الصّورة التَّاسعة: السيّدان

الصّورة التَّاسعة: السيّدان

1- من حقّهما عليّ – وأنا أقلّب صورَ ألبومي - أن أنوّه بالعلاقة الروحيّة الإخوانيّة الحميمة التي كانت تجمع وتربط بينهما، كأجلى مصداقين لعالمين يؤثر أحدهما الآخرَ على نفسه، عنيت سيدنا الراحل السيّد محمَّد حسين فضل الله أبا علي (أعلى الله مقامه)، وسيدنا العلاّمة الجليل السيد عبد الله الغريفي أبا محسن (أحسن الله له في الدنيا والآخرة).
2- الذين شاهدوا مراسم تجهيز سيّدنا الراحل أبي علي وتشييعه ودفنه، وهي تُبثّ على الشاشات حيّة، يتذكّرون جيّداً أنَّ الذي تلا بيان نعي السيد أبي علي هو أخوه في الله السيد أبو محسن، ولم أكن هناك لأعرف هل إنَّ اختيار السيد أبي محسن الغريفي كان من لدن أسرة السيد فضل الله، أم بالتشاور بينهم وبين بعض الفضلاء المقرَّبين، لا يهمّ، المهمّ أنّ الاختيار كان صائباً وصالحاً وصحيحاً. ولو حصل العكس، لكان خير من ينعى السيد أبا محسن – أطال الله عمره في خير وعافية – هو السيد أبوعلي فضل الله.
3- أتذكَّر أنني اصطحبتُ في أحد أعياد الفطر عدداً من طلبة الجامعة العراقيّين الّذين يدرسون في الجامعات السوريّة إلى منزل السيَّد محمد حسين فضل الله (نوّر الله ضريحه وطيّب ثراه) لنعايده، وبعد أن قدّمت له زملائي في العمل الطلَّابي وتبادلنا معه التهاني، ألقى فينا كلمة أبويّة ترحيبيّة قصيرة، كان من بينها لفتته الإخوانيّة الآتية: قال مخاطباً الجمع الطلابيّ: أنتم هنا في سوريا تتنعَّمون بنعمتين كبيرتين: وجودكم قرب السيّدة زينب (ع)، ووجودكم قرب السيّد عبد الله الغريفي! ومن تواضعه، لم يشر إلى النعمة الكبرى الثالثة، وهي وجوده بين ظهرانينا. حقاً كنّا في مثلَّث نعم! فشكراً لله عليها لا ينقطع.
4- هذا موقف السيّد أبي علي من السيّد أبي محسن، تعالوا لنرى موقف السيّد أبي محسن من السيد أبي عليّ. كنّا في دمشق – وهنا أتحدَّث عن عقد التسعينات – ننعم بدرسين مهمّين قيّمين: ندوة السبت الشَّاملة، ومجلس الأربعاء الأخلاقي في منزل السيّد عبد الله الغريفي، إلى أن جاء يوم أوقفَ فيه السيّد عبد الله درسَ الأخلاق! وصادف أن التقيتهُ في صحن السيّدة زينب (ع)، وقد جئنا لتشييع جنازة أحد العراقيّين المقيمين في دمشق، سألته: سيّدنا أبا محسن، لماذا أوقفتم الدرس الَّذي كنا نجد فيه نافذة روحيّة وأخلاقيّة تعيد لنا ترتيب نفوسنا المضطربة؟ فكان جوابه: لكم في ندوة السيّد أبي علي (يقصد ندوة السبت) كفاية!!
5- هذا الموقف النبيل الَّذي يعبّر عن سموّ أخلاق لا يتحلَّى به إلَّا الأجلاّء من الفضلاء والعلماء الأتقياء، ذكّرني بمقولة السيّد أبي القاسم الخوئي (قده)، الَّذي أصدر جزءاً واحداً من تفسيره (البيان) ثم توقَّف، ولما سُئل عن السبب، أجاب: لكم في (تفسير الميزان) كفاية! ولا يفعلها إلَّا أصحابُ النفوس الكبيرة.
لم أقتنع بجوابه، قلت له: سيّدنا هذا شيء وهذا شيء، ندوة السَّبت، على جلالة قدرها، عامّة، أمَّا درسكم الأخلاقي فيغطّي حاجة روحيّة خاصَّة، فلم يقتنع بتعليقي، أو لعلَّه اقتنع، لكنَّه عقّب قائلاً: ندوة السبت فيها هذا وهذا!
6- وكنتُ ذكرت - في صورة سابقة - أنَّه حينما أدخل السيّد فضل الله إثر أزمة قلبيّة، المستشفى، طلب إلى إدارة الحوزة عدم تعطيل النَّدوة، مقترحاً السيّد أبا محسن (عبد الله الغريفي) أن يحلّ محلّه وينوب منابه. وحين جلس السيّد الغريفي في ذلك السبت الَّذي غاب فيه فضلُ الله، كانت أوَّل كلمة قالها: هذا المكان ليس مكاني، وما كان يخطر لي أن أكون فيه، وتمنّى للسيّد الشّفاء العاجل ليأخذ مكانه الَّذي يليق به، وينفعنا من خلاله!
7- وإذا سألتموني عن أبلغ درجة من درجات التعاطف الروحي والوجداني، وأصدق وأخلص صورة من صور التعاون الميداني بين السيّدين، لقلت لكم إنَّهما اتَّفقا على أن يكون صندوق المساعدات الخيريّة الَّتي يقدّمانها إلى المحتاجين والمعوزين، صندوقاً واحداً مشتركاً! ولهذا - لمن هو قريبٌ من دوائر المراجع والعلماء - معناه ذو الإيحاءات والدَّلالات، فكلُّ مرجع وكلّ عالم وكلّ محسن وجيه - والكليَّة هنا لها استثناءات - يحبّ أن يكون له صندوقُه الخاصّ الَّذي يتسمّى باسمه، لما لذلك من أثر في نفوس الـمُحسَن إليهم، وما يترتَّب عليه من أمور لا يحسن الاستطراد فيها.
7- ذات يوم، كان السيّد أبو علي يتحدَّث في بعض المسائل الشرعيّة الَّتي يثقل على السمع التقليدي هضمها أو تقبّلها، لأنها تبدو غريبة أو خارج السياق، قلت له: سيّدنا، لماذا لا تتحدَّثون بهذه على منبر السبت في النَّدوة؟ فتبسّم ضاحكاً من قولي، وقال: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}! وكان يرمز على ما فهمت، إلى السيدين الجليلين الفاضلين: عبد الله الغريفي، والسيد حسن النوري، اللَّذين كانا يتحفظان - بعد الأيَّام الصَّفراء - ويخشيان على السيّد من أن يكون عرضةً للمتعرّضين والمعترضين!
7- ولقد جمعتنا – في الأيام التي وصفتها بالصَّفراء – جلسة مسائيّة في بيت جاري الخطيب الرَّاحل (محمد الهنداوي) (تغمَّده الله بواسع رحمته)، كان السيّد علي العلَّاق جالساً فيها إلى جنبي، فقال لي: قلت للسيّد أبي محسن: سيّدنا، هذه الأزمة كشفت الواعي من غير الواعي، قال: فردّ عليّ بالقول: لا بل كشفت من له دين، ومن لا يتورّع في الدّين!!
9- كانا - رحم اللهُ الماضي منهما وحفظ الباقي - روحاً واحدة في جسدين، ومثلاً أعلى في الإيثار والأخوَّة الصَّادقة المخلصة في ذات الله!
غداً -بإذن الله – رسالته إلى الحاج ( بهيج سلامة)!
* من صفحته الخاصَّة على فايس بوك.

1- من حقّهما عليّ – وأنا أقلّب صورَ ألبومي - أن أنوّه بالعلاقة الروحيّة الإخوانيّة الحميمة التي كانت تجمع وتربط بينهما، كأجلى مصداقين لعالمين يؤثر أحدهما الآخرَ على نفسه، عنيت سيدنا الراحل السيّد محمَّد حسين فضل الله أبا علي (أعلى الله مقامه)، وسيدنا العلاّمة الجليل السيد عبد الله الغريفي أبا محسن (أحسن الله له في الدنيا والآخرة).
2- الذين شاهدوا مراسم تجهيز سيّدنا الراحل أبي علي وتشييعه ودفنه، وهي تُبثّ على الشاشات حيّة، يتذكّرون جيّداً أنَّ الذي تلا بيان نعي السيد أبي علي هو أخوه في الله السيد أبو محسن، ولم أكن هناك لأعرف هل إنَّ اختيار السيد أبي محسن الغريفي كان من لدن أسرة السيد فضل الله، أم بالتشاور بينهم وبين بعض الفضلاء المقرَّبين، لا يهمّ، المهمّ أنّ الاختيار كان صائباً وصالحاً وصحيحاً. ولو حصل العكس، لكان خير من ينعى السيد أبا محسن – أطال الله عمره في خير وعافية – هو السيد أبوعلي فضل الله.
3- أتذكَّر أنني اصطحبتُ في أحد أعياد الفطر عدداً من طلبة الجامعة العراقيّين الّذين يدرسون في الجامعات السوريّة إلى منزل السيَّد محمد حسين فضل الله (نوّر الله ضريحه وطيّب ثراه) لنعايده، وبعد أن قدّمت له زملائي في العمل الطلَّابي وتبادلنا معه التهاني، ألقى فينا كلمة أبويّة ترحيبيّة قصيرة، كان من بينها لفتته الإخوانيّة الآتية: قال مخاطباً الجمع الطلابيّ: أنتم هنا في سوريا تتنعَّمون بنعمتين كبيرتين: وجودكم قرب السيّدة زينب (ع)، ووجودكم قرب السيّد عبد الله الغريفي! ومن تواضعه، لم يشر إلى النعمة الكبرى الثالثة، وهي وجوده بين ظهرانينا. حقاً كنّا في مثلَّث نعم! فشكراً لله عليها لا ينقطع.
4- هذا موقف السيّد أبي علي من السيّد أبي محسن، تعالوا لنرى موقف السيّد أبي محسن من السيد أبي عليّ. كنّا في دمشق – وهنا أتحدَّث عن عقد التسعينات – ننعم بدرسين مهمّين قيّمين: ندوة السبت الشَّاملة، ومجلس الأربعاء الأخلاقي في منزل السيّد عبد الله الغريفي، إلى أن جاء يوم أوقفَ فيه السيّد عبد الله درسَ الأخلاق! وصادف أن التقيتهُ في صحن السيّدة زينب (ع)، وقد جئنا لتشييع جنازة أحد العراقيّين المقيمين في دمشق، سألته: سيّدنا أبا محسن، لماذا أوقفتم الدرس الَّذي كنا نجد فيه نافذة روحيّة وأخلاقيّة تعيد لنا ترتيب نفوسنا المضطربة؟ فكان جوابه: لكم في ندوة السيّد أبي علي (يقصد ندوة السبت) كفاية!!
5- هذا الموقف النبيل الَّذي يعبّر عن سموّ أخلاق لا يتحلَّى به إلَّا الأجلاّء من الفضلاء والعلماء الأتقياء، ذكّرني بمقولة السيّد أبي القاسم الخوئي (قده)، الَّذي أصدر جزءاً واحداً من تفسيره (البيان) ثم توقَّف، ولما سُئل عن السبب، أجاب: لكم في (تفسير الميزان) كفاية! ولا يفعلها إلَّا أصحابُ النفوس الكبيرة.
لم أقتنع بجوابه، قلت له: سيّدنا هذا شيء وهذا شيء، ندوة السَّبت، على جلالة قدرها، عامّة، أمَّا درسكم الأخلاقي فيغطّي حاجة روحيّة خاصَّة، فلم يقتنع بتعليقي، أو لعلَّه اقتنع، لكنَّه عقّب قائلاً: ندوة السبت فيها هذا وهذا!
6- وكنتُ ذكرت - في صورة سابقة - أنَّه حينما أدخل السيّد فضل الله إثر أزمة قلبيّة، المستشفى، طلب إلى إدارة الحوزة عدم تعطيل النَّدوة، مقترحاً السيّد أبا محسن (عبد الله الغريفي) أن يحلّ محلّه وينوب منابه. وحين جلس السيّد الغريفي في ذلك السبت الَّذي غاب فيه فضلُ الله، كانت أوَّل كلمة قالها: هذا المكان ليس مكاني، وما كان يخطر لي أن أكون فيه، وتمنّى للسيّد الشّفاء العاجل ليأخذ مكانه الَّذي يليق به، وينفعنا من خلاله!
7- وإذا سألتموني عن أبلغ درجة من درجات التعاطف الروحي والوجداني، وأصدق وأخلص صورة من صور التعاون الميداني بين السيّدين، لقلت لكم إنَّهما اتَّفقا على أن يكون صندوق المساعدات الخيريّة الَّتي يقدّمانها إلى المحتاجين والمعوزين، صندوقاً واحداً مشتركاً! ولهذا - لمن هو قريبٌ من دوائر المراجع والعلماء - معناه ذو الإيحاءات والدَّلالات، فكلُّ مرجع وكلّ عالم وكلّ محسن وجيه - والكليَّة هنا لها استثناءات - يحبّ أن يكون له صندوقُه الخاصّ الَّذي يتسمّى باسمه، لما لذلك من أثر في نفوس الـمُحسَن إليهم، وما يترتَّب عليه من أمور لا يحسن الاستطراد فيها.
7- ذات يوم، كان السيّد أبو علي يتحدَّث في بعض المسائل الشرعيّة الَّتي يثقل على السمع التقليدي هضمها أو تقبّلها، لأنها تبدو غريبة أو خارج السياق، قلت له: سيّدنا، لماذا لا تتحدَّثون بهذه على منبر السبت في النَّدوة؟ فتبسّم ضاحكاً من قولي، وقال: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}! وكان يرمز على ما فهمت، إلى السيدين الجليلين الفاضلين: عبد الله الغريفي، والسيد حسن النوري، اللَّذين كانا يتحفظان - بعد الأيَّام الصَّفراء - ويخشيان على السيّد من أن يكون عرضةً للمتعرّضين والمعترضين!
7- ولقد جمعتنا – في الأيام التي وصفتها بالصَّفراء – جلسة مسائيّة في بيت جاري الخطيب الرَّاحل (محمد الهنداوي) (تغمَّده الله بواسع رحمته)، كان السيّد علي العلَّاق جالساً فيها إلى جنبي، فقال لي: قلت للسيّد أبي محسن: سيّدنا، هذه الأزمة كشفت الواعي من غير الواعي، قال: فردّ عليّ بالقول: لا بل كشفت من له دين، ومن لا يتورّع في الدّين!!
9- كانا - رحم اللهُ الماضي منهما وحفظ الباقي - روحاً واحدة في جسدين، ومثلاً أعلى في الإيثار والأخوَّة الصَّادقة المخلصة في ذات الله!
غداً -بإذن الله – رسالته إلى الحاج ( بهيج سلامة)!
* من صفحته الخاصَّة على فايس بوك.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية