في القرآن الكريم إشارات إلى حديث أهل النّار مع الله تعالى، بما يوحي بمدى الأزمة التي أوقعوا أنفسهم فيها جرّاء كفرهم وعنادهم.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ}[غافر:11]. إذاً هناك حالتان من الموت والإحياء، وقد اختلف المفسّرون في تحديدهما.
وهناك تفسيران، فالموتة الأولى هي الّتي تسبق وجود الإنسان، والموتة الثّانية هي الّتي تأتي بعد وجوده، لتكون الحياة الأولى هي الحياة في الدّنيا، أمّا الحياة الثّانية، فهي حياة الإنسان بعد البعث في الدّار الآخرة.
والتّفسير الثّاني: الإماتة عن الحياة الدّنيا، والإحياء للبرزخ، ثم الإماتة عن البرزخ والإحياء للحساب يوم القيامة، كما ذهب إلى ذلك المفسِّر السيّد الطباطبائي في "تفسير الميزان".
التّفسير الأوّل يتبنّاه المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) بقوله: "ولعلّ الأقرب إلى الذّهن من خلال بعض الآيات القرآنيّة هو المعنى الأوّل، فقد جاء في قوله تعالى {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[البقرة: 28]، ما يعني أنَّ الله يعبِّر عن الحالة الّتي تسبق الحياة الدّنيا بالموت، مع ملاحظة أنّ القرآن لم يذكر شيئاً واضحاً عن حياة البرزخ وموته، إلا في قوله تعالى: {وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون: 100]، الأمر الّذي يجعل الذّهن متطلّعاً إلى هذا العالم في حياته وموته من خلال الأسلوب القرآني".[تفسير من وحي القرآن، ج:20، ص 22].
وعن الاعتراف بالذّنوب والتوسّل للخروج من العذاب، يقول المرجع السيّد فضل الله(رض): "{فاعترفنا بذنوبنا}، ورجعنا إليك في إيمانٍ صادقٍ وتوبةٍ خاشعة، لأنّنا أدركنا الحقيقة الإيمانيّة الواضحة بعد أن كنّا غافلين، {فهل إلى خروجٍ من سبيل}، لنتّبع دعوتك من جديد، من خلال هذا الوضوح في الرّؤية الّذي تحوَّل في وجداننا إلى فيضٍ من الإشراق الرّوحيّ بعظمة الله، وقد لا يكون هذا الكلام سؤالاً يبحث عن جواب، بل هو تعبير عن حيْرة وإحباط إنسان غلبه اليأس والقنوط". [م.ن، ص 23].
وما يتبنّاه السيّد فضل الله في تفسيره لما تقدَّم من آيات، يذهب إليه العلامة الشيخ محمد جواد مغنيّة(قده)، يقول: "{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ}، الموتة الأولى قبل خروجهم من بطون الأمّهات، والثّانية الموت المعهود {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} الأولى في الدّنيا، والثانية في الآخرة {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ}، بيدك الموت والحياة والنعيم والجحيم، وقد أدخلتنا النّار بالحقّ والعدل، ونحن لها أهل، فأخرجنا منها بجودك وكرمك، ولو كان هذا التضرّع في الدّنيا وقبل أن يذوقوا العذاب لأثَّر وأثمر، أمّا أن يعترفوا وهم يتلظّون في النّيران، فلا ينفعهم شيء، تماماً كالإقرار ينتزع بالضّغط والإجبار".[التفسير المبين].
وأمّا الظّاهر عند جمهور السّلف من المفسِّرين عند أهل السنّة والجماعة، فهو ما قاله أيضاً البعض من علماء الشّيعة الإماميّة، يقول هؤلاء: "فللمفسِّرين في الإمامتتين والإحياءين أقوال:
ومنها؛ وهو أظهرها، أنّ المراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدّنيا. والمراد بالإحياءتين، أنّه أحياهم الحياة الأولى في الدّنيا، ثم أحياهم الحياة الثّانية عند البعث، ومثل هذه الآية، الآية في سورة البقرة: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[البقرة: 28]".
أمام هذا المشهد، لا بدّ لنا من الاعتبار كيف كنّا في عالم العدم والأصلاب، إلى أن أمر الله بإخراجنا إلى الحياة، ولنذوق بعدها طعم الموت في الدّنيا، ثم يبعثنا الله ويحيينا للحساب. ترى ماذا أعددنا في دنيانا لموقف البعث والحساب؟!
إنَّ علينا مسؤوليَّات كبيرة كبشرٍ مخلوقين لله تعالى، ومكلَّفين بإقامة العدل والحقِّ على الأرض، واستخلافها بما ينسجم مع دور المؤمن المُستخلف الَّذي يقيم وزناً للحقّ في كلّ تفاصيل الحياة، استعداداً ليوم العرض على ربِّ العباد، وهو في غاية الإخلاص وطهارة القلب والعقل والشعور..
إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.