في أجواء سورة الحجّ المباركة

في أجواء سورة الحجّ المباركة

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الحكيم: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].

يحدِّثنا الله تعالى في هذه الآية المباركة عن ضرورة التفكُّر والتدبُّر، وعدم الغفلة، والانتباه المستدام إلى حال من مرّ من أمم وأفراد وجماعات على هذه الأرض، وما تركوه من مواقف وآثار، وما قدّموه من نماذج وسلوكيّات، كي نستخلص منها الدّروس والعبر، ولتكون الأبواب مفتوحةً أمام عقولنا وقلوبنا، لدراسة تجارب كلّ هؤلاء، والإفادة منها بعد ملاحظتها بدقّة في إصلاح أوضاعنا وأحوالنا نحو الأفضل، وأن نحاول بالتّالي أن نأخذ من النماذج الفردية والجماعية الأفضل والأحسن على مستوى تجربتها الأخلاقية والروحية والإنسانية، ونبتعد عن كلّ ما يسيء إلينا عبر تأثّرنا بالنّماذج المنحرفة، فلا نستغرق في تجربتها، ونحاول تقليدها دون تعقُّل.

إنها الدعوة الربانية الصريحة والواضحة للإنسان، كي يكون صاحب الفكر والعقل المنفتح على كلّ القضايا، والذي يملك وعي الأشياء والحقائق من حوله، ويتأمّل في الوجود كلّه، ويتحسّس آلاء الله عليه، فلا يعيش موت العقل والضّمير والشّعور، ولا يعطِّل عقله وفكره، فيستغرق في غفلة عن حاضره ومستقبله ومصيره، بل يمتلك كلّ الجرأة والشّجاعة والوعي والحكمة في مواجهة كلّ التحدّيات والمشاكل، بما يقوّي إيمانه، ويعزِّز شخصيّته وحضوره.

وفي تفسيره للآية المباركة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}، لأنّ العقل يتغذّى من الملاحظات الدّقيقة التي تكوّنها آثار التجارب التي عاشها الآخرون، ومما يمكن أن يستخلصه منها من نتيجة حاسمة على حركة الإيمان بالله في الحياة، فإنَّ الله خلق للإنسان العقل، ليحركه في دراسة الأشياء واستنتاج الأفكار منها، لا ليجمّده في أجواء الغفلة أو في ما يرضي الذّات.

{أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} في ما يستمعون إليه من آيات الله الّتي يتلوها عليهم الأنبياء، أو من المواعظ البليغة، ولكنّ مشكلة هؤلاء أنهم يعيشون العمى في حياتهم، فيتخبّطون في أفكارهم ومواقفهم، ويفقدون الرّؤية الواضحة للأشياء، وليس هذا العمى ناشئاً من فقدان النّور في عيونهم، فهم يملكون عيوناً حادّة البصر، ولكنه عمى القلب الذي يغلق فيه الإنسان بجهله وعناده كلّ نوافذ المعرفة التي تطلّ به على الله، وذلك هو العمى، كلّ العمى".

ويتابع سماحته موضحاً: "...ولهذا جاءت الآية لتؤكّد هذه الحقيقة، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، وهذه اللّفتة القرآنيّة التي تؤكّد قيمة العقل الكبيرة ـ الذي يعبِّر عنه القرآن بالقلب ـ في حياة الإنسان، التي تدفعه إلى أن يعقل ويهتدي به، فلا يجمّده ويستسلم إلى رواسبه المتخلِّفة، ليشدّه ذلك إلى عمق الهاوية في المصير.. هذه اللّفتة توحي بأنّ للعقل مركزاً حيويّاً في معرفة الإسلام، باعتباره القوّة الحقيقيّة التي تخطّط للحياة من موقع الثبات والتّوازن والعمق والانفتاح...". [تفسير من وحي القرآن، ج 16، ص 90، 91].

وعندما يستفيد المرء من حركة العقل فيما ينفع، وعندما يستعمل حواسّه وقواه في سبيل معرفة الأمور وموازنتها، يُحسن بالتّالي التعامل معها على الوجه الأسلم، فلا يقول إلا الكلمة الواعية الطيّبة الّتي تجمع ولا تفرّق، ولا ينتج عقله إلا فكراً صافياً هدفه البناء المعرفيّ والثقافيّ، ولا يخرج من مشاعره إلا الحبّ والرّحمة والتواصل مع الآخرين، ولا يعيش عقدة البغضاء والحسد، ولا يسعى إلى الظّلم والتعدّي للآخرين.

هذه رسالة القرآن الكريم من خلال دعوة الله تعالى للمجتمع المؤمن الصّالح أن يعيش صحوة العقل والضمير وصحوة الشعور، ليُحسن فهم ذاته ووجوده، وبالتالي تكون كل خطواته واعية ومدروسة، وتكون أقدامه ثابتة وراسخة، لا تهزّه المواقف والأحداث التي تحاول إسقاطه وإضعافه، والانحراف به عما يريده الباري عزّ وجلّ.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .



يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الحكيم: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].

يحدِّثنا الله تعالى في هذه الآية المباركة عن ضرورة التفكُّر والتدبُّر، وعدم الغفلة، والانتباه المستدام إلى حال من مرّ من أمم وأفراد وجماعات على هذه الأرض، وما تركوه من مواقف وآثار، وما قدّموه من نماذج وسلوكيّات، كي نستخلص منها الدّروس والعبر، ولتكون الأبواب مفتوحةً أمام عقولنا وقلوبنا، لدراسة تجارب كلّ هؤلاء، والإفادة منها بعد ملاحظتها بدقّة في إصلاح أوضاعنا وأحوالنا نحو الأفضل، وأن نحاول بالتّالي أن نأخذ من النماذج الفردية والجماعية الأفضل والأحسن على مستوى تجربتها الأخلاقية والروحية والإنسانية، ونبتعد عن كلّ ما يسيء إلينا عبر تأثّرنا بالنّماذج المنحرفة، فلا نستغرق في تجربتها، ونحاول تقليدها دون تعقُّل.

إنها الدعوة الربانية الصريحة والواضحة للإنسان، كي يكون صاحب الفكر والعقل المنفتح على كلّ القضايا، والذي يملك وعي الأشياء والحقائق من حوله، ويتأمّل في الوجود كلّه، ويتحسّس آلاء الله عليه، فلا يعيش موت العقل والضّمير والشّعور، ولا يعطِّل عقله وفكره، فيستغرق في غفلة عن حاضره ومستقبله ومصيره، بل يمتلك كلّ الجرأة والشّجاعة والوعي والحكمة في مواجهة كلّ التحدّيات والمشاكل، بما يقوّي إيمانه، ويعزِّز شخصيّته وحضوره.

وفي تفسيره للآية المباركة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}، لأنّ العقل يتغذّى من الملاحظات الدّقيقة التي تكوّنها آثار التجارب التي عاشها الآخرون، ومما يمكن أن يستخلصه منها من نتيجة حاسمة على حركة الإيمان بالله في الحياة، فإنَّ الله خلق للإنسان العقل، ليحركه في دراسة الأشياء واستنتاج الأفكار منها، لا ليجمّده في أجواء الغفلة أو في ما يرضي الذّات.

{أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} في ما يستمعون إليه من آيات الله الّتي يتلوها عليهم الأنبياء، أو من المواعظ البليغة، ولكنّ مشكلة هؤلاء أنهم يعيشون العمى في حياتهم، فيتخبّطون في أفكارهم ومواقفهم، ويفقدون الرّؤية الواضحة للأشياء، وليس هذا العمى ناشئاً من فقدان النّور في عيونهم، فهم يملكون عيوناً حادّة البصر، ولكنه عمى القلب الذي يغلق فيه الإنسان بجهله وعناده كلّ نوافذ المعرفة التي تطلّ به على الله، وذلك هو العمى، كلّ العمى".

ويتابع سماحته موضحاً: "...ولهذا جاءت الآية لتؤكّد هذه الحقيقة، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، وهذه اللّفتة القرآنيّة التي تؤكّد قيمة العقل الكبيرة ـ الذي يعبِّر عنه القرآن بالقلب ـ في حياة الإنسان، التي تدفعه إلى أن يعقل ويهتدي به، فلا يجمّده ويستسلم إلى رواسبه المتخلِّفة، ليشدّه ذلك إلى عمق الهاوية في المصير.. هذه اللّفتة توحي بأنّ للعقل مركزاً حيويّاً في معرفة الإسلام، باعتباره القوّة الحقيقيّة التي تخطّط للحياة من موقع الثبات والتّوازن والعمق والانفتاح...". [تفسير من وحي القرآن، ج 16، ص 90، 91].

وعندما يستفيد المرء من حركة العقل فيما ينفع، وعندما يستعمل حواسّه وقواه في سبيل معرفة الأمور وموازنتها، يُحسن بالتّالي التعامل معها على الوجه الأسلم، فلا يقول إلا الكلمة الواعية الطيّبة الّتي تجمع ولا تفرّق، ولا ينتج عقله إلا فكراً صافياً هدفه البناء المعرفيّ والثقافيّ، ولا يخرج من مشاعره إلا الحبّ والرّحمة والتواصل مع الآخرين، ولا يعيش عقدة البغضاء والحسد، ولا يسعى إلى الظّلم والتعدّي للآخرين.

هذه رسالة القرآن الكريم من خلال دعوة الله تعالى للمجتمع المؤمن الصّالح أن يعيش صحوة العقل والضمير وصحوة الشعور، ليُحسن فهم ذاته ووجوده، وبالتالي تكون كل خطواته واعية ومدروسة، وتكون أقدامه ثابتة وراسخة، لا تهزّه المواقف والأحداث التي تحاول إسقاطه وإضعافه، والانحراف به عما يريده الباري عزّ وجلّ.

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية