عندما نريد أن نستخلص الفكر، وأن نؤمن بحقيقة ما، نتساءل: هل إنَّ الإيمانَ
بالحقيقةِ يفرضُ الإحساسَ المباشرَ بها، أو يمكنُ لنا أن نؤمنَ بالحقيقةِ، من خلالِ
ما نستنبطُه من الحسّ المباشر لِمَا هو وراء هذا الحسّ المباشر؟
ربّما كانوا يقولون: الحقيقة لا بدَّ أن تخضع للحسّ. ولكنّنا نعرف- أيّها الأحبّة -
أنّ كثيراً من الحقائق التي تمثّل حركة العقل فينا، وحركة وجودنا، ليست محسوسة. نحن
نتحدّث عن العقل، ولكن مَنْ منّا يُحسّ عقله بالطريقة المادّية؟ نحن نؤمن بالعقل
لأنَّ آثار العقل هي التي تدلّنا عليه، إذاً، أنت تلتقي بالحسّ المباشر لتستنبط منه
معنىً غير مباشر، وبذلك تكون هذه الحركة التجريبيّة أساساً لوعي الأشياء التي لا
تُحَسّ، سواء كانت أشياءَ معنويّةً، أو أشياءَ غير معنويّةٍ غارقة في ضباب الغيب.
وعلى ضوء هذا، فإنَّ مسألة الدّين التي تحتوي في عمق معناها الإيمان بوجود الله
والإيمان بالغيب، يمكن لنا أن ننفتح عليها من خلال معادلة عقليّة أوّلية، وهي: هل
الغيب ممكن؟ هل الله ممكن؟ هل الله ضرورة؟ وننطلق بعد ذلك ونحن لا نرى الله، لا
نلمسه بحواسّنا.. ولكنّنا عندما ندرس الكون في كلّ ظاهرة فيه، سواء كانت ظاهرة
متحرّكة، أو كانت ظاهرةً جامدة، نجده نظاماً دقيقاً جعل كلّ العلماء والمكتشِفين،
عندما يزحفون نحو أيّ ظاهرة في الأرض أو في السماء، ينطلقون فيها من فكرة، وهي أنّه
لا بدّ أن يكون هناك سرٌّ، لا بدَّ أن يكون هناك نظامٌ، لا بدَّ أن يكون هناك شيء
يُعقلن الظّاهرة في داخلها، بحيث تتحرَّك الظّاهرة من خلال قانون دقيق يوجِّهها
ويثبّتها، ويجعلها تتكامل مع الظواهر الأخرى.
من أين جاء هذا؟ ليس من الضّروريّ أن يكون كلّ العلماء والمكتشفين مؤمنين، ولكنّ
هذا الإحساس بالكون، الذي إذا صحَّ لنا أن نُطلق عليه هذا الكون المعقلن في داخل
وجوده، ينطلق من قضيّة العقل التي هي قضيّة هذا الوحي الذي يُوحَى إليك به، من أجل
أن ينظّم لك كلّ حركة الوجود من حولك.
من الطبيعي أنّنا عندما ندرس ذلك، وندرس كلّ أسرار الحياة في الإنسان والحيوان
والنبات، وفي كلّ شيء، فإنّنا نجد أنَّ هناك شيئاً ما يدلُّ على عقلٍ واسعٍ حكيمٍ
قادر، هو الذي أعطى للكون قانونه ووجوده..
من هنا - أيّها الأحبّة - نعرف أنّ مسألة الدّين، في طبيعة القاعدة التي تثبته،
ليست فوق العقل.. أمّا إذا أعطانا الدّين فكرة أنّ هناك شيئاً ما يمثّل العقل، أو
حكمة، أو قدرة مطلقة في ذلك كلّه، فإنّ صورة هذا العقل، وهذه الحكمة، وهذا المطلق،
يتمثّلها في حركة هذا الكون المحدود.
نحن نرى الله في الإنسان، ونرى الله في الحيوان، ونرى الله في النبات، ونراه في
الكون، ولكن نراه من خلال ما تتمثّله هذه النُّظم الكونيّة المرتبطة بالظواهر..
أمّا الله كيف هو في ذاته؟ كيف هو في طبيعته؟ هذا هو الغيب. ولكنّك إذا لم تدرك
كُنْهَ ما يمثّله هذا الوجود، فليس معنى ذلك أنّك تُنكره.. مَنْ منّا يدرك كُنْه
العقل؟ مَنْ مِنّا يدرك كُنْه الجاذبيّة؟ مَنْ مِنّا يدرك كُنْه الروح؟ كُنْه أيّ
شيء لا يُحَسّ؟... أنت تدرك أنّه موجود، ولكنّك لا تملك الوسائل التي يمكن لك أن
تُطِلَّ بها عليه.
لذلك، نقول إنّ الدين، الإيمان بالدين، الإيمان بالله، الإيمان بالغيب، لا ينطلق من
حالة لا عقلانيّة، بل ينطلق من حالة عقلانيّة، ولكنّ العقل يقف عند اكتشاف الله،
ولا يستطيع أن يتقدَّم من أجل أن يكتشف طبيعة الله، لأنّه لا يملك الوسائل التي يصل
إليها.
ومن هنا، فإنّ العقل لا ينفي، إذا كان لا يُثبت طبيعة الله، فهو لا ينفيها، ولهذا
لن تكون هناك مصادمة بين العقل وبين الدّين في مناطق الغيب في الدين؛ لأنّ العقل
يُثبت ذلك، والدين من خلال المعطيات التي يتحرّك فيها، ومن خلال الوحي والنبوّات
وما إلى ذلك، يمكن أن يصل إلى تفاصيل ذلك...
*من كتاب "خطاب العقل والرّوح".

عندما نريد أن نستخلص الفكر، وأن نؤمن بحقيقة ما، نتساءل: هل إنَّ الإيمانَ
بالحقيقةِ يفرضُ الإحساسَ المباشرَ بها، أو يمكنُ لنا أن نؤمنَ بالحقيقةِ، من خلالِ
ما نستنبطُه من الحسّ المباشر لِمَا هو وراء هذا الحسّ المباشر؟
ربّما كانوا يقولون: الحقيقة لا بدَّ أن تخضع للحسّ. ولكنّنا نعرف- أيّها الأحبّة -
أنّ كثيراً من الحقائق التي تمثّل حركة العقل فينا، وحركة وجودنا، ليست محسوسة. نحن
نتحدّث عن العقل، ولكن مَنْ منّا يُحسّ عقله بالطريقة المادّية؟ نحن نؤمن بالعقل
لأنَّ آثار العقل هي التي تدلّنا عليه، إذاً، أنت تلتقي بالحسّ المباشر لتستنبط منه
معنىً غير مباشر، وبذلك تكون هذه الحركة التجريبيّة أساساً لوعي الأشياء التي لا
تُحَسّ، سواء كانت أشياءَ معنويّةً، أو أشياءَ غير معنويّةٍ غارقة في ضباب الغيب.
وعلى ضوء هذا، فإنَّ مسألة الدّين التي تحتوي في عمق معناها الإيمان بوجود الله
والإيمان بالغيب، يمكن لنا أن ننفتح عليها من خلال معادلة عقليّة أوّلية، وهي: هل
الغيب ممكن؟ هل الله ممكن؟ هل الله ضرورة؟ وننطلق بعد ذلك ونحن لا نرى الله، لا
نلمسه بحواسّنا.. ولكنّنا عندما ندرس الكون في كلّ ظاهرة فيه، سواء كانت ظاهرة
متحرّكة، أو كانت ظاهرةً جامدة، نجده نظاماً دقيقاً جعل كلّ العلماء والمكتشِفين،
عندما يزحفون نحو أيّ ظاهرة في الأرض أو في السماء، ينطلقون فيها من فكرة، وهي أنّه
لا بدّ أن يكون هناك سرٌّ، لا بدَّ أن يكون هناك نظامٌ، لا بدَّ أن يكون هناك شيء
يُعقلن الظّاهرة في داخلها، بحيث تتحرَّك الظّاهرة من خلال قانون دقيق يوجِّهها
ويثبّتها، ويجعلها تتكامل مع الظواهر الأخرى.
من أين جاء هذا؟ ليس من الضّروريّ أن يكون كلّ العلماء والمكتشفين مؤمنين، ولكنّ
هذا الإحساس بالكون، الذي إذا صحَّ لنا أن نُطلق عليه هذا الكون المعقلن في داخل
وجوده، ينطلق من قضيّة العقل التي هي قضيّة هذا الوحي الذي يُوحَى إليك به، من أجل
أن ينظّم لك كلّ حركة الوجود من حولك.
من الطبيعي أنّنا عندما ندرس ذلك، وندرس كلّ أسرار الحياة في الإنسان والحيوان
والنبات، وفي كلّ شيء، فإنّنا نجد أنَّ هناك شيئاً ما يدلُّ على عقلٍ واسعٍ حكيمٍ
قادر، هو الذي أعطى للكون قانونه ووجوده..
من هنا - أيّها الأحبّة - نعرف أنّ مسألة الدّين، في طبيعة القاعدة التي تثبته،
ليست فوق العقل.. أمّا إذا أعطانا الدّين فكرة أنّ هناك شيئاً ما يمثّل العقل، أو
حكمة، أو قدرة مطلقة في ذلك كلّه، فإنّ صورة هذا العقل، وهذه الحكمة، وهذا المطلق،
يتمثّلها في حركة هذا الكون المحدود.
نحن نرى الله في الإنسان، ونرى الله في الحيوان، ونرى الله في النبات، ونراه في
الكون، ولكن نراه من خلال ما تتمثّله هذه النُّظم الكونيّة المرتبطة بالظواهر..
أمّا الله كيف هو في ذاته؟ كيف هو في طبيعته؟ هذا هو الغيب. ولكنّك إذا لم تدرك
كُنْهَ ما يمثّله هذا الوجود، فليس معنى ذلك أنّك تُنكره.. مَنْ منّا يدرك كُنْه
العقل؟ مَنْ مِنّا يدرك كُنْه الجاذبيّة؟ مَنْ مِنّا يدرك كُنْه الروح؟ كُنْه أيّ
شيء لا يُحَسّ؟... أنت تدرك أنّه موجود، ولكنّك لا تملك الوسائل التي يمكن لك أن
تُطِلَّ بها عليه.
لذلك، نقول إنّ الدين، الإيمان بالدين، الإيمان بالله، الإيمان بالغيب، لا ينطلق من
حالة لا عقلانيّة، بل ينطلق من حالة عقلانيّة، ولكنّ العقل يقف عند اكتشاف الله،
ولا يستطيع أن يتقدَّم من أجل أن يكتشف طبيعة الله، لأنّه لا يملك الوسائل التي يصل
إليها.
ومن هنا، فإنّ العقل لا ينفي، إذا كان لا يُثبت طبيعة الله، فهو لا ينفيها، ولهذا
لن تكون هناك مصادمة بين العقل وبين الدّين في مناطق الغيب في الدين؛ لأنّ العقل
يُثبت ذلك، والدين من خلال المعطيات التي يتحرّك فيها، ومن خلال الوحي والنبوّات
وما إلى ذلك، يمكن أن يصل إلى تفاصيل ذلك...
*من كتاب "خطاب العقل والرّوح".