في أجواء سورة التّكاثر

في أجواء سورة التّكاثر

إنَّ القيمة الحقيقيَّة الَّتي تحدِّد أصالة وجود المرء، وتعطي الغنى الواقعي لهويته كإنسان مستخلف على الأرض، هي في مدى التزامه بخطّ الله تعالى وإخلاصه له، وفي تقواه في أقواله وأفعاله، بما ينعكس إيجاباً على واقعه الفرديّ والجماعيّ بوجه عام. ومن المستغرب أن تكون القيمة عند بعض المنحرفين عبر عهود التاريخ، ما يملك الإنسان من كثرة المال والجاه، ومن قوّة العدد والعائلة والعشيرة، على الرّغم من أنّ كلّ ذلك لا يبرز أهمية دور الإنسان ورسالته في إعمار الأرض.

وفي سورة "التكاثر" المباركة، إشارات واضحة إلى ما تقدَّم، وإلى أنّ ميزان التفاضل عند الله تعالى هو التّقوى والعمل الصّالح.. يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.

من خلال هذه الآيات، نجد الخلفيّة المريضة والمعقّدة للمشركين، الذين ينطلقون في تحديد القيمة في مجتمعهم على أساس ما يملكون من كثرة الأفراد، حتى وصل الأمر بتفاخرهم أن ذهبوا إلى المقابر من أجل تعداد موتاهم، وليس فقط الأحياء، وأنهم بالتالي يملكون القوّة والميزة على الآخرين، ما يمنحهم الشّعور الوهميّ بالأمان والعزّة والاستعلاء، وهو شعور متخلّف وساقط في كلّ الاعتبارات والمقاييس، فالعزّة الحقيقية لله ولرسوله وللمؤمنين العاملين المخلصين المتقين، الذين يمدّون الحياة بكلّ ما ينفعها من قولٍ وعمل.

وفي تفسير هذه السورة المباركة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(ض):

"{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} عن ذكر الله، وعن التّفكير في واجباتكم، في ما كلّفكم الله من مواقع طاعته ورضاه، فاستغرقتم في تعداد الأحياء والأموات.

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} الَّتي تحوي موتاكم من الآباء والأجداد.. إنها العقليَّة المتخلّفة التي تبحث عن الكمّ ولا تبحث عن الكيف، فترى في تكاثر الأرقام العدديّة قيمةً وفيرة عن الآخرين، ولكنّ الله لا يريد لهم ذلك، لأنّ القيمة، كلّ القيمة، هي في ما يقدّمه النّاس على مستوى الفرد أو الجماعة من أعمال صالحة كثيرة، لتكون الكثرة مشتملةً على المضمون الرسالي الّذي يغني تجربة الحياة في حركة المسؤولية التي تبني للإنسان قاعدته الفكريّة والعمليّة، على أساس من رسالة الله المتحركة في خطّ طاعته، بينما تكون الكثرة الفارغة من المضمون، أو المشتملة على المعنى الشرير، عبئاً على الحياة، وسبباً لسقوطها في مهاوي الانحطاط الروحي والأخلاقي...

{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، فليس الأمر كما زعمتم، فإنّ هناك مستقبلاً غامضاً يتّصل بمسألة المصير الأسود الّذي تقبلون عليه، من خلال استغراقكم بالتفاهات الفكريّة والسلوكية التي قد تشغلكم عن مسؤوليّاتكم الشرعيّة..

{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، ويتكرّر الرفض للموقف الذي وقفوه...

{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}، وهذا هو الرّفض الثالث الذي يطلق التمني في الفرضية التي تطلّ بهم على الحالة التي يملكون فيها علم اليقين الّذي لا يدخله أيّ احتمال مضادّ..

{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}، كما لو كانت أمامهم في لهيبها وحريقها وعذابها وزقومها وحميمها...

{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}، أي اليقين نفسه...".

وفي اليوم الآخر، سؤال إلهيّ عن أداء النّعمة من قبل الناس؛ فهل شكروا الله تعالى وانطلقوا في مسؤوليّاتهم ليؤدّوا حقّه في كلّ أوضاعهم الخاصّة والعامّة، بما يخدم التزامهم خط الإخلاص لله وتوحيده ومعرفة حدوده؟ فالنعيم طمأنينة محفِّزة للإنسان، لينتبه إلى مسؤوليّاته في الدنيا وتجاه آخرته.

"{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} في ما توحي به الكلمة من كلّ الخيرات الّتي أفاضها الله على النّاس في الدّنيا من كلّ ما يعيشون فيه، مما يمثّل ضرورات وجودهم، ومن كلّ ما يقبلون عليه أو يستمتعون فيه... سواء في ذلك النّعم الماديّة الّتي جعل الله فيها حقوقاً للفرد وللجماعة وللحياة من حولهما، أو النّعم المعنويّة المتمثّلة في الحياة والعلم والإرادة والرّسالة الّتي أنزلها الله وأراد للخلق أن يتحمّلوا مسؤوليّتها في ما يحركونه في نفع النّاس فيها، وفي ما يلتزمونه من السعي إلى بناء الحياة على خطّ طاعة الله ورضاه من خلالها، وهذا هو السؤال الكبير الذي يتوجّه إلى الناس، ليحدّد جوابهم مصيرهم نحو الجنّة أو النّار...".[تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 392 ـ 396].

من خلال ما تقدّم، يتّضح أنّ على المرء أن يسعى إلى بناء التفاضل على أساس سويّ وواعٍ، وعلى قاعدة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، وأن يتحرّك في الحياة على قاعدة المسؤوليّة التي حمّله الله إيّاها في بناء الحياة وأداء الأمانة في كلّ شيء، بأن يسير في طريق الحقّ والعدل والتقوى والإخلاص، كي لا ينحرف عن طريق الهداية، ويسقط في فخّ الانحراف والاستغراق في المظاهر السطحيّة الماديّة والمعنويّة الزائلة، مما ينعكس على مصيره في الآخرة.


إنَّ القيمة الحقيقيَّة الَّتي تحدِّد أصالة وجود المرء، وتعطي الغنى الواقعي لهويته كإنسان مستخلف على الأرض، هي في مدى التزامه بخطّ الله تعالى وإخلاصه له، وفي تقواه في أقواله وأفعاله، بما ينعكس إيجاباً على واقعه الفرديّ والجماعيّ بوجه عام. ومن المستغرب أن تكون القيمة عند بعض المنحرفين عبر عهود التاريخ، ما يملك الإنسان من كثرة المال والجاه، ومن قوّة العدد والعائلة والعشيرة، على الرّغم من أنّ كلّ ذلك لا يبرز أهمية دور الإنسان ورسالته في إعمار الأرض.

وفي سورة "التكاثر" المباركة، إشارات واضحة إلى ما تقدَّم، وإلى أنّ ميزان التفاضل عند الله تعالى هو التّقوى والعمل الصّالح.. يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.

من خلال هذه الآيات، نجد الخلفيّة المريضة والمعقّدة للمشركين، الذين ينطلقون في تحديد القيمة في مجتمعهم على أساس ما يملكون من كثرة الأفراد، حتى وصل الأمر بتفاخرهم أن ذهبوا إلى المقابر من أجل تعداد موتاهم، وليس فقط الأحياء، وأنهم بالتالي يملكون القوّة والميزة على الآخرين، ما يمنحهم الشّعور الوهميّ بالأمان والعزّة والاستعلاء، وهو شعور متخلّف وساقط في كلّ الاعتبارات والمقاييس، فالعزّة الحقيقية لله ولرسوله وللمؤمنين العاملين المخلصين المتقين، الذين يمدّون الحياة بكلّ ما ينفعها من قولٍ وعمل.

وفي تفسير هذه السورة المباركة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(ض):

"{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} عن ذكر الله، وعن التّفكير في واجباتكم، في ما كلّفكم الله من مواقع طاعته ورضاه، فاستغرقتم في تعداد الأحياء والأموات.

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} الَّتي تحوي موتاكم من الآباء والأجداد.. إنها العقليَّة المتخلّفة التي تبحث عن الكمّ ولا تبحث عن الكيف، فترى في تكاثر الأرقام العدديّة قيمةً وفيرة عن الآخرين، ولكنّ الله لا يريد لهم ذلك، لأنّ القيمة، كلّ القيمة، هي في ما يقدّمه النّاس على مستوى الفرد أو الجماعة من أعمال صالحة كثيرة، لتكون الكثرة مشتملةً على المضمون الرسالي الّذي يغني تجربة الحياة في حركة المسؤولية التي تبني للإنسان قاعدته الفكريّة والعمليّة، على أساس من رسالة الله المتحركة في خطّ طاعته، بينما تكون الكثرة الفارغة من المضمون، أو المشتملة على المعنى الشرير، عبئاً على الحياة، وسبباً لسقوطها في مهاوي الانحطاط الروحي والأخلاقي...

{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، فليس الأمر كما زعمتم، فإنّ هناك مستقبلاً غامضاً يتّصل بمسألة المصير الأسود الّذي تقبلون عليه، من خلال استغراقكم بالتفاهات الفكريّة والسلوكية التي قد تشغلكم عن مسؤوليّاتكم الشرعيّة..

{ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}، ويتكرّر الرفض للموقف الذي وقفوه...

{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}، وهذا هو الرّفض الثالث الذي يطلق التمني في الفرضية التي تطلّ بهم على الحالة التي يملكون فيها علم اليقين الّذي لا يدخله أيّ احتمال مضادّ..

{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}، كما لو كانت أمامهم في لهيبها وحريقها وعذابها وزقومها وحميمها...

{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}، أي اليقين نفسه...".

وفي اليوم الآخر، سؤال إلهيّ عن أداء النّعمة من قبل الناس؛ فهل شكروا الله تعالى وانطلقوا في مسؤوليّاتهم ليؤدّوا حقّه في كلّ أوضاعهم الخاصّة والعامّة، بما يخدم التزامهم خط الإخلاص لله وتوحيده ومعرفة حدوده؟ فالنعيم طمأنينة محفِّزة للإنسان، لينتبه إلى مسؤوليّاته في الدنيا وتجاه آخرته.

"{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} في ما توحي به الكلمة من كلّ الخيرات الّتي أفاضها الله على النّاس في الدّنيا من كلّ ما يعيشون فيه، مما يمثّل ضرورات وجودهم، ومن كلّ ما يقبلون عليه أو يستمتعون فيه... سواء في ذلك النّعم الماديّة الّتي جعل الله فيها حقوقاً للفرد وللجماعة وللحياة من حولهما، أو النّعم المعنويّة المتمثّلة في الحياة والعلم والإرادة والرّسالة الّتي أنزلها الله وأراد للخلق أن يتحمّلوا مسؤوليّتها في ما يحركونه في نفع النّاس فيها، وفي ما يلتزمونه من السعي إلى بناء الحياة على خطّ طاعة الله ورضاه من خلالها، وهذا هو السؤال الكبير الذي يتوجّه إلى الناس، ليحدّد جوابهم مصيرهم نحو الجنّة أو النّار...".[تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 392 ـ 396].

من خلال ما تقدّم، يتّضح أنّ على المرء أن يسعى إلى بناء التفاضل على أساس سويّ وواعٍ، وعلى قاعدة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، وأن يتحرّك في الحياة على قاعدة المسؤوليّة التي حمّله الله إيّاها في بناء الحياة وأداء الأمانة في كلّ شيء، بأن يسير في طريق الحقّ والعدل والتقوى والإخلاص، كي لا ينحرف عن طريق الهداية، ويسقط في فخّ الانحراف والاستغراق في المظاهر السطحيّة الماديّة والمعنويّة الزائلة، مما ينعكس على مصيره في الآخرة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية