته رهين
هذا القدر الإلهيّ الذي مايزال يقدّر أنّ ثمّة موانع عديدة تمنعه (عجّل الله فرجه)
من قيادة البشر على الأرض مباشرةً وفعلياً، وليس له (عجّل الله فرجه) أيّ دور
تكوينيّ في تقدير أفعال العباد، ولا في إمضاء التقديرات الإلهيَّة.
الولاية التّشريعيّة والتكوينيّة
س: كيف هو التّفويض الإلهيّ لأهل بيت العصمة والطَّهارة في الولاية التشريعيّة
والولاية التكوينيّة؟
ج: نحن لا نرى لهم ولايةً تكوينية، وأمّا ولايتهم التشريعيّة، فهي قيامهم بمهام
الإمامة لحفظ الدّين وقيادة المؤمنين، وفقاً للشريعة المطهّرة كما بلّغها رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلّم) ورسم معالمها القرآن الكريم.
الولاية التكوينية والغلوّ
س: لقد قام السيّد في عدّة بيانات وفتاوى بالتصريح بأنّ القول بالولاية التكوينية
غلوّ وشرك، ولكنّنا نرى العديد من العلماء يقولون بها، كالمرحوم الإمام الخميني
وأكثر العلماء، وخصوصاً أصحاب الحكمة المتعالية، وهي رائجة جداً في حوزة قمّ، كما
أنّ السيد ابن طاووس صاحب الكتب الكثيرة في الأدعية، ربّما يشمّ منه رائحة التصوّف.
فما هو رأي السيّد في ذلك؟
ج: مقصودنا ممّا ذكرناه في بعض أحاديثنا، أنَّ الاعتقاد بالولاية التكوينيّة – في
نظرنا – ينافي التّوحيد الخالص، ولكن لا يلزم أن يكون القائلون بها مشركين أو غلاة؛
لأنَّ ذلك ينطلق منهم عن رأيٍ خاصّ ودليلٍ يرونه.
أمّا بالنِّسبة إلى التصوّف، فلا علاقة له بالمسألة هذه، وهو بعيدٌ عن مذهب أهل
البيت (ع)، لكنّ الأمر يختلط على الباحثين في الفلسفة الحديثة وعلومها، فينظرون إلى
من اشتغل بعلوم الأخلاق والسّير والسّلوك وتهذيب النفس والآداب الشرعيّة على أنّه
متصوّف، وهذا غير صحيح.
ولاية التكوين والوسائل العلميّة
س: في العلوم الحديثة، تبيّن أنّ هناك بعض العلوم والطّرق التي تمكّن صاحبها من
التحكّم بالأشياء عن بعد، كتحريك بعض الأشياء دون لمسها، فإذا كان أحد الأشخاص
العاديين في زماننا لهم القدرة على ذلك، فما الذي يمنع من أن يكون للإمام هذه
القدرة، وهو الذي لديه علم الأوّلين والآخرين؟ وإذا كان كذلك، أليس هذا بمثابة
الولاية التكوينيّة؟
ج: إنّ ما ذكر لا علاقة له بالولاية التكوينيّة، وإنّما يرتبط بحركة البحث العلمي
التي قد تمكّن الإنسان من اكتشاف الكثير من الأسرار والمؤثّرات؛ لأنَّ الكون قائم
على مبدأ الأسباب والمسبّبات. أمّا محلّ الكلام في الولاية التكوينيّة، فهو شمول
الولاية على عالَم التّكوين بالقدرة المعطاة لا بالوسائل العلميّة، وهذا ما لم يثبت
أنّ الله أعطاه لأحد؛ بل هو أمر يخالف القرآن الكريم الذي يؤكّد أنّ الأنبياء لا
يعلمون الغيب ولا يملكون القدرة المطلقة حتى في دفع الضّرر عن أنفسهم، وقد قال
سبحانه: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء الله
وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ
السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:
188]، {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي
وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ
مُّبِينٌ}[الأحقاف: 9].
الولاية التكوينيّة والوظيفية التكوينيّة
س: إذا كان الله هو إله العالمين، ورسولنا بالتحديد هو رحمةٌ للعالمين، فما المانع
من أن يمنح الله رسوله العِلم بأسرار الكون؟
ج: ليس مستحيلاً أن يُوكل الله تعالى شيئاً من أعمال الكون إلى أُناس معيّنين، لكنّ
النقاش في أنّه هل أوكل أو لم يُوكل، ونحن نرى أنّه لم يُوكل.
فأوّلاً: إنّ الله تعالى غنيٌّ عن العالمين، وليس له شريك في التدبير.
وثانياً: إنّه قد أوكل ذلك إلى الملائكة من خلال الوظائف التي كلّفهم بها، ولكن لا
بمعنى الولاية على الكون.
وثالثاً: لقد خصَّص الله للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) دوراً معيّناً هو تبليغ
الرسالة، هذا الدّور هو أسمى بكثير من أن نفترض أنّ للنبيّ أو الوصيّ دوراً في حركة
الرّياح أو إنبات الزّرع أو ما أشبه ذلك من شؤون الكون.
ورابعاً: إن كان للنبيّ محمد وآله هذا الدّور، فمن المناسب أن يكون لكلّ نبيّ ووصيّ
آخر، مع أنّه لا أحد يدّعي ذلك.
وخامساً: إنّ ما ورد من النّصوص حول ذلك، هو إمّا ضعيفٌ سنداً، أو قاصرٌ دلالةً، أو
محمولٌ على معنى بلاغيّ ومجازيّ؛ بل هو مخالفٌ لظاهر القرآن الذي يدلّ على بشريّة
الأنبياء وعدم علمهم بالغيب وعدم قدرتهم على فعل ما يتجاوز قدرة البشر.
تنقدونها وتؤمنون بها!
س: عند تحدّثكم عن الولاية التكوينيّة، نجد أنّكم تنتقدون هذه النظريّة ربّما بشدّة،
ولكنّكم تعتقدون كما يعتقد الآخرون، أنَّ الله منحهم قدرات خاصّة في ظروف معيّنة.
أرجو إيضاح الأمر؟
ج: هذا يختلف عن ذاك؛ فإنّ المراد من الولاية التكوينيّة، هو أنّ الله تعالى جعل
لبعض عباده أمر إدارة الكون والتصرّف في شؤونه، وهذا يختلف عن المعجزات التي هي حدث
طارئ واستثنائيّ يجريه الله تعالى على يد الأنبياء لغرض إثبات نبوّتهم، فهو ليس
حالةً دائمةً كما هو مدّعى القائلين بالولاية التكوينيّة التي ينافيها القرآن
الكريم الذي يجعل تولّي شؤون الكون بيد الله تعالى ومن وكله الله بذلك من الملائكة
{قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}[السّجدة: 11] في
عملية وظيفيّة. وأمّا مهمّة الأنبياء، فهي هداية الناس وقيادتهم. والقرآن الكريم
نفى عنهم القدرة على التصرّف في أمور الكون وعلم الغيب وجلب النفع ودفع الشرّ
واستجابة طلب الآخرين في ذلك ونحوه، إلّا أن يأذن الله.
علماء الشّيعة والولاية التكوينيَّة
س: هل كان هناك علماء من الشيعة في الماضي لا يؤمنون بالولاية التكوينيّة؟ وهل
الشّيخ الصّدوق والشيخ المفيد يؤمنان بالولاية التكوينيّة؟
ج: القول بالولاية التكوينيّة ليس محلّ إجماع واتّفاق عند علمائنا، ونحن لا نقول
بها؛ فإنّ القول بها منافٍ للقرآن الكريم، ولم يعطِ الله لأحد الولاية على الكون؛
بل إنّه تعالى هو الوليّ المهيمن على كلّ شؤونه، والمدبّر لكلّ أوضاعه، والأنبياء
ليس من مهمّاتهم التصرّف في عالَم الكون؛ بل الهداية للبشر، وهذا ما أكّده الله في
كتابه الكريم.
التقليد في الولاية التكوينيّة
س: أنا من مقلّدات السيّد الخوئي، فهل يجوز لي أن أعتقد أنّ الأئمّة (ع) عندهم
ولاية تكوينيّة؟
ج: لا تقليد في هذه الأمور، والاعتقاد لا بدّ من أن يكون عن دليلٍ وقناعة، ولم يثبت
صحّة عقيدة الولاية التكوينيّة، بل هي في رأينا مخالفة للقرآن.
الكرامة والولاية التكوينيّة
س: ما الفرق بين الكرامة للأئمّة (ع) والولاية التكوينيّة؟
ج: الكرامة هي أنّ الله سبحانه وتعالى ربّما يشفّع الأئمة (ع) فيمن يرتضي، أيّ
يرتضي شفاعتهم له. أمّا الولاية التكوينيّة، فهي بمعنى أن يجعلهم قادرين على أن
يتحكّموا بنظام العالَم وسُننه، وهو أمرٌ يدلّ القرآن على خلافه. نعم، إنَّ الله
أعطى الأنبياء معاجز، وأعطى الأولياء الكرامة في بعض ما نراه من الحكمة في إعطائهم
هذه الكرامة.
علم الأئمّة والولاية التّكوينيّة
س: هل يجب على المؤمنين الخوض في بحوث عقائديّة وتفصيليّة، مثل عِلْم الأئمة
والولاية التكوينيّة، وهل تمثّل تحدّيات مهمّة؟
ج: أعتقد أن هذه الأمور إن ثبتت على حسب المنهج الشرعي والفقهي، فعلينا أن نعتقد
بها لأنّها ثابتة، ولكنّها ليست من أصول العقائد، ففي عقيدتنا أنّ الأنبياء هم
أنبياء الله أرسلهم الله إلينا وعلينا أن نطيعهم في ذلك، وأنّ الأئمة هم خلفاء رسول
الله وعلينا أن نطيعهم فيما قالوه وفيما فعلوه، أمّا ما هي كمية علمهم؟ وما هي كمية
قدراتهم؟ فهذا إن ثبت بحجّة شرعيّة، أخذنا به من جهة الحجّة الشرعية، وإنْ لم يثبت
بحجّة شرعية، فلا يجب علينا الاعتقاد به.
ولا يكون عدم الاعتقاد، عند عدم ثبوتها أو عدم البحث فيها، مخلاًّ بالعقيدة في
طبيعتها ممّا يحاسب الإنسان عليه.
*من كتاب "نظرة إسلاميّة حول الولاية التكوينيّة".