كتابات
19/01/2014

مستقبل المسلمين بين المسموح والممنوع

مستقبل المسلمين بين المسموح والممنوع
ربَّما كانت المشكلة في الوحدة الإسلاميّة، أنَّها في العمق الذّهنيّ للمسلمين، لـم تعش حالة وجدانيّة يتحسّسها المسلمون بالمستوى الّذي تتحوّل إلى هدف يجتذبهم إليه؛ لسبب بسيط جدّاً، وهو أنَّ المذهبيّة الحادّة الّتي اختزنها المسلمون في وجدانهم، استطاعت أن تجذّر الفواصل بين المسلمين، حتّى إنَّ القضيّة لم تقتصر على التمذهب الكلاميّ، بل امتدّت إلى التمذهب الفقهيّ.

عوامل التمزّق
قد نتصوّر مشكلة قريبة من الجذور في مسألة الخلافة والإمامة، باعتبار أنَّهما مسألتان متّصلتان بالعهد النبويّ الأوّل، وتتحرّكان في خطّين مختلفين على أساس القاعدة التي ترتكز عليها فكرة الخلافة، إلى جانب القاعدة الّتي ترتكز عليها فكرة الإمامة، فهناك نوعان من التّفكير يتمثّلان في أكثر من موقع من مواقع التّفاصيل الكلاميّة والفقهيّة والعمليّة.

أمّا أن تجد هناك مشكلة عميقة في التمذهب الفقهيّ، فهذا أمر غير مألوف، فنحن نلاحظ أنَّ التخلّف عاش ضمن خطوط: هل يجوز للحنفي أن يتزوّج شافعيّة، وبالعكس، بينما نلاحظ أنَّ الحنفيّة والشافعيّة ينطلقان من مذهب واحد، هو مذهب مدرسة الخلافة، وهكذا لاحظنا كثيراً من المفردات الّتي تحوّلت إلى فواصل في داخل الشخصيّة، بحيث تحوّل المذهب إلى دين قد يتحرّك على أساس انفصاله عن المذهب الآخر، تماماً كما لو كان ديناً آخر.  وربَّما نجد أنَّ هذه المسألة تعاظمت في بعض مواقع التخلّف، حتّى إنَّ البعض قد يميّز صاحب الدّين الآخر من صاحب المذهب الإسلاميّ الآخر، على أساس أنَّ صاحب هذا الدّين يدخل في دائرة أهل الكتاب، بينما يدخل صاحب المذهب الإسلامي الآخر في عداد أولئك الكفرة أو المشركين وما إلى ذلك.

لا أريد أن أفيض في هذا الموضوع كثيراً، ولكنَّني أتصوّر أنَّ تجذّر الخلافات المذهبيّة، وانعزال المجتمعات المذهبيّة عن بعضها البعض، عمّقت الفواصل بينهم. وما فاقم الأمور، هو ذلك التّاريخ الدّامي الّذي كان المسلمون يتنازعون فيه ويتقاتلون سنّةً وشيعة، إضافةً إلى ما استطاع التخلّف أن يثيره في كثير من حالات التصوّر الّتي أغرقت المفاهيم الإسلاميّة والمذهبيّة في أجواء من الضبابيّة والخرافة تحت عناوين القداسة، ومنعت الفكر من أن يتحرّك ليناقش عمق هذا المذهب أو ذاك.  إنَّ ذلك كلّه جعل الهوّة تتّسع، بحيث أصبح هذا الفريق أو ذاك الفريق لا يملك أن يحصل على قناعة بأنَّ هذا المذهب موافق للإسلام، أو أنَّ ذاك المذهب غير موافق للإسلام، لأنَّ هذا الرّكام من التخلّف انعكس على المفاهيم بطريقة سلبيّة، بحيث أصبحت الخرافة مقدَّسة، ولـم تعد هناك أيّة حريّة للفكر لمناقشة هذا الموضوع أو ذاك.

زنزانات مذهبيَّة
إنَّ واقع المسلمين هو واقع التجزئة الّتي تتمثّل في هذا النّوع من التّقسيم المذهبي للمسلمين، ما جعل المسألة مسألة المفهوميّة وليست مسألة التطبيقيّة؛ فهذا يفكّر بطريقة وذاك يفكّر بطريقة أخرى... وقد تعاون التخلّف والاستكبار العالميّ على تضخيم هذا الواقع، وإبعاد كلّ النّوافذ الّتي يمكن أن يطلّ من خلالها على الأفق الإسلاميّ الواسع، وعلى الرّوح الإسلاميّة الواسعة، ولا سيّما بعد أن بدأت الدّراسات العلميّة الاستشراقيّة، الّتي تعمل لخدمة الاستكبار العالميّ الكافر، تدرس مسألة الفِرق، وتثير حتّى عقائد الفِرق البائدة.. وبدأت القوى المعادية للإسلام تعمّق التخلّف في هذا البلد الّذي تستولي عليه أو ذاك، وتضطهد بطريقة أو بأخرى كلّ الإصلاحيّين الّذين يحاولون أن يبلوروا المفاهيم ليرجعوها إلى قاعدتها الإسلاميّة، حتّى أصبحت لدينا في الواقع السياسيّ المعاصر في أكثر البلدان الإسلاميّة، سياسة تضع السنّة عنواناً، لها وأخرى تضع الشّيعة عنواناً لها... وحدث التّمييز في مسألة الشّيعة والسنّة على أكثر من مستوى سياسيّ وإداريّ في هذا البلد أو ذاك البلد. ونحن نعرف أنَّ بعض البلدان ليست مستعدّة لأن تتقبّل عاملاً إذا كان شيعيّاً، في الوقت الّذي تستقبل كثيراً من العمال الّذين لا يدينون بالإسلام كلّياً، وهناك بعض البلدان الّتي وظّفت سياسيّاً من قبل المخابرات المركزيّة الأميركيّة لكي تخوض حملةً ضدّ المذهب الإسلامي الشيعي في العالم.. حتى إنَّنا كنّا نلاحظ أنَّه في أيّام الشيوعيّة، كانت الحرب على التشيّع أكثر من الحرب على الشيوعيّة، في الوقت الّذي كانت هذه الدّولة أو تلك، تنطلق في عنوانها السياسي لتعمل ضدّ الشيوعيّة في كلّ مكان في العالم.

إنَّ كلّ هذا الواقع الّذي ترك لنا هذا الرّكام من التخلّف في فهم الإسلام، ومن العيش الذهني في الزنزانات المذهبيّة الضيّقة، ومن فقدان الحريّة في داخل كلّ مذهب لمناقشة مفردات هذا المذهب بالطّريقة الّتي يمكن أن تصحَّح بها مفاهيمه، إنَّ هذا ترك لنا مشكلة متجذّرة في المذهبيّة الطائفيّة، ونحن في الوقت الّذي نجد أنَّ المذهبيّة الفكريّة تمثّل دليل عافية، لأنَّها تتحرَّك من أجل إغناء الفكر في تنوّعاته على مستوى الحوار، للوصول إلى نتائج كبيرة جدّاً في هذا المجال، ولا سيّما أنَّ لكلّ مذهب خصائصه الفكريّة الّتي يمكن أن تُغني الخطّ الإسلاميّ، ما يجعلنا في الذهنيّة الفكريّة للمذهب، نستطيع أن نصل إلى نتائج كبيرة على المستوى الثقافيّ، إلا أنّ المشكلة أنَّ هناك مذهبيّة طائفيّة تحوّلت فيها المذهبيّة إلى عشائريّة أو إلى حالة طائفيّة تختزن الحالة العشائريّة، بحيث أصبحت مسألة المذهب مسألة البشر الّذين يدينون به، لا مسألة الخطّ الّذي يتحرّك النّاس من خلاله.

أسباب فشل الوحدة
من خلال ذلك، لم تنجح حركة الوحدة الإسلاميّة في كلّ التّجارب الّتي قام بها الوحدويّون، بل كانت تتعثّر وتتعقّد، انطلاقاً من جزئيّة هنا أو هناك، لجعل الوحدويّين يتحرّكون في مظاهرة للتّركيز على هذه المفردة الّتي ربَّما كانت خلفيّتها مخابراتيّة أو استعماريّة، لتسجيل كلّ فريق نقطة على الفريق الآخر.. وهكذا تتجمّع النقاط الجديدة، لتسقط الوحدة حتّى في نفوس الوحدويّين، بحيث لا يبقى لديهم إلاَّ الشّعار، نتيجة ظروف سياسيّة أو اجتماعيّة خاصّة.
إنَّنا نتصور أنَّ علينا أن ننتج الوحدة الإسلاميّة، من خلال إنتاج الإسلام في نفوسنا، وأن لا يفكّر الشيعيّ شيعيّاً، والسنّيّ سنيّاً، بل أن يفكّر الشيعيّ كمسلم، من حيث امتداد الإسلام في مفاهيمه الواسعة، من خلال الصّورة القرآنيّة والصّورة النبويّة فيما صحّ في السنّة، وأن يفكّر السنّيّ كمسلم في هذا الاتجاه.

وعندها ننتج الإسلام في نفوسنا، بحيث نتحسّس الإسلام في المذهب ولا نتحسّس المذهب في الإسلام. أنا لا أقول لأصحاب المذاهب أن يتركوا أو أن يصادروا فكرهم المذهبي انطلاقاً من شعار الوحدة، ولكن أقول إنَّ عليكم أن تناقشوا مذهبكم من خلال الإسلام، ومدى انسجامه مع المفاهيم الإسلاميّة، لا أن تغيّروا المفاهيم الإسلاميّة الواضحة على أساس مفردات المذهب، ونحن نستهدي بهدى أئمَّتنا من أهل البيت(ع)، حيث إنَّهم عندما واجهوا هذا الرّكام الهائل من الأحاديث الموضوعة الّتي نسبت إليهم من قبل الوضّاعين الكذّابين، أطلقوا الخطّ العام: »لا تقبلوا علينا إلاَّ ما وافق كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا«... »ما خالف كتاب اللّه فهو زخرف«... »ما خالف كتاب اللّه فاضربوا به عرض الحائط«.
إنَّ معنى ذلك، أنَّ علينا درس الأحاديث على ضوء موافقتها للكتاب ومخالفتها له، لا أن نؤوّل الكتاب لمصلحة الأحاديث الّتي ربَّما تكون مدسوسة، فالقرآن يعطينا مفاهيم عامّة للنظرة الإسلاميّة إلى الحياة، وعلينا أن ندرس في كلّ حديث من هذه الأحاديث طبيعة الأفق العام للقيمة الإسلاميّة، أو للمفهوم الإسلاميّ في الحياة.

مثلاً، قد نلاحظ أنَّ هناك اتجاهاً في بعض المواقع الفكريّة الإسلاميّة لتحجيم القيمة الأخلاقيّة، وهو ما يعكس النظرة الإسلاميّة الأصلية، فالإنسان ـ وفق هذا الاتجاه ـ يجب أن يكون أميناً مع أهل مذهبه أو مع أهل دينه، أمّا بالنّسبة إلى غير أهل مذهبه أو دينه، فإنَّه يستحلّ أموالهم أو دماءهم! إنَّ معنى ذلك أنَّ القيم نزلت لتجمّع خاصّ، ولـم تنزل للإنسان كلّه وللعالم كلّه. إنَّ دراستنا للإسلام تفيدنا بأنَّ اللّه أنزل القيم للإنسان كلّه، ليعيشها الإنسان وتنظّم حياته، فلم ينزل الصّدق ليكون للشّيعة فحسب، أو للسنّة فحسب، أو للمسلمين فحسب.

لذلك، نحن بحاجةٍ إلى أن ندرس مذاهبنا على هدي المفاهيم القرآنيَّة وما صحَّ من سنَّة نبيّنا، لنبلورها، وهذا ما ننطلق فيه من قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النّساء: 59].

الوحدة السياسيّة
لذلك، لا بُدَّ من أن تكون لنا الذهنيّة الموضوعيّة الّتي نستطيع من خلالها أن ندرس القضايا استناداً إلى المنهج الموضوعيّ العلميّ الّذي تبتعد فيه الذّات عن الفكرة، بحيث يكون المتحاوران أو المتباحثان أمام الفكرة على حدّ سواء، على طريقة أسلوب الحوار القرآنيّ في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: 24]، فليس هناك شخصان، وإنَّما هناك فكرتان، ودور الشّخصين أنَّهما يعملان على أن يكتشفا هذه الفكرة أو تلك، في دائرة الصّواب أو الخطأ.

إنَّني أتصوّر أنَّنا قد نجتاز العوائق الكبيرة إذا استطعنا أن نتحلَّى بهذه الموضوعيَّة، وأن نكون جدّيّين في إسلامنا، وعندها، لن يخاف أحدنا إذا فقد بعض ما ألفه من تراث آبائه وأجداده إذا اكتشف أنَّه على خطأ، ولن يعتبر أنَّ اقتناعه برأي الآخر من خلال الحجّة والبرهان، عمليّة سلبيّة يشعر فيها الشّيعة بأنَّ السنّة يشمتون بهم، أو يشعر فيها السنّة بأنَّ الشّيعة يشمتون بهم، لأنَّ المهمّ ـ وفق قناعتنا ـ أن لا يشمت بنا الباطل.
وهناك خطّ آخر للوحدة الإسلاميّة، وهو أقرب الخطوط، وأعني به خطّ الوحدة السياسيّة.. ولا أقصد بالوحدة السياسيّة وحدة الدّول الإسلاميّة، أي الوحدة الدستوريّة، وإنَّما وحدة المواقف السياسيّة الكبرى، فنتوحّد حول القضيّة الفلسطينيّة في مواجهة »إسرائيل«، ونتوحّد في مواجهة الاستكبار العالميّ الّذي يحاول أن يستولي على كلّ مقوّماتنا وكلّ مقدّراتنا وأوضاعنا بالدّرجة التي يمكن فيها أن يلغي وجودنا، وننطلق لنواجه الكفر العالميّ الّذي يعمل على مهاجمة المفاهيم الإسلاميّة، سواء على مستوى العقائد، أو على مستوى الشّريعة، أو على مستويات أخرى.

إنَّني أتصوّر أنَّ علينا أن نتحسّس هذا الهجوم الاستكباريّ الكافر، ولا سيّما اليهوديّ منه، على الإسلام كلّه، وعلى المسلمين كلّهم، وهو ما لا يختلف فيه مسلم عن آخر. وفي هذا المجال، لا تختلف حصّة الشيعي عن حصّة السنّي.  كانوا يتحدّثون في كثير من الحالات عن الشّيعة في بعض المواقع السياسيّة الحادّة، ولكنَّنا أصبحنا نواجه المسألة في مجتمعات أخرى، وها هم يتحدّثون عن عنوان الإرهاب الّذي بدأ شيعيّاً وتحوّل إسلاميّاً، فأصبحنا نسمع عن الإرهاب المصري، والإرهاب الجزائري، والإرهاب الأفغاني، وإلى غير ذلك من المفردات الّتي يلصق فيها الإرهاب بكلّ حركيّ إسلاميّ، كما كانوا يتحدّثون عن الإرهاب الشيعي أو الإرهاب الإيراني... وما إلى ذلك.

وسيلة الالتقاء بين المسلمين
علينا أن نشعر بأنَّ مصلحة المسلمين واحدة، وبأنَّ على المسلمين إذا اختلفوا في مفاهيمهم الفكريّة في علم الكلام، أو في مفاهيمهم الفقهيّة في علم الشّرائع، أو في بعض الرّموز الّذين يقدّسهم هؤلاء ويرفضهم أولئك، أن يجمّدوا ذلك كلّه في المرحلة الحاضرة، لأنَّ المشكلة هي أنَّ الاستكبار العالميّ يحاول أن يستغلّ ذلك كلّه، من أجل زيادة حالة الإسقاط والإحباط لدى الواقع الإسلاميّ الّذي يجعل المسلمين يفقدون ثقتهم بأنفسهم. وإنَّني أتصوّر أنَّ الوحدة السياسيّة الّتي يتحرّك فيها المسلمون في قضاياهم السياسيّة من موقع أنَّها قضايا مترابطة ترابطاً عضويّاً، وأنَّ الضّعف في بعضها يمثّل ضعفاً في البعض الآخر، وأنَّ القوّة في هذا يمثّل قوّة في الآخر، أعتقد أنَّها تهيّئ للمسلمين مناخاً صافياً، بعيداً عن التشنّجات الذاتيّة أمام الخطر الكبير والتحدّيات الكبرى، وهذا يهيّئ كثيراً من وسائل التّعارف والتّلاقي ووسائل التّثقيف المتبادل، حيث إنَّ المسلمين كانوا يتخاطبون من بُعد، عبر كتاب يصدر هنا ليردّ عليه كتاب هناك، أو من خلال عبرة تنطلق من واعظ هنا ليردّ عليها واعظ هناك.  فإذا التقوا في ساحة الجهاد وفي ساحة الصّراع السياسيّ على القضايا الّتي يشعر كلّ واحد منهم بأنَّها قضاياه، فإنَّ ذلك سوف يخلق جوّاً شعوريّاً حميماً، يمكن فيه أن تنفتح القلوب على بعضها البعض. ونحن نعتقد أنَّ أفضل وسيلة لانفتاح العقول على بعضها البعض، هي انفتاح القلوب على بعضها.

وقد علّمنا القرآن الكريم أن ننطلق من مواقع اللّقاء كوسيلة عمليَّة واقعيَّة للوصول إلى مواقع الخلاف، وهذا ما قاله اللّه سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً}[آل عمران: 64]. إنَّ اللّه سبحانه يقول إنَّ هناك أرضيّة مشتركة بيننا في المفاهيم العامّة، بعيداً عن الخلاف في التّفاصيل، فتعالوا نقف على الأرض المشتركة، ثمَّ عندما نصل إلى مفترق الطّرق، فإنَّ بإمكاننا أن نتفاهم، لأنَّنا تعارفنا على بعضنا بعضاً، وإنَّ هناك أرضاً محدودة مشتركة، وإذا كانت الأرض محدودة، فإنَّنا نستطيع أن نمدّها بالحوار لتكون الأرض الشّاملة.

مسؤوليَّة القياديّين
إنَّني أتصوّر أنَّ على القياديّين الإسلاميّين أن يتحرّكوا في خطّ الوحدة، من خلال دراسة المشاكل الحقيقيّة في الذهنيّة الإسلاميّة الّتي تتجذّر فيها الخلافات، وأن يدرسوا مسألة الوحدة في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي لا يختلف فيها بلد إسلاميّ عن بلد إسلاميّ آخر، ما يجعل من حركة الوحدة بهذا الأسلوب حركة واقعيَّة، وعلينا أن نعرف أنََّ الوحدة الإسلاميَّة هي من الممنوعات الاستكباريّة، وهي من الممنوعات الصهيونيّة والممنوعات الكافرة.  فهناك شعور بأنَّ الإسلام في عقيدته وشريعته ومنهجه، يمثّل قوّة هائلة يمكن لها أن تحكم العالـم إذا استطاعت أن تحرّك قوّتها ضمن خطّة مدروسة عمليّة بعيدة في الزّمن. لذلك، فهم يعملون على تمزيق المسلمين أكثر، وعلى منع كلّ حركة لقاء بينهم.

لذلك، أعتبر أنَّ حركتنا نحو الوحدة الإسلاميّة، هي جزء من صراعنا ضدّ الاستكبار العالميّ، باعتبار أنَّه هو الجدار الكبير.
ربَّما كانت المشكلة في الوحدة الإسلاميّة، أنَّها في العمق الذّهنيّ للمسلمين، لـم تعش حالة وجدانيّة يتحسّسها المسلمون بالمستوى الّذي تتحوّل إلى هدف يجتذبهم إليه؛ لسبب بسيط جدّاً، وهو أنَّ المذهبيّة الحادّة الّتي اختزنها المسلمون في وجدانهم، استطاعت أن تجذّر الفواصل بين المسلمين، حتّى إنَّ القضيّة لم تقتصر على التمذهب الكلاميّ، بل امتدّت إلى التمذهب الفقهيّ.

عوامل التمزّق
قد نتصوّر مشكلة قريبة من الجذور في مسألة الخلافة والإمامة، باعتبار أنَّهما مسألتان متّصلتان بالعهد النبويّ الأوّل، وتتحرّكان في خطّين مختلفين على أساس القاعدة التي ترتكز عليها فكرة الخلافة، إلى جانب القاعدة الّتي ترتكز عليها فكرة الإمامة، فهناك نوعان من التّفكير يتمثّلان في أكثر من موقع من مواقع التّفاصيل الكلاميّة والفقهيّة والعمليّة.

أمّا أن تجد هناك مشكلة عميقة في التمذهب الفقهيّ، فهذا أمر غير مألوف، فنحن نلاحظ أنَّ التخلّف عاش ضمن خطوط: هل يجوز للحنفي أن يتزوّج شافعيّة، وبالعكس، بينما نلاحظ أنَّ الحنفيّة والشافعيّة ينطلقان من مذهب واحد، هو مذهب مدرسة الخلافة، وهكذا لاحظنا كثيراً من المفردات الّتي تحوّلت إلى فواصل في داخل الشخصيّة، بحيث تحوّل المذهب إلى دين قد يتحرّك على أساس انفصاله عن المذهب الآخر، تماماً كما لو كان ديناً آخر.  وربَّما نجد أنَّ هذه المسألة تعاظمت في بعض مواقع التخلّف، حتّى إنَّ البعض قد يميّز صاحب الدّين الآخر من صاحب المذهب الإسلاميّ الآخر، على أساس أنَّ صاحب هذا الدّين يدخل في دائرة أهل الكتاب، بينما يدخل صاحب المذهب الإسلامي الآخر في عداد أولئك الكفرة أو المشركين وما إلى ذلك.

لا أريد أن أفيض في هذا الموضوع كثيراً، ولكنَّني أتصوّر أنَّ تجذّر الخلافات المذهبيّة، وانعزال المجتمعات المذهبيّة عن بعضها البعض، عمّقت الفواصل بينهم. وما فاقم الأمور، هو ذلك التّاريخ الدّامي الّذي كان المسلمون يتنازعون فيه ويتقاتلون سنّةً وشيعة، إضافةً إلى ما استطاع التخلّف أن يثيره في كثير من حالات التصوّر الّتي أغرقت المفاهيم الإسلاميّة والمذهبيّة في أجواء من الضبابيّة والخرافة تحت عناوين القداسة، ومنعت الفكر من أن يتحرّك ليناقش عمق هذا المذهب أو ذاك.  إنَّ ذلك كلّه جعل الهوّة تتّسع، بحيث أصبح هذا الفريق أو ذاك الفريق لا يملك أن يحصل على قناعة بأنَّ هذا المذهب موافق للإسلام، أو أنَّ ذاك المذهب غير موافق للإسلام، لأنَّ هذا الرّكام من التخلّف انعكس على المفاهيم بطريقة سلبيّة، بحيث أصبحت الخرافة مقدَّسة، ولـم تعد هناك أيّة حريّة للفكر لمناقشة هذا الموضوع أو ذاك.

زنزانات مذهبيَّة
إنَّ واقع المسلمين هو واقع التجزئة الّتي تتمثّل في هذا النّوع من التّقسيم المذهبي للمسلمين، ما جعل المسألة مسألة المفهوميّة وليست مسألة التطبيقيّة؛ فهذا يفكّر بطريقة وذاك يفكّر بطريقة أخرى... وقد تعاون التخلّف والاستكبار العالميّ على تضخيم هذا الواقع، وإبعاد كلّ النّوافذ الّتي يمكن أن يطلّ من خلالها على الأفق الإسلاميّ الواسع، وعلى الرّوح الإسلاميّة الواسعة، ولا سيّما بعد أن بدأت الدّراسات العلميّة الاستشراقيّة، الّتي تعمل لخدمة الاستكبار العالميّ الكافر، تدرس مسألة الفِرق، وتثير حتّى عقائد الفِرق البائدة.. وبدأت القوى المعادية للإسلام تعمّق التخلّف في هذا البلد الّذي تستولي عليه أو ذاك، وتضطهد بطريقة أو بأخرى كلّ الإصلاحيّين الّذين يحاولون أن يبلوروا المفاهيم ليرجعوها إلى قاعدتها الإسلاميّة، حتّى أصبحت لدينا في الواقع السياسيّ المعاصر في أكثر البلدان الإسلاميّة، سياسة تضع السنّة عنواناً، لها وأخرى تضع الشّيعة عنواناً لها... وحدث التّمييز في مسألة الشّيعة والسنّة على أكثر من مستوى سياسيّ وإداريّ في هذا البلد أو ذاك البلد. ونحن نعرف أنَّ بعض البلدان ليست مستعدّة لأن تتقبّل عاملاً إذا كان شيعيّاً، في الوقت الّذي تستقبل كثيراً من العمال الّذين لا يدينون بالإسلام كلّياً، وهناك بعض البلدان الّتي وظّفت سياسيّاً من قبل المخابرات المركزيّة الأميركيّة لكي تخوض حملةً ضدّ المذهب الإسلامي الشيعي في العالم.. حتى إنَّنا كنّا نلاحظ أنَّه في أيّام الشيوعيّة، كانت الحرب على التشيّع أكثر من الحرب على الشيوعيّة، في الوقت الّذي كانت هذه الدّولة أو تلك، تنطلق في عنوانها السياسي لتعمل ضدّ الشيوعيّة في كلّ مكان في العالم.

إنَّ كلّ هذا الواقع الّذي ترك لنا هذا الرّكام من التخلّف في فهم الإسلام، ومن العيش الذهني في الزنزانات المذهبيّة الضيّقة، ومن فقدان الحريّة في داخل كلّ مذهب لمناقشة مفردات هذا المذهب بالطّريقة الّتي يمكن أن تصحَّح بها مفاهيمه، إنَّ هذا ترك لنا مشكلة متجذّرة في المذهبيّة الطائفيّة، ونحن في الوقت الّذي نجد أنَّ المذهبيّة الفكريّة تمثّل دليل عافية، لأنَّها تتحرَّك من أجل إغناء الفكر في تنوّعاته على مستوى الحوار، للوصول إلى نتائج كبيرة جدّاً في هذا المجال، ولا سيّما أنَّ لكلّ مذهب خصائصه الفكريّة الّتي يمكن أن تُغني الخطّ الإسلاميّ، ما يجعلنا في الذهنيّة الفكريّة للمذهب، نستطيع أن نصل إلى نتائج كبيرة على المستوى الثقافيّ، إلا أنّ المشكلة أنَّ هناك مذهبيّة طائفيّة تحوّلت فيها المذهبيّة إلى عشائريّة أو إلى حالة طائفيّة تختزن الحالة العشائريّة، بحيث أصبحت مسألة المذهب مسألة البشر الّذين يدينون به، لا مسألة الخطّ الّذي يتحرّك النّاس من خلاله.

أسباب فشل الوحدة
من خلال ذلك، لم تنجح حركة الوحدة الإسلاميّة في كلّ التّجارب الّتي قام بها الوحدويّون، بل كانت تتعثّر وتتعقّد، انطلاقاً من جزئيّة هنا أو هناك، لجعل الوحدويّين يتحرّكون في مظاهرة للتّركيز على هذه المفردة الّتي ربَّما كانت خلفيّتها مخابراتيّة أو استعماريّة، لتسجيل كلّ فريق نقطة على الفريق الآخر.. وهكذا تتجمّع النقاط الجديدة، لتسقط الوحدة حتّى في نفوس الوحدويّين، بحيث لا يبقى لديهم إلاَّ الشّعار، نتيجة ظروف سياسيّة أو اجتماعيّة خاصّة.
إنَّنا نتصور أنَّ علينا أن ننتج الوحدة الإسلاميّة، من خلال إنتاج الإسلام في نفوسنا، وأن لا يفكّر الشيعيّ شيعيّاً، والسنّيّ سنيّاً، بل أن يفكّر الشيعيّ كمسلم، من حيث امتداد الإسلام في مفاهيمه الواسعة، من خلال الصّورة القرآنيّة والصّورة النبويّة فيما صحّ في السنّة، وأن يفكّر السنّيّ كمسلم في هذا الاتجاه.

وعندها ننتج الإسلام في نفوسنا، بحيث نتحسّس الإسلام في المذهب ولا نتحسّس المذهب في الإسلام. أنا لا أقول لأصحاب المذاهب أن يتركوا أو أن يصادروا فكرهم المذهبي انطلاقاً من شعار الوحدة، ولكن أقول إنَّ عليكم أن تناقشوا مذهبكم من خلال الإسلام، ومدى انسجامه مع المفاهيم الإسلاميّة، لا أن تغيّروا المفاهيم الإسلاميّة الواضحة على أساس مفردات المذهب، ونحن نستهدي بهدى أئمَّتنا من أهل البيت(ع)، حيث إنَّهم عندما واجهوا هذا الرّكام الهائل من الأحاديث الموضوعة الّتي نسبت إليهم من قبل الوضّاعين الكذّابين، أطلقوا الخطّ العام: »لا تقبلوا علينا إلاَّ ما وافق كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا«... »ما خالف كتاب اللّه فهو زخرف«... »ما خالف كتاب اللّه فاضربوا به عرض الحائط«.
إنَّ معنى ذلك، أنَّ علينا درس الأحاديث على ضوء موافقتها للكتاب ومخالفتها له، لا أن نؤوّل الكتاب لمصلحة الأحاديث الّتي ربَّما تكون مدسوسة، فالقرآن يعطينا مفاهيم عامّة للنظرة الإسلاميّة إلى الحياة، وعلينا أن ندرس في كلّ حديث من هذه الأحاديث طبيعة الأفق العام للقيمة الإسلاميّة، أو للمفهوم الإسلاميّ في الحياة.

مثلاً، قد نلاحظ أنَّ هناك اتجاهاً في بعض المواقع الفكريّة الإسلاميّة لتحجيم القيمة الأخلاقيّة، وهو ما يعكس النظرة الإسلاميّة الأصلية، فالإنسان ـ وفق هذا الاتجاه ـ يجب أن يكون أميناً مع أهل مذهبه أو مع أهل دينه، أمّا بالنّسبة إلى غير أهل مذهبه أو دينه، فإنَّه يستحلّ أموالهم أو دماءهم! إنَّ معنى ذلك أنَّ القيم نزلت لتجمّع خاصّ، ولـم تنزل للإنسان كلّه وللعالم كلّه. إنَّ دراستنا للإسلام تفيدنا بأنَّ اللّه أنزل القيم للإنسان كلّه، ليعيشها الإنسان وتنظّم حياته، فلم ينزل الصّدق ليكون للشّيعة فحسب، أو للسنّة فحسب، أو للمسلمين فحسب.

لذلك، نحن بحاجةٍ إلى أن ندرس مذاهبنا على هدي المفاهيم القرآنيَّة وما صحَّ من سنَّة نبيّنا، لنبلورها، وهذا ما ننطلق فيه من قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[النّساء: 59].

الوحدة السياسيّة
لذلك، لا بُدَّ من أن تكون لنا الذهنيّة الموضوعيّة الّتي نستطيع من خلالها أن ندرس القضايا استناداً إلى المنهج الموضوعيّ العلميّ الّذي تبتعد فيه الذّات عن الفكرة، بحيث يكون المتحاوران أو المتباحثان أمام الفكرة على حدّ سواء، على طريقة أسلوب الحوار القرآنيّ في قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ: 24]، فليس هناك شخصان، وإنَّما هناك فكرتان، ودور الشّخصين أنَّهما يعملان على أن يكتشفا هذه الفكرة أو تلك، في دائرة الصّواب أو الخطأ.

إنَّني أتصوّر أنَّنا قد نجتاز العوائق الكبيرة إذا استطعنا أن نتحلَّى بهذه الموضوعيَّة، وأن نكون جدّيّين في إسلامنا، وعندها، لن يخاف أحدنا إذا فقد بعض ما ألفه من تراث آبائه وأجداده إذا اكتشف أنَّه على خطأ، ولن يعتبر أنَّ اقتناعه برأي الآخر من خلال الحجّة والبرهان، عمليّة سلبيّة يشعر فيها الشّيعة بأنَّ السنّة يشمتون بهم، أو يشعر فيها السنّة بأنَّ الشّيعة يشمتون بهم، لأنَّ المهمّ ـ وفق قناعتنا ـ أن لا يشمت بنا الباطل.
وهناك خطّ آخر للوحدة الإسلاميّة، وهو أقرب الخطوط، وأعني به خطّ الوحدة السياسيّة.. ولا أقصد بالوحدة السياسيّة وحدة الدّول الإسلاميّة، أي الوحدة الدستوريّة، وإنَّما وحدة المواقف السياسيّة الكبرى، فنتوحّد حول القضيّة الفلسطينيّة في مواجهة »إسرائيل«، ونتوحّد في مواجهة الاستكبار العالميّ الّذي يحاول أن يستولي على كلّ مقوّماتنا وكلّ مقدّراتنا وأوضاعنا بالدّرجة التي يمكن فيها أن يلغي وجودنا، وننطلق لنواجه الكفر العالميّ الّذي يعمل على مهاجمة المفاهيم الإسلاميّة، سواء على مستوى العقائد، أو على مستوى الشّريعة، أو على مستويات أخرى.

إنَّني أتصوّر أنَّ علينا أن نتحسّس هذا الهجوم الاستكباريّ الكافر، ولا سيّما اليهوديّ منه، على الإسلام كلّه، وعلى المسلمين كلّهم، وهو ما لا يختلف فيه مسلم عن آخر. وفي هذا المجال، لا تختلف حصّة الشيعي عن حصّة السنّي.  كانوا يتحدّثون في كثير من الحالات عن الشّيعة في بعض المواقع السياسيّة الحادّة، ولكنَّنا أصبحنا نواجه المسألة في مجتمعات أخرى، وها هم يتحدّثون عن عنوان الإرهاب الّذي بدأ شيعيّاً وتحوّل إسلاميّاً، فأصبحنا نسمع عن الإرهاب المصري، والإرهاب الجزائري، والإرهاب الأفغاني، وإلى غير ذلك من المفردات الّتي يلصق فيها الإرهاب بكلّ حركيّ إسلاميّ، كما كانوا يتحدّثون عن الإرهاب الشيعي أو الإرهاب الإيراني... وما إلى ذلك.

وسيلة الالتقاء بين المسلمين
علينا أن نشعر بأنَّ مصلحة المسلمين واحدة، وبأنَّ على المسلمين إذا اختلفوا في مفاهيمهم الفكريّة في علم الكلام، أو في مفاهيمهم الفقهيّة في علم الشّرائع، أو في بعض الرّموز الّذين يقدّسهم هؤلاء ويرفضهم أولئك، أن يجمّدوا ذلك كلّه في المرحلة الحاضرة، لأنَّ المشكلة هي أنَّ الاستكبار العالميّ يحاول أن يستغلّ ذلك كلّه، من أجل زيادة حالة الإسقاط والإحباط لدى الواقع الإسلاميّ الّذي يجعل المسلمين يفقدون ثقتهم بأنفسهم. وإنَّني أتصوّر أنَّ الوحدة السياسيّة الّتي يتحرّك فيها المسلمون في قضاياهم السياسيّة من موقع أنَّها قضايا مترابطة ترابطاً عضويّاً، وأنَّ الضّعف في بعضها يمثّل ضعفاً في البعض الآخر، وأنَّ القوّة في هذا يمثّل قوّة في الآخر، أعتقد أنَّها تهيّئ للمسلمين مناخاً صافياً، بعيداً عن التشنّجات الذاتيّة أمام الخطر الكبير والتحدّيات الكبرى، وهذا يهيّئ كثيراً من وسائل التّعارف والتّلاقي ووسائل التّثقيف المتبادل، حيث إنَّ المسلمين كانوا يتخاطبون من بُعد، عبر كتاب يصدر هنا ليردّ عليه كتاب هناك، أو من خلال عبرة تنطلق من واعظ هنا ليردّ عليها واعظ هناك.  فإذا التقوا في ساحة الجهاد وفي ساحة الصّراع السياسيّ على القضايا الّتي يشعر كلّ واحد منهم بأنَّها قضاياه، فإنَّ ذلك سوف يخلق جوّاً شعوريّاً حميماً، يمكن فيه أن تنفتح القلوب على بعضها البعض. ونحن نعتقد أنَّ أفضل وسيلة لانفتاح العقول على بعضها البعض، هي انفتاح القلوب على بعضها.

وقد علّمنا القرآن الكريم أن ننطلق من مواقع اللّقاء كوسيلة عمليَّة واقعيَّة للوصول إلى مواقع الخلاف، وهذا ما قاله اللّه سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً}[آل عمران: 64]. إنَّ اللّه سبحانه يقول إنَّ هناك أرضيّة مشتركة بيننا في المفاهيم العامّة، بعيداً عن الخلاف في التّفاصيل، فتعالوا نقف على الأرض المشتركة، ثمَّ عندما نصل إلى مفترق الطّرق، فإنَّ بإمكاننا أن نتفاهم، لأنَّنا تعارفنا على بعضنا بعضاً، وإنَّ هناك أرضاً محدودة مشتركة، وإذا كانت الأرض محدودة، فإنَّنا نستطيع أن نمدّها بالحوار لتكون الأرض الشّاملة.

مسؤوليَّة القياديّين
إنَّني أتصوّر أنَّ على القياديّين الإسلاميّين أن يتحرّكوا في خطّ الوحدة، من خلال دراسة المشاكل الحقيقيّة في الذهنيّة الإسلاميّة الّتي تتجذّر فيها الخلافات، وأن يدرسوا مسألة الوحدة في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي لا يختلف فيها بلد إسلاميّ عن بلد إسلاميّ آخر، ما يجعل من حركة الوحدة بهذا الأسلوب حركة واقعيَّة، وعلينا أن نعرف أنََّ الوحدة الإسلاميَّة هي من الممنوعات الاستكباريّة، وهي من الممنوعات الصهيونيّة والممنوعات الكافرة.  فهناك شعور بأنَّ الإسلام في عقيدته وشريعته ومنهجه، يمثّل قوّة هائلة يمكن لها أن تحكم العالـم إذا استطاعت أن تحرّك قوّتها ضمن خطّة مدروسة عمليّة بعيدة في الزّمن. لذلك، فهم يعملون على تمزيق المسلمين أكثر، وعلى منع كلّ حركة لقاء بينهم.

لذلك، أعتبر أنَّ حركتنا نحو الوحدة الإسلاميّة، هي جزء من صراعنا ضدّ الاستكبار العالميّ، باعتبار أنَّه هو الجدار الكبير.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية