الدِّين يمرُّ بطريق العلم

الدِّين يمرُّ بطريق العلم

قال الإسلام للناس، إنّ سياسة الإسلام ليست مثاليّة تبحث عن فضاء تغيب فيه، ولكنّها واقعيّة في المعنى القيمي للمثاليّة، لا في المعنى الفلسفي لها، إنّها واقعيّة، ولكنها تختلف في مصطلح الواقع عمّا يفكر فيه الآخرون. فواقعية الآخرين أن تستسلم للأمر الواقع، بأدوات الواقع... وهكذا استطاعت الحركة الإسلامية أن تدخل إلى الواقع، وأن تتحدى وتواجه التحدي، وأن تتحوّل إلى شيء في العالم، بعد أن كانت شيئاً في هذا الواقع المحلّي أو الإقليمي. ربما أصيبت ببعض الخدوش هنا، وببعض الجراحات هناك؛ خدوش إعلاميّة وجراحات سياسيّة وأمنيّة وما إلى ذلك، لكنّها كانت في موقع التحدّي، وبقيت في موقع التحدّي. ربما زادتها التجربة رشداً للخطوط السياسيّة أكثر. وقد كانت التجربة مدرسةً لها، لأنّ الإسلام علَّم الذين يتحركون في طريقه أن يستفيدوا من تجارب الآخرين، علّمهم أن التجربة عقل كما هو العقل عقل، ولذلك انطلقت هذه الحركة لتستفيد من أخطائها، ولتحوّل كثيراً من نقاط الضعف إلى نقاط قوّة، وما زالت في الساحة، ربما أخطأت في موقع، أو عاشت الضّعف في موقع آخر، ولكنها لم تخرج من الساحة.

إن الدين لا يمكن أن يتعايش مع الجهل، فالذين يفهمون التدين جهلاً، لم يفهموا معنى الله في الكون، ولم يفهموا سرّ عبودية الله أو ربوبيّته لهذه الظاهرة وتلك الظاهرة. فالله هو وراء الوجود، ولكنّ الوجود يتحرك من خلال نظام، ونفهم من خلال ذلك، أنّ الدّين يمرّ بطريق العلم، فكلما ازددت معرفةً ازددت إيماناً، وكلما انفتحت على سرّ من أسرار الكون، أو من أسرار حركة الحضارات، فهمت الله أكثر، لأنك تفهم بذلك عجائب الله وإبداعاته. ومن هنا، فإنّ الدين يمرّ بطريق العلم، أمّا الجهل، فقد يُخيّل إليك أنّه يعطيك ديناً، ولكن الواقع أنّه يعطيك تقاليد وعادات وسطحية في الفكر والشّعور.

ومن خلال ذلك قلنا إنَّ على الذين يريدون أن يعيشوا الإسلام وأن ينفتحوا عليه، أن يأخذوا بأسباب العلم، وأن يهيّئوا للناس مواقع العلم، وأن يهيّئوا للجاهلين فرص التعلّم، وبذلك اعتبر العلم فريضة إسلاميّة، كما كان التفكير فريضة إسلاميّة. التفكّر عبادة أفضل من كثير من استهلاك العبادة في مادية حركة الإنسان في صلواته ودعواته.

ومن خلال ذلك، إذا كان العلم قيمة إسلاميّة، فعلينا أن نهيِّئ لهذه الفريضة مساجدها، وعلينا أن نهيّئ لهذه الفريضة معابدها، وأن نحرك لها فرحها، ومن هنا، تلتقي مسألة حركة العلم بحركة الخير، فقد اعتدنا أن يكون الخير لمسة على رأس يتيم، وبسمة أمام جائع أو حزين، ولكننا اكتشفنا أن الخير، كلّ الخير، في أن تجعل إنساناً يعي أكثر ويفهم أكثر ويستوعب أكثر، لأنك بالعلم تختصر الكثير من مسافات الحلول أكثر مما تنفقه على كثير من القضايا بشكل تفصيلي، والعلم يمكن له أن يخطّط لك حياتك، وأن يركّز تجربتك، وأن يشارك في تقديم وسائل تلبية حاجاتك، وبذلك يختصر لك العالم الكثير من تفاصيل الحياة الّتي قد تثقل جهدك وقد تتعب طاقتك.

عندما نفكر إسلاميّاً ودينيّاً وغير ذلك، فالعلم هو واجهة التّفكير، ولذلك علينا أن نقف لنواجه التحدّي الكبير. إنّ الذين تقدّمونا كنّا قد تقدّمناهم في الماضي، الحضارة الغربيّة انطلقت من خلال التجربة كمصدر للمعرفة، وهذا ما تعلّمه الغرب من المسلمين في الشّرق، ومن خلال الأندلس بالذّات، ولكنهم ساروا ووقعنا. ثم هناك عقول عربيّة وإسلاميّة في الغرب، في أبحاث الفضاء والذرّة والطبّ، وفي كثير من الأبحاث، عقول اشتراها الغرب لأنّنا أضعناها، وعقول سرقها الغرب لأننا لم نحفظها، ولم نهيّئ لها الفرص.

إنّ هذا التقدم الذي وصل إليه الغرب والذي نحترمه، لا يسقطنا، ولا يجعلنا نشعر بأننا كمية مهملة أو أننا شيء على الهامش. لانزال نستطيع أن نفكر وأن نتعلم وأن ننتج وأن نهيئ فرص العمل، وهناك الكثيرون ممن يحاولون أن لا يسمحوا لنا بذلك، ممن يحاولون أن يرونا أن الحضارة هي في هذا الجانب السطحي من مستحضرات الحضارة ولهوها وعبثها وسطحياتها... لذلك، نحن نريد أن ننتج حضارة من خلال جهدنا وعلمنا وتفاعلنا مع الحضارات الأخرى، نريد أن نصنعها كما صنعناها في الماضي، قلتها لكثير من الناس، وطرحنها كشعار لدى كلّ مغتربينا في الغرب: المدرسة قبل المسجد، لأنّ المدرسة تستطيع أن تعمّق فينا علماً وديناً يحفظ لنا شخصيّتنا، وتقودنا إلى المسجد عندما تكون سليمة.

لذلك نحن نريد أن نكون أمّة العلم في حركة العلم. لقد تعارف الناس على أنّ الحسينيّة والمسجد هما دور الخير، وأنا أقول لكم إنّ كلّ موقع ينتج علماً، كلّ شخص يمكن أن يتحوّل عالماً، كلّ حركة يمكن أن تقدِّم لنا أمّة متعلّمة، هي موقع من مواقع الخير.

لا بدّ من أن نكون أقوياء، والعلم قوّة كبيرة، المستقبل هو مستقبل قوّة العلم، وحتى عندما تبحث عن قوّة السّلاح، لن تستطيع أن تنتج السّلاح أو أن تحركه.

*محاضرة لسماحته بعنوان "الحركة الإسلاميّة ورسالة العلم" في قاعة الجنان على طريق المطار، بتاريخ 03-08-1995، وبحضور حشد من الدّكاترة والمثقّفين وخريجي الجامعات.

قال الإسلام للناس، إنّ سياسة الإسلام ليست مثاليّة تبحث عن فضاء تغيب فيه، ولكنّها واقعيّة في المعنى القيمي للمثاليّة، لا في المعنى الفلسفي لها، إنّها واقعيّة، ولكنها تختلف في مصطلح الواقع عمّا يفكر فيه الآخرون. فواقعية الآخرين أن تستسلم للأمر الواقع، بأدوات الواقع... وهكذا استطاعت الحركة الإسلامية أن تدخل إلى الواقع، وأن تتحدى وتواجه التحدي، وأن تتحوّل إلى شيء في العالم، بعد أن كانت شيئاً في هذا الواقع المحلّي أو الإقليمي. ربما أصيبت ببعض الخدوش هنا، وببعض الجراحات هناك؛ خدوش إعلاميّة وجراحات سياسيّة وأمنيّة وما إلى ذلك، لكنّها كانت في موقع التحدّي، وبقيت في موقع التحدّي. ربما زادتها التجربة رشداً للخطوط السياسيّة أكثر. وقد كانت التجربة مدرسةً لها، لأنّ الإسلام علَّم الذين يتحركون في طريقه أن يستفيدوا من تجارب الآخرين، علّمهم أن التجربة عقل كما هو العقل عقل، ولذلك انطلقت هذه الحركة لتستفيد من أخطائها، ولتحوّل كثيراً من نقاط الضعف إلى نقاط قوّة، وما زالت في الساحة، ربما أخطأت في موقع، أو عاشت الضّعف في موقع آخر، ولكنها لم تخرج من الساحة.

إن الدين لا يمكن أن يتعايش مع الجهل، فالذين يفهمون التدين جهلاً، لم يفهموا معنى الله في الكون، ولم يفهموا سرّ عبودية الله أو ربوبيّته لهذه الظاهرة وتلك الظاهرة. فالله هو وراء الوجود، ولكنّ الوجود يتحرك من خلال نظام، ونفهم من خلال ذلك، أنّ الدّين يمرّ بطريق العلم، فكلما ازددت معرفةً ازددت إيماناً، وكلما انفتحت على سرّ من أسرار الكون، أو من أسرار حركة الحضارات، فهمت الله أكثر، لأنك تفهم بذلك عجائب الله وإبداعاته. ومن هنا، فإنّ الدين يمرّ بطريق العلم، أمّا الجهل، فقد يُخيّل إليك أنّه يعطيك ديناً، ولكن الواقع أنّه يعطيك تقاليد وعادات وسطحية في الفكر والشّعور.

ومن خلال ذلك قلنا إنَّ على الذين يريدون أن يعيشوا الإسلام وأن ينفتحوا عليه، أن يأخذوا بأسباب العلم، وأن يهيّئوا للناس مواقع العلم، وأن يهيّئوا للجاهلين فرص التعلّم، وبذلك اعتبر العلم فريضة إسلاميّة، كما كان التفكير فريضة إسلاميّة. التفكّر عبادة أفضل من كثير من استهلاك العبادة في مادية حركة الإنسان في صلواته ودعواته.

ومن خلال ذلك، إذا كان العلم قيمة إسلاميّة، فعلينا أن نهيِّئ لهذه الفريضة مساجدها، وعلينا أن نهيّئ لهذه الفريضة معابدها، وأن نحرك لها فرحها، ومن هنا، تلتقي مسألة حركة العلم بحركة الخير، فقد اعتدنا أن يكون الخير لمسة على رأس يتيم، وبسمة أمام جائع أو حزين، ولكننا اكتشفنا أن الخير، كلّ الخير، في أن تجعل إنساناً يعي أكثر ويفهم أكثر ويستوعب أكثر، لأنك بالعلم تختصر الكثير من مسافات الحلول أكثر مما تنفقه على كثير من القضايا بشكل تفصيلي، والعلم يمكن له أن يخطّط لك حياتك، وأن يركّز تجربتك، وأن يشارك في تقديم وسائل تلبية حاجاتك، وبذلك يختصر لك العالم الكثير من تفاصيل الحياة الّتي قد تثقل جهدك وقد تتعب طاقتك.

عندما نفكر إسلاميّاً ودينيّاً وغير ذلك، فالعلم هو واجهة التّفكير، ولذلك علينا أن نقف لنواجه التحدّي الكبير. إنّ الذين تقدّمونا كنّا قد تقدّمناهم في الماضي، الحضارة الغربيّة انطلقت من خلال التجربة كمصدر للمعرفة، وهذا ما تعلّمه الغرب من المسلمين في الشّرق، ومن خلال الأندلس بالذّات، ولكنهم ساروا ووقعنا. ثم هناك عقول عربيّة وإسلاميّة في الغرب، في أبحاث الفضاء والذرّة والطبّ، وفي كثير من الأبحاث، عقول اشتراها الغرب لأنّنا أضعناها، وعقول سرقها الغرب لأننا لم نحفظها، ولم نهيّئ لها الفرص.

إنّ هذا التقدم الذي وصل إليه الغرب والذي نحترمه، لا يسقطنا، ولا يجعلنا نشعر بأننا كمية مهملة أو أننا شيء على الهامش. لانزال نستطيع أن نفكر وأن نتعلم وأن ننتج وأن نهيئ فرص العمل، وهناك الكثيرون ممن يحاولون أن لا يسمحوا لنا بذلك، ممن يحاولون أن يرونا أن الحضارة هي في هذا الجانب السطحي من مستحضرات الحضارة ولهوها وعبثها وسطحياتها... لذلك، نحن نريد أن ننتج حضارة من خلال جهدنا وعلمنا وتفاعلنا مع الحضارات الأخرى، نريد أن نصنعها كما صنعناها في الماضي، قلتها لكثير من الناس، وطرحنها كشعار لدى كلّ مغتربينا في الغرب: المدرسة قبل المسجد، لأنّ المدرسة تستطيع أن تعمّق فينا علماً وديناً يحفظ لنا شخصيّتنا، وتقودنا إلى المسجد عندما تكون سليمة.

لذلك نحن نريد أن نكون أمّة العلم في حركة العلم. لقد تعارف الناس على أنّ الحسينيّة والمسجد هما دور الخير، وأنا أقول لكم إنّ كلّ موقع ينتج علماً، كلّ شخص يمكن أن يتحوّل عالماً، كلّ حركة يمكن أن تقدِّم لنا أمّة متعلّمة، هي موقع من مواقع الخير.

لا بدّ من أن نكون أقوياء، والعلم قوّة كبيرة، المستقبل هو مستقبل قوّة العلم، وحتى عندما تبحث عن قوّة السّلاح، لن تستطيع أن تنتج السّلاح أو أن تحركه.

*محاضرة لسماحته بعنوان "الحركة الإسلاميّة ورسالة العلم" في قاعة الجنان على طريق المطار، بتاريخ 03-08-1995، وبحضور حشد من الدّكاترة والمثقّفين وخريجي الجامعات.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية