كتابات
16/09/2019

شرائط التّكليف

شرائط التّكليف

ذهبت الإماميّة إلى أنَّ شرائط التّكليف ستّة:

الأوّل: وجود المكلَّف، لامتناع تكليف المعدوم، فإنّ الضّرورة قاضية بقبح أمر الجماد، وهو إلى الإنسان أقرب من المعدوم، وقبح أمر الرّجل عبيداً يريد أن يشتريهم، وهو في منزله وحده، ويقول: يا سالم، قم، ويا غانم كل، يعدّه كلّ عاقل سفيهاً، وهو إلى الإنسان الموجود أقرب.

وخالفت الأشاعرة في ذلك، فجوّزوا تكليف المعدوم ومخاطبته، والإخبار عنه، فيقول الله تعالى في الأزل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ }[البقرة: 21]، ولا شخص هناك، ويقول: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا}[نوح: 1] ، ولا نوح هناك، وهذه مكابرة في الضّرورة.

الثاني: كون المكلَّف عاقلاً، فلا يصحّ تكليف الرّضيع، ولا المجنون المطلق.

وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوَّزوا تكليف هؤلاء.

فلينظر العاقل؛ هل يحكّم عقله: بأن يؤاخذ المولود حال ولادته بالصّلاة، وتركها، وترك الصوم، والحج، والزكاة؟ وهل يصحّ مؤاخذة المجنون المطبق على ذلك؟

الثّالث: فهم المكلَّف، فلا يصحّ تكليف من لا يفهم الخطاب قبل فهمه .وخالفت الأشاعرة في ذلك، فلزمهم التّكليف بالمهمل، وإلزام المكلَّف معرفته، ومعرفة المراد منه، مع أنّه لم يوضع لشيء البتّة، ولا يراد منه شيء أصلاً، فهل يجوز للعاقل أن يرضى لنفسه المصير إلى هذه الأقاويل؟

الرابع: إمكان الفعل إلى المكلَّف، فلا يصحّ التكليف بالمحال.

وخالفت الأشاعرة فيه، فجوّزوا تكليف الزمن الطيران إلى السماء، وتكليف العاجز خلق مثل الله تعالى، وضدّه، وشريكه، وولد له، وأن يعاقبه على ذلك، وتكليفه الصعود إلى السطح العالي، بأن يضع رجلاً في الأرض ورجلاً على السطح!

وكفى من ذهب إلى هذا نقصاً في عقله، وقلة في دينه، وجرماً عند الله تعالى، حيث نسبه إلى إيجاد ذلك. بل مذهبهم أنّه تعالى لم يكلف أحداً إلا بما لا يطاق. أوترى ما يكون جواب هذا القائل، إذا وقف بين يدي الله تعالى، وسأله كيف ذهبت إلى هذا القول؟ وكذبت القرآن العزيز، وإنّ فيه: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286]؟

الخامس: أن يكون الفعل ما يستحقّ به الثّواب، وإلا لزم العبث والظّلم على الله تعالى.

وخالفت الأشاعرة فيه، فلم يجعلوا الثّواب مستحقّاً على شيء من الأفعال، بل جوَّزوا التكليف بما يستحقّ عليه العقاب، وأن يرسل رسولاً يكلّف الخلق فعل جميع القبائح، وترك جميع الطّاعات.

فلزمهم من هذا أن يكون المطيع المبالغ في الطاعة من أسفه النّاس، وأجهل الجهلاء، من حيث يتعب بماله وبدنه في فعله دون أن ينال شيئاً، وربما يكون هلاكه فيه، وأن يكون المبالغ في المعصية والفسوق أعقل العقلاء، حيث يتعجّل اللذّة، وربما يكون تركها سبب الهلاك، وفعلها سبب النّجاة، فكان وضع المدارس والرّبط، المساجد من نقص التّدبيرات البشريّة، حيث تخسر الأموال فيما لا نفع فيه، ولا فائدة عاجلة ولا آجلة.

السادس: أن لا يكون حراماً، لامتناع كون الشيء الواحد من الجهة الواحدة مأموراً به، منهيّاً عنه، لاستحالة التكليف بما لا يطاق، وأيضاً يكون مراداً ومكروهاً في وقت واحد، من جهة واحدة. وهذا مستحيل عقلاً.

خالفت الأشاعرة في ذلك، فجوّزوا: أن يكون الشيء الواحد مأموراً به، ومنهياً عنه، لإمكان تكليف ما لا يطاق عندهم.

ومن أعجب العجائب: أنهم حرّموا الصّلاة في الدار المغصوبة، ومع ذلك، لم يوجبوا القضاء، وقالوا: إنها صحيحة، مع أن الصحيح، ما هو المعتبر عند الشّارع، وإنما يطلق على المطلوب شرعاً، والحرام غير معتبر في نظر الشّارع، مطلوب الترك شرعاً، وهل هذا إلا محض التناقض؟

*من كتاب "نهج الحقّ وكشف الصّدق".

ذهبت الإماميّة إلى أنَّ شرائط التّكليف ستّة:

الأوّل: وجود المكلَّف، لامتناع تكليف المعدوم، فإنّ الضّرورة قاضية بقبح أمر الجماد، وهو إلى الإنسان أقرب من المعدوم، وقبح أمر الرّجل عبيداً يريد أن يشتريهم، وهو في منزله وحده، ويقول: يا سالم، قم، ويا غانم كل، يعدّه كلّ عاقل سفيهاً، وهو إلى الإنسان الموجود أقرب.

وخالفت الأشاعرة في ذلك، فجوّزوا تكليف المعدوم ومخاطبته، والإخبار عنه، فيقول الله تعالى في الأزل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ }[البقرة: 21]، ولا شخص هناك، ويقول: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا}[نوح: 1] ، ولا نوح هناك، وهذه مكابرة في الضّرورة.

الثاني: كون المكلَّف عاقلاً، فلا يصحّ تكليف الرّضيع، ولا المجنون المطلق.

وخالفت الأشاعرة في ذلك، وجوَّزوا تكليف هؤلاء.

فلينظر العاقل؛ هل يحكّم عقله: بأن يؤاخذ المولود حال ولادته بالصّلاة، وتركها، وترك الصوم، والحج، والزكاة؟ وهل يصحّ مؤاخذة المجنون المطبق على ذلك؟

الثّالث: فهم المكلَّف، فلا يصحّ تكليف من لا يفهم الخطاب قبل فهمه .وخالفت الأشاعرة في ذلك، فلزمهم التّكليف بالمهمل، وإلزام المكلَّف معرفته، ومعرفة المراد منه، مع أنّه لم يوضع لشيء البتّة، ولا يراد منه شيء أصلاً، فهل يجوز للعاقل أن يرضى لنفسه المصير إلى هذه الأقاويل؟

الرابع: إمكان الفعل إلى المكلَّف، فلا يصحّ التكليف بالمحال.

وخالفت الأشاعرة فيه، فجوّزوا تكليف الزمن الطيران إلى السماء، وتكليف العاجز خلق مثل الله تعالى، وضدّه، وشريكه، وولد له، وأن يعاقبه على ذلك، وتكليفه الصعود إلى السطح العالي، بأن يضع رجلاً في الأرض ورجلاً على السطح!

وكفى من ذهب إلى هذا نقصاً في عقله، وقلة في دينه، وجرماً عند الله تعالى، حيث نسبه إلى إيجاد ذلك. بل مذهبهم أنّه تعالى لم يكلف أحداً إلا بما لا يطاق. أوترى ما يكون جواب هذا القائل، إذا وقف بين يدي الله تعالى، وسأله كيف ذهبت إلى هذا القول؟ وكذبت القرآن العزيز، وإنّ فيه: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: 286]؟

الخامس: أن يكون الفعل ما يستحقّ به الثّواب، وإلا لزم العبث والظّلم على الله تعالى.

وخالفت الأشاعرة فيه، فلم يجعلوا الثّواب مستحقّاً على شيء من الأفعال، بل جوَّزوا التكليف بما يستحقّ عليه العقاب، وأن يرسل رسولاً يكلّف الخلق فعل جميع القبائح، وترك جميع الطّاعات.

فلزمهم من هذا أن يكون المطيع المبالغ في الطاعة من أسفه النّاس، وأجهل الجهلاء، من حيث يتعب بماله وبدنه في فعله دون أن ينال شيئاً، وربما يكون هلاكه فيه، وأن يكون المبالغ في المعصية والفسوق أعقل العقلاء، حيث يتعجّل اللذّة، وربما يكون تركها سبب الهلاك، وفعلها سبب النّجاة، فكان وضع المدارس والرّبط، المساجد من نقص التّدبيرات البشريّة، حيث تخسر الأموال فيما لا نفع فيه، ولا فائدة عاجلة ولا آجلة.

السادس: أن لا يكون حراماً، لامتناع كون الشيء الواحد من الجهة الواحدة مأموراً به، منهيّاً عنه، لاستحالة التكليف بما لا يطاق، وأيضاً يكون مراداً ومكروهاً في وقت واحد، من جهة واحدة. وهذا مستحيل عقلاً.

خالفت الأشاعرة في ذلك، فجوّزوا: أن يكون الشيء الواحد مأموراً به، ومنهياً عنه، لإمكان تكليف ما لا يطاق عندهم.

ومن أعجب العجائب: أنهم حرّموا الصّلاة في الدار المغصوبة، ومع ذلك، لم يوجبوا القضاء، وقالوا: إنها صحيحة، مع أن الصحيح، ما هو المعتبر عند الشّارع، وإنما يطلق على المطلوب شرعاً، والحرام غير معتبر في نظر الشّارع، مطلوب الترك شرعاً، وهل هذا إلا محض التناقض؟

*من كتاب "نهج الحقّ وكشف الصّدق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية