متفرقات
16/08/2019

حديث الغدير لا مجال للطّعن فيه

حديث الغدير لا مجال للطّعن فيه

حديث الغدير من الأحاديث الثابتة قطعاً، والتي دوّنتها مصادر الحديث المعتمدة عند المسلمين، فلا مجال للطعن فيه من قريب أو بعيد، ولقد رواه الكثيرون من الصحابة والتابعين بشكل لا يمكن لأحد أن يشكك فيه إن كان يفكر بالطريقة العلمية في توثيق الحديث، وقد اعترف بتواتر حديث الغدير عدد من علماء السنّة.

ففي البداية، كان النبي (ص) قادماً من حجة الوداع والمسلمون معه، ويقال إنهم كانوا مئة ألف، والبعض يقول عشرة آلاف، ومهما يكن الرقم، فإن حجة الوداع مثّلت تجمعاً كبيراً للمسلمين الذين دخلوا في الإسلام، بحيث شملت كلّ مواقع العالم الإسلامي آنذاك، ففي منتصف الطريق والدنيا تلتهب ناراً في وقت الظهيرة، وأنتم تعرفون كيف تكون ظهيرة الصحراء في تلك المنطقة، نزلت على الرسول (ص) هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس}.

فلو قرأنا هذا النص قراءة تحليلية، فماذا نجد؟

إننا نتساءل: ما معنى أن الله تعالى يقول للنبي (ص): {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، فما هي القضية التي تحمل هذا المستوى من الخطورة؟ هل معنى ذلك حكماً شرعياً؟

إن النبي (ص) يومذاك كان قد بلّغ الرسالة كلها، ومما يدل على ذلك، قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، فكأن النبي (ص) إذا لم يبلّغ ما أنزل إليه من ربه في هذا الأمر، لم يفعل شيئاً.

فهل هناك حكم شرعي يصل إلى هذا المستوى، ما يجعل التقصير في إبلاغه للناس يعادل التقصير في إبلاغ الرسالة كلها؟ فلا بدّ أن يكون أمراً يمثل مسألة حيوية في عمق الواقع الإسلامي بما يكون شرطاً في سلامته وامتداده؟

ثم يقول تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس}، ما يوحي بحساسية المسألة، وما سوف تثيره من أجواء رافضة.

فأي حكم شرعي يمكن أن يثير الناس على النبي (ص)؟! فهو عندما جاء بالرسالة ـ في أول عهد الدعوة ـ أثار المشركين وأهل الكتاب عليه، وأما أن تكون القضية في مستوى إثارة المسلمين، فإننا لا نفهم قضية في هذا المستوى من الحساسية والإثارة، إلا قضية (الولاية) لعلي (ع) في علاقته القرابية برسول الله (ص)، والولاية تعني ضمان امتداد الخط الرسالي من بعد النبي (ص)، بحيث لا يكون هذا الأمر مجالاً للنزاع والخلاف الذي يمكن أن يربك العالم الإسلاميّ... والسبب أن قضيّة الخلافة ليست قضية إدارية فقط، وإلا فأيّ شخص يمتلك الخبرة الإدارية ـ وخصوصاً إذا كان متقدماً في السن ـ يمكن أن يدير الواقع بنحو معقول.

فقضية الإسلام إذاً ليست قضية حكم، بل قضية استكمال لدور النبي (ص) في الدعوة وتأكيد الرسالة وتعميقها في واقع الوجدان الإسلام، لأن النبي (ص) لم يستطع بفعل الحروب والفتن والتحديات أن يستكمل عملية تعميق الإسلام في نفوس الناس.

فمن هو ـ يا ترى ـ المؤهّل للقيام بالدور الرسالي كما هي الرسالة في كل امتدادها في العلم والروح والجهاد والوعي والنظرة إلى المستقبل؟ فمع احترامنا لكل المسلمين، ولا نريد أن نسيء إلى أحد، نرى أن علياً (ع) أخذ رسول الله (ص) كله ما عدا النبوّة، لأنه الشخص الوحيد الذي ربّاه رسول الله (ص) منذ طفولته الأولى على روحه وإيمانه وخلقه واستقامته وصدقه وأمانته، حتى إذا بعثه الله رسولاً، كان الثالث في بيت رسول الله (ص): عليّ وخديجة ورسول الله (ص)، فلقد عاش في بيت رسول الله، وبقي يسمع ما يسمع ويرى ما يرى عندما ينزل الوحي عليه، بشهادة عليّ (ع) في خطبته في "نهج البلاغة"، قال: "إنَّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبيّ".

ثم كان يعيش مع النبيّ (ص) في ليله ونهاره، ولم يفارقه أبداً إلا في وقعة (تبوك)، وفي مكّة، لم يكن لعليّ بيت مستقل، ولذلك تربّى مع السيّدة الزهراء (ع) في طفولتها الأولى في بيت النبيّ (ص)، فكانا تلميذي رسول الله (ص)، وقال (ع): "علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب"، وقال النبيّ (ص) مما يرويه الفريقان: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وقال: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار"، وقال: "يا عليّ، إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيّ بعدي"...

لذلك، لم نجد في المسلمين سوى عليّ (ع) من احتلّ هذه المكانة عند رسول الله (ص)، ولقد كان عليّ (ع) يعي الرّسالة كما يعيها رسول الله (ص). ولذلك، كان الوحيد المؤهّل لأن يستكمل الدور الرسالي، إضافةً إلى الدور الإداري والسياسي وما إلى ذلك.

فالله عندما يقول: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }، فإن ذلك يعني أن الأمر مرتبط بالرسالة وامتدادها في شخص يمكن أن يعطي الرسالة من علمه وروحه وإخلاصه وجهاده ما أعطاها رسول الله (ص)، "إلا أنّه لا نبيّ بعدي"، ويقول تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} الذين سيقولون إنه أعطى الإمامة والولاية لابن عمّه.

وفي تلك الصحراء الملتهبة، خطب رسول الله (ص) خطابه التاريخي المعروف: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، وهذه تعني الحاكميّة، وقد ذكرها النبيّ (ص) من أجل أن يؤكّد أنّ هذه الحاكميّة التي كانت له يريد أن ينقلها إلى شخص آخر.

قالوا: بلى، قال: اللّهمّ اشهد، فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً، في كل ذلك يقول مثل قوله الأول، ويقول الناس كذلك: "اللّهمّ اشهد". ثم أخذ بيد أمير المؤمنين، فرفعها حتى بدا للناس بياض إبطيهما، ثم قال (ص): "ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه".

وقد حاول البعض أن يفرغ هذا النص من دلالاته الكبيرة، حينما يقول: إن المولى يطلق على المحبّ، أي من كنت محبّه فعليّ محبه، وعلى الناصر، أو ما ناظر من مرادفات، فهل يعقل أن النبيّ (ص) يجمع المسلمين في ذلك الهجير الملتهب ليقول لهم مثل هذا الكلام؟ لقد كان بإمكانه أن يقول ذلك في أيّ وقت آخر، فكلمة المولى هنا تحمل مدلولاً سياسياً وقيادياً، فهي تعني (المولى والحاكم)، فالحديث هنا إذاً هو في مقام بيان الولاية لا بمعنى الحبّ، بل بمعنى الحاكميّة، كما هي الحاكميّة لله ولرسوله، أي من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه.

فحديث الغدير يمثّل نصّاً صريحاً في تعيين القيادة الامتدادية بعد رسول الله، فعندما ندرس سياق الحديث وجوّه والآية التي سبقت والتي جاءت بعد ذلك {اليوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ}، نجد أن حديث الغدير هو من أوضح النصوص الإسلاميّة الصّادرة عن النبيّ (ص) في ولاية عليّ (ع)، وبالتالي، فلا معنى للتشكيك فيه.

*من كتاب الندوة، ج5.

حديث الغدير من الأحاديث الثابتة قطعاً، والتي دوّنتها مصادر الحديث المعتمدة عند المسلمين، فلا مجال للطعن فيه من قريب أو بعيد، ولقد رواه الكثيرون من الصحابة والتابعين بشكل لا يمكن لأحد أن يشكك فيه إن كان يفكر بالطريقة العلمية في توثيق الحديث، وقد اعترف بتواتر حديث الغدير عدد من علماء السنّة.

ففي البداية، كان النبي (ص) قادماً من حجة الوداع والمسلمون معه، ويقال إنهم كانوا مئة ألف، والبعض يقول عشرة آلاف، ومهما يكن الرقم، فإن حجة الوداع مثّلت تجمعاً كبيراً للمسلمين الذين دخلوا في الإسلام، بحيث شملت كلّ مواقع العالم الإسلامي آنذاك، ففي منتصف الطريق والدنيا تلتهب ناراً في وقت الظهيرة، وأنتم تعرفون كيف تكون ظهيرة الصحراء في تلك المنطقة، نزلت على الرسول (ص) هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس}.

فلو قرأنا هذا النص قراءة تحليلية، فماذا نجد؟

إننا نتساءل: ما معنى أن الله تعالى يقول للنبي (ص): {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، فما هي القضية التي تحمل هذا المستوى من الخطورة؟ هل معنى ذلك حكماً شرعياً؟

إن النبي (ص) يومذاك كان قد بلّغ الرسالة كلها، ومما يدل على ذلك، قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، فكأن النبي (ص) إذا لم يبلّغ ما أنزل إليه من ربه في هذا الأمر، لم يفعل شيئاً.

فهل هناك حكم شرعي يصل إلى هذا المستوى، ما يجعل التقصير في إبلاغه للناس يعادل التقصير في إبلاغ الرسالة كلها؟ فلا بدّ أن يكون أمراً يمثل مسألة حيوية في عمق الواقع الإسلامي بما يكون شرطاً في سلامته وامتداده؟

ثم يقول تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس}، ما يوحي بحساسية المسألة، وما سوف تثيره من أجواء رافضة.

فأي حكم شرعي يمكن أن يثير الناس على النبي (ص)؟! فهو عندما جاء بالرسالة ـ في أول عهد الدعوة ـ أثار المشركين وأهل الكتاب عليه، وأما أن تكون القضية في مستوى إثارة المسلمين، فإننا لا نفهم قضية في هذا المستوى من الحساسية والإثارة، إلا قضية (الولاية) لعلي (ع) في علاقته القرابية برسول الله (ص)، والولاية تعني ضمان امتداد الخط الرسالي من بعد النبي (ص)، بحيث لا يكون هذا الأمر مجالاً للنزاع والخلاف الذي يمكن أن يربك العالم الإسلاميّ... والسبب أن قضيّة الخلافة ليست قضية إدارية فقط، وإلا فأيّ شخص يمتلك الخبرة الإدارية ـ وخصوصاً إذا كان متقدماً في السن ـ يمكن أن يدير الواقع بنحو معقول.

فقضية الإسلام إذاً ليست قضية حكم، بل قضية استكمال لدور النبي (ص) في الدعوة وتأكيد الرسالة وتعميقها في واقع الوجدان الإسلام، لأن النبي (ص) لم يستطع بفعل الحروب والفتن والتحديات أن يستكمل عملية تعميق الإسلام في نفوس الناس.

فمن هو ـ يا ترى ـ المؤهّل للقيام بالدور الرسالي كما هي الرسالة في كل امتدادها في العلم والروح والجهاد والوعي والنظرة إلى المستقبل؟ فمع احترامنا لكل المسلمين، ولا نريد أن نسيء إلى أحد، نرى أن علياً (ع) أخذ رسول الله (ص) كله ما عدا النبوّة، لأنه الشخص الوحيد الذي ربّاه رسول الله (ص) منذ طفولته الأولى على روحه وإيمانه وخلقه واستقامته وصدقه وأمانته، حتى إذا بعثه الله رسولاً، كان الثالث في بيت رسول الله (ص): عليّ وخديجة ورسول الله (ص)، فلقد عاش في بيت رسول الله، وبقي يسمع ما يسمع ويرى ما يرى عندما ينزل الوحي عليه، بشهادة عليّ (ع) في خطبته في "نهج البلاغة"، قال: "إنَّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبيّ".

ثم كان يعيش مع النبيّ (ص) في ليله ونهاره، ولم يفارقه أبداً إلا في وقعة (تبوك)، وفي مكّة، لم يكن لعليّ بيت مستقل، ولذلك تربّى مع السيّدة الزهراء (ع) في طفولتها الأولى في بيت النبيّ (ص)، فكانا تلميذي رسول الله (ص)، وقال (ع): "علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب"، وقال النبيّ (ص) مما يرويه الفريقان: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وقال: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار"، وقال: "يا عليّ، إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيّ بعدي"...

لذلك، لم نجد في المسلمين سوى عليّ (ع) من احتلّ هذه المكانة عند رسول الله (ص)، ولقد كان عليّ (ع) يعي الرّسالة كما يعيها رسول الله (ص). ولذلك، كان الوحيد المؤهّل لأن يستكمل الدور الرسالي، إضافةً إلى الدور الإداري والسياسي وما إلى ذلك.

فالله عندما يقول: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }، فإن ذلك يعني أن الأمر مرتبط بالرسالة وامتدادها في شخص يمكن أن يعطي الرسالة من علمه وروحه وإخلاصه وجهاده ما أعطاها رسول الله (ص)، "إلا أنّه لا نبيّ بعدي"، ويقول تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} الذين سيقولون إنه أعطى الإمامة والولاية لابن عمّه.

وفي تلك الصحراء الملتهبة، خطب رسول الله (ص) خطابه التاريخي المعروف: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، وهذه تعني الحاكميّة، وقد ذكرها النبيّ (ص) من أجل أن يؤكّد أنّ هذه الحاكميّة التي كانت له يريد أن ينقلها إلى شخص آخر.

قالوا: بلى، قال: اللّهمّ اشهد، فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً، في كل ذلك يقول مثل قوله الأول، ويقول الناس كذلك: "اللّهمّ اشهد". ثم أخذ بيد أمير المؤمنين، فرفعها حتى بدا للناس بياض إبطيهما، ثم قال (ص): "ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ من عاداه".

وقد حاول البعض أن يفرغ هذا النص من دلالاته الكبيرة، حينما يقول: إن المولى يطلق على المحبّ، أي من كنت محبّه فعليّ محبه، وعلى الناصر، أو ما ناظر من مرادفات، فهل يعقل أن النبيّ (ص) يجمع المسلمين في ذلك الهجير الملتهب ليقول لهم مثل هذا الكلام؟ لقد كان بإمكانه أن يقول ذلك في أيّ وقت آخر، فكلمة المولى هنا تحمل مدلولاً سياسياً وقيادياً، فهي تعني (المولى والحاكم)، فالحديث هنا إذاً هو في مقام بيان الولاية لا بمعنى الحبّ، بل بمعنى الحاكميّة، كما هي الحاكميّة لله ولرسوله، أي من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه.

فحديث الغدير يمثّل نصّاً صريحاً في تعيين القيادة الامتدادية بعد رسول الله، فعندما ندرس سياق الحديث وجوّه والآية التي سبقت والتي جاءت بعد ذلك {اليوْمَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ}، نجد أن حديث الغدير هو من أوضح النصوص الإسلاميّة الصّادرة عن النبيّ (ص) في ولاية عليّ (ع)، وبالتالي، فلا معنى للتشكيك فيه.

*من كتاب الندوة، ج5.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية