إنَّ حركة الحوار المسيحي ـ الإسلامي في الظّروف الصَّعبة الحاضرة، تمثّل ضرورة حيّة بالنسبة إلى تأصيل المفهوم الديني المشترك بين الديانتين، في بُعده الإنساني المرتكز على قاعدة المحبَّة الإنسانيَّة كمظهر للإيمان بالله، كما جاء في حديث النبيّ محمَّد(ص)، الذي ربط بين الإيمان والمحبَّة في الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه" ، ما يوحي بأنَّ العلاقة الإنسانية تفرض التداخل في الجانب الشعوري والعملي، الذي ينفتح على معنى الوحدة في العمق، في معنى التنوّع في الواقع الوجودي. كما أنَّ النص المسيحي يرى أنَّ "الله محبة"، وهو يلتقي بأكثر من آية قرآنيَّة كريمة تؤكّد محبة الله تعالى للإنسان في حركة إنسانيته في الإنسان الآخر وفي الحياة، وبنصٍّ مأثورٍ عن الإمام جعفر الصّادق(ع)، وهو من أئمَّة أهل البيت(ع)، قال فيه: "وهل الدين إلا الحبّ!" .
وهناك عنوان آخر في النصوص الدينيَّة الإسلاميَّة، يتناول علاقة الإنسان بالإنسان، وهو الرحمة التي تربط بين أفراد المجتمع: "رحماء بينهم"، "وتواصوا بالمرحمة"، في مفهومها القائم على الإحساس العميق بالإنسان، في تقدير ظروفه وآلامه وأحلامه، ما يوحي بالمشاركة الشعوريَّة التي تتحوّل إلى اندماج حركي في الواقع.
إنَّنا نثير هذين العنوانين الإنسانيين في القيمة الروحيّة الأخلاقيّة الدينيّة، لنؤكّد أنَّ العنف لا يمثّل أيّة قاعدة في حلّ المشاكل الإنسانيّة، في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة، بل يمثّل استثناءً في حالات الضرورة القصوى، في إطار الدفاع الذي يتحرّك عند استنفاد كلّ الوسائل السلمية في الحفاظ على الحياة، أو القضايا الحيويّة أو المصيريّة الكبرى، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريـم في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ، لتأكيد القاعدة الأخلاقيّة في الأخذ بالوسائل التي تحوّل الأعداء إلى أصدقاء، وهو ما عبّر عنه أيضاً الحديث النبوي الشريف: "إنَّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرفقَ، ويُعطي على الرفقَ ما لا يُعطي على العنف".
وفي ضوء ذلك، فإنَّنا نرفض الإرهاب كلّه في مفهومه الأصيل، وهو الاعتداء على المدنيين الأبرياء، تحت تأثير عناوين ذاتيَّة أو عنصريَّة أو دينيَّة أو سياسيَّة، من خلال العقدة النفسية الضيّقة التي تتفجّر بالآخر من دون أيّة ضرورة دفاعية مشروعة. ولذلك، استنكرنا ما حدث من تفجيرات في الولايات المتحدة الأميركية ضدَّ المدنيين، وأكّدنا أنَّ الرفض لسياسة الإدارة الأميركية، لا يُعالج بهذه الطريقة، وأنَّ علينا من حيث المبدأ، أن لا نحمّل الشعوب وزر أعمال حكوماتها، انطلاقاً من الآية القرآنية الكريمة:
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، كما استنكرنا كلّ المجازر الإسرائيلية ضدَّ الشعبين الفلسطيني واللبناني.
المقاومة مظهر المحبَّة الإنسانيَّة
ولكن علينا أن لا نخلط بين الإرهاب والمقاومة من أجل التحرير، لأنَّ قضيّة حريَّة الشَّعب في تقرير مصيره ومقاومته للمحتلّ، تمثّل المظهر الحيّ لحركة المحبّة الإنسانيّة، بينما يمثّل الاحتلال مظهراً للحقد الإنساني، باعتباره لوناً من ألوان الاستعباد الإنساني في تعطيل إرادته عن القرار، ومحاصرة أوضاعه عن النمو والإبداع.
ولهذا، لا بُدَّ لنا من دراسة الانتفاضة الّتي يقوم بها الشعب الفلسطيني من حيث هي حركة تحرر، وأنَّ الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينيّة، هو نوع من أنواع المصادرة للحقوق الإنسانية المشروعة للفلسطينيين، وأنَّ أيّة مساندة سياسيّة أو اقتصاديّة أو عسكريّة له، هي مساعدة لإرهاب الدّولة، سواء من حيث إنَّ الاحتلال يمثّل أعلى مظاهر الإرهاب، أو من حيث الممارسات اللاإنسانيّة التي يقوم بها الكيان الصّهيوني. وهذا هو الّذي يفرض على المسيحيين والمسلمين، من حيث القيمة الروحيّة الأخلاقيّة الإنسانيّة، الوقوف مع الشَّعب الفلسطيني في حركة التحرير، واعتبار الاحتلال المفروض عليه لوناً من ألوان الإرهاب، بدلاً مما تعتبره الإدارة الأميركيّة من اعتبار حركة التحرّر إرهاباً، وحركة الاحتلال دفاعاً عن النفس!
إنَّنا نقف مع العالـم كلّه في مواجهة الإرهاب في بُعدِه اللاإنساني، ولكن علينا أن نحدِّد معناه، حتّى لا نخلط بين الإرهاب وحركة التحرير... مع ملاحظة أخيرة، وهي أنَّ علينا تأصيل المفاهيم الحضارية الروحية الإنسانية للإسلام والمسيحية، فلا نحكم على الواقع الغربي بأنَّه يمثّل الحضارة المسيحية، بل هو نقيضها في قاعدته المادية، كما لا نحكم على كلّ واقع المسلمين بأنَّه يمثّل الحضارة الإسلامية، لأنَّ كثيراً من الممارسات تختلف عن قيم الإسلام.
إنَّ علينا أن نبحث عن الوسائل العمليَّة للقاء المسيحي ـ الإسلامي، على أساس الكلمة السواء، وتأصيل المفاهيم الحقيقيّة للخطوط الفكريّة والعمليّة للديانتين، واعتبار الحوار هو الأساس للتفاهم واللقاء، والوصول إلى إعادة الروح التي تمنح الواقع نبضاً إنسانياً، من خلال الإيمان بالله في حياتنا العامّة، لنشترك معاً في إبعاد الإنسان عن العنف الإرهابي، وعن البغض والعداوة، لينطلق الحبّ في ينابيع الصفاء من عمق الإنسان، ولتتحرّك الرحمة كمنهج عملي للعلاقات على صعيد الواقع.
مداخلة في القمة الإسلامية ـ المسيحية/ روما.
التاريخ: 19 رجب 1422هـ - 6-10-2001م
إنَّ حركة الحوار المسيحي ـ الإسلامي في الظّروف الصَّعبة الحاضرة، تمثّل ضرورة حيّة بالنسبة إلى تأصيل المفهوم الديني المشترك بين الديانتين، في بُعده الإنساني المرتكز على قاعدة المحبَّة الإنسانيَّة كمظهر للإيمان بالله، كما جاء في حديث النبيّ محمَّد(ص)، الذي ربط بين الإيمان والمحبَّة في الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه" ، ما يوحي بأنَّ العلاقة الإنسانية تفرض التداخل في الجانب الشعوري والعملي، الذي ينفتح على معنى الوحدة في العمق، في معنى التنوّع في الواقع الوجودي. كما أنَّ النص المسيحي يرى أنَّ "الله محبة"، وهو يلتقي بأكثر من آية قرآنيَّة كريمة تؤكّد محبة الله تعالى للإنسان في حركة إنسانيته في الإنسان الآخر وفي الحياة، وبنصٍّ مأثورٍ عن الإمام جعفر الصّادق(ع)، وهو من أئمَّة أهل البيت(ع)، قال فيه: "وهل الدين إلا الحبّ!" .
وهناك عنوان آخر في النصوص الدينيَّة الإسلاميَّة، يتناول علاقة الإنسان بالإنسان، وهو الرحمة التي تربط بين أفراد المجتمع: "رحماء بينهم"، "وتواصوا بالمرحمة"، في مفهومها القائم على الإحساس العميق بالإنسان، في تقدير ظروفه وآلامه وأحلامه، ما يوحي بالمشاركة الشعوريَّة التي تتحوّل إلى اندماج حركي في الواقع.
إنَّنا نثير هذين العنوانين الإنسانيين في القيمة الروحيّة الأخلاقيّة الدينيّة، لنؤكّد أنَّ العنف لا يمثّل أيّة قاعدة في حلّ المشاكل الإنسانيّة، في القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة، بل يمثّل استثناءً في حالات الضرورة القصوى، في إطار الدفاع الذي يتحرّك عند استنفاد كلّ الوسائل السلمية في الحفاظ على الحياة، أو القضايا الحيويّة أو المصيريّة الكبرى، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريـم في قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ، لتأكيد القاعدة الأخلاقيّة في الأخذ بالوسائل التي تحوّل الأعداء إلى أصدقاء، وهو ما عبّر عنه أيضاً الحديث النبوي الشريف: "إنَّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرفقَ، ويُعطي على الرفقَ ما لا يُعطي على العنف".
وفي ضوء ذلك، فإنَّنا نرفض الإرهاب كلّه في مفهومه الأصيل، وهو الاعتداء على المدنيين الأبرياء، تحت تأثير عناوين ذاتيَّة أو عنصريَّة أو دينيَّة أو سياسيَّة، من خلال العقدة النفسية الضيّقة التي تتفجّر بالآخر من دون أيّة ضرورة دفاعية مشروعة. ولذلك، استنكرنا ما حدث من تفجيرات في الولايات المتحدة الأميركية ضدَّ المدنيين، وأكّدنا أنَّ الرفض لسياسة الإدارة الأميركية، لا يُعالج بهذه الطريقة، وأنَّ علينا من حيث المبدأ، أن لا نحمّل الشعوب وزر أعمال حكوماتها، انطلاقاً من الآية القرآنية الكريمة:
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، كما استنكرنا كلّ المجازر الإسرائيلية ضدَّ الشعبين الفلسطيني واللبناني.
المقاومة مظهر المحبَّة الإنسانيَّة
ولكن علينا أن لا نخلط بين الإرهاب والمقاومة من أجل التحرير، لأنَّ قضيّة حريَّة الشَّعب في تقرير مصيره ومقاومته للمحتلّ، تمثّل المظهر الحيّ لحركة المحبّة الإنسانيّة، بينما يمثّل الاحتلال مظهراً للحقد الإنساني، باعتباره لوناً من ألوان الاستعباد الإنساني في تعطيل إرادته عن القرار، ومحاصرة أوضاعه عن النمو والإبداع.
ولهذا، لا بُدَّ لنا من دراسة الانتفاضة الّتي يقوم بها الشعب الفلسطيني من حيث هي حركة تحرر، وأنَّ الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينيّة، هو نوع من أنواع المصادرة للحقوق الإنسانية المشروعة للفلسطينيين، وأنَّ أيّة مساندة سياسيّة أو اقتصاديّة أو عسكريّة له، هي مساعدة لإرهاب الدّولة، سواء من حيث إنَّ الاحتلال يمثّل أعلى مظاهر الإرهاب، أو من حيث الممارسات اللاإنسانيّة التي يقوم بها الكيان الصّهيوني. وهذا هو الّذي يفرض على المسيحيين والمسلمين، من حيث القيمة الروحيّة الأخلاقيّة الإنسانيّة، الوقوف مع الشَّعب الفلسطيني في حركة التحرير، واعتبار الاحتلال المفروض عليه لوناً من ألوان الإرهاب، بدلاً مما تعتبره الإدارة الأميركيّة من اعتبار حركة التحرّر إرهاباً، وحركة الاحتلال دفاعاً عن النفس!
إنَّنا نقف مع العالـم كلّه في مواجهة الإرهاب في بُعدِه اللاإنساني، ولكن علينا أن نحدِّد معناه، حتّى لا نخلط بين الإرهاب وحركة التحرير... مع ملاحظة أخيرة، وهي أنَّ علينا تأصيل المفاهيم الحضارية الروحية الإنسانية للإسلام والمسيحية، فلا نحكم على الواقع الغربي بأنَّه يمثّل الحضارة المسيحية، بل هو نقيضها في قاعدته المادية، كما لا نحكم على كلّ واقع المسلمين بأنَّه يمثّل الحضارة الإسلامية، لأنَّ كثيراً من الممارسات تختلف عن قيم الإسلام.
إنَّ علينا أن نبحث عن الوسائل العمليَّة للقاء المسيحي ـ الإسلامي، على أساس الكلمة السواء، وتأصيل المفاهيم الحقيقيّة للخطوط الفكريّة والعمليّة للديانتين، واعتبار الحوار هو الأساس للتفاهم واللقاء، والوصول إلى إعادة الروح التي تمنح الواقع نبضاً إنسانياً، من خلال الإيمان بالله في حياتنا العامّة، لنشترك معاً في إبعاد الإنسان عن العنف الإرهابي، وعن البغض والعداوة، لينطلق الحبّ في ينابيع الصفاء من عمق الإنسان، ولتتحرّك الرحمة كمنهج عملي للعلاقات على صعيد الواقع.
مداخلة في القمة الإسلامية ـ المسيحية/ روما.
التاريخ: 19 رجب 1422هـ - 6-10-2001م