في القرآن الكريم، نجد الشّواهد الكثيرة التي تتحدّث عن إنكار الكافرين ليوم الحشر والبعث، وعنادهم على الباطل، وتكبّرهم وتجبّرهم، بالرغم من الآيات الكثيرة والحوادث الّتي جرت مع الأمم السالفة، والّتي تستدعي الاعتبار والتأمّل، بغية الاستفادة والاستزادة من الإيمان في سبيل تعميق الارتباط بالله تعالى.
يقول تعالى في محكم كتابه: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}[إبراهيم: 45-44].
ونورد تفسير هذه الآيات وما تشير إليه من دلالات، فالأجل لا يؤخَّر، ويوم يأتي الأجل، سيجد الظَّالمون ما ينتظرهم من حسابٍ على عقائدهم وتصرّفاتهم.
يقول المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض): "{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} على كفرهم وعصيانهم وتمرّدهم، وانحرافهم عن طريق الله، فيحاولون الهروب منه بأيَّة طريقةٍ ممكنةٍ، ويعملون على تفادي مواجهة هذا الواقع الصَّعب، ملتمسين لأنفسهم الأعذار والمبرّرات، ويطلبون من الله المهلة التي تتيح لهم إمكانيّة التراجع عن الخطّ المنحرف الذي ساروا فيه... {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}، لأنّ المسألة لم تكن واضحةً في السابق عندما كنا في الدنيا كما هي واضحة الآن. لقد كنا في غفلةٍ عن هذا، فيما كنّا نخوض فيه من مطامعنا وعلاقاتنا وشهواتنا الّتي كانت تحجب عنّا وضوح الرّؤية للأشياء، فلتكن لنا مهلةٌ جديدة، وليس من الضّروريّ أن تكون طويلة... {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ}، فهل كانت المسألة صادرةً عن حالة اللاّوعي، أو عن حالة وعيٍ يدرك طبيعة الأمور ولكنّه يهرب منها ويتمرّد عليها؟! ذلك أنَّ الأمور التي تذكّركم بزوالكم من الدنيا موجودة {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}، ممن كانوا مثلكم في الكفر والتمرّد والعصيان {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}، فيما أوقعناه عليهم من العذاب، وفيما أنزلنا بهم من هلاك، {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} الّتي تثير فيكم التّفكير، والحذر من أن يحلّ بكم مثل ما حلّ بهم في الدّنيا، وأنذرناكم بمختلف الأساليب، بما يمكن أن يحدث لكم، مما هو أكثر من ذلك، في الآخرة، فلم تعتبروا ولم تتَّعظوا"] تفسير من وحي القرآن ج 13 ص 124 -125[.
ويقول المرحوم العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض): "{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}، بالأمس كانوا يسخرون من البعث ويضحكون على حديثه، واليوم يتذلّلون ويقولون صاغرين نادمين: هل إلى مردّ من سبيل فنسمع ونطيع. {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} وانتقال من دار الدّنيا إلى دار الآخرة، وأنّه لا جنّة ولا نار، فذوقوا هذا بذاك.
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ}. يقول سبحانه غداً للمكذّبين والمعاندين: أهلكنا من كان قبلكم لأنهم كذّبوا الرّسل وعاندوا الحق، وأتيتم من بعدهم، وسكنتم في ديارهم، وسمعتم بأخبارهم، وكان الأجدر أن تتعظوا وتخافوا أن يصيبكم ما أصابهم، ولكن أبيتم إلا السير على طريق الهالكين، فذوقوا ما قدمتم لأنفسكم".]التفسير المبين[.
من جهته، يقول فخر الدين الرازي حول هذه الآيات المباركة: "{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} الّذي تقدّم ذكره وهو شخوص أبصارهم، وكونهم مهطعين مقدمي رؤوسهم. الإنذار هو التخويف بذكر المضارّ، والمفسّرون مجمعون على أنّ قوله: {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} هو يوم القيامة، وحمله أبو مسلم على أنّه حال المعاينة، والظّاهر يشهد بخلافه، لأنّه تعالى وصف اليوم بأنّ عذابهم يأتي فيه، وأنهم يسألون الرّجعة، ويقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}، ولا يليق ذلك إلا بيوم القيامة.. وأمّا على قول أبي مسلم، فتأويل هذه الآية ظاهر، فقال تعالى مجيباً لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}، ومعناه ما ذكره الله تعالى في آية أخرى، وهو قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ}، إلى غير ذلك مما كانوا يذكرونه من إنكار المعاد، فقرّعهم الله تعالى بهذا القول، لأن التقريع بهذا الجنس أقوى، ومعنى {مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}: لا شبهة في أنهم كانوا يقولون لا زوال لنا من هذه الحياة إلى حياة أخرى، ومن هذه الدّار إلى دار المجازاة.
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}، يعني سكنتم في مساكن الّذين كفروا قبلكم، وهم قوم نوح وعاد وثمود، وظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، لأنَّ من شاهد هذه الأحوال، وجب عليه أن يعتبر، فإذا لم يعتبر، كان مستوجباً للذّمّ والتّقريع.]الفخر الرّازي، التّفسير الكبير[.
علينا كمؤمنين بالله أن نعمّق هذا الإيمان بالقراءة الواعية لما جرى مع غيرنا من الأمم السّالفة، وأن نستفيد من تجاربهم لجهة الاستزادة من الإيمان، والاعتبار بما يسمو بأرواحنا ويفتح عقولنا على آفاق عظمة الله ورحمته، وأن نتمسك بإيماننا أكثر، ولا نخضع للتحديات والإغراءات مهما كانت، وأن نعي مسؤوليّاتنا أمام الله تعالى، يوم نقف أمامه للحساب وتقديم ما صنعناه لأنفسنا من خير أو شرّ.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

في القرآن الكريم، نجد الشّواهد الكثيرة التي تتحدّث عن إنكار الكافرين ليوم الحشر والبعث، وعنادهم على الباطل، وتكبّرهم وتجبّرهم، بالرغم من الآيات الكثيرة والحوادث الّتي جرت مع الأمم السالفة، والّتي تستدعي الاعتبار والتأمّل، بغية الاستفادة والاستزادة من الإيمان في سبيل تعميق الارتباط بالله تعالى.
يقول تعالى في محكم كتابه: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}[إبراهيم: 45-44].
ونورد تفسير هذه الآيات وما تشير إليه من دلالات، فالأجل لا يؤخَّر، ويوم يأتي الأجل، سيجد الظَّالمون ما ينتظرهم من حسابٍ على عقائدهم وتصرّفاتهم.
يقول المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض): "{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} على كفرهم وعصيانهم وتمرّدهم، وانحرافهم عن طريق الله، فيحاولون الهروب منه بأيَّة طريقةٍ ممكنةٍ، ويعملون على تفادي مواجهة هذا الواقع الصَّعب، ملتمسين لأنفسهم الأعذار والمبرّرات، ويطلبون من الله المهلة التي تتيح لهم إمكانيّة التراجع عن الخطّ المنحرف الذي ساروا فيه... {فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}، لأنّ المسألة لم تكن واضحةً في السابق عندما كنا في الدنيا كما هي واضحة الآن. لقد كنا في غفلةٍ عن هذا، فيما كنّا نخوض فيه من مطامعنا وعلاقاتنا وشهواتنا الّتي كانت تحجب عنّا وضوح الرّؤية للأشياء، فلتكن لنا مهلةٌ جديدة، وليس من الضّروريّ أن تكون طويلة... {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ}، فهل كانت المسألة صادرةً عن حالة اللاّوعي، أو عن حالة وعيٍ يدرك طبيعة الأمور ولكنّه يهرب منها ويتمرّد عليها؟! ذلك أنَّ الأمور التي تذكّركم بزوالكم من الدنيا موجودة {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}، ممن كانوا مثلكم في الكفر والتمرّد والعصيان {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}، فيما أوقعناه عليهم من العذاب، وفيما أنزلنا بهم من هلاك، {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} الّتي تثير فيكم التّفكير، والحذر من أن يحلّ بكم مثل ما حلّ بهم في الدّنيا، وأنذرناكم بمختلف الأساليب، بما يمكن أن يحدث لكم، مما هو أكثر من ذلك، في الآخرة، فلم تعتبروا ولم تتَّعظوا"] تفسير من وحي القرآن ج 13 ص 124 -125[.
ويقول المرحوم العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض): "{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}، بالأمس كانوا يسخرون من البعث ويضحكون على حديثه، واليوم يتذلّلون ويقولون صاغرين نادمين: هل إلى مردّ من سبيل فنسمع ونطيع. {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} وانتقال من دار الدّنيا إلى دار الآخرة، وأنّه لا جنّة ولا نار، فذوقوا هذا بذاك.
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ}. يقول سبحانه غداً للمكذّبين والمعاندين: أهلكنا من كان قبلكم لأنهم كذّبوا الرّسل وعاندوا الحق، وأتيتم من بعدهم، وسكنتم في ديارهم، وسمعتم بأخبارهم، وكان الأجدر أن تتعظوا وتخافوا أن يصيبكم ما أصابهم، ولكن أبيتم إلا السير على طريق الهالكين، فذوقوا ما قدمتم لأنفسكم".]التفسير المبين[.
من جهته، يقول فخر الدين الرازي حول هذه الآيات المباركة: "{وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} الّذي تقدّم ذكره وهو شخوص أبصارهم، وكونهم مهطعين مقدمي رؤوسهم. الإنذار هو التخويف بذكر المضارّ، والمفسّرون مجمعون على أنّ قوله: {يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} هو يوم القيامة، وحمله أبو مسلم على أنّه حال المعاينة، والظّاهر يشهد بخلافه، لأنّه تعالى وصف اليوم بأنّ عذابهم يأتي فيه، وأنهم يسألون الرّجعة، ويقال لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}، ولا يليق ذلك إلا بيوم القيامة.. وأمّا على قول أبي مسلم، فتأويل هذه الآية ظاهر، فقال تعالى مجيباً لهم: {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}، ومعناه ما ذكره الله تعالى في آية أخرى، وهو قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ}، إلى غير ذلك مما كانوا يذكرونه من إنكار المعاد، فقرّعهم الله تعالى بهذا القول، لأن التقريع بهذا الجنس أقوى، ومعنى {مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ}: لا شبهة في أنهم كانوا يقولون لا زوال لنا من هذه الحياة إلى حياة أخرى، ومن هذه الدّار إلى دار المجازاة.
{وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ}، يعني سكنتم في مساكن الّذين كفروا قبلكم، وهم قوم نوح وعاد وثمود، وظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية، لأنَّ من شاهد هذه الأحوال، وجب عليه أن يعتبر، فإذا لم يعتبر، كان مستوجباً للذّمّ والتّقريع.]الفخر الرّازي، التّفسير الكبير[.
علينا كمؤمنين بالله أن نعمّق هذا الإيمان بالقراءة الواعية لما جرى مع غيرنا من الأمم السّالفة، وأن نستفيد من تجاربهم لجهة الاستزادة من الإيمان، والاعتبار بما يسمو بأرواحنا ويفتح عقولنا على آفاق عظمة الله ورحمته، وأن نتمسك بإيماننا أكثر، ولا نخضع للتحديات والإغراءات مهما كانت، وأن نعي مسؤوليّاتنا أمام الله تعالى، يوم نقف أمامه للحساب وتقديم ما صنعناه لأنفسنا من خير أو شرّ.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.