محاضرات
01/12/2025

من خطبةِ الخلافةِ لعليّ (ع): مسؤوليَّةُ الإنسانِ في كلّ حركةِ الحياة

من خطبةِ الخلافةِ لعليّ (ع): مسؤوليَّةُ الإنسانِ في كلّ حركةِ الحياة

سنتوقّف اليوم عند جزء من خطبة لعليّ (ع) استقبل بها خلافته، عندما بويع بالخلافة، والّتي أراد من خلالها أن يبيّن العنوان الكبير الَّذي يحكم خطوط حركته في الحكم، من خلال بيان الأولويَّات الَّتي ينبغي للمسلمين أن يأخذوا بها في كلّ ما يتحركون فيه، باعتبار الأهميَّة الكبرى لها.
التَّعلُّمُ من عليّ (ع)
ونحن، أيُّها الأحبَّة، بحاجة دائماً الى أن نستمع إلى عليّ (ع)، وأن نتعلَّم منه، لأنَّ عليّاً يمثّل في وعيه للقرآن قرآنَ العقل في فكره، وقرآن العاطفة في قلبه، وقرآن الحركة في كلّ سلوكه.
لذلك، علينا دائماً أن نجلس إليه، وأن نستنطقه في كلّ قضايانا ومشاكلنا، لأنَّ عنده الحلّ لمشاكلنا، ولأنَّ عنده الرَّأي الأصوب في كلّ قضايانا. وعلينا دائماً أن نكون مع عليّ الفكر، ومع عليّ الرّوح، ومع عليّ المنهج، أكثر مما نكون مع عليّ السَّيف، لأنَّ عليّاً باق بروحه وفكره ومنهجه.
وعليّ يريد للنَّاس الَّذين يتَّبعونه في خطّ الإسلام، أن يحملوا نهجه وفكره، وأن يسموا إلى المواقع العالية في الحياة.. إنَّ عليّاً لا يريد أتباعاً جاهلين، ولا أتباعاً متخلّفين، ولا أتباعاً عاصين لله ومنحرفين عن خطّه.. لقد كان عليّ أتقى الأتقياء بعد رسول الله (ص)، ويريدنا أن نكون الأتقياء في حياتنا، كان المخلص ويريدنا أن نكون المخلصين، كان الصَّادق الأمين، ويريدنا أن نكون رجال الصّدق ورجال الأمانة ورجال الحقّ، فقد كان عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ.
ولذلك، إذا سمعتم كلام عليّ (ع) يتلى عليكم، فحاولوا أن تتفهَّموه، وأن تتبعوه وتجسّدوه في حياتكم، وإذا عرفتم سيرة عليّ (ع)، فعليكم أن تتَّبعوا سيرته في كلّ ما تحرَّك فيه، لأنَّ عليّاً لا يريد لكم إلَّا أن تسيروا معه إلى الله، حيث رضوان الله وجنَّته.
كتابُ الهدى والخير
قال عليّ (ع) في "نهج البلاغة" في أوَّل أيَّام خلافته مخاطباً المسلمين:
"إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ - بيّن لكم فيه كلَّ خطوط الخير وتفاصيله، وكلّ خطوط الشَّرّ وتفاصيله - فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ - الَّذي تحدَّث إليكم القرآن عنه - تَهْتَدُوا - لأنَّ الهدى بالخير القرآنيّ، فالله لم يأمرنا بشيء من الخير، ولم يوجّهنا إلى شيء من الخير، إلّا ليصلح لنا أمر دنيانا وآخرتنا - وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا"، اي انصرفوا وأعرضوا عن طريق الشَّرّ، حتّى تحصلوا على العدل.
وبعد ذلك، أيُّها الأحبَّة، علينا أن نقرأ القرآن قراءة الإنسان الباحث، نتفحَّص كلّ آية من آياته، لنكتشف فيها عناوين الخير، لأنَّ الله كلَّفنا أن نعمل بالخير وندعو له: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104]، وهكذا، أن نقرأ في كلّ آية ما حرّمه الله، وما بيّن فيها سخطه، لنبتعد عنه، من أجل أن نحصل على الخطّ المستقيم في كلّ خطّ السَّير.
وبهذا نعرف أنَّ الإمام (ع) يريد أن يقول لنا في أوَّل خلافته: اجعلوا القرآن أمامكم في كلّ ما تتحركون فيه، لتقرأوا آياته وتعرفوا الخير الَّذي يدلّكم عليه في الدّنيا والآخرة، وحتَّى تعرفوا الشّرّ الَّذي يُبعدكم عنه في الدّنيا والآخرة.
ولذلك، ينبغي، أيُّها الأحبَّة، في قراءتنا للقرآن، أن تكون قراءة التّلميذ لما يريد أن يتعلَّمه، وقراءة الضَّالّ الَّذي يريد أن يهتدي، وقراءة المنحرف الَّذي يريد أن يستقيم، لأنَّ الله جعل القرآن نوراً للعقل، ونوراً للقلب، ونوراً للطَّريق الَّذي يسلكه النَّاس، وقد أرادنا الله أن نتدبَّره: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمَّد: 24].
الحثُّ على أداءِ الفرائض
ثمَّ بعد ذلك، يؤكّد الإمام عليّ (ع) فرائض الله: الصَّلاة والزكاة والصَّيام والحجّ والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وكلّ ما فرضه الله على العباد في شؤونهم الخاصَّة والعامَّة.
يقول (ع): "الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ!". وهذا الأسلوب هو أسلوب الاستغاثة، كما عندما يقال: "الأيتام الأيتام"، فهو الأسلوب الّذي يستخدم في اللّغة العربيَّة لتوجيه الانتباه إلى أهميّة الموضوع، ودفع النّاس إلى الالتزام به.
"الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ، أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ". لاحظوا قيمة هذه الفرائض في مسألة المصير؛ أن تصلّي صلاتك كما يريد الله لها أن تُصلَّى، وتخشع فيها، وتحافظ عليها، ولا تكون ساهياً عنها، وأن تصوم صيام الأتقياء، وتؤدّي الخمس والزّكاة، وتحجّ وتعتمر، وتؤدّي كلّ ما أوجبه الله عليك، لأنَّ الفرائض أمانة الله عندك، وعليك أن تؤديها إلى الله، فإذا أدَّيتها إلى الله كاملة غير منقوصة؛ إذا صلَّيت كما يجب أن تكون الصَّلاة، وإذا صمت كما يجب أن يكون الصّيام، وإذا زكَّيت كما يجب أن تكون الزكاة، وإذا حججت كما يجب أن يكون الحجّ، فإنَّ ذلك يؤدّي بك إلى أن يفتح الله لك كلَّ أبواب جنَّته {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطفّفين: 26].
فالإمام عليّ (ع) الَّذي هو أعرف بالإسلام وبالحقّ وبكتاب الله، ويقول إنَّكم إذا أدَّيتم الفرائض فالجنَّة أمامكم، فهذا يقتضينا أن نعتبر قضيَّة الصَّلاة من أهمّ الأشياء في حياتنا، وأن نحرص، إذا لم نكن معذورين، على أن نصوم شهر رمضان ولا نقصّر فيه، وأن نحجَّ بيت الله، وأن نخرج الحقوق من أموالنا، إذا كنَّا راغبين في الجنَّة، لأنَّ طريق الجنَّة هو أداء الفرائض.
حلالُ الله وحرامُه
وبعدما تحدَّث عن الواجبات، يقول (ع): "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ – فالكلّ يعرف الحرام الَّذي حرّمه الله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[المائدة: 3]، {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: 90]، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء: 32]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: 38]... إلخ، فالأشياء الَّتي حرَّمها الله لا يجهلها أحد، ويعرفها كلّ النَّاس.
- وَأَحَلَّ حَلَالًا غَيْرَ مَدْخُولٍ - أي أنَّه أحلَّ الأشياء الَّتي لا عيب فيها، أي الّتي لا يدخلها العيب ولا النّقصان.
أفضلُ الحرماتِ عندَ الله
ثمّ - وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا – فكم للكعبة من حرمة عند الله!؟ وكم للأماكن المقدَّسة والمساجد من حرمة عند الله!؟ هل يجوز للإنسان أن يهتك حرمة الكعبة، أو أن يهتك حرمة المسجد؟ ومع ذلك، يقول (ع) إنَّ حرمة المسلم عند الله أفضل من حرمة الكعبة، وأفضل من حرمة المساجد.
وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا - فإذا كنّا نشعر بأنّ الَّذي يهتك حرمة الكعبة ينبغي أن يعاقَب، فكيف من يهتك حرمة المسلم؟! وينقل عن الأئمّة (ع)، أحاديث في أنَّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة.
لذلك، في هذا المجال، علينا أن نعرف أنَّنا عندما يعيش بعضنا مع بعض، رجالاً ونساءً؛ الإنسان في بيته، الزَّوجة مع زوجها، والزَّوج مع زوجته، والجار مع جاره، والشَّريك مع شريكه، والقريب مع قريبه، وكلّ المسلمين بعضهم مع بعض... عليك أن تعرف أنَّك إذا هتكت حرمة مسلم وأذيته، فإنّك بذلك ترتكب جُرماً أكبر من جُرم هتك حرمة الكعبة.
لقد جاء الدين من أجل الإنسان، ومن أجل أن يعلّم النَّاس كيف يحفظ بعضهم حرمات بعض، وكيف يمكن أن يكون الإنسان آمناً على دمه وعرضه وماله في مجتمع المسلمين، بل وأكثر من هذا، كيف يمكن للإنسان الَّذي يعيش مع المسلمين في أمانهم، أن يكون أميناً على ماله ودمه وعرضه...
المسلم مصدر أمان
ثمَّ ينقل (ع) كلمة النَّبيّ (ص): "فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ"، أي أنَّ المسلم ليس فقط الّذي يصلّي ويصوم ويحجّ... المسلم هو الَّذي إذا عاش في بيته أو محلّته وفي وطنه ومع النَّاس، فإنَّ النَّاس يشعرون أنَّه ما دام هذا مسلماً، فلا يمكن أن يمدّ يده إلينا بالسّوء، ولا يمكن أن يغتابنا، أو يظلمنا بكلمة، أو يؤذينا بشيء.
فإذا أردنا أن نقلب الحديث، فنقول: من لا يسلم المسلمون من يده ولسانه فليس مسلماً. وهذا ليس كلامي، بل كلام النّبيّ (ص) وينقله الإمام عليّ (ع).
أما أن يقول أحد: نريد أن نجامل فلاناً لأنّنا نخاف من لسانه! فلسانه حادّ، فهو يسبّ ويشتم ويغضب وكذا، أو أنّهم يخافون من ضربه وأذيّته، والنّاس تخاف منه، فهذا ليس مسلماً، وإن صام وصلّى، لأنَّ المسلم، كما يبيّن الإمام (ع)، هو "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ".
نعم، {فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ}[البقرة: 194]، فإذا سبَّك أحد فلك الحقّ أن تسبّه، وإن كان {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}[البقرة: 237]، إذا ضربك فيحقّ لك أن تضربه، ضربةً بضربة، وليس أن تحمل المسدَّس عليه أو ما أشبه ذلك - وَلَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا يَجِبُ".
التّفكير في الموت
ثم يوجّه الإمام (ع) النَّاس، ويقول لهم إنَّكم وأنتم تعيشون هذه الحياة، فكّروا في الموت، وأنَّ هذه الحياة لن تدوم لكم، وسوف تنتهي، وسيكون بعدها حساب، فلا تحاولوا أن تجعلوا حياتكم حياة باطل، أو أن تجعلوها حياة الحرام والأذى.
يقول (ع): "بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ - وهو الشَّيء الَّذي يعمُّ كلَّ النَّاس: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزّمر: 30]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء: 34] - وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ – فالموت سيأتيك كما أتى لغيرك - فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ – فكما رحل أجدادنا وآباؤنا وأصدقاؤنا وأقاربنا ومعارفنا، فسنرحل نحن أيضاً.
وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ – فلكلّ واحد من النّاس ساعة، وإذا جاءت ساعتهم {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف: 34]، فكلّ واحد هناك شرطيّ خلفه، وهو ملك الموت الّذي يقوده إلى الآخرة...
- تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا - يعني لا تُثقلوا من بضاعة الحرام والباطل والظّلم، فسيكون عليها جمرك، وأنتم تعرفون أنَّ الإنسان عندما يمرّ على الحدود ويكون معه الكثير من البضاعة فسيطول مقامه، أمَّا إذا لم يكن معه شيء فسيمرّ بسرعة - فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ"، لأنَّ كلّ واحد يسير خلف الثَّاني في الموت.
تقوى الله في البلادِ والعباد
ثمَّ يقول (ع): "اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ - فالله سوف يسأل كلَّ إنسان عن النَّاس الّذين هم تحت مسؤوليَّته، كزوجته، وأولاده، والنَّاس من حوله، والموظَّفين عنده، عن العمَّال، والجيران، وكلّ النّاس الّذين تتعلَّق مسؤوليَّته بهم، سيسأله كيف كان معهم؛ هل كان يتَّقي الله ويخافه في تصرّفاته معهم، أم كان يظلم زوجته وأولاده والجيران والضّعفاء من حوله؟
- وَبِلَادِهِ - فعندما نعيش في أرض الله، فسوف يسأل الله الإنسان عن كلّ ما عمله فيها؛ هلّ عمَّر أم خرّب؟ هل أساء إلى بلاده أم أحسن إليها؟ هل مكَّن المحتلّين الكافرين من أن يحتلّوها؟ هل أخصبت البلاد معه أم أجدبت؟... فنحن مسؤولون عن أن نجعل البلاد صالحة آمنة يعيش النَّاس فيها بسلام.
فَإِنَّكُمْ مَسْؤولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ"، فحتَّى البهائم سيسألك الله غداً عنها: لِمَ ضربت هذه البهيمة؟ لم أجعتها؟ لماذا أذيتها؟
وهكذا ورد في بعض الأحاديث أنَّ الله يقول: "ليَنتصِفَنَّ للجمَّاء من القرناء"، أي أنَّه يوم القيامة، سوف ينتصف للشَّاة الَّتي لا قرون لها، من الشَّاة القرناء الَّتي نطَحَتْها.
وقد ورد في حديثٍ أنَّ الله عذَّب إنساناً بهرّة حبسها في بيتٍ وأجاعها حتَّى هلكت، فالله يعذّب هذا الإنسان بذلك، لأنَّ الله لا يقبل الظّلم لا على الإنسان ولا على الحيوان.
الآن تستطيع أن تذبح الخروف، لأنَّ الله حلّل لك ذبحه وأكله، ولكن لا يجوز لك أن تحرقه وهو حيّ، أو أن تعذّبه، حتَّى إنَّه إذا أراد أحد أن يذبح، فعليه أن يحسن الذَّبح، وأن يحدّ شفرته، حتَّى لا يعذّب الخروف أو العجل.
ثمَّ يختم الإمام كلامه: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَلَا تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ".
وصيَّةٌ للحاضرِ والمستقبل
هذه، أيُّها الأحبَّة، وصيَّة الإمام في الماضي، وهي وصيَّته في الحاضر وفي المستقبل، لأنَّ الإمام يتكلَّم عن المسؤوليَّة الإنسانيَّة في كلّ حركة الحياة. فإذا كنَّا مع الإسلام ومع الله ومع محمَّد (ص)، ومع عليّ وأهل بيته، فعلينا أن نجعل كلام عليّ برنامجنا في الدنيا، حتَّى نحصل على رضا الله، وعلى جنَّته في الآخرة.
 
* خطبة الجمعة الأولى لسماحته في مسجد الإمامين الحسنين (ع)، بتاريخ: 11/12/1998م.
 
سنتوقّف اليوم عند جزء من خطبة لعليّ (ع) استقبل بها خلافته، عندما بويع بالخلافة، والّتي أراد من خلالها أن يبيّن العنوان الكبير الَّذي يحكم خطوط حركته في الحكم، من خلال بيان الأولويَّات الَّتي ينبغي للمسلمين أن يأخذوا بها في كلّ ما يتحركون فيه، باعتبار الأهميَّة الكبرى لها.
التَّعلُّمُ من عليّ (ع)
ونحن، أيُّها الأحبَّة، بحاجة دائماً الى أن نستمع إلى عليّ (ع)، وأن نتعلَّم منه، لأنَّ عليّاً يمثّل في وعيه للقرآن قرآنَ العقل في فكره، وقرآن العاطفة في قلبه، وقرآن الحركة في كلّ سلوكه.
لذلك، علينا دائماً أن نجلس إليه، وأن نستنطقه في كلّ قضايانا ومشاكلنا، لأنَّ عنده الحلّ لمشاكلنا، ولأنَّ عنده الرَّأي الأصوب في كلّ قضايانا. وعلينا دائماً أن نكون مع عليّ الفكر، ومع عليّ الرّوح، ومع عليّ المنهج، أكثر مما نكون مع عليّ السَّيف، لأنَّ عليّاً باق بروحه وفكره ومنهجه.
وعليّ يريد للنَّاس الَّذين يتَّبعونه في خطّ الإسلام، أن يحملوا نهجه وفكره، وأن يسموا إلى المواقع العالية في الحياة.. إنَّ عليّاً لا يريد أتباعاً جاهلين، ولا أتباعاً متخلّفين، ولا أتباعاً عاصين لله ومنحرفين عن خطّه.. لقد كان عليّ أتقى الأتقياء بعد رسول الله (ص)، ويريدنا أن نكون الأتقياء في حياتنا، كان المخلص ويريدنا أن نكون المخلصين، كان الصَّادق الأمين، ويريدنا أن نكون رجال الصّدق ورجال الأمانة ورجال الحقّ، فقد كان عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ.
ولذلك، إذا سمعتم كلام عليّ (ع) يتلى عليكم، فحاولوا أن تتفهَّموه، وأن تتبعوه وتجسّدوه في حياتكم، وإذا عرفتم سيرة عليّ (ع)، فعليكم أن تتَّبعوا سيرته في كلّ ما تحرَّك فيه، لأنَّ عليّاً لا يريد لكم إلَّا أن تسيروا معه إلى الله، حيث رضوان الله وجنَّته.
كتابُ الهدى والخير
قال عليّ (ع) في "نهج البلاغة" في أوَّل أيَّام خلافته مخاطباً المسلمين:
"إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ - بيّن لكم فيه كلَّ خطوط الخير وتفاصيله، وكلّ خطوط الشَّرّ وتفاصيله - فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ - الَّذي تحدَّث إليكم القرآن عنه - تَهْتَدُوا - لأنَّ الهدى بالخير القرآنيّ، فالله لم يأمرنا بشيء من الخير، ولم يوجّهنا إلى شيء من الخير، إلّا ليصلح لنا أمر دنيانا وآخرتنا - وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا"، اي انصرفوا وأعرضوا عن طريق الشَّرّ، حتّى تحصلوا على العدل.
وبعد ذلك، أيُّها الأحبَّة، علينا أن نقرأ القرآن قراءة الإنسان الباحث، نتفحَّص كلّ آية من آياته، لنكتشف فيها عناوين الخير، لأنَّ الله كلَّفنا أن نعمل بالخير وندعو له: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104]، وهكذا، أن نقرأ في كلّ آية ما حرّمه الله، وما بيّن فيها سخطه، لنبتعد عنه، من أجل أن نحصل على الخطّ المستقيم في كلّ خطّ السَّير.
وبهذا نعرف أنَّ الإمام (ع) يريد أن يقول لنا في أوَّل خلافته: اجعلوا القرآن أمامكم في كلّ ما تتحركون فيه، لتقرأوا آياته وتعرفوا الخير الَّذي يدلّكم عليه في الدّنيا والآخرة، وحتَّى تعرفوا الشّرّ الَّذي يُبعدكم عنه في الدّنيا والآخرة.
ولذلك، ينبغي، أيُّها الأحبَّة، في قراءتنا للقرآن، أن تكون قراءة التّلميذ لما يريد أن يتعلَّمه، وقراءة الضَّالّ الَّذي يريد أن يهتدي، وقراءة المنحرف الَّذي يريد أن يستقيم، لأنَّ الله جعل القرآن نوراً للعقل، ونوراً للقلب، ونوراً للطَّريق الَّذي يسلكه النَّاس، وقد أرادنا الله أن نتدبَّره: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمَّد: 24].
الحثُّ على أداءِ الفرائض
ثمَّ بعد ذلك، يؤكّد الإمام عليّ (ع) فرائض الله: الصَّلاة والزكاة والصَّيام والحجّ والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وكلّ ما فرضه الله على العباد في شؤونهم الخاصَّة والعامَّة.
يقول (ع): "الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ!". وهذا الأسلوب هو أسلوب الاستغاثة، كما عندما يقال: "الأيتام الأيتام"، فهو الأسلوب الّذي يستخدم في اللّغة العربيَّة لتوجيه الانتباه إلى أهميّة الموضوع، ودفع النّاس إلى الالتزام به.
"الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ، أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ". لاحظوا قيمة هذه الفرائض في مسألة المصير؛ أن تصلّي صلاتك كما يريد الله لها أن تُصلَّى، وتخشع فيها، وتحافظ عليها، ولا تكون ساهياً عنها، وأن تصوم صيام الأتقياء، وتؤدّي الخمس والزّكاة، وتحجّ وتعتمر، وتؤدّي كلّ ما أوجبه الله عليك، لأنَّ الفرائض أمانة الله عندك، وعليك أن تؤديها إلى الله، فإذا أدَّيتها إلى الله كاملة غير منقوصة؛ إذا صلَّيت كما يجب أن تكون الصَّلاة، وإذا صمت كما يجب أن يكون الصّيام، وإذا زكَّيت كما يجب أن تكون الزكاة، وإذا حججت كما يجب أن يكون الحجّ، فإنَّ ذلك يؤدّي بك إلى أن يفتح الله لك كلَّ أبواب جنَّته {وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطفّفين: 26].
فالإمام عليّ (ع) الَّذي هو أعرف بالإسلام وبالحقّ وبكتاب الله، ويقول إنَّكم إذا أدَّيتم الفرائض فالجنَّة أمامكم، فهذا يقتضينا أن نعتبر قضيَّة الصَّلاة من أهمّ الأشياء في حياتنا، وأن نحرص، إذا لم نكن معذورين، على أن نصوم شهر رمضان ولا نقصّر فيه، وأن نحجَّ بيت الله، وأن نخرج الحقوق من أموالنا، إذا كنَّا راغبين في الجنَّة، لأنَّ طريق الجنَّة هو أداء الفرائض.
حلالُ الله وحرامُه
وبعدما تحدَّث عن الواجبات، يقول (ع): "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ – فالكلّ يعرف الحرام الَّذي حرّمه الله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[المائدة: 3]، {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: 90]، {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء: 32]، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: 38]... إلخ، فالأشياء الَّتي حرَّمها الله لا يجهلها أحد، ويعرفها كلّ النَّاس.
- وَأَحَلَّ حَلَالًا غَيْرَ مَدْخُولٍ - أي أنَّه أحلَّ الأشياء الَّتي لا عيب فيها، أي الّتي لا يدخلها العيب ولا النّقصان.
أفضلُ الحرماتِ عندَ الله
ثمّ - وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا – فكم للكعبة من حرمة عند الله!؟ وكم للأماكن المقدَّسة والمساجد من حرمة عند الله!؟ هل يجوز للإنسان أن يهتك حرمة الكعبة، أو أن يهتك حرمة المسجد؟ ومع ذلك، يقول (ع) إنَّ حرمة المسلم عند الله أفضل من حرمة الكعبة، وأفضل من حرمة المساجد.
وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا - فإذا كنّا نشعر بأنّ الَّذي يهتك حرمة الكعبة ينبغي أن يعاقَب، فكيف من يهتك حرمة المسلم؟! وينقل عن الأئمّة (ع)، أحاديث في أنَّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة.
لذلك، في هذا المجال، علينا أن نعرف أنَّنا عندما يعيش بعضنا مع بعض، رجالاً ونساءً؛ الإنسان في بيته، الزَّوجة مع زوجها، والزَّوج مع زوجته، والجار مع جاره، والشَّريك مع شريكه، والقريب مع قريبه، وكلّ المسلمين بعضهم مع بعض... عليك أن تعرف أنَّك إذا هتكت حرمة مسلم وأذيته، فإنّك بذلك ترتكب جُرماً أكبر من جُرم هتك حرمة الكعبة.
لقد جاء الدين من أجل الإنسان، ومن أجل أن يعلّم النَّاس كيف يحفظ بعضهم حرمات بعض، وكيف يمكن أن يكون الإنسان آمناً على دمه وعرضه وماله في مجتمع المسلمين، بل وأكثر من هذا، كيف يمكن للإنسان الَّذي يعيش مع المسلمين في أمانهم، أن يكون أميناً على ماله ودمه وعرضه...
المسلم مصدر أمان
ثمَّ ينقل (ع) كلمة النَّبيّ (ص): "فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ"، أي أنَّ المسلم ليس فقط الّذي يصلّي ويصوم ويحجّ... المسلم هو الَّذي إذا عاش في بيته أو محلّته وفي وطنه ومع النَّاس، فإنَّ النَّاس يشعرون أنَّه ما دام هذا مسلماً، فلا يمكن أن يمدّ يده إلينا بالسّوء، ولا يمكن أن يغتابنا، أو يظلمنا بكلمة، أو يؤذينا بشيء.
فإذا أردنا أن نقلب الحديث، فنقول: من لا يسلم المسلمون من يده ولسانه فليس مسلماً. وهذا ليس كلامي، بل كلام النّبيّ (ص) وينقله الإمام عليّ (ع).
أما أن يقول أحد: نريد أن نجامل فلاناً لأنّنا نخاف من لسانه! فلسانه حادّ، فهو يسبّ ويشتم ويغضب وكذا، أو أنّهم يخافون من ضربه وأذيّته، والنّاس تخاف منه، فهذا ليس مسلماً، وإن صام وصلّى، لأنَّ المسلم، كما يبيّن الإمام (ع)، هو "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ".
نعم، {فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ}[البقرة: 194]، فإذا سبَّك أحد فلك الحقّ أن تسبّه، وإن كان {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}[البقرة: 237]، إذا ضربك فيحقّ لك أن تضربه، ضربةً بضربة، وليس أن تحمل المسدَّس عليه أو ما أشبه ذلك - وَلَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا يَجِبُ".
التّفكير في الموت
ثم يوجّه الإمام (ع) النَّاس، ويقول لهم إنَّكم وأنتم تعيشون هذه الحياة، فكّروا في الموت، وأنَّ هذه الحياة لن تدوم لكم، وسوف تنتهي، وسيكون بعدها حساب، فلا تحاولوا أن تجعلوا حياتكم حياة باطل، أو أن تجعلوها حياة الحرام والأذى.
يقول (ع): "بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ - وهو الشَّيء الَّذي يعمُّ كلَّ النَّاس: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزّمر: 30]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء: 34] - وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ – فالموت سيأتيك كما أتى لغيرك - فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ – فكما رحل أجدادنا وآباؤنا وأصدقاؤنا وأقاربنا ومعارفنا، فسنرحل نحن أيضاً.
وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ – فلكلّ واحد من النّاس ساعة، وإذا جاءت ساعتهم {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف: 34]، فكلّ واحد هناك شرطيّ خلفه، وهو ملك الموت الّذي يقوده إلى الآخرة...
- تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا - يعني لا تُثقلوا من بضاعة الحرام والباطل والظّلم، فسيكون عليها جمرك، وأنتم تعرفون أنَّ الإنسان عندما يمرّ على الحدود ويكون معه الكثير من البضاعة فسيطول مقامه، أمَّا إذا لم يكن معه شيء فسيمرّ بسرعة - فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ"، لأنَّ كلّ واحد يسير خلف الثَّاني في الموت.
تقوى الله في البلادِ والعباد
ثمَّ يقول (ع): "اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ - فالله سوف يسأل كلَّ إنسان عن النَّاس الّذين هم تحت مسؤوليَّته، كزوجته، وأولاده، والنَّاس من حوله، والموظَّفين عنده، عن العمَّال، والجيران، وكلّ النّاس الّذين تتعلَّق مسؤوليَّته بهم، سيسأله كيف كان معهم؛ هل كان يتَّقي الله ويخافه في تصرّفاته معهم، أم كان يظلم زوجته وأولاده والجيران والضّعفاء من حوله؟
- وَبِلَادِهِ - فعندما نعيش في أرض الله، فسوف يسأل الله الإنسان عن كلّ ما عمله فيها؛ هلّ عمَّر أم خرّب؟ هل أساء إلى بلاده أم أحسن إليها؟ هل مكَّن المحتلّين الكافرين من أن يحتلّوها؟ هل أخصبت البلاد معه أم أجدبت؟... فنحن مسؤولون عن أن نجعل البلاد صالحة آمنة يعيش النَّاس فيها بسلام.
فَإِنَّكُمْ مَسْؤولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ"، فحتَّى البهائم سيسألك الله غداً عنها: لِمَ ضربت هذه البهيمة؟ لم أجعتها؟ لماذا أذيتها؟
وهكذا ورد في بعض الأحاديث أنَّ الله يقول: "ليَنتصِفَنَّ للجمَّاء من القرناء"، أي أنَّه يوم القيامة، سوف ينتصف للشَّاة الَّتي لا قرون لها، من الشَّاة القرناء الَّتي نطَحَتْها.
وقد ورد في حديثٍ أنَّ الله عذَّب إنساناً بهرّة حبسها في بيتٍ وأجاعها حتَّى هلكت، فالله يعذّب هذا الإنسان بذلك، لأنَّ الله لا يقبل الظّلم لا على الإنسان ولا على الحيوان.
الآن تستطيع أن تذبح الخروف، لأنَّ الله حلّل لك ذبحه وأكله، ولكن لا يجوز لك أن تحرقه وهو حيّ، أو أن تعذّبه، حتَّى إنَّه إذا أراد أحد أن يذبح، فعليه أن يحسن الذَّبح، وأن يحدّ شفرته، حتَّى لا يعذّب الخروف أو العجل.
ثمَّ يختم الإمام كلامه: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَلَا تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ".
وصيَّةٌ للحاضرِ والمستقبل
هذه، أيُّها الأحبَّة، وصيَّة الإمام في الماضي، وهي وصيَّته في الحاضر وفي المستقبل، لأنَّ الإمام يتكلَّم عن المسؤوليَّة الإنسانيَّة في كلّ حركة الحياة. فإذا كنَّا مع الإسلام ومع الله ومع محمَّد (ص)، ومع عليّ وأهل بيته، فعلينا أن نجعل كلام عليّ برنامجنا في الدنيا، حتَّى نحصل على رضا الله، وعلى جنَّته في الآخرة.
 
* خطبة الجمعة الأولى لسماحته في مسجد الإمامين الحسنين (ع)، بتاريخ: 11/12/1998م.
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية