فقدان الثقافة القرآنية

فقدان الثقافة القرآنية

إنَّ المشكلة التي يعيشها العالم الإسلامي في كثيرٍ من مواقعه، قد تتمثَّل بفقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على قضايا العقيدة والإنسان والحياة، لأنَّ القائمين على شؤون الدعوة والتبليغ، لم يأخذوا بأسباب هذه الثّقافة، بل كانت اهتماماتهم الكبرى بالدراسات الأصولية والفقهية التي يستغرق فيها طلاب الحوزات، ما يجعلهم قاصرين عن توجيه مجتمعاتهم الإسلامية إلى تأصيل علاقتهم بالقرآن علماً وتفسيراً وتحليلاً، لأنّ المسألة لا تتصل باهتماماتهم العلمية.

وقد تتمثَّل المشكلة بالاستغراق في الأحاديث المرويّة عن النبي(ص) والأئمة(ع)، من دون تدقيق في صحة سندها ومضمونها الفكري، الأمر الذي يجعل القائمين على هذا النوع من الثقافة القرآنيّة، ينطلقون في فوضى ثقافية إسلامية، بحيث يتقدَّم اهتمامهم بروايات الفضائل، حسب بعض التفاسير غير الموثوقة، أكثر من اهتمامهم بالمفاهيم الإسلاميّة التي تؤدِّي بالمسلم إلى أن يستوحي حقائق القرآن ومفاهيمه العامّة في حركة الحياة.

وهذا يكون بالاستغراق في الشخصيات المذهبيّة أكثر من الثقافة القرآنية، بحيث تكون القيمة للشخصيات أهمّ من التعمّق بالقرآن باعتباره الأساس في المعرفة الإسلامية، لذا يتمّ التركيز الشديد على المفردات التفصيلية لهذه الشخصيَّات على حساب القرآن... إضافةً إلى مشكلة تعدّد المدارس التّفسيريّة للقرآن الكريم.

ومن المفارقات أيضاً على هذا الصّعيد، أن يُختزل القرآن بالاهتمام بالجانب الصوتي لجهة الترتيل والتجويد، حتى إنّ بعض القراء للقرآن يجيدون هذا العمل، ولا يعرفون معاني الآيات التي يقرأونها. وقد نجد البعض من أهل العلم يُخضِعون القرآن للحديث من دون تدقيق في صحَّة سنده، بدلاً من إخضاع الحديث للقرآن، وهو ما يؤدِّي إلى الكثير من النتائج السلبية على الفهم الأصيل للقرآن، ولا سيَّما في الأمور المرتبطة بالخصوصيَّات المذهبيّة التي تختلف فيها الاتجاهات وتتنوَّع فيها الآراء. وقد أدخل إلى هذا النهج الكثير من التفسير الباطني الَّذي لا علاقة له بالظَّواهر القرآنية، مما ادَّعى فيه الكثيرون أنّ هناك بطوناً للقرآن يختلف المعنى فيها عن ظواهره.

وهكذا، ابتعد القرآن من خلال ذلك كلِّه، في حقائقه الأصيلة، عن الذهنية الإسلامية الثقافية، أمام هذه الفوضى الاستغراقية في الاهتمامات والاتجاهات. وقد نلاحظ أنّ التقاليد قد أحاطت بالقرآن، فحوّلته إلى كتاب للقراءة على الأموات، وللعلاج من الأمراض، أو للاستخارة، أو للتفاؤل به، بدلاً من أن يكون كتاباً للوعي والثقافة والأصالة الإسلامية.

إنَّ القرآن يُمثِّل النُّور الذي يضيء للعقل الإنساني الحقائق الإسلاميّة في العقيدة والشّريعة والحياة وحركة الواقع، وقد أراد الله من الناس أن يتدبَّروه، وأن يتأمَّلوا في آياته، ويفتحوا مغاليق عقولهم عليه، ويقوموا بدراسته دراسةً علميّةً دقيقةً عميقةً، وأن يحاولوا استيحاء آياته في كلِّ ما يتعلّق بقضايا الإنسان في أوضاعه العامَّة، وفي ساحات الصِّراع، والانفتاح على منهجه في الدعوة والحوار، وذلك على قاعدة أنَّ العقل هو الأساس في حركة الفكر في مواجهة ما تنفتح عليه العقول الأخرى، بحيث تكون المسألة حوار عقل لعقل، لا حوار عقل لغريزة. وهكذا في اعتبار العلم قيمةً إنسانيةً يرتفع بها الإنسان في ميزان القيم، في امتداداته المعرفية، وفي اكتشافه لأسرار الكون، وحقائق النفس الإنسانية والحياة، كما في الدخول إلى الواقع في تنوّعاته وتطلّعاته وتحدّياته، من خلال القواعد الإسلامية التي تؤكّد الفارق بين ما هو حقّ وما هو باطل، سواء في خطِّ السير أو في حركة الصّراع، ولا سيّما في القضايا السياسية والاجتماعية العامّة.

لقد كان القرآنُ الذي أنزله الله على رسوله، كتاب الحركة الإسلامية في المسيرة التي خاضها النبيّ(ص) والمسلمون معه، في حركة الدعوة، وفي تحديات الصراع، وفي أوضاع الحرب والسلم، ما يفرض على المسلمين في كلِّ زمان ومكان، أن يعملوا على استيحائه في المبادئ العامّة التي تمثّلها التجربة الإسلامية في كلِّ أوضاعها، أو في التحدي وردِّ التحدي، وفي الفعل وردِّ الفعل... هذا إضافةً إلى الالتزام بالخطِّ الرِّسالي في شخصيَّة الرسول(ص) كنموذجٍ أصيلٍ متقدِّمٍ للقدوة في سيرته وفي أخلاقيّته وفي مواقفه وعلاقاته وحياته الخاصّة والعامّة، والتعلّم من التجربة الصَّعبة التي خاضها الأنبياء مع أممهم، وإحياء المفاهيم العامّة المرتبطة بأكثر من جانب من حياة الإنسان في مواجهة التيارات الأخرى، والقيام بتثقيف المجتمع الإسلامي بكلِّ العناصر الثقافية، من أجل تكوين المناعة الفكرية والروحية والحركية ضد التأثر بالتيَّارات المضادّة غير الإسلامية، لأنَّ تغلغل هذه التيارات وتأثيرها في المجتمع المسلم بمختلف أطيافه، ناتج من حالة الفراغ التي يعيشها المسلمون في المنهج الإسلامي الثقافي الذي يصادم المنهج الآخر الكافر الذي يتمثَّل بالمجتمع المنحرف، وقد يؤدّي هذا الفراغ إلى سرعة التأثر الانحرافي للإنسان، بفعل الوسائل المتنوّعة التي تخاطب مشاعره وأحاسيسه وغرائزه وطموحاته الماديّة.

إنّنا نعتقد أنَّ الدراسة القرآنيّة العميقة الواسعة المنفتحة على كلِّ قضايا الإنسان والحياة، في أصالة المفاهيم الإسلامية المتنوّعة المتحركة في الواقع، هي التي تحقِّق الوعي الّذي يحمي المسلمين من سيطرة التيارات الأخرى على مقدّراتهم العقيدية والشرعية والحركية والثقافية بشكل عام.

إنَّ الرجوع إلى القرآن في مسألة التقريب بين المذاهب والتيَّارات الإسلاميّة، بحاجةٍ إلى فهمٍ أصيلٍ لحقائق القرآن، وذلك من خلال الثقافة المتخصّصة التي تستند إلى تأصيل المنهج الذي يركّز الأساس لتقويم الفكرة، وهنا نلتقي بضرورة استيعاب القاعدة الثقافية في فهم أصول القواعد العربية، أو في توثيق النصوص الصادرة عن النبي(ص) والأئمة(ع) من أهل بيته سنداً ومضموناً، وبذلك نستطيع وضع معايير الفهم الصحيح للقرآن وأهدافه ومنطلقاته. وفي ضوء ذلك، فإنَّ المزيد من الدقّة في تركيز القواعد والمعايير، يحول دون نجاح الفئات المنحرفة في تأكيد أفكارهم، عبر التسويق لها بالاحتجاج بالقرآن لتأييدها، ولا سيَّما من التكفيريين، وخصوصاً أنهم عجزوا من خلال منهجهم التفسيري والفقهي، عن أن يستنطقوا الآيات القرآنية لتأكيد نظرتهم السطحية في تحديد ميزان الكفر والإيمان الذي ينطلقون منه لتصنيف المسلمين الآخرين الّذين يختلفون معهم في الفكر الإسلامي، وخصوصاً في قضايا الشّرك والتوحيد التي لا يملكون أية حجة شرعيّة أو عقليّة في التعامل معها.

إنَّ التَّجديد في فهم النّصّ القرآني، لا ينطلق عندنا من عقدة ثقافيّة بهدف تحريك الجديد في ثقافتنا الإسلاميّة، لإسقاط الفهم القديم الذي انطلق به المفسِّرون القدامى في تفاسيرهم واجتهاداتهم، وفي احتجاجهم بالمأثور، وفي تحليلاتهم واستيحاءاتهم واستدلالاتهم على هذا المذهب أو ذاك، ولا ينطلق أبداً من الخضوع لحالة فكرية ترى أنّهم يمثِّلون الخطأ في الفهم والمنهج. ولكي لا نقع أسرى تقليد الاجتهادات السابقة للعلماء من مختلف المذاهب الّذين نحترم علمهم وثقافتهم، حاولنا أن ندرس القرآن وفق ما نملك من ثقافة إسلامية تفسيرية تنفتح على ما لدى القدماء، وعلى بعض المناهج الجديدة التي اكتشفها الإنسان، وعلى ما نملك من أصالة الفهم لظواهر الآيات القرآنية كما لو لم يفهمها أحد، كما حاولنا أن نقارن بين نتائج اجتهاداتنا وتحليلنا واستيحاءاتنا، وبين نتائج ما تركوه لنا من تراث، لنصل إلى نتيجة حاسمة جديدة في فهم جديد يختلف عمَّا فهمه الآخرون...

إننا لا نؤمن بقداسة القديم غير المعصوم، فكما كان القدماء يختلفون في طريقة فهمهم للقرآن، ويختلفون في المسائل الفقهية والعقيدية، ولا يرون في ذلك مشكلةً علمية دينية، فإنّ من حقنا أن نختلف معهم في ذلك كله، مما قد نكتشفه مما توصَّلنا إليه، ومن الطبيعي أن يكون الأساس في هذا المنهج، هو التقوى العلمية الإسلامية التي ترتكز على الحجّة والبرهان، لا على الهوى والمزاج.

*من حوار مع سماحته(رض) مع مجلّة الرمضانية البحرينية، بتاريخ 15/9/2007.

إنَّ المشكلة التي يعيشها العالم الإسلامي في كثيرٍ من مواقعه، قد تتمثَّل بفقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على قضايا العقيدة والإنسان والحياة، لأنَّ القائمين على شؤون الدعوة والتبليغ، لم يأخذوا بأسباب هذه الثّقافة، بل كانت اهتماماتهم الكبرى بالدراسات الأصولية والفقهية التي يستغرق فيها طلاب الحوزات، ما يجعلهم قاصرين عن توجيه مجتمعاتهم الإسلامية إلى تأصيل علاقتهم بالقرآن علماً وتفسيراً وتحليلاً، لأنّ المسألة لا تتصل باهتماماتهم العلمية.

وقد تتمثَّل المشكلة بالاستغراق في الأحاديث المرويّة عن النبي(ص) والأئمة(ع)، من دون تدقيق في صحة سندها ومضمونها الفكري، الأمر الذي يجعل القائمين على هذا النوع من الثقافة القرآنيّة، ينطلقون في فوضى ثقافية إسلامية، بحيث يتقدَّم اهتمامهم بروايات الفضائل، حسب بعض التفاسير غير الموثوقة، أكثر من اهتمامهم بالمفاهيم الإسلاميّة التي تؤدِّي بالمسلم إلى أن يستوحي حقائق القرآن ومفاهيمه العامّة في حركة الحياة.

وهذا يكون بالاستغراق في الشخصيات المذهبيّة أكثر من الثقافة القرآنية، بحيث تكون القيمة للشخصيات أهمّ من التعمّق بالقرآن باعتباره الأساس في المعرفة الإسلامية، لذا يتمّ التركيز الشديد على المفردات التفصيلية لهذه الشخصيَّات على حساب القرآن... إضافةً إلى مشكلة تعدّد المدارس التّفسيريّة للقرآن الكريم.

ومن المفارقات أيضاً على هذا الصّعيد، أن يُختزل القرآن بالاهتمام بالجانب الصوتي لجهة الترتيل والتجويد، حتى إنّ بعض القراء للقرآن يجيدون هذا العمل، ولا يعرفون معاني الآيات التي يقرأونها. وقد نجد البعض من أهل العلم يُخضِعون القرآن للحديث من دون تدقيق في صحَّة سنده، بدلاً من إخضاع الحديث للقرآن، وهو ما يؤدِّي إلى الكثير من النتائج السلبية على الفهم الأصيل للقرآن، ولا سيَّما في الأمور المرتبطة بالخصوصيَّات المذهبيّة التي تختلف فيها الاتجاهات وتتنوَّع فيها الآراء. وقد أدخل إلى هذا النهج الكثير من التفسير الباطني الَّذي لا علاقة له بالظَّواهر القرآنية، مما ادَّعى فيه الكثيرون أنّ هناك بطوناً للقرآن يختلف المعنى فيها عن ظواهره.

وهكذا، ابتعد القرآن من خلال ذلك كلِّه، في حقائقه الأصيلة، عن الذهنية الإسلامية الثقافية، أمام هذه الفوضى الاستغراقية في الاهتمامات والاتجاهات. وقد نلاحظ أنّ التقاليد قد أحاطت بالقرآن، فحوّلته إلى كتاب للقراءة على الأموات، وللعلاج من الأمراض، أو للاستخارة، أو للتفاؤل به، بدلاً من أن يكون كتاباً للوعي والثقافة والأصالة الإسلامية.

إنَّ القرآن يُمثِّل النُّور الذي يضيء للعقل الإنساني الحقائق الإسلاميّة في العقيدة والشّريعة والحياة وحركة الواقع، وقد أراد الله من الناس أن يتدبَّروه، وأن يتأمَّلوا في آياته، ويفتحوا مغاليق عقولهم عليه، ويقوموا بدراسته دراسةً علميّةً دقيقةً عميقةً، وأن يحاولوا استيحاء آياته في كلِّ ما يتعلّق بقضايا الإنسان في أوضاعه العامَّة، وفي ساحات الصِّراع، والانفتاح على منهجه في الدعوة والحوار، وذلك على قاعدة أنَّ العقل هو الأساس في حركة الفكر في مواجهة ما تنفتح عليه العقول الأخرى، بحيث تكون المسألة حوار عقل لعقل، لا حوار عقل لغريزة. وهكذا في اعتبار العلم قيمةً إنسانيةً يرتفع بها الإنسان في ميزان القيم، في امتداداته المعرفية، وفي اكتشافه لأسرار الكون، وحقائق النفس الإنسانية والحياة، كما في الدخول إلى الواقع في تنوّعاته وتطلّعاته وتحدّياته، من خلال القواعد الإسلامية التي تؤكّد الفارق بين ما هو حقّ وما هو باطل، سواء في خطِّ السير أو في حركة الصّراع، ولا سيّما في القضايا السياسية والاجتماعية العامّة.

لقد كان القرآنُ الذي أنزله الله على رسوله، كتاب الحركة الإسلامية في المسيرة التي خاضها النبيّ(ص) والمسلمون معه، في حركة الدعوة، وفي تحديات الصراع، وفي أوضاع الحرب والسلم، ما يفرض على المسلمين في كلِّ زمان ومكان، أن يعملوا على استيحائه في المبادئ العامّة التي تمثّلها التجربة الإسلامية في كلِّ أوضاعها، أو في التحدي وردِّ التحدي، وفي الفعل وردِّ الفعل... هذا إضافةً إلى الالتزام بالخطِّ الرِّسالي في شخصيَّة الرسول(ص) كنموذجٍ أصيلٍ متقدِّمٍ للقدوة في سيرته وفي أخلاقيّته وفي مواقفه وعلاقاته وحياته الخاصّة والعامّة، والتعلّم من التجربة الصَّعبة التي خاضها الأنبياء مع أممهم، وإحياء المفاهيم العامّة المرتبطة بأكثر من جانب من حياة الإنسان في مواجهة التيارات الأخرى، والقيام بتثقيف المجتمع الإسلامي بكلِّ العناصر الثقافية، من أجل تكوين المناعة الفكرية والروحية والحركية ضد التأثر بالتيَّارات المضادّة غير الإسلامية، لأنَّ تغلغل هذه التيارات وتأثيرها في المجتمع المسلم بمختلف أطيافه، ناتج من حالة الفراغ التي يعيشها المسلمون في المنهج الإسلامي الثقافي الذي يصادم المنهج الآخر الكافر الذي يتمثَّل بالمجتمع المنحرف، وقد يؤدّي هذا الفراغ إلى سرعة التأثر الانحرافي للإنسان، بفعل الوسائل المتنوّعة التي تخاطب مشاعره وأحاسيسه وغرائزه وطموحاته الماديّة.

إنّنا نعتقد أنَّ الدراسة القرآنيّة العميقة الواسعة المنفتحة على كلِّ قضايا الإنسان والحياة، في أصالة المفاهيم الإسلامية المتنوّعة المتحركة في الواقع، هي التي تحقِّق الوعي الّذي يحمي المسلمين من سيطرة التيارات الأخرى على مقدّراتهم العقيدية والشرعية والحركية والثقافية بشكل عام.

إنَّ الرجوع إلى القرآن في مسألة التقريب بين المذاهب والتيَّارات الإسلاميّة، بحاجةٍ إلى فهمٍ أصيلٍ لحقائق القرآن، وذلك من خلال الثقافة المتخصّصة التي تستند إلى تأصيل المنهج الذي يركّز الأساس لتقويم الفكرة، وهنا نلتقي بضرورة استيعاب القاعدة الثقافية في فهم أصول القواعد العربية، أو في توثيق النصوص الصادرة عن النبي(ص) والأئمة(ع) من أهل بيته سنداً ومضموناً، وبذلك نستطيع وضع معايير الفهم الصحيح للقرآن وأهدافه ومنطلقاته. وفي ضوء ذلك، فإنَّ المزيد من الدقّة في تركيز القواعد والمعايير، يحول دون نجاح الفئات المنحرفة في تأكيد أفكارهم، عبر التسويق لها بالاحتجاج بالقرآن لتأييدها، ولا سيَّما من التكفيريين، وخصوصاً أنهم عجزوا من خلال منهجهم التفسيري والفقهي، عن أن يستنطقوا الآيات القرآنية لتأكيد نظرتهم السطحية في تحديد ميزان الكفر والإيمان الذي ينطلقون منه لتصنيف المسلمين الآخرين الّذين يختلفون معهم في الفكر الإسلامي، وخصوصاً في قضايا الشّرك والتوحيد التي لا يملكون أية حجة شرعيّة أو عقليّة في التعامل معها.

إنَّ التَّجديد في فهم النّصّ القرآني، لا ينطلق عندنا من عقدة ثقافيّة بهدف تحريك الجديد في ثقافتنا الإسلاميّة، لإسقاط الفهم القديم الذي انطلق به المفسِّرون القدامى في تفاسيرهم واجتهاداتهم، وفي احتجاجهم بالمأثور، وفي تحليلاتهم واستيحاءاتهم واستدلالاتهم على هذا المذهب أو ذاك، ولا ينطلق أبداً من الخضوع لحالة فكرية ترى أنّهم يمثِّلون الخطأ في الفهم والمنهج. ولكي لا نقع أسرى تقليد الاجتهادات السابقة للعلماء من مختلف المذاهب الّذين نحترم علمهم وثقافتهم، حاولنا أن ندرس القرآن وفق ما نملك من ثقافة إسلامية تفسيرية تنفتح على ما لدى القدماء، وعلى بعض المناهج الجديدة التي اكتشفها الإنسان، وعلى ما نملك من أصالة الفهم لظواهر الآيات القرآنية كما لو لم يفهمها أحد، كما حاولنا أن نقارن بين نتائج اجتهاداتنا وتحليلنا واستيحاءاتنا، وبين نتائج ما تركوه لنا من تراث، لنصل إلى نتيجة حاسمة جديدة في فهم جديد يختلف عمَّا فهمه الآخرون...

إننا لا نؤمن بقداسة القديم غير المعصوم، فكما كان القدماء يختلفون في طريقة فهمهم للقرآن، ويختلفون في المسائل الفقهية والعقيدية، ولا يرون في ذلك مشكلةً علمية دينية، فإنّ من حقنا أن نختلف معهم في ذلك كله، مما قد نكتشفه مما توصَّلنا إليه، ومن الطبيعي أن يكون الأساس في هذا المنهج، هو التقوى العلمية الإسلامية التي ترتكز على الحجّة والبرهان، لا على الهوى والمزاج.

*من حوار مع سماحته(رض) مع مجلّة الرمضانية البحرينية، بتاريخ 15/9/2007.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية