الصّورة السَّابعة: وصحبناه في حملة الحجّ

الصّورة السَّابعة: وصحبناه في حملة الحجّ

1- في أوَّل موسم حجّ أزور فيه الدّيارَ المقدَّسة عام 1985، كنت قادماً مع إحدى حملات الجمهوريّة الاسلاميّة، فاتَّفقنا أنا وبعض زملائي الحجّاج من (المركز الإعلامي) وصحيفة (الجهاد) أن نحضر جلسة من جلسات السيّد فضل الله في حملة الكويتي المرحوم الحاج (كاظم عبد الحسين) (تغمّده الله بواسع رحمته)، وكان المكان مزدحماً عن بكرة أبيه، حتَّى إنَّني دسست نفسي بصعوبة في الصّفوف الخلفيّة. ولم تكن الصلة قد توثَّقت بالسيّد بعد، وما إن رفعتُ يدي بالسؤال بين أيادي أخرى ارتفعت، حتَّى أشار إليَّ أن اطرح سؤالك، وأتذكَّر أنَّني سألته عن المناكفات الَّتي تحصل داخل الحرم المكّيّ في الاعتراض على بعض مبلّغي الحرم أو مشايخه، والتي كانت تسيء أكثر مما تنفع، فكان جوابه أن ثنّى على ما قلت، ودعا إلى عدم الدخول في مهاترات أو مشاحنات من هذا النوع.
2- وفي أوَّل حملة حجّ بعد إعلان مرجعيّة السيّد أبي علي، انتُدبت أنا ولفيف من أفاضل العاملين في حوزة المرتضى لنكون في حملة السيّد، وفي طاقم خدمة الحملة، وكنت مسؤولاً عن الجانب الإعلامي فيها. كان برنامج السيّد حافلاً: جلسات في الصباح وأخرى في المساء، ومجالس للرّجال ومجالس للنّساء، وطريقة السيّد في ندوة السَّبت هي هي، فهو أينما حلّ وارتحل، يتحدَّث أوَّلاً، ثم يفتح أبواب الحوار على مصراعيها ثانياً، فكأنَّه ينقل معه ندوة السَّبت ويتنقَّل بها حيثما جمعته مع مريديه المجامع. كان يغادرنا مساءً، ويأتي إلينا صباحاً مبكراً.
3- كنَّا نحن الثلاثة – أنا، والأستاذ الجليل السيّد محمَّد الحسيني، والسيّد الفاضل علي نجل السيّد الأكبر – نقف في استقبال وتوديع الحجَّاج الذين يفدون للتزوّد من ألطاف السيّد ونفحاته ونصائحه وتوجيهاته. وذات يوم، قدم وفدٌ لبنانيّ من إحدى الدول الأفريقيّة لا أتذكَّر أيّها، وبعد التشرّف بلقاء السيّد، خرج مسؤول الحملة ليودّعنا ونودّعه، وكنت أقف الى جوار السيّد علي، فإذا به يشكر السيّد علي ويقول له: جزيتم خير الجزاء سيّدنا، إنَّ أباك يا سيّد أكملَ حجّنا! وفي العبارة من حمولة المعنى والإيحاء أكثر من حمولة المجاملة والثَّناء.
4- ولما كانت مرجعيّة السيّد ما تزال فتيّة، والعرفُ الجاري عند بعض المرجعيَّات – وربما أغلبها - تقديم بعض المعونات الماليّة للطَّلبة الحجّاج (أعني المعمَّمين)، ربما من باب الاستقطاب وتأليف القلوب، انبرى رمز من رموز حوزة المرتضى ليخاطب السيّد بمحضرنا ذات صباح، أن يقدّم هدايا إلى الطلبة جرياً على العادة المتَّبعة، وقدّم لعرضه بمقدّمة، قال له: سيّدنا، هكذا تفعل كلّ حملات المراجع! كان السيّد واقفاً متَّكئأً على عصاه، فرفع رأسه، وقال: أو هل نحنُ في سباق؟!
ولما كان ذلك الأستاذ قد استعدّ لتقبّل رفض السيّد لمقترحه، سارع لتقديم عرضَه البديل، فقال: إذاً ما رأيك سيّدنا أن نقيم لهم مأدبة عشاء، فأجابه السيّد، أمَّا هذه فلا بأس!
5- في ثالث زيارة للحجّ من الولايات المتحدة الأمريكيّة عام 2004 على ما أظن، قصدت مقرَّ حملة السيّد، وكان إلى جوارها سرادق كبير، حيث تقام ندوة صباحيَّة تسبق صلاة الظّهر، يقصدها الحجَّاج من كلّ حدب وصوب. وكالعادة، فمجلس السيّد عامرُ محتشدٌ مكتظّ، وبينا السيّد يردّ على الأسئلة الَّتي تصله مكتوبةً، يقوم أحد أفراد حمايته بجمع ما يستجدّ منها، وفيما كان يهمّ بتسليمه آخر وجبة أسئلة، ارتفع صوت الأذان من مآذن مكّة القريبة، وكان السيّد ما يزال مستغرقاً في الإجابة، فقاطعه عنصرُ الحماية هامساً أنَّ وقت الصلاة قد حان، فالتفت السيّد إلى الحاضرين، وأشار إليهم بيده التي تحمل أسئلتهم: أولسنا في صلاة؟!
6- في السنة الماضية 2024، قرَّر الإخوة اللّبنانيّون في ولاية ميشغان - ديربورن أن يحيوا الذكرى السنويّة لرحيل المرجع والمفكّر السيّد فضل الله (رض) في المركز الإسلاميّ في أمريكا، وكنت من بين جملة من تحدَّثوا، بل آخر المتحدّثين، فقيل لي لك 10 دقائق، وكانت عريفة الحفل قد سألتني عن عنوان حديثي، فقلت لها: لقطة من الحجّ! فذكرت قصّة (أولسنا في صلاة؟) كمدخل أنتقد فيه الحرَفيّين الَّذين يتمسّكون بالنّصّ وينسون روحَه، وضربت مثلاً قريباً لمالك فقيه المدينة، حيث كان يدرّس تلامذته في المسجد النبويّ، فانسلَّ تلميذٌ في أثناء الدَّرس وانتحى جانباً يصلّي! فلمَّا رجع سأله مالك: ما هذا الَّذي صنعت؟ قال: نافلة فاتتني قمتُ لأؤدّيها! فقال له أستاذه مالك: ما هذا الَّذي قمتَ إليه بخيرٍ مما قمت عنه!
غداً باذن الله الصّورة الثَّامنة: قصّة كتبي الحواريّة الثَّلاثة!
* من صفحته على فايس بوك.
1- في أوَّل موسم حجّ أزور فيه الدّيارَ المقدَّسة عام 1985، كنت قادماً مع إحدى حملات الجمهوريّة الاسلاميّة، فاتَّفقنا أنا وبعض زملائي الحجّاج من (المركز الإعلامي) وصحيفة (الجهاد) أن نحضر جلسة من جلسات السيّد فضل الله في حملة الكويتي المرحوم الحاج (كاظم عبد الحسين) (تغمّده الله بواسع رحمته)، وكان المكان مزدحماً عن بكرة أبيه، حتَّى إنَّني دسست نفسي بصعوبة في الصّفوف الخلفيّة. ولم تكن الصلة قد توثَّقت بالسيّد بعد، وما إن رفعتُ يدي بالسؤال بين أيادي أخرى ارتفعت، حتَّى أشار إليَّ أن اطرح سؤالك، وأتذكَّر أنَّني سألته عن المناكفات الَّتي تحصل داخل الحرم المكّيّ في الاعتراض على بعض مبلّغي الحرم أو مشايخه، والتي كانت تسيء أكثر مما تنفع، فكان جوابه أن ثنّى على ما قلت، ودعا إلى عدم الدخول في مهاترات أو مشاحنات من هذا النوع.
2- وفي أوَّل حملة حجّ بعد إعلان مرجعيّة السيّد أبي علي، انتُدبت أنا ولفيف من أفاضل العاملين في حوزة المرتضى لنكون في حملة السيّد، وفي طاقم خدمة الحملة، وكنت مسؤولاً عن الجانب الإعلامي فيها. كان برنامج السيّد حافلاً: جلسات في الصباح وأخرى في المساء، ومجالس للرّجال ومجالس للنّساء، وطريقة السيّد في ندوة السَّبت هي هي، فهو أينما حلّ وارتحل، يتحدَّث أوَّلاً، ثم يفتح أبواب الحوار على مصراعيها ثانياً، فكأنَّه ينقل معه ندوة السَّبت ويتنقَّل بها حيثما جمعته مع مريديه المجامع. كان يغادرنا مساءً، ويأتي إلينا صباحاً مبكراً.
3- كنَّا نحن الثلاثة – أنا، والأستاذ الجليل السيّد محمَّد الحسيني، والسيّد الفاضل علي نجل السيّد الأكبر – نقف في استقبال وتوديع الحجَّاج الذين يفدون للتزوّد من ألطاف السيّد ونفحاته ونصائحه وتوجيهاته. وذات يوم، قدم وفدٌ لبنانيّ من إحدى الدول الأفريقيّة لا أتذكَّر أيّها، وبعد التشرّف بلقاء السيّد، خرج مسؤول الحملة ليودّعنا ونودّعه، وكنت أقف الى جوار السيّد علي، فإذا به يشكر السيّد علي ويقول له: جزيتم خير الجزاء سيّدنا، إنَّ أباك يا سيّد أكملَ حجّنا! وفي العبارة من حمولة المعنى والإيحاء أكثر من حمولة المجاملة والثَّناء.
4- ولما كانت مرجعيّة السيّد ما تزال فتيّة، والعرفُ الجاري عند بعض المرجعيَّات – وربما أغلبها - تقديم بعض المعونات الماليّة للطَّلبة الحجّاج (أعني المعمَّمين)، ربما من باب الاستقطاب وتأليف القلوب، انبرى رمز من رموز حوزة المرتضى ليخاطب السيّد بمحضرنا ذات صباح، أن يقدّم هدايا إلى الطلبة جرياً على العادة المتَّبعة، وقدّم لعرضه بمقدّمة، قال له: سيّدنا، هكذا تفعل كلّ حملات المراجع! كان السيّد واقفاً متَّكئأً على عصاه، فرفع رأسه، وقال: أو هل نحنُ في سباق؟!
ولما كان ذلك الأستاذ قد استعدّ لتقبّل رفض السيّد لمقترحه، سارع لتقديم عرضَه البديل، فقال: إذاً ما رأيك سيّدنا أن نقيم لهم مأدبة عشاء، فأجابه السيّد، أمَّا هذه فلا بأس!
5- في ثالث زيارة للحجّ من الولايات المتحدة الأمريكيّة عام 2004 على ما أظن، قصدت مقرَّ حملة السيّد، وكان إلى جوارها سرادق كبير، حيث تقام ندوة صباحيَّة تسبق صلاة الظّهر، يقصدها الحجَّاج من كلّ حدب وصوب. وكالعادة، فمجلس السيّد عامرُ محتشدٌ مكتظّ، وبينا السيّد يردّ على الأسئلة الَّتي تصله مكتوبةً، يقوم أحد أفراد حمايته بجمع ما يستجدّ منها، وفيما كان يهمّ بتسليمه آخر وجبة أسئلة، ارتفع صوت الأذان من مآذن مكّة القريبة، وكان السيّد ما يزال مستغرقاً في الإجابة، فقاطعه عنصرُ الحماية هامساً أنَّ وقت الصلاة قد حان، فالتفت السيّد إلى الحاضرين، وأشار إليهم بيده التي تحمل أسئلتهم: أولسنا في صلاة؟!
6- في السنة الماضية 2024، قرَّر الإخوة اللّبنانيّون في ولاية ميشغان - ديربورن أن يحيوا الذكرى السنويّة لرحيل المرجع والمفكّر السيّد فضل الله (رض) في المركز الإسلاميّ في أمريكا، وكنت من بين جملة من تحدَّثوا، بل آخر المتحدّثين، فقيل لي لك 10 دقائق، وكانت عريفة الحفل قد سألتني عن عنوان حديثي، فقلت لها: لقطة من الحجّ! فذكرت قصّة (أولسنا في صلاة؟) كمدخل أنتقد فيه الحرَفيّين الَّذين يتمسّكون بالنّصّ وينسون روحَه، وضربت مثلاً قريباً لمالك فقيه المدينة، حيث كان يدرّس تلامذته في المسجد النبويّ، فانسلَّ تلميذٌ في أثناء الدَّرس وانتحى جانباً يصلّي! فلمَّا رجع سأله مالك: ما هذا الَّذي صنعت؟ قال: نافلة فاتتني قمتُ لأؤدّيها! فقال له أستاذه مالك: ما هذا الَّذي قمتَ إليه بخيرٍ مما قمت عنه!
غداً باذن الله الصّورة الثَّامنة: قصّة كتبي الحواريّة الثَّلاثة!
* من صفحته على فايس بوك.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية