لعلَّ مشكلة لبنان أنه لم يؤسَّس ليكون وطناً لبنيه، بحيث يشعر كل شخص فيه أنّ
حقوقه وواجباته تنطلق من موقع مواطنيته لا من موقع طائفيته، ولذلك، فإنّ النظام
الطائفي في لبنان استطاع أن يخرّب هذا الصفاء الذي كان من الممكن أن يعيش في عقل
اللبناني المثقَّف، الذي يمكن له أن يستشرف الآفاق الرّحبة الواسعة في انفتاح العصر
على كلّ قضايا الإنسان وكلّ تطلّعاته وكلّ حركيته وكلّ مواقع الصراع فيه، لأن
النظام الطائفي عمّق الطائفية في ذهنية اللبناني، بحيث إنها اختلقت له شخصيّة مغلقة
تفصله عن الإنسان الآخر، على أساس التّمايز الذي لم ينطلق من حالة عقليّة أو
ثقافيّة، وإنما انطلق من حالة غرائزيّة على الطريقة العشائرية القبلية.
فالطائفية في لبنان ليست ديناً حتى ينفتح الإنسان عليها من خلال انفتاحه على القيم
الروحية التي يأمر بها الدين، والتي يمكن أن يلتقي فيها مع الإنسان الآخر، ويمكن أن
ينفتح فيها على الإنسان كلّه، باعتبار أن الأديان وإن اختلفت في بعض خططها على
المستوى اللاهوتي، إلاّ أنّها تلتقي في الخط الإنساني. لذلك، فإن مشكلة الطائفية
أنها عشائرية وقبلية، ولكن بدون أن تعيش قيم البداوة.
أنا كنت أقول إن المشكلة عندنا في لبنان أو في الشرق، أننا نعيش البداوة الفكرية من
دون قيم البداوة التي كان يتميّز بها البدو في أوضاعهم الاجتماعية...
وعلى ضوء هذا، لم يستطع اللبنانيون أن ينطلقوا إلى مرحلة الدولة، بل بقيت مشكلة
النظام الطائفي تدفع الذين يسيطرون على الواقع اللبناني، إلى التحرك من خلال
نوازعهم الذاتية الشخصية، تحت العناوين الطائفية التي يحاولون أن يسخِّروها لحساب
طموحاتهم السياسية الشخصية في هذا المجال. ومن خلال ذلك، استطاعت هذه الثغرات
الموجودة في داخل كل طائفة، أن تفسح في المجال لكل المواقع الإقليمية والدولية
للنفاذ إلى الداخل اللبناني، لتتحوّل الساحة اللبنانية إلى ساحة تتصارع فيها
المصالح الإقليميّة والمصالح الدوليّة في الاستفادة من الموقع اللّبناني، بحيث أصبح
لبنان مجرَّد ساحة تتنفس فيها الصراعات الخارجية، وأصبح اللبنانيون يمثّلون هذا
الخطّ السياسي الخارجي أو ذاك الخطّ السياسي الخارجي. لهذا لم يستطع اللبنانيون أن
يحوّلوا لبنان إلى دولة...
وهكذا رأينا كيف أنّ بعض التعقيدات الموجودة في المنطقة، وخصوصاً ما يتصل بالمسألة
الطائفية أو المذهبية، سرعان ما تدخل إلى النسيج اللّبناني عندما تكون مصلحة هذه
الدولة العربية أو تلك الدولة العربية، أو هذه الدولة الأجنبية أو تلك الدولة
الأجنبية، في إثارة المسألة الطائفية أو المسألة المذهبية.
ولهذا، فإننا عندما ندرس الواقع في لبنان، نرى فيه شكل الدّولة لا واقع الدّولة.
ولذلك، فإنّ الدولة لم تستطع أن تخطط للمستقبل اللبناني الذي يتناسب مع الطاقات
اللبنانية المبدعة التي يتميز بها شبابه، ما جعل الشباب اللبناني يهاجر إلى الخارج،
لأنه لم يجد في لبنان الدولة التي يمكن أن تحتضن طاقاته وتتحرك به في خط النمو وخط
الإبداع، بل وجد ذلك في الدول التي تعمل على أن تشتري الأدمغة وتستفيد من الطاقات
اللبنانيّة المنتشرة في الخارج.
*من سياق حوارات اجتماعيّة العام 2007، مع مجموعة من الباحثين.
لعلَّ مشكلة لبنان أنه لم يؤسَّس ليكون وطناً لبنيه، بحيث يشعر كل شخص فيه أنّ
حقوقه وواجباته تنطلق من موقع مواطنيته لا من موقع طائفيته، ولذلك، فإنّ النظام
الطائفي في لبنان استطاع أن يخرّب هذا الصفاء الذي كان من الممكن أن يعيش في عقل
اللبناني المثقَّف، الذي يمكن له أن يستشرف الآفاق الرّحبة الواسعة في انفتاح العصر
على كلّ قضايا الإنسان وكلّ تطلّعاته وكلّ حركيته وكلّ مواقع الصراع فيه، لأن
النظام الطائفي عمّق الطائفية في ذهنية اللبناني، بحيث إنها اختلقت له شخصيّة مغلقة
تفصله عن الإنسان الآخر، على أساس التّمايز الذي لم ينطلق من حالة عقليّة أو
ثقافيّة، وإنما انطلق من حالة غرائزيّة على الطريقة العشائرية القبلية.
فالطائفية في لبنان ليست ديناً حتى ينفتح الإنسان عليها من خلال انفتاحه على القيم
الروحية التي يأمر بها الدين، والتي يمكن أن يلتقي فيها مع الإنسان الآخر، ويمكن أن
ينفتح فيها على الإنسان كلّه، باعتبار أن الأديان وإن اختلفت في بعض خططها على
المستوى اللاهوتي، إلاّ أنّها تلتقي في الخط الإنساني. لذلك، فإن مشكلة الطائفية
أنها عشائرية وقبلية، ولكن بدون أن تعيش قيم البداوة.
أنا كنت أقول إن المشكلة عندنا في لبنان أو في الشرق، أننا نعيش البداوة الفكرية من
دون قيم البداوة التي كان يتميّز بها البدو في أوضاعهم الاجتماعية...
وعلى ضوء هذا، لم يستطع اللبنانيون أن ينطلقوا إلى مرحلة الدولة، بل بقيت مشكلة
النظام الطائفي تدفع الذين يسيطرون على الواقع اللبناني، إلى التحرك من خلال
نوازعهم الذاتية الشخصية، تحت العناوين الطائفية التي يحاولون أن يسخِّروها لحساب
طموحاتهم السياسية الشخصية في هذا المجال. ومن خلال ذلك، استطاعت هذه الثغرات
الموجودة في داخل كل طائفة، أن تفسح في المجال لكل المواقع الإقليمية والدولية
للنفاذ إلى الداخل اللبناني، لتتحوّل الساحة اللبنانية إلى ساحة تتصارع فيها
المصالح الإقليميّة والمصالح الدوليّة في الاستفادة من الموقع اللّبناني، بحيث أصبح
لبنان مجرَّد ساحة تتنفس فيها الصراعات الخارجية، وأصبح اللبنانيون يمثّلون هذا
الخطّ السياسي الخارجي أو ذاك الخطّ السياسي الخارجي. لهذا لم يستطع اللبنانيون أن
يحوّلوا لبنان إلى دولة...
وهكذا رأينا كيف أنّ بعض التعقيدات الموجودة في المنطقة، وخصوصاً ما يتصل بالمسألة
الطائفية أو المذهبية، سرعان ما تدخل إلى النسيج اللّبناني عندما تكون مصلحة هذه
الدولة العربية أو تلك الدولة العربية، أو هذه الدولة الأجنبية أو تلك الدولة
الأجنبية، في إثارة المسألة الطائفية أو المسألة المذهبية.
ولهذا، فإننا عندما ندرس الواقع في لبنان، نرى فيه شكل الدّولة لا واقع الدّولة.
ولذلك، فإنّ الدولة لم تستطع أن تخطط للمستقبل اللبناني الذي يتناسب مع الطاقات
اللبنانية المبدعة التي يتميز بها شبابه، ما جعل الشباب اللبناني يهاجر إلى الخارج،
لأنه لم يجد في لبنان الدولة التي يمكن أن تحتضن طاقاته وتتحرك به في خط النمو وخط
الإبداع، بل وجد ذلك في الدول التي تعمل على أن تشتري الأدمغة وتستفيد من الطاقات
اللبنانيّة المنتشرة في الخارج.
*من سياق حوارات اجتماعيّة العام 2007، مع مجموعة من الباحثين.