كتابات
16/08/2020

ضوابط العلاقة مع الآخر

ضوابط العلاقة مع الآخر

{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: 28].

في هذه الآية، دعوة الجماعة الإسلاميّة إلى الارتباط العضويّ بين أفرادها من موقع الإيمان الواحد، ولتأكيد الفواصل التي تفصلهم عن الكافرين، في ميزان العلاقات الحميمة التي تعبّر عن الإخلاص والولاية، لأنّ العقيدة لا تُعتبر رباطاً فكريّاً يجمع أتباعها، بل تمثّل ـ إلى جانب ذلك ـ رباطاً روحيّاً شعوريّاً يجمع القلوب على المحبّة، ويوجّهها إلى الاندماج العاطفي في علاقة روحيّة حميمة، ولا بدّ لها ـ في هذا الجوّ ـ من أن تتحوّل إلى حاجزٍ يفصل الفكر والشّعور عن الآخرين الذين يعيشون الفكر والشّعور المضادّ، لأنّ اللامبالاة ـ في هذا المجال ـ توحي بأنّ الإنسان لا يعيش الاهتمامات الإيمانيّة بالمستوى المطلوب، ولا يجد للمواقف المضادّة لفكره الإيماني، في كلّ ما يمثّله الفكر من رموز الإيمان وقضاياه وتطلّعاته، أيّ أثر سلبي في داخله.

إنّ الآية ـ في ما نفهم ـ تريد أن تقرّر للمؤمنين قضيّة ترتبط بحقيقة الإيمان، وهي أن الإيمان لا بدّ من أن يتحوّل إلى موقعٍ يحكم الفكر والعاطفة والسّلوك، لئلا يبقى مجرّد فكرةٍ تعيش في زحام الأفكار الراقدة في ذهن الإنسان، من دون أن تمثّل أيّ حضور وجداني في حياته الشعوريّة والعاطفيّة.

وفي ضوء ذلك، نتعلَّم أنَّ الفكرة التي تتحوَّل إلى إيمان، تعني انطلاق الشخصيَّة الإنسانيَّة في خطِّ الفكر في إيجابيَّاته وسلبيَّاته، في مواقع اللّقاء، وفي مواقع الافتراق، بحيث تتحرَّك النّظرة إلى الأحداث والأشخاص والعلاقات، تبعاً لحركة الفكرة في مسارها الواقعي، فلا معنى ـ في هذا الجوّ ـ للشّعور العميق الشخصي بالمودّة والموالاة للأشخاص الذين يمثّل فكرهم وشعورهم وسلوكهم التحدّي المضادّ للفكرة، أو للحالة النفسيّة المعقّدة سلبيّاً إزاء الأشخاص الذين يعيشون في حياتهم الفكريّة والعاطفيّة والعمليّة، الخطّ المستقيم مع الفكرة.

إنّ المدلول الطبيعي لهذا السلوك، هو اعتبار الصفات الذاتية التي يملكها هذا الشخص في الجانب الإيجابي أو السلبي، هي الأساس للتقييم والتفضيل والاندماج، بعيداً من الجوانب الإيمانية التي لا تمثّل إلّا شيئاً شخصياً يعيش في زاويةٍ ساذجةٍ من زوايا الشخصيّة، بحيث لا تترك أيّ تأثير في طبيعتها ونوعيّتها!

وهذا ما يحاوله الكثيرون في هذا العصر، ممن يعملون على عزل العلاقات الإنسانيّة عن الجوانب العقيديّة للإنسان، فيقرّرون المبدأ الذي يقول: إنّ اختلاف الأفكار والمبادئ لا يمنع من إقامة أيّ علاقة طبيعيّة حميمة يسودها الودّ والإخلاص. وقد عبّر أحد الشعراء عن هذا الاتجاه بقوله: "اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيّة".

ولكنّنا نحاول ـ في التعليق على هذا الرأي ـ التفريق بين الخلافات الفكريّة التي لا تترجم خلافاً في المواقف العمليّة، بل تعبّر عن بعض القضايا العامّة والخاصّة التي تمثّل نظرةً معيّنة في تفسير أو تحليل حقيقةٍ فلسفيةٍ أو اجتماعية أو سياسيةٍ أو نفسيةٍ، وبين الخلافات الفكريّة التي تتصل بالجانب الروحي والفكري والعملي للإنسان، حيث تتمثّل في الصّراع المتحرّك في جميع الاتجاهات، بحيث يترك تأثيره على الفكر والشعور والممارسة، وفي التفاعل الشعوري بين الذات والفكرة، بحيث تتحوّل الفكرة إلى جزء حيّ من الذّات يحمل معنى القداسة، في ما توحي به من رموزٍ مقدّسةٍ تحمل معنى الرّفض الحاسم للرموز الأخرى، بحيث لا يمكن لها أن تلتقي في الموقع الواحد بالإخلاص لكلّ الرموز، أو بالإخلاص لرمز معيّن مع التساهل في طبيعة الموقف من الرمز الآخر...

وذلك كما هي الحالة في قضيّة الإيمان والكفر، أو التّوحيد والشّرك، فإنّ الإيمان يمثّل الارتباط بالله في حضورٍ فكريّ وروحيّ خاشعٍ عميق، بينما يمثّل الكفر النّفي الحازم للفكرة، في استهانةٍ بكلّ ما تمثّله من معانٍ وقيم، كما أنّ التوحيد يعني فكرة الإله الواحد الذي لا شريك له، ولا بدّ من أن تكون العبادة له وحده، كنتيجة طبيعيّة لكون الإيمان به وحده. أمّا الشّرك، فهو الذي يمثّل الإخلاص لفكرة الصنميّة في العقيدة، أو في العبادة...

وهكذا في الأفكار الأخرى المشابهة في الحقول الأخرى، كفكرة العدل والظلم، أو الحريّة والعبودية، أو الاستقلال والاستعمار، فإنَّ مثل هذه الخلافات تفرض التزاماً يحمل معنى التحدّي للفكر أو للواقع الذي يمثّله، والتحرّك الصّارخ في هذا الاتجاه، ما يقتضي أن يعيش أصحابها مستوًى كبيراً من التوتر الروحي للفكرة، ليتحقّق لهم الارتفاع على الضغوط الكبيرة التي يواجهونها.

وفي مثل هذه الحال، لا يمكن أن تبقى العلاقات الحميمة بين الفرقاء المختلفين، مع إخلاص كلّ منهم لموقعه ومواقفه والتزاماته. أمّا الخلافات الفكريّة المجرّدة التي تعيش في نطاق الحياة العلميّة للإنسان، أو في نطاق الحياة العمليّة البعيدة عن القضايا الأساسيّة لديه، فإنها لا تترك أيّ تأثير على العلاقات، لأنها لا تعيش في عمقها، بل تظلّ بعيدة عنها في حركتها الفكريّة أو في مسارها العمليّ.

* من كتاب "من وحي القرآن".

{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: 28].

في هذه الآية، دعوة الجماعة الإسلاميّة إلى الارتباط العضويّ بين أفرادها من موقع الإيمان الواحد، ولتأكيد الفواصل التي تفصلهم عن الكافرين، في ميزان العلاقات الحميمة التي تعبّر عن الإخلاص والولاية، لأنّ العقيدة لا تُعتبر رباطاً فكريّاً يجمع أتباعها، بل تمثّل ـ إلى جانب ذلك ـ رباطاً روحيّاً شعوريّاً يجمع القلوب على المحبّة، ويوجّهها إلى الاندماج العاطفي في علاقة روحيّة حميمة، ولا بدّ لها ـ في هذا الجوّ ـ من أن تتحوّل إلى حاجزٍ يفصل الفكر والشّعور عن الآخرين الذين يعيشون الفكر والشّعور المضادّ، لأنّ اللامبالاة ـ في هذا المجال ـ توحي بأنّ الإنسان لا يعيش الاهتمامات الإيمانيّة بالمستوى المطلوب، ولا يجد للمواقف المضادّة لفكره الإيماني، في كلّ ما يمثّله الفكر من رموز الإيمان وقضاياه وتطلّعاته، أيّ أثر سلبي في داخله.

إنّ الآية ـ في ما نفهم ـ تريد أن تقرّر للمؤمنين قضيّة ترتبط بحقيقة الإيمان، وهي أن الإيمان لا بدّ من أن يتحوّل إلى موقعٍ يحكم الفكر والعاطفة والسّلوك، لئلا يبقى مجرّد فكرةٍ تعيش في زحام الأفكار الراقدة في ذهن الإنسان، من دون أن تمثّل أيّ حضور وجداني في حياته الشعوريّة والعاطفيّة.

وفي ضوء ذلك، نتعلَّم أنَّ الفكرة التي تتحوَّل إلى إيمان، تعني انطلاق الشخصيَّة الإنسانيَّة في خطِّ الفكر في إيجابيَّاته وسلبيَّاته، في مواقع اللّقاء، وفي مواقع الافتراق، بحيث تتحرَّك النّظرة إلى الأحداث والأشخاص والعلاقات، تبعاً لحركة الفكرة في مسارها الواقعي، فلا معنى ـ في هذا الجوّ ـ للشّعور العميق الشخصي بالمودّة والموالاة للأشخاص الذين يمثّل فكرهم وشعورهم وسلوكهم التحدّي المضادّ للفكرة، أو للحالة النفسيّة المعقّدة سلبيّاً إزاء الأشخاص الذين يعيشون في حياتهم الفكريّة والعاطفيّة والعمليّة، الخطّ المستقيم مع الفكرة.

إنّ المدلول الطبيعي لهذا السلوك، هو اعتبار الصفات الذاتية التي يملكها هذا الشخص في الجانب الإيجابي أو السلبي، هي الأساس للتقييم والتفضيل والاندماج، بعيداً من الجوانب الإيمانية التي لا تمثّل إلّا شيئاً شخصياً يعيش في زاويةٍ ساذجةٍ من زوايا الشخصيّة، بحيث لا تترك أيّ تأثير في طبيعتها ونوعيّتها!

وهذا ما يحاوله الكثيرون في هذا العصر، ممن يعملون على عزل العلاقات الإنسانيّة عن الجوانب العقيديّة للإنسان، فيقرّرون المبدأ الذي يقول: إنّ اختلاف الأفكار والمبادئ لا يمنع من إقامة أيّ علاقة طبيعيّة حميمة يسودها الودّ والإخلاص. وقد عبّر أحد الشعراء عن هذا الاتجاه بقوله: "اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضيّة".

ولكنّنا نحاول ـ في التعليق على هذا الرأي ـ التفريق بين الخلافات الفكريّة التي لا تترجم خلافاً في المواقف العمليّة، بل تعبّر عن بعض القضايا العامّة والخاصّة التي تمثّل نظرةً معيّنة في تفسير أو تحليل حقيقةٍ فلسفيةٍ أو اجتماعية أو سياسيةٍ أو نفسيةٍ، وبين الخلافات الفكريّة التي تتصل بالجانب الروحي والفكري والعملي للإنسان، حيث تتمثّل في الصّراع المتحرّك في جميع الاتجاهات، بحيث يترك تأثيره على الفكر والشعور والممارسة، وفي التفاعل الشعوري بين الذات والفكرة، بحيث تتحوّل الفكرة إلى جزء حيّ من الذّات يحمل معنى القداسة، في ما توحي به من رموزٍ مقدّسةٍ تحمل معنى الرّفض الحاسم للرموز الأخرى، بحيث لا يمكن لها أن تلتقي في الموقع الواحد بالإخلاص لكلّ الرموز، أو بالإخلاص لرمز معيّن مع التساهل في طبيعة الموقف من الرمز الآخر...

وذلك كما هي الحالة في قضيّة الإيمان والكفر، أو التّوحيد والشّرك، فإنّ الإيمان يمثّل الارتباط بالله في حضورٍ فكريّ وروحيّ خاشعٍ عميق، بينما يمثّل الكفر النّفي الحازم للفكرة، في استهانةٍ بكلّ ما تمثّله من معانٍ وقيم، كما أنّ التوحيد يعني فكرة الإله الواحد الذي لا شريك له، ولا بدّ من أن تكون العبادة له وحده، كنتيجة طبيعيّة لكون الإيمان به وحده. أمّا الشّرك، فهو الذي يمثّل الإخلاص لفكرة الصنميّة في العقيدة، أو في العبادة...

وهكذا في الأفكار الأخرى المشابهة في الحقول الأخرى، كفكرة العدل والظلم، أو الحريّة والعبودية، أو الاستقلال والاستعمار، فإنَّ مثل هذه الخلافات تفرض التزاماً يحمل معنى التحدّي للفكر أو للواقع الذي يمثّله، والتحرّك الصّارخ في هذا الاتجاه، ما يقتضي أن يعيش أصحابها مستوًى كبيراً من التوتر الروحي للفكرة، ليتحقّق لهم الارتفاع على الضغوط الكبيرة التي يواجهونها.

وفي مثل هذه الحال، لا يمكن أن تبقى العلاقات الحميمة بين الفرقاء المختلفين، مع إخلاص كلّ منهم لموقعه ومواقفه والتزاماته. أمّا الخلافات الفكريّة المجرّدة التي تعيش في نطاق الحياة العلميّة للإنسان، أو في نطاق الحياة العمليّة البعيدة عن القضايا الأساسيّة لديه، فإنها لا تترك أيّ تأثير على العلاقات، لأنها لا تعيش في عمقها، بل تظلّ بعيدة عنها في حركتها الفكريّة أو في مسارها العمليّ.

* من كتاب "من وحي القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية