يحشرُ الله تعالى يوم القيامة جميع الخلائق، ومنها الحيوانات والوحوش، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {
وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ}. وقد أدلى المفسِّرون بآرائهم حول مسألة حشر الوحوش، في معرض تفسيرهم لسورة التّكوير المباركة، وكانت هذه الآراء متنوّعة، وفيها العديد من التّأويلات.
المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، يذهب إلى تأييد رأي صاحب "تفسير الميزان" العلامة الطباطبائي، بأنَّ حشر الوحوش من أشراط الساعة، لا مما يقع يوم القيامة، ويلفت سماحته(رض) إلى أنَّ حال الوحوش بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها، لم يرد في كلامه تعالى، وليس في ما يُعتمد عليه من الأخبار ما يكشف ذلك..
ونعرض لرأي السيّد فضل الله(رض) كالتّالي: "{وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ}، أي جُمعتْ وانزوت واقترب بعضها من بعض، فلم يعد لديها إمكان التحرّك بحريّة، وفق طريقتها الخاصّة التي تطلب بها غذاءها عادةً، أو لتحمي نفسها من بعضها البعض في ما اعتادته من افتراس بعضها البعض، وإذا الموقف أنساها كلّ شيء، بحيث يمرّ الوحش القويّ بالحيوان الضّعيف، فينسى غريزة الافتراس في ذاته، ويمرّ الضّعيف بالقويّ فلا يخاف منه. ولكن، هل المراد من الحشر هو حشرها في ساحة القيامة؟ وهل للوحوش تكليف في الدّنيا حتى تحاسب على الانحراف عنه في الآخرة، أم أنَّ للمسألة معنى آخر؟
ربّما يُقال بالمعنى الأوَّل، إنّ الوحوش محشورة كالإنسان، ويؤيّده قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام: 38]. وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها، فلم يرد في كلامه تعالى ولا في ما يُعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك".. وربما قيل: "إنّ حشر الوحوش من أشراط السّاعة، لا ممّا يقع يوم القيامة، والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها"، كما في تفسير الميزان/ج20، ص:236. وهذا هو المعنى الثّاني الذي أثرناه في السؤال، وربما كان هو الأقرب، لأنّ الآية واردة في أشراط الساعة لا في وقائعها، في ما يوحي للإنسان بالرعب، بحيث تصل المسألة في أهواله إلى مستوى حشر الوحوش في مكانٍ واحدٍ، بالرّغم من خروج ذلك عن طبيعتها".[تفسير من وحي القرآن، ج:24، ص:89-90].
وهذا الشّيخ الطّبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير الآية يقول: "أي جمعت حتى يقتصّ لبعضها من بعض، فيقتصّ للجماء من القرناء، ويحشر الله سبحانه الوحوش ليوصل إليها ما تستحقّه من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدّنيا، وينتصف لبعضها من بعض"..[مجمع البيان، ج:1-، ص:673].
ويعلِّق الشّيخ محمد جواد مغنيَّة(قده) على هذه الآية: {وإذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ}، قائلاً: "تنفر مذعورةً عند خراب الكون وتموت خوفاً".[التّفسير المبين].
ويذكر الفخر الرّازي عدّة وجوه في تفسير قوله تعالى: {وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ}،حيث يقول: "كلّ شيءٍ من دوابّ البرّ مما لا يستأنس فهو وحش، والجمع وحوش. و{حُشِرَتْ} جمعت من كلِّ ناحية. قال قتادة: يحشر كلّ شيء حتى الذّباب للقصاص. قال المعتزلة: إنَّ الله تعالى يحشر الحيوانات كلّها في ذلك اليوم ليعوِّضها على آلامها الّتي وصلت إليها في الدّنيا بالموت والقتل وغير ذلك، فإذا عوّضت على تلك الآلام، فإن شاء الله أن يبقى بعضها في الجنَّة، إذا كان مستحسناً فعل، وإن شاء أن يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر، وأمّا أصحابنا فعندهم أنّه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق، ولكنّه تعالى يحشر الوحوش كلّها، فيقتصّ للجماء من القرناء، ثم يُقال لها موتي فتموت، والفرض من ذكر هذه القصّة ها هنا وجوه: أحدها؛ أنّه تعالى إذا كان [يوم القيامة]، يحشر كلّ الحيوانات إظهاراً للعدل...
الثّاني؛ أنها تجتمع في موقف القيامة مع شدّة نفرتها عن النّاس في الدّنيا، وتبدّدها في الصحارى، فدلّ هذا على أنَّ اجتماعها إلى الناس ليس إلا من هول ذلك اليوم..
الثّالث؛ أنّ هذه الحيوانات بعضها غذاء للبعض، ثم إنّها في ذلك اليوم تجتمع ولا يتعرّض بعضها لبعض، وما ذاك إلا لشدّة هول ذلك اليوم، وفي الآية قول آخر لابن عبّاس، وهو أنّ حشر الوحوش عبارة عن موتها...".[التفسير الكبير للفخر الرازي].
ما تقدّم يجب التوقّف عنده لناحية الاعتبار والتأمّل في أهوال يوم القيامة، بما يجعلنا ننفتح على قدرة الله وعظمته ورحمته أكثر، كي نستزيد من الإيمان والعمل الصّالح، لنصل إلى اليوم الموعود ونحن خفيفو الأثقال والأوزار، ونحن في مأمنٍ من غضب الله وسخطه، فلنعتبر من آيات الله وشواهد عظمته، وما أكثرها في الوجود!

يحشرُ الله تعالى يوم القيامة جميع الخلائق، ومنها الحيوانات والوحوش، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ}. وقد أدلى المفسِّرون بآرائهم حول مسألة حشر الوحوش، في معرض تفسيرهم لسورة التّكوير المباركة، وكانت هذه الآراء متنوّعة، وفيها العديد من التّأويلات.
المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، يذهب إلى تأييد رأي صاحب "تفسير الميزان" العلامة الطباطبائي، بأنَّ حشر الوحوش من أشراط الساعة، لا مما يقع يوم القيامة، ويلفت سماحته(رض) إلى أنَّ حال الوحوش بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها، لم يرد في كلامه تعالى، وليس في ما يُعتمد عليه من الأخبار ما يكشف ذلك..
ونعرض لرأي السيّد فضل الله(رض) كالتّالي: "{وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ}، أي جُمعتْ وانزوت واقترب بعضها من بعض، فلم يعد لديها إمكان التحرّك بحريّة، وفق طريقتها الخاصّة التي تطلب بها غذاءها عادةً، أو لتحمي نفسها من بعضها البعض في ما اعتادته من افتراس بعضها البعض، وإذا الموقف أنساها كلّ شيء، بحيث يمرّ الوحش القويّ بالحيوان الضّعيف، فينسى غريزة الافتراس في ذاته، ويمرّ الضّعيف بالقويّ فلا يخاف منه. ولكن، هل المراد من الحشر هو حشرها في ساحة القيامة؟ وهل للوحوش تكليف في الدّنيا حتى تحاسب على الانحراف عنه في الآخرة، أم أنَّ للمسألة معنى آخر؟
ربّما يُقال بالمعنى الأوَّل، إنّ الوحوش محشورة كالإنسان، ويؤيّده قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام: 38]. وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها، فلم يرد في كلامه تعالى ولا في ما يُعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك".. وربما قيل: "إنّ حشر الوحوش من أشراط السّاعة، لا ممّا يقع يوم القيامة، والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها"، كما في تفسير الميزان/ج20، ص:236. وهذا هو المعنى الثّاني الذي أثرناه في السؤال، وربما كان هو الأقرب، لأنّ الآية واردة في أشراط الساعة لا في وقائعها، في ما يوحي للإنسان بالرعب، بحيث تصل المسألة في أهواله إلى مستوى حشر الوحوش في مكانٍ واحدٍ، بالرّغم من خروج ذلك عن طبيعتها".[تفسير من وحي القرآن، ج:24، ص:89-90].
وهذا الشّيخ الطّبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير الآية يقول: "أي جمعت حتى يقتصّ لبعضها من بعض، فيقتصّ للجماء من القرناء، ويحشر الله سبحانه الوحوش ليوصل إليها ما تستحقّه من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدّنيا، وينتصف لبعضها من بعض"..[مجمع البيان، ج:1-، ص:673].
ويعلِّق الشّيخ محمد جواد مغنيَّة(قده) على هذه الآية: {وإذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ}، قائلاً: "تنفر مذعورةً عند خراب الكون وتموت خوفاً".[التّفسير المبين].
ويذكر الفخر الرّازي عدّة وجوه في تفسير قوله تعالى: {وإذا الوحوشُ حُشِرَتْ}،حيث يقول: "كلّ شيءٍ من دوابّ البرّ مما لا يستأنس فهو وحش، والجمع وحوش. و{حُشِرَتْ} جمعت من كلِّ ناحية. قال قتادة: يحشر كلّ شيء حتى الذّباب للقصاص. قال المعتزلة: إنَّ الله تعالى يحشر الحيوانات كلّها في ذلك اليوم ليعوِّضها على آلامها الّتي وصلت إليها في الدّنيا بالموت والقتل وغير ذلك، فإذا عوّضت على تلك الآلام، فإن شاء الله أن يبقى بعضها في الجنَّة، إذا كان مستحسناً فعل، وإن شاء أن يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر، وأمّا أصحابنا فعندهم أنّه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق، ولكنّه تعالى يحشر الوحوش كلّها، فيقتصّ للجماء من القرناء، ثم يُقال لها موتي فتموت، والفرض من ذكر هذه القصّة ها هنا وجوه: أحدها؛ أنّه تعالى إذا كان [يوم القيامة]، يحشر كلّ الحيوانات إظهاراً للعدل...
الثّاني؛ أنها تجتمع في موقف القيامة مع شدّة نفرتها عن النّاس في الدّنيا، وتبدّدها في الصحارى، فدلّ هذا على أنَّ اجتماعها إلى الناس ليس إلا من هول ذلك اليوم..
الثّالث؛ أنّ هذه الحيوانات بعضها غذاء للبعض، ثم إنّها في ذلك اليوم تجتمع ولا يتعرّض بعضها لبعض، وما ذاك إلا لشدّة هول ذلك اليوم، وفي الآية قول آخر لابن عبّاس، وهو أنّ حشر الوحوش عبارة عن موتها...".[التفسير الكبير للفخر الرازي].
ما تقدّم يجب التوقّف عنده لناحية الاعتبار والتأمّل في أهوال يوم القيامة، بما يجعلنا ننفتح على قدرة الله وعظمته ورحمته أكثر، كي نستزيد من الإيمان والعمل الصّالح، لنصل إلى اليوم الموعود ونحن خفيفو الأثقال والأوزار، ونحن في مأمنٍ من غضب الله وسخطه، فلنعتبر من آيات الله وشواهد عظمته، وما أكثرها في الوجود!