عن يعقوب ابن إسحاق، قال: "كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله : كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه؟ فوقّع (ع): يا أبا يوسف، جلّ سيّدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى". {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار}[الأنعام: 103]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشّورى: 11].
قال: "وسألته: هل رأى رسول الله (ص) ربَّه؟ فوقّع (ع): إنّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ"1.
فلقد رأى رسول الله (ص) ربّه ولكنّه لم يره بالعين الباصرة، بل بعين قلبه، لأنَّ القلوب تبصر من الحقائق ما لا تستطيع العيون أن تبصره {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحجّ: 46]. فمشكلة بعض الناس أنهم يملكون العيون المفتوحة والقلوب العمياء، والخطورة، كلّ الخطورة، أن يكون القلب أعمى.
وعن الكليني عن سهل - والراوي هنا قد لا يكون موثوقاً، ولكنّ الرواية موثوقة، لأنها تتفق مع روايات صحيحة، ولأنّها لا تشتمل على ما يدعو إلى الكذب - قال: "كتبت إلى أبي محمد (ع) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد". وهذا يدلّ على أنّ الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في أوساط أتباع أهل البيت (ع). "منهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه، فعلت متطوّلاً على عبدك". والعبودية هنا من باب التواضع.
فوقّع (ع) بخطّه: "سألت عن التوحيد، وهذا منكم معزول؛ الله واحد أحد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة، جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير"2.
فلقد أراد الإمام العسكري (ع) أن يقول للسائل بأن لا يستغرق في الجدل الكلامي والتعقيدات الفلسفية عندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى، ولكن طلب إليه أن يقرأ كتاب الله فيما أنزله من آياته، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلّها، لأنّ المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربّه إلا ما عرّفه ربّه، وإلّا، فلا يمكن للعقل أن يدرك صفاته - جلّ جلاله - ذاتياً، فهو ليس بجسم لأنّه خالق الأجسام، وهو ليس بصورة لأنّه خالق الصورة ومبدعها.
وقد جاء عن المسعودي في (إثبات الوصيّة) بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، قال: "سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد (ع) عن قول الله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرّعد: 39]، فقال: "هل يمحو إلّا ما كان؟ وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟ فقلت في نفسي هذا خلاف ما يقول (هشام القوطي) إنّه لا يعلم الشيء حتى يكون. فالله سبحانه وتعالى – حسب هذا القول – إنّما يعلم الأشياء بعد أن تتكوّن، والإمام (ع) يقول إنّ الله يعلم بالأشياء قبل وجودها، فنظر إليّ شزراً". فكأنّ الإمام (ع) عرف ما في نفسه، وهناك أحاديث كثيرة عن الإمام العسكري وعن الأئمة (ع) تذكر أنّ بعض الناس كان يسمع الجواب من الإمام وهو يفكّر، أي لم يطرح السؤال بعد، حيث إنَّ الملكة القدسية تجعله (ع) يعرف ما يضمر هؤلاء من قبل أن يتحدّثوا به. "فقال (ع): تعالى الجبّار العالم بالشّيء قبل كونه الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه، فقلت: أشهد أنّك وليّ الله وحجّته والقائم بقسطه، وأنّك على منهاج أمير المؤمنين"3. فلقد أكّد له أنّ المخلوقين يحتاجون إلى معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أمّا الله، فهو الذي يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.
* من كتاب "النّدوة"، ج 7.

عن يعقوب ابن إسحاق، قال: "كتبت إلى أبي محمد (ع) أسأله : كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه؟ فوقّع (ع): يا أبا يوسف، جلّ سيّدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يُرى". {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار}[الأنعام: 103]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشّورى: 11].
قال: "وسألته: هل رأى رسول الله (ص) ربَّه؟ فوقّع (ع): إنّ الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ"1.
فلقد رأى رسول الله (ص) ربّه ولكنّه لم يره بالعين الباصرة، بل بعين قلبه، لأنَّ القلوب تبصر من الحقائق ما لا تستطيع العيون أن تبصره {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحجّ: 46]. فمشكلة بعض الناس أنهم يملكون العيون المفتوحة والقلوب العمياء، والخطورة، كلّ الخطورة، أن يكون القلب أعمى.
وعن الكليني عن سهل - والراوي هنا قد لا يكون موثوقاً، ولكنّ الرواية موثوقة، لأنها تتفق مع روايات صحيحة، ولأنّها لا تشتمل على ما يدعو إلى الكذب - قال: "كتبت إلى أبي محمد (ع) سنة خمس وخمسين ومائتين: قد اختلف يا سيّدي أصحابنا في التوحيد". وهذا يدلّ على أنّ الجدل الكلامي في التوحيد كان يدور حتى في أوساط أتباع أهل البيت (ع). "منهم من يقول هو جسم، ومنهم من يقول هو صورة، فإن رأيت يا سيدي أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه، فعلت متطوّلاً على عبدك". والعبودية هنا من باب التواضع.
فوقّع (ع) بخطّه: "سألت عن التوحيد، وهذا منكم معزول؛ الله واحد أحد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، خالق وليس بمخلوق، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك وليس بجسم، ويصوّر ما يشاء وليس بصورة، جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه أن يكون له شبه، هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير"2.
فلقد أراد الإمام العسكري (ع) أن يقول للسائل بأن لا يستغرق في الجدل الكلامي والتعقيدات الفلسفية عندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى، ولكن طلب إليه أن يقرأ كتاب الله فيما أنزله من آياته، فهو أعرف بنفسه من مخلوقاته كلّها، لأنّ المخلوق لا يستطيع أن يعرف من ربّه إلا ما عرّفه ربّه، وإلّا، فلا يمكن للعقل أن يدرك صفاته - جلّ جلاله - ذاتياً، فهو ليس بجسم لأنّه خالق الأجسام، وهو ليس بصورة لأنّه خالق الصورة ومبدعها.
وقد جاء عن المسعودي في (إثبات الوصيّة) بإسناده عن أبي هاشم الجعفري، قال: "سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد (ع) عن قول الله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرّعد: 39]، فقال: "هل يمحو إلّا ما كان؟ وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟ فقلت في نفسي هذا خلاف ما يقول (هشام القوطي) إنّه لا يعلم الشيء حتى يكون. فالله سبحانه وتعالى – حسب هذا القول – إنّما يعلم الأشياء بعد أن تتكوّن، والإمام (ع) يقول إنّ الله يعلم بالأشياء قبل وجودها، فنظر إليّ شزراً". فكأنّ الإمام (ع) عرف ما في نفسه، وهناك أحاديث كثيرة عن الإمام العسكري وعن الأئمة (ع) تذكر أنّ بعض الناس كان يسمع الجواب من الإمام وهو يفكّر، أي لم يطرح السؤال بعد، حيث إنَّ الملكة القدسية تجعله (ع) يعرف ما يضمر هؤلاء من قبل أن يتحدّثوا به. "فقال (ع): تعالى الجبّار العالم بالشّيء قبل كونه الخالق إذ لا مخلوق، والربّ إذ لا مربوب، والقادر قبل المقدور عليه، فقلت: أشهد أنّك وليّ الله وحجّته والقائم بقسطه، وأنّك على منهاج أمير المؤمنين"3. فلقد أكّد له أنّ المخلوقين يحتاجون إلى معرفة الأشياء في صورتها الوجودية، أمّا الله، فهو الذي يخلق الوجود، فهو يعرف ما يريد أن يخلقه قبل أن يخلقه.
* من كتاب "النّدوة"، ج 7.