لماذا العبادة؟ هل يعبد الناس ربهم من خلال ما تفرضه العبودية من خضوع وإذلال
وما إلى ذلك، مما يعبّر فيه الإنسان المؤمن عن هذا الذّوبان في الله تعالى، بحيث
يفقد ذاته أمامه؟ وهل العبادة شيء متّصل بالله فيما يعبّر به الإنسان عن طبيعة
علاقته بالله، أو أنّ في العبادة معنى في حركة الإنسان في الحياة، بحيث تتداخل
علاقة الإنسان بربّه بالإيجابيات التي تؤصّل في داخله معنى إنسانيّته وتحرّك علاقته
بغيره وبالحياة؟
قال الله سبحانه وتعالى: {وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدون}، وكانت كل دعوات
الأنبياء تتجه بهذا الاتجاه {اعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً}، ونحن نقرأ في تراثنا
أنّ الله "لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"، فمن الطبيعي أن يعبّر
الإنسان عن عبوديته لربّه بكلّ مظاهر العبودية، ولكنّنا نفهم من أكثر من آية ومن
أكثر من امتداد لمعنى العبادة في نداءات الأنبياء (ع)، أن العبادة تتحرّك من أجل
الإنسان، ومن أجل أن تطلق كلّ عناصر الخير في نفسه، ومن حيث إنها تؤكّد له الثقة
بنفسه، وتثبّت له أقدامه في كلّ ساحات الصّراع.
فكيف نفهم ذلك؟ إنّنا نفهم ذلك من خلال أنّ قيمة كلّ حركة في خطّ التوازن هي
الإحساس بوجود قوة ترعى كلّ الحياة، بحيث تمثل الحياة وحدة في داخل وحدتها، وتنفتح
عليها لتوحي لها دائماً بأنها لا تعيش الضياع، ففي الدين كلّه، وفي الإسلام بشكل
خاصّ، لا معنى لما أثاره الغرب من كلمات الضّياع وكلمات العبث وما إلى ذلك، لأنّ
الضّياع إنما يكون عندما تشعر وأنت تعيش مع الأموات، أنّه ليست لك أية بوصلة يمكن
أن تحدّد لك الطريق والغاية، فهؤلاء الملحدون أو المشكّكون هم الذين يعيشون معنى
الضّياع في الحياة، وهؤلاء هم الّذين يعيشون معنى اللاجدية في الحياة، وهم الذين
يعيشون الحياة ولا يعرفون من أين جاؤوا وإلى أين يذهبون، على طريقة "إيليا أبو ماضي"
عندما يقول في لا أدريّته:
جئت لا أعلــم مـن أيـن ولكنّـي أتيـت
ولقد أبصرتُ قدّامي طريقاً فمشيـت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرتُ طريقي؟
لست أدري!!
هؤلاء هم الذين يعيشون الضياع..
أما عندما يعيش الإنسان مع الله ربّ العالمين الرّحمن الرّحيم الحكيم الخبير الذي
لا حدّ لعلمه، والذي يحيط بالإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن أيمانه وعن شمائله،
ويرعاه ويملك حياته وموته، عندما يعيش الإنسان في ظلِّ هذه العقيدة، فإنّه يشعر
بأنّه بدأ من موقع حكمة في بداية قد يعرف بعض أسرارها، ولكنه يختزن في داخله ما لا
يعرف على أساس أنّه يمثل الحكمة، وهكذا يعرف أنّ له طريقاً يتحرّك في نطاق
مسؤوليّته من خلال الربّ الذي حدّد له ذلك، وعندما يفكّر في المستقبل، فإنه يعرف أنَّ
هناك نهاية لها معالم ولها ملامح ولها واقع لا بدَّ أن يبلغه بطريقة أو بأخرى.
لذلك ـ أيّها الأحبّة ـ فإنّ مسألة العبادة كلّها، هي أن يتصل الإنسان بربّه لا
اتصالاً روحيّاً يحلّق فيه مع أفكاره ومع أحلامه ومع آلامه، دون أن يتجذَّر هذا
الاتصال الروحي في حياة الإنسان المسلم، ولكن أن يتصل بربّه من خلال حركة عبادته،
وأن تتوزّع عناصر هذه الحركة على كلّ مواقعه وخطواته وتطلعاته.
*من كتاب "النّدوة"،ج 4".
لماذا العبادة؟ هل يعبد الناس ربهم من خلال ما تفرضه العبودية من خضوع وإذلال
وما إلى ذلك، مما يعبّر فيه الإنسان المؤمن عن هذا الذّوبان في الله تعالى، بحيث
يفقد ذاته أمامه؟ وهل العبادة شيء متّصل بالله فيما يعبّر به الإنسان عن طبيعة
علاقته بالله، أو أنّ في العبادة معنى في حركة الإنسان في الحياة، بحيث تتداخل
علاقة الإنسان بربّه بالإيجابيات التي تؤصّل في داخله معنى إنسانيّته وتحرّك علاقته
بغيره وبالحياة؟
قال الله سبحانه وتعالى: {وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدون}، وكانت كل دعوات
الأنبياء تتجه بهذا الاتجاه {اعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً}، ونحن نقرأ في تراثنا
أنّ الله "لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"، فمن الطبيعي أن يعبّر
الإنسان عن عبوديته لربّه بكلّ مظاهر العبودية، ولكنّنا نفهم من أكثر من آية ومن
أكثر من امتداد لمعنى العبادة في نداءات الأنبياء (ع)، أن العبادة تتحرّك من أجل
الإنسان، ومن أجل أن تطلق كلّ عناصر الخير في نفسه، ومن حيث إنها تؤكّد له الثقة
بنفسه، وتثبّت له أقدامه في كلّ ساحات الصّراع.
فكيف نفهم ذلك؟ إنّنا نفهم ذلك من خلال أنّ قيمة كلّ حركة في خطّ التوازن هي
الإحساس بوجود قوة ترعى كلّ الحياة، بحيث تمثل الحياة وحدة في داخل وحدتها، وتنفتح
عليها لتوحي لها دائماً بأنها لا تعيش الضياع، ففي الدين كلّه، وفي الإسلام بشكل
خاصّ، لا معنى لما أثاره الغرب من كلمات الضّياع وكلمات العبث وما إلى ذلك، لأنّ
الضّياع إنما يكون عندما تشعر وأنت تعيش مع الأموات، أنّه ليست لك أية بوصلة يمكن
أن تحدّد لك الطريق والغاية، فهؤلاء الملحدون أو المشكّكون هم الذين يعيشون معنى
الضّياع في الحياة، وهؤلاء هم الّذين يعيشون معنى اللاجدية في الحياة، وهم الذين
يعيشون الحياة ولا يعرفون من أين جاؤوا وإلى أين يذهبون، على طريقة "إيليا أبو ماضي"
عندما يقول في لا أدريّته:
جئت لا أعلــم مـن أيـن ولكنّـي أتيـت
ولقد أبصرتُ قدّامي طريقاً فمشيـت
وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرتُ طريقي؟
لست أدري!!
هؤلاء هم الذين يعيشون الضياع..
أما عندما يعيش الإنسان مع الله ربّ العالمين الرّحمن الرّحيم الحكيم الخبير الذي
لا حدّ لعلمه، والذي يحيط بالإنسان من بين يديه ومن خلفه وعن أيمانه وعن شمائله،
ويرعاه ويملك حياته وموته، عندما يعيش الإنسان في ظلِّ هذه العقيدة، فإنّه يشعر
بأنّه بدأ من موقع حكمة في بداية قد يعرف بعض أسرارها، ولكنه يختزن في داخله ما لا
يعرف على أساس أنّه يمثل الحكمة، وهكذا يعرف أنّ له طريقاً يتحرّك في نطاق
مسؤوليّته من خلال الربّ الذي حدّد له ذلك، وعندما يفكّر في المستقبل، فإنه يعرف أنَّ
هناك نهاية لها معالم ولها ملامح ولها واقع لا بدَّ أن يبلغه بطريقة أو بأخرى.
لذلك ـ أيّها الأحبّة ـ فإنّ مسألة العبادة كلّها، هي أن يتصل الإنسان بربّه لا
اتصالاً روحيّاً يحلّق فيه مع أفكاره ومع أحلامه ومع آلامه، دون أن يتجذَّر هذا
الاتصال الروحي في حياة الإنسان المسلم، ولكن أن يتصل بربّه من خلال حركة عبادته،
وأن تتوزّع عناصر هذه الحركة على كلّ مواقعه وخطواته وتطلعاته.
*من كتاب "النّدوة"،ج 4".