1- ذكرت - في صورة سابقة - كيف أنَّني عندما انتقلت من الجمهوريَّة الإسلاميّة إلى الشام، كنت عرّجت على بيروت في زيارة استطلاعيّة، استثمرتها بلقاء المفكّر الإسلاميّ الكبير السيّد محمَّد حسين فضل الله في منزله في (حارة حريك)، وتمّ في اللّقاء الاتّفاق على محاورة السيّد في شؤون الشباب وهمومهم وقضاياهم ومشاكلهم، ولما كنتُ اتخذتُ قرارَ الإقامة في دمشق، تعذّر عليَّ أن أجري اللقاءات معه في منزله، فجرى الاتفاق بيني وبين صاحب دار النشر (العارف)، الأخ العزيز الحاج أحمد الجواهري، أن أسلّمه الأسئلة وهو يجري الحوارات. وهذا الَّذي حصل، ولأنَّ كلَّ محاور ليس مجرَّدَ ساعي بريد، فلقد كان الأخ الجواهري يطرح أسئلةً فرعيّة على أجوبة السيّد لاستكمال الصّورة.
2- صدر الكتاب في طبعته الأولى عام 1995 (طبع على حدّ علمي أربع طبعات وربما أكثر)، وترجم إلى الإنجليزيّة والفرنسيّة والتركيّة، ولا أدري إن كان تُرجم إلى لغة أخرى. وبعد صدور طبعته الأولى بفترة، كنت في مكتب (دار العارف) في بيروت، حينما اتَّصل سماحة الأخ الكريم (السيّد حسين بركة الشامي) - دام مباركاً – من (دار الإسلام) في لندن بالأخ الجواهري، فأخبره أنَّني جالسٌ عنده، فطلب إليه أن يكلّمني، وكان مما دار بيننا من حديث حول الكتاب، تعليقه عليه بقوله: ما هذا الَّذي صنعتموه أنت والسيّد أبو علي؟ قلت له: ماذا صنعنا؟ قال: جلستما تتحاوران لتخالفوا المشهور! ولم أكن في تلك الزيارة لبيروت قد زرت السيّد أبا علي بعد، فقصدت داره، وحدَّثته عن رأي الشامي بالكتاب، فقال لي السيّد: قل للسيّد الشَّامي، إنَّ خلافَ المشهور هذا سيكون غداً هو المشهور!
3-كانت تسمية كتاب (دنيا الشَّباب) من اقتراحي، كما في تسمية كلّ كتبي معه، وكنّا ذات ليلة في ضيافة الرَّاحل الشيخ محمد باقر الناصري (تغمَّده الله بواسع رحمته) الَّذي عاد من سفر إلى دمشق، وجاء السيّد فضل الله مع من جاؤوا لزيارته، وبعد أن حيَّيته وحيّاني، قال: أتدري ما اسمُ الكتاب الجديد الَّذي صدر قريبا؟ قلت له ما اسمه: قال (دنيا المرأة)! أي أنَّ مؤلفته استعارت دنياي لدنياها، ثمَّ أُردف الدُنييان – بعد حين - بكتاب حواريّ آخر بعنوان (دنيا الطّفل)!
4- تلك قصّة كتاب (دنيا الشَّباب)، ثمَّ خطر لي في عام 1997 أن أحاور السيّد في كتاب جديد في مسائل الفقه من زاوية مختلفة – بعد أن أصبح مرجعاً – ولأنني - بفضل الله - لا أستحبّ طرقَ المطروقات، ولا اجترارَ المجترّات - خطر لي أن أحاوره في شتَّى مناحي الحياة، تحت عناوين بارزة استجمعتها، بما فيها الفنّ والصّحافة والرّياضة وغيرها، وواجهتني نفس مشكلة فترة تواجد السيّد القصيرة في دمشق، وازدحام برنامجه، مرّة أخرى، فلجأت إلى (الاستعانة بصديق)، على حدّ تعبير الإعلامي (جورج قرداحي)، ووضعت أسئلتي التي تداولتها مع أصحاب الاختصاص في كلّ حقل، بين يدي صاحب دار العارف مجدَّداً، والذي أضاف إليها بعض الأسئلة العَقديّة في نهاية الكتاب الَّذي أسميته (فقه الحياة)، وإن كنت ميّالاً إلى أن يكون الكتابُ فقهياً بحتاً. وأتذكَّر أنَّ إحدى الصحف اللبنانيّة التي عرّفت بالكتاب، قالت: لأوَّل مرة – مع السيّد فضل الله - نعرف أنَّ للصحافة والإعلام أحكاماً شرعيّة، وكانت فكرة الكتاب قد انبثقت في الذّهن من الرواية المتداولة الشَّهيرة: (ما من واقعة إلَّا ولله فيها حكم).
5- أمّا الكتاب الحواريّ الثالث، فهو (الهجرة والاغتراب) الَّذي صدر عام 1999، وكنت أسمع وأقرأ للسيّد فضل الله (جزاه الله عنّا وعمّن انتفع به وما يزال، جزاءَ المحسنين) إجاباتِه عن استفتاءات المغتربين، ولم أكن أزمعت على الاغتراب بعد، فرأيت أن أحاوره في موضوع تزداد الحاجة إليه بازدياد المغتربين، ولما طرحت فكرة الكتاب عليه، رحّب معرباً عن استعداده، لكنَّني قرَّرت هذه المرَّة أن أحاوره بنفسي، فكنت أستثمر مجيئه عصر الجمعة وعصر السَّبت، فنجلس في حديقة الدَّار لإجراء الحوار.
6- كان الإشكال الذي طرحته على نفسي، وتوقَّعت طرحَه من قبل النقّاد، أنَّني عشت الهجرة ولم أعش الاغتراب، فكيف أحاور في موضوع لا أملك منه إلَّا مسموعات متناثرة؟ فخطر لي أن أطلب من إخوة في عدد من بلدان الغرب، أن يوافوني بما يواجههم من مسائل ومشاكل، لأوفّر قدراً من المصداقيّة لكتابي، وأسدّ هذه الثَّغرة فيه. وصادف في بعض الحوار أن زار دمشق الأخ الدكتور (صلاح عبد الرزاق) قادماً من هولَّندا، فقلت له (الله جابك)، تعال معي لنحاور السيد. وبالفعل، فقد أعطيته جلسة ذلك اليوم كاملة، ليطارح السيّد في ما يعنّ له من عناوين المغتربين ومعاناتهم. وفي نهاية الحوار، علّق الأخ صلاح أبو جعفر على انطباعه عن اللّقاء قائلاً بالحرف: سيّدنا، كأنما أنت عايش معنا في هولّندا!
7- للتَّعقيب على مقولة الأستاذ عبد الرزاق، أقول كان السيّد يتابع بشكل حثيث شؤون المغتربين، وكان يسأل كلَّ قادم من أمريكا أو أوروبّا أو أستراليا عن أوضاعهم هناك، ويقدّمون له صوراً وتقارير عن أحوالهم ونشاطهم. لا بل أكثر من ذلك، فلقد سمعت من أكثر من واحد، أنهم كانوا إذا قدموا في الصيف التّالي، يسألهم ماذا حلّ بهذه المسألة وتلك على نحو المعايشة الحيّة والحيويّة. أضف إلى ذلك، أنني دخلت على أرشيف خطاباته للمغتربين الَّذي عكست أغلبه في نهاية الكتاب كملاحق، فرأيت أنَّ في توجيهاته من المعرفة بالملابسات والحيثيَّات أكثر مما فيها من التَّنظير، فكانت خطاباته الاغترابيّة من صلب الكتاب وإن ألحقتها بالملاحق..
رحمك الله يا أبا عليّ من مرجع حركيّ ميدانيّ فاعل متفاعل، لا يضيق به المكان، ولا تخنقه اللَّحظة!
غداً – بإذن الله - الصّورة التَّاسعة: السيّدان!
* من صفحته على فايس بوك.
1- ذكرت - في صورة سابقة - كيف أنَّني عندما انتقلت من الجمهوريَّة الإسلاميّة إلى الشام، كنت عرّجت على بيروت في زيارة استطلاعيّة، استثمرتها بلقاء المفكّر الإسلاميّ الكبير السيّد محمَّد حسين فضل الله في منزله في (حارة حريك)، وتمّ في اللّقاء الاتّفاق على محاورة السيّد في شؤون الشباب وهمومهم وقضاياهم ومشاكلهم، ولما كنتُ اتخذتُ قرارَ الإقامة في دمشق، تعذّر عليَّ أن أجري اللقاءات معه في منزله، فجرى الاتفاق بيني وبين صاحب دار النشر (العارف)، الأخ العزيز الحاج أحمد الجواهري، أن أسلّمه الأسئلة وهو يجري الحوارات. وهذا الَّذي حصل، ولأنَّ كلَّ محاور ليس مجرَّدَ ساعي بريد، فلقد كان الأخ الجواهري يطرح أسئلةً فرعيّة على أجوبة السيّد لاستكمال الصّورة.
2- صدر الكتاب في طبعته الأولى عام 1995 (طبع على حدّ علمي أربع طبعات وربما أكثر)، وترجم إلى الإنجليزيّة والفرنسيّة والتركيّة، ولا أدري إن كان تُرجم إلى لغة أخرى. وبعد صدور طبعته الأولى بفترة، كنت في مكتب (دار العارف) في بيروت، حينما اتَّصل سماحة الأخ الكريم (السيّد حسين بركة الشامي) - دام مباركاً – من (دار الإسلام) في لندن بالأخ الجواهري، فأخبره أنَّني جالسٌ عنده، فطلب إليه أن يكلّمني، وكان مما دار بيننا من حديث حول الكتاب، تعليقه عليه بقوله: ما هذا الَّذي صنعتموه أنت والسيّد أبو علي؟ قلت له: ماذا صنعنا؟ قال: جلستما تتحاوران لتخالفوا المشهور! ولم أكن في تلك الزيارة لبيروت قد زرت السيّد أبا علي بعد، فقصدت داره، وحدَّثته عن رأي الشامي بالكتاب، فقال لي السيّد: قل للسيّد الشَّامي، إنَّ خلافَ المشهور هذا سيكون غداً هو المشهور!
3-كانت تسمية كتاب (دنيا الشَّباب) من اقتراحي، كما في تسمية كلّ كتبي معه، وكنّا ذات ليلة في ضيافة الرَّاحل الشيخ محمد باقر الناصري (تغمَّده الله بواسع رحمته) الَّذي عاد من سفر إلى دمشق، وجاء السيّد فضل الله مع من جاؤوا لزيارته، وبعد أن حيَّيته وحيّاني، قال: أتدري ما اسمُ الكتاب الجديد الَّذي صدر قريبا؟ قلت له ما اسمه: قال (دنيا المرأة)! أي أنَّ مؤلفته استعارت دنياي لدنياها، ثمَّ أُردف الدُنييان – بعد حين - بكتاب حواريّ آخر بعنوان (دنيا الطّفل)!
4- تلك قصّة كتاب (دنيا الشَّباب)، ثمَّ خطر لي في عام 1997 أن أحاور السيّد في كتاب جديد في مسائل الفقه من زاوية مختلفة – بعد أن أصبح مرجعاً – ولأنني - بفضل الله - لا أستحبّ طرقَ المطروقات، ولا اجترارَ المجترّات - خطر لي أن أحاوره في شتَّى مناحي الحياة، تحت عناوين بارزة استجمعتها، بما فيها الفنّ والصّحافة والرّياضة وغيرها، وواجهتني نفس مشكلة فترة تواجد السيّد القصيرة في دمشق، وازدحام برنامجه، مرّة أخرى، فلجأت إلى (الاستعانة بصديق)، على حدّ تعبير الإعلامي (جورج قرداحي)، ووضعت أسئلتي التي تداولتها مع أصحاب الاختصاص في كلّ حقل، بين يدي صاحب دار العارف مجدَّداً، والذي أضاف إليها بعض الأسئلة العَقديّة في نهاية الكتاب الَّذي أسميته (فقه الحياة)، وإن كنت ميّالاً إلى أن يكون الكتابُ فقهياً بحتاً. وأتذكَّر أنَّ إحدى الصحف اللبنانيّة التي عرّفت بالكتاب، قالت: لأوَّل مرة – مع السيّد فضل الله - نعرف أنَّ للصحافة والإعلام أحكاماً شرعيّة، وكانت فكرة الكتاب قد انبثقت في الذّهن من الرواية المتداولة الشَّهيرة: (ما من واقعة إلَّا ولله فيها حكم).
5- أمّا الكتاب الحواريّ الثالث، فهو (الهجرة والاغتراب) الَّذي صدر عام 1999، وكنت أسمع وأقرأ للسيّد فضل الله (جزاه الله عنّا وعمّن انتفع به وما يزال، جزاءَ المحسنين) إجاباتِه عن استفتاءات المغتربين، ولم أكن أزمعت على الاغتراب بعد، فرأيت أن أحاوره في موضوع تزداد الحاجة إليه بازدياد المغتربين، ولما طرحت فكرة الكتاب عليه، رحّب معرباً عن استعداده، لكنَّني قرَّرت هذه المرَّة أن أحاوره بنفسي، فكنت أستثمر مجيئه عصر الجمعة وعصر السَّبت، فنجلس في حديقة الدَّار لإجراء الحوار.
6- كان الإشكال الذي طرحته على نفسي، وتوقَّعت طرحَه من قبل النقّاد، أنَّني عشت الهجرة ولم أعش الاغتراب، فكيف أحاور في موضوع لا أملك منه إلَّا مسموعات متناثرة؟ فخطر لي أن أطلب من إخوة في عدد من بلدان الغرب، أن يوافوني بما يواجههم من مسائل ومشاكل، لأوفّر قدراً من المصداقيّة لكتابي، وأسدّ هذه الثَّغرة فيه. وصادف في بعض الحوار أن زار دمشق الأخ الدكتور (صلاح عبد الرزاق) قادماً من هولَّندا، فقلت له (الله جابك)، تعال معي لنحاور السيد. وبالفعل، فقد أعطيته جلسة ذلك اليوم كاملة، ليطارح السيّد في ما يعنّ له من عناوين المغتربين ومعاناتهم. وفي نهاية الحوار، علّق الأخ صلاح أبو جعفر على انطباعه عن اللّقاء قائلاً بالحرف: سيّدنا، كأنما أنت عايش معنا في هولّندا!
7- للتَّعقيب على مقولة الأستاذ عبد الرزاق، أقول كان السيّد يتابع بشكل حثيث شؤون المغتربين، وكان يسأل كلَّ قادم من أمريكا أو أوروبّا أو أستراليا عن أوضاعهم هناك، ويقدّمون له صوراً وتقارير عن أحوالهم ونشاطهم. لا بل أكثر من ذلك، فلقد سمعت من أكثر من واحد، أنهم كانوا إذا قدموا في الصيف التّالي، يسألهم ماذا حلّ بهذه المسألة وتلك على نحو المعايشة الحيّة والحيويّة. أضف إلى ذلك، أنني دخلت على أرشيف خطاباته للمغتربين الَّذي عكست أغلبه في نهاية الكتاب كملاحق، فرأيت أنَّ في توجيهاته من المعرفة بالملابسات والحيثيَّات أكثر مما فيها من التَّنظير، فكانت خطاباته الاغترابيّة من صلب الكتاب وإن ألحقتها بالملاحق..
رحمك الله يا أبا عليّ من مرجع حركيّ ميدانيّ فاعل متفاعل، لا يضيق به المكان، ولا تخنقه اللَّحظة!
غداً – بإذن الله - الصّورة التَّاسعة: السيّدان!
* من صفحته على فايس بوك.