تحريم النبيّ(ص) بعض الأشياء على نفسه!

تحريم النبيّ(ص) بعض الأشياء على نفسه!

قال تعالى في كتابه العزيز: {يا أيّها النبيّ لِمَ تحرِّم ما أحلَّ الله لك}.

فهل يجوز للنبيّ أن يحرّم على نفسه بعض الأشياء، وهل يكون ذلك سنّةً لنا؟ وما هي قصة التحريم هذه التي تعرَّض لها المفسِّرون؟

هذا، وقد أوضح العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، أن التحريم هو بمعنى الامتناع الذاتي من النبيّ عن تناول بعض الأشياء في ظرف معين وواقعة خاصّة، تقديراً منه لمشاعر أهله، حيث كان الرسول(ص) يعيش أصفى درجات الخلق والإنسانيّة:

"{لِمَ تحرِّم}، تعني لم تمنع نفسك، فهناك أشياء كثيرة محلّلة، لكنّ الإنسان يمنع نفسه من أكل الرزّ أو السمن أو السكر... كما أن هناك بعض النباتيّين لا يأكل اللّحم، فهذا ليس حراماً بمعنى الحرمة، ولكنه منع نفسه من تناولها، كما قد يصنع أحدهم (ريجيماً) ليخفّف من بدانته، فلا يتناول قائمة من الأطعمة المباحة.

فالنبي(ص) لا ينطق عن الهوى، ولا يحرّم ما أحلّه الله له، ولكن المقصود من {لِمَ تحرّم}: لِمَ تمنع نفسك من ذلك؟ ففي السيرة، أن إنسانية النبي(ص) كانت تمنعه من أن يقدّم نفسه على أهله في بعض المأكولات التي لا تحبها زوجاته، فهو يحرم نفسه مما يشتهي لأجل أن يكون كما قال: "خيركُم خيركُم لأهله، وأنا خيركُم لأهلي"، وفي الحديث الشريف: "المؤمن يأكل بشهوة أهله، والمنافق يأكل أهله بشهوته". [كتاب الندوة، ج 4، ص 392].

وفي تفسير "من وحي القرآن"، يوضح المرجع فضل الله(رض) القضيّة، بقوله:

"{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللهُ لَكَ} من بعض مشتهياتك الذاتية، مما ترتاح له نفسك، فتزداد قوةً على ممارسة مسؤوليتك، لأنّ الإنسان المسؤول قد يرتاح إلى بعض صفاء الفكر وراحة الجسد في حياته الخاصّة، ما يجعل من الضغط النفسي مشكلةً له على المستوى الشخصي والعام. وقد كان النبي(ص) رفيقاً بمن حوله، بحيث كان يضغط على نفسه لحساب راحة الناس المحيطين به، لأنه كان الرؤوف الرحيم في أخلاقه الكريمة. ولهذا أراد الله أن يخفف عنه ذلك، فخاطبه خطاباً يشبه عتاب الحبيب للحبيب، متسائلاً: لماذا تحرّم على نفسك ما أباحه الله لك، {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} في ما كنت تريده من إدخال السرور عليهن، ولو على حساب أعصابك؟ وربما كان التحريم الذي صار سبباً للحرمة، كان ناشئاً من الحلف على ترك ما لا تريده بعض أزواجه، ما يوجب الإلزام بالترك على أساس وجوب التقيد باليمين. ومن هنا، جاءت هذه الآية لتحلّه منه بمقتضى تحليل الله له، فلا إثم في الحنث به. {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فهو الذي يفتح مغفرته ورحمته لعباده ليمنحهم رضوانه، سواء كان ما فعلوه مما حرّمه عليهم، أو مما حرَّموه على أنفسهم باليمين ونحوه، أو بالالتزام الذاتي بالترك لما أباحه لهم.

{قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} في ما جعله لكم من أسباب التحليل العامة والخاصة، فجعل لكم أن تتحللوا منها لتأخذوا حريتكم في ترك ما التزمتم فعله، أو في فعل ما التزمتم تركه، بالوسائل التي جعلها في متناول أيديكم. {وَاللهُ مَوْلاكُمْ} الذي يتولى أموركم، ويسير بكم إلى مواقع النجاح من خلال التشريع الحكيم والهداية القويمة. {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعرف كل ظروفكم وأسراركم ومواضع صلاحكم وفسادكم، ويتصرّف في أموركم بحكمته، في ما يريد لكم أن تفعلوه، وفي ما يفرض عليكم أن تتركوه.

وقد أفاض الرواة المفسّرون في طبيعة العمل الذي حرَّمه النبي(ص) على نفسه بيمينه، فبين قائل إنّه حرَّم عليه فتاته ماريّة التي كانت سريّة له إرضاءً لبعض أزواجه، فحلف أن لا يقاربها بعد ذلك، وبين قائل إنه شرب من زوجته سودة عسلاً، فحلف أن لا يشرب منها شيئاً بعد ذلك، لأن عائشة وحفصة وجدا فيه ريحاً كريهةً من خلاله.

ونحن لا نريد الإفاضة في ذلك، لأن القضية عندنا تتصل بالمبدأ الذي نريد أن نستوحي منه سموّ خلق النبي محمد(ص) في الرفق بمن حوله، ورعاية الله له في حلّ يمينه إرفاقاً به، لئلا تثقله التزاماته الشخصية في داخل البيت الزوجي عن القيام بمسؤوليّاته في الدعوة والجهاد ورعاية الشؤون العامة للمسلمين". [تفسير من وحي القرآن، ج 23، ص 309].

ويسلّط العلامة الشيخ محمد جواد مغنيّة الضّوء على سياق هذه الآيات وقصتها، فيقول:

"كان النبي(ص) مع زوجاته كأفضل ما تكون الحياة الزوجية. ومن أقواله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، "ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهنّ إلا لئيم". وقيل: إن النبي حرّم العسل على نفسه، لأنه شرب عسلاً عند زوجته زينب، فتواطأت حفصة وعائشة أن يقولا له حين يدخل عليهما: نشمّ منك ريح مغافير، وهي صمغة حلوة الطعمة كريهة الرائحة. فدخل على حفصة، فقالت له ذلك، فقال لها: شربت عسلاً عند زينب، واستكتمها تحريم العسل على نفسه. ولكنها أخبرت عائشة، ولما دخل على عائشة، قالت له مثل ما قالت حفصة، فنزلت الآية. قال الشيخ الطبرسي: "والمعنى لم تطلب مرضاة نسائك، فهنّ أحقّ بطلب مرضاتك... ويمكن أن يكون العتاب على ترك الأفضل والأولى". [التفسير المبين/ مغنيّة].

من هذه القصّة، نتعلم كيف كانت أخلاق رسول الله(ص) مع أهله وزوجاته على وجه التحديد، وكيف كان يعيش اللين والرفق وأرقى الشّعور الإنساني في رعايته لمشاعرهنّ، ولو على حسابه. إن في ذلك لعبرة لكلّ إنسان في أن يتحلّى بكرم الأخلاق ولين الجانب والرّفق، وأن يتعالى عن الصغائر والتعصّب وضيق الصّدر، وأن يجسّد المودّة لأهله سلوكاً وشعوراً يحفظ كيان الأسرة، ويحمي أوضاع العلاقات الاجتماعية، ويسمو بها نحو التّكامل والتفاعل اللائق بكرامة الإنسان وعزّته.

قال تعالى في كتابه العزيز: {يا أيّها النبيّ لِمَ تحرِّم ما أحلَّ الله لك}.

فهل يجوز للنبيّ أن يحرّم على نفسه بعض الأشياء، وهل يكون ذلك سنّةً لنا؟ وما هي قصة التحريم هذه التي تعرَّض لها المفسِّرون؟

هذا، وقد أوضح العلّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض)، أن التحريم هو بمعنى الامتناع الذاتي من النبيّ عن تناول بعض الأشياء في ظرف معين وواقعة خاصّة، تقديراً منه لمشاعر أهله، حيث كان الرسول(ص) يعيش أصفى درجات الخلق والإنسانيّة:

"{لِمَ تحرِّم}، تعني لم تمنع نفسك، فهناك أشياء كثيرة محلّلة، لكنّ الإنسان يمنع نفسه من أكل الرزّ أو السمن أو السكر... كما أن هناك بعض النباتيّين لا يأكل اللّحم، فهذا ليس حراماً بمعنى الحرمة، ولكنه منع نفسه من تناولها، كما قد يصنع أحدهم (ريجيماً) ليخفّف من بدانته، فلا يتناول قائمة من الأطعمة المباحة.

فالنبي(ص) لا ينطق عن الهوى، ولا يحرّم ما أحلّه الله له، ولكن المقصود من {لِمَ تحرّم}: لِمَ تمنع نفسك من ذلك؟ ففي السيرة، أن إنسانية النبي(ص) كانت تمنعه من أن يقدّم نفسه على أهله في بعض المأكولات التي لا تحبها زوجاته، فهو يحرم نفسه مما يشتهي لأجل أن يكون كما قال: "خيركُم خيركُم لأهله، وأنا خيركُم لأهلي"، وفي الحديث الشريف: "المؤمن يأكل بشهوة أهله، والمنافق يأكل أهله بشهوته". [كتاب الندوة، ج 4، ص 392].

وفي تفسير "من وحي القرآن"، يوضح المرجع فضل الله(رض) القضيّة، بقوله:

"{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللهُ لَكَ} من بعض مشتهياتك الذاتية، مما ترتاح له نفسك، فتزداد قوةً على ممارسة مسؤوليتك، لأنّ الإنسان المسؤول قد يرتاح إلى بعض صفاء الفكر وراحة الجسد في حياته الخاصّة، ما يجعل من الضغط النفسي مشكلةً له على المستوى الشخصي والعام. وقد كان النبي(ص) رفيقاً بمن حوله، بحيث كان يضغط على نفسه لحساب راحة الناس المحيطين به، لأنه كان الرؤوف الرحيم في أخلاقه الكريمة. ولهذا أراد الله أن يخفف عنه ذلك، فخاطبه خطاباً يشبه عتاب الحبيب للحبيب، متسائلاً: لماذا تحرّم على نفسك ما أباحه الله لك، {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} في ما كنت تريده من إدخال السرور عليهن، ولو على حساب أعصابك؟ وربما كان التحريم الذي صار سبباً للحرمة، كان ناشئاً من الحلف على ترك ما لا تريده بعض أزواجه، ما يوجب الإلزام بالترك على أساس وجوب التقيد باليمين. ومن هنا، جاءت هذه الآية لتحلّه منه بمقتضى تحليل الله له، فلا إثم في الحنث به. {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فهو الذي يفتح مغفرته ورحمته لعباده ليمنحهم رضوانه، سواء كان ما فعلوه مما حرّمه عليهم، أو مما حرَّموه على أنفسهم باليمين ونحوه، أو بالالتزام الذاتي بالترك لما أباحه لهم.

{قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} في ما جعله لكم من أسباب التحليل العامة والخاصة، فجعل لكم أن تتحللوا منها لتأخذوا حريتكم في ترك ما التزمتم فعله، أو في فعل ما التزمتم تركه، بالوسائل التي جعلها في متناول أيديكم. {وَاللهُ مَوْلاكُمْ} الذي يتولى أموركم، ويسير بكم إلى مواقع النجاح من خلال التشريع الحكيم والهداية القويمة. {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعرف كل ظروفكم وأسراركم ومواضع صلاحكم وفسادكم، ويتصرّف في أموركم بحكمته، في ما يريد لكم أن تفعلوه، وفي ما يفرض عليكم أن تتركوه.

وقد أفاض الرواة المفسّرون في طبيعة العمل الذي حرَّمه النبي(ص) على نفسه بيمينه، فبين قائل إنّه حرَّم عليه فتاته ماريّة التي كانت سريّة له إرضاءً لبعض أزواجه، فحلف أن لا يقاربها بعد ذلك، وبين قائل إنه شرب من زوجته سودة عسلاً، فحلف أن لا يشرب منها شيئاً بعد ذلك، لأن عائشة وحفصة وجدا فيه ريحاً كريهةً من خلاله.

ونحن لا نريد الإفاضة في ذلك، لأن القضية عندنا تتصل بالمبدأ الذي نريد أن نستوحي منه سموّ خلق النبي محمد(ص) في الرفق بمن حوله، ورعاية الله له في حلّ يمينه إرفاقاً به، لئلا تثقله التزاماته الشخصية في داخل البيت الزوجي عن القيام بمسؤوليّاته في الدعوة والجهاد ورعاية الشؤون العامة للمسلمين". [تفسير من وحي القرآن، ج 23، ص 309].

ويسلّط العلامة الشيخ محمد جواد مغنيّة الضّوء على سياق هذه الآيات وقصتها، فيقول:

"كان النبي(ص) مع زوجاته كأفضل ما تكون الحياة الزوجية. ومن أقواله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، "ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهنّ إلا لئيم". وقيل: إن النبي حرّم العسل على نفسه، لأنه شرب عسلاً عند زوجته زينب، فتواطأت حفصة وعائشة أن يقولا له حين يدخل عليهما: نشمّ منك ريح مغافير، وهي صمغة حلوة الطعمة كريهة الرائحة. فدخل على حفصة، فقالت له ذلك، فقال لها: شربت عسلاً عند زينب، واستكتمها تحريم العسل على نفسه. ولكنها أخبرت عائشة، ولما دخل على عائشة، قالت له مثل ما قالت حفصة، فنزلت الآية. قال الشيخ الطبرسي: "والمعنى لم تطلب مرضاة نسائك، فهنّ أحقّ بطلب مرضاتك... ويمكن أن يكون العتاب على ترك الأفضل والأولى". [التفسير المبين/ مغنيّة].

من هذه القصّة، نتعلم كيف كانت أخلاق رسول الله(ص) مع أهله وزوجاته على وجه التحديد، وكيف كان يعيش اللين والرفق وأرقى الشّعور الإنساني في رعايته لمشاعرهنّ، ولو على حسابه. إن في ذلك لعبرة لكلّ إنسان في أن يتحلّى بكرم الأخلاق ولين الجانب والرّفق، وأن يتعالى عن الصغائر والتعصّب وضيق الصّدر، وأن يجسّد المودّة لأهله سلوكاً وشعوراً يحفظ كيان الأسرة، ويحمي أوضاع العلاقات الاجتماعية، ويسمو بها نحو التّكامل والتفاعل اللائق بكرامة الإنسان وعزّته.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية