كتابات
30/03/2020

مسؤوليّة الإنسان في الإسلام

مسؤوليّة الإنسان في الإسلام

من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يعيشها في قلبه وعقله وحياته، قضيّة أنه ليس حراً بالمعنى الذي لا تحكمه المسؤوليّة، بحيث ينفتح في الحياة على هواه ومزاجه الذي يأخذه يميناً وشمالاً دون ضوابط.

فالله تعالى لم يُرد للإنسان أن يكون خاضعاً لهواه، وهو الذي تمثّله حركة غرائزه التي تعيش وتتحرّك داخل تكوين جسده، بل لا بُدَّ للإنسان من أن يرتكز في حياته الإنسانيّة على قاعدة تتفرَّع منها كلّ شؤون حياته، بحيث يدرس كلّ عملٍ يعمله وكلمةٍ يتفوَّه بها، وعلاقة ينشئها، وموقفٍ يقفه ويتَّخذه من خلال تلك القاعدة.

الإنسانيّة تعني المسؤوليّة

ولذلك، فإنّ معنى أن تكون إنساناً تملك عقلك وقلبك وإرادتك وتتحرك في حياتك، هو أن تكون مسؤولاً، حيث تشعر بأنّك مسؤول عن كلّ شيءٍ تتحرّك فيه إرادتك، لتحدِّد هذا العمل بحسب الحدود التي وضعتها المسؤوليّة عليك.

ولقد حدّثنا الله تعالى أنَّ كُلَّ الناس سيقفون في اليوم الموعود أمامه، حين يستمعون إلى النّداء، ويبعثون على أساسه: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}(الصافات: 24). فالله تعالى أكّد لكُلِّ الناس أنهم مسؤولون أمامه عن حساب كُلِّ أعمالهم؛ أكّد المسؤوليّة الفردية، فلا يتحمّل إنسانٌ مسؤوليّة إنسانٍ آخر، فلكلّ إنسانٍ وفردٍ مسؤوليّته وعمله، وهو ما بينه القرآن الكريم وحدّده: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(النّجم: 39). و{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(النجم: 38). فأنت كإنسانٍ تكسب ما تقوم به في مسؤوليّاتك بشكلٍ إيجابي، أو بشكلٍ سلبي يكون عملك فيه سيّئاً في ميزان الله تعالى.

العمل والنسب

إن كسب الإنسان هو نتيجة سعيه، فأنت كفردٍ لا تحصل من سعيك وعملك وجدِّك وعطائك وجهادك وتضحياتك على سعيٍ لأبيك أو لأخيك أو لأمِّك، حتّى لو كانوا أعاظِمَ الناس وأفضلهم، لأنه لن ينالك في حساب العمل أيّ حصّةٍ منهم، ولن ينالهم في حساب العمل عند الله أيّ حصّة من عملك.

إنّ الانتساب إلى رسول الله (ص) في هذا الموضع انطلاقاً من هذه الفكرة، لا يُحقِّق للناس المنتسبين إليه أيّ قيمةٍ روحيةٍ أو أخلاقية أو عملية {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}(المؤمنون: 101).

وقد روي أن حذيفة قال: جئت إلى النبيّ (ص) والعباس عن يمينه، وفاطمة عن يساره، فقال: "يا فاطمة بنت رسول الله، اعملي لله خيراً، فإني لا أغني عنك من الله شيئاً يوم القيامة (أعادها ثلاث مرّات). يا عبّاس بن عبد المطّلب، يا عمَّ رسول الله (ص)، اعمل لله خيراً، فإنِّي لا أغني عنك يوم القيامة من اللهِ شيئاً (ثلاثاً). يا صفيّة بنت عبد المطّلب، اعملي لما عند الله، فإني لا أغني عنكِ من الله شيئاً"...

وينقل عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) أنه شوهِدَ يبكي من خشية الله بكاءً شديداً، فبعد فراغه من بكائه قيل له: أتبكي وجدّك رسول الله، وأبوك الحسين وعليّ، وأمّك وجدّتك فاطمة؟ فمن يملك هذا النسب لا يخافُ من الآخرة، فأجاب الإمامُ كما ورد في الرواية: "دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النار لمن عصاه، ولو كان سيّداً قرشياً".

وممّا ورد في الخطبة الأخيرة للنبيّ (ص) أنّه قال: "أيّها الناس، لا يدَّعي مُدَّعٍ، ولا يتمنّى متمنٍّ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا ينجي إلا عملُ مع رحمة الله، ولو عصيت لهويت". ولقد علَّمنا الله تعالى من خلال ما علّمهُ للرّسول الله (ص) في خطابه للنّاس الذين كانوا يريدون له أن ينحرف إرضاءً لهم: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الأنعام: 15).

هذا هو رسول الله (ص)، هذا النبيّ (ص) الذي إنّما ارتفع عند الله تعالى بطاعته لله، وليس بنسبه...

*المصدر: كتاب "في رحاب رسالة الحقوق".

من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يعيشها في قلبه وعقله وحياته، قضيّة أنه ليس حراً بالمعنى الذي لا تحكمه المسؤوليّة، بحيث ينفتح في الحياة على هواه ومزاجه الذي يأخذه يميناً وشمالاً دون ضوابط.

فالله تعالى لم يُرد للإنسان أن يكون خاضعاً لهواه، وهو الذي تمثّله حركة غرائزه التي تعيش وتتحرّك داخل تكوين جسده، بل لا بُدَّ للإنسان من أن يرتكز في حياته الإنسانيّة على قاعدة تتفرَّع منها كلّ شؤون حياته، بحيث يدرس كلّ عملٍ يعمله وكلمةٍ يتفوَّه بها، وعلاقة ينشئها، وموقفٍ يقفه ويتَّخذه من خلال تلك القاعدة.

الإنسانيّة تعني المسؤوليّة

ولذلك، فإنّ معنى أن تكون إنساناً تملك عقلك وقلبك وإرادتك وتتحرك في حياتك، هو أن تكون مسؤولاً، حيث تشعر بأنّك مسؤول عن كلّ شيءٍ تتحرّك فيه إرادتك، لتحدِّد هذا العمل بحسب الحدود التي وضعتها المسؤوليّة عليك.

ولقد حدّثنا الله تعالى أنَّ كُلَّ الناس سيقفون في اليوم الموعود أمامه، حين يستمعون إلى النّداء، ويبعثون على أساسه: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}(الصافات: 24). فالله تعالى أكّد لكُلِّ الناس أنهم مسؤولون أمامه عن حساب كُلِّ أعمالهم؛ أكّد المسؤوليّة الفردية، فلا يتحمّل إنسانٌ مسؤوليّة إنسانٍ آخر، فلكلّ إنسانٍ وفردٍ مسؤوليّته وعمله، وهو ما بينه القرآن الكريم وحدّده: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}(النّجم: 39). و{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(النجم: 38). فأنت كإنسانٍ تكسب ما تقوم به في مسؤوليّاتك بشكلٍ إيجابي، أو بشكلٍ سلبي يكون عملك فيه سيّئاً في ميزان الله تعالى.

العمل والنسب

إن كسب الإنسان هو نتيجة سعيه، فأنت كفردٍ لا تحصل من سعيك وعملك وجدِّك وعطائك وجهادك وتضحياتك على سعيٍ لأبيك أو لأخيك أو لأمِّك، حتّى لو كانوا أعاظِمَ الناس وأفضلهم، لأنه لن ينالك في حساب العمل أيّ حصّةٍ منهم، ولن ينالهم في حساب العمل عند الله أيّ حصّة من عملك.

إنّ الانتساب إلى رسول الله (ص) في هذا الموضع انطلاقاً من هذه الفكرة، لا يُحقِّق للناس المنتسبين إليه أيّ قيمةٍ روحيةٍ أو أخلاقية أو عملية {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}(المؤمنون: 101).

وقد روي أن حذيفة قال: جئت إلى النبيّ (ص) والعباس عن يمينه، وفاطمة عن يساره، فقال: "يا فاطمة بنت رسول الله، اعملي لله خيراً، فإني لا أغني عنك من الله شيئاً يوم القيامة (أعادها ثلاث مرّات). يا عبّاس بن عبد المطّلب، يا عمَّ رسول الله (ص)، اعمل لله خيراً، فإنِّي لا أغني عنك يوم القيامة من اللهِ شيئاً (ثلاثاً). يا صفيّة بنت عبد المطّلب، اعملي لما عند الله، فإني لا أغني عنكِ من الله شيئاً"...

وينقل عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) أنه شوهِدَ يبكي من خشية الله بكاءً شديداً، فبعد فراغه من بكائه قيل له: أتبكي وجدّك رسول الله، وأبوك الحسين وعليّ، وأمّك وجدّتك فاطمة؟ فمن يملك هذا النسب لا يخافُ من الآخرة، فأجاب الإمامُ كما ورد في الرواية: "دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النار لمن عصاه، ولو كان سيّداً قرشياً".

وممّا ورد في الخطبة الأخيرة للنبيّ (ص) أنّه قال: "أيّها الناس، لا يدَّعي مُدَّعٍ، ولا يتمنّى متمنٍّ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا ينجي إلا عملُ مع رحمة الله، ولو عصيت لهويت". ولقد علَّمنا الله تعالى من خلال ما علّمهُ للرّسول الله (ص) في خطابه للنّاس الذين كانوا يريدون له أن ينحرف إرضاءً لهم: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(الأنعام: 15).

هذا هو رسول الله (ص)، هذا النبيّ (ص) الذي إنّما ارتفع عند الله تعالى بطاعته لله، وليس بنسبه...

*المصدر: كتاب "في رحاب رسالة الحقوق".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية