بسم الله الرحمن الرحيم.
ولدتُ في النجف الأشرف، العراق، في ظروف قاسية وصعبة، يغلب عليها الفقر الَّذي كان يحيط بأسرتنا، وذلك من خلال ظروف المرحوم السيّد الوالد (رحمه الله). لذلك، كنت مع أفراد الأسرة الآخرين، نعيش في حالة من الضّيق، وفي شظف من العيش.
وكانت المنطقة الَّتي ولدت فيها إحدى مواقع مدينة النَّجف الَّتي كان المستضعفون يعيشون فيها. ولكنّي نشأت في الأجواء النَّجفيَّة الَّتي كنَّا نتطلَّع فيها إلى الجنائز الَّتي كانت تأتي من سائر أنحاء العراق، لأنَّ مقبرة وادي السَّلام كانت هي المدفن لكلّ المسلمين الشّيعة في العراق.
كما أنَّنا كنَّا نعيش أجواء الاحتفالات العاشورائيّة الَّتي كان يغلب عليها التَّقاليد المتوارثة، وذلك كالمواكب الَّتي تخرج في أهازيج للَّطم الذي كان عنيفًا لدى البعض، وخفيفًا لدى البعض الآخر. كما كنَّا نتابع التقاليد المأساويَّة المتمثّلة بضرب الرؤوس بالسيوف حزنًا على الحسين (ع)، أو ضرب الظّهور بالسلاسل، مما كان يلفت أنظارنا، وكنَّا نعيش نوعًا من أنواع الأزمة النفسيَّة تجاه ذلك. وأتذكَّر أنَّ بعض المواكب في اللَّيل كانت تخرج مع المشاعل الَّتي كانت تلوّث البيئة، وكان الَّذي يمسك المشاعل الطَّويلة يحاول أن يدور بها، ما يؤثّر تأثيرًا سلبيًّا في هذا المجال.
كنَّا نعيش هذا الجوّ، وكنت أذهب في أيَّام شهر رمضان إلى موقع مرقد الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، وكنت أتميَّز بصوت جميل، وكنت أقرأ أدعية شهر رمضان للمؤمنين الَّذين يحيطون بي، حتّى في أشدّ الأوقات حرارة هناك.
لقد عشت هذا الجوّ، كما كنت أحضر بين وقت وآخر، المحافل التَّأبينية للعلماء المراجع الَّتي كانت تمتدّ إلى الأربعين. وكان الشّعراء يتسابقون إلى قراءة قصائدهم الرثائيَّة. كما كنَّا أيضًا نستمع إلى القصائد الشعبيَّة التي كان يلقيها الأشخاص الَّذين يطلق عليهم اسم "الرَّواديد" في هذا المجال، والتي كان بعضها ينطلق مع أوضاع اللَّطم، باعتبار أنَّ اللَّحن كان يثير ذلك، وكان بعضها ينطلق في أجواء الجلوس، وما إلى ذلك.
وهكذا استطعت أن أختزن في داخل شخصيّتي المشاعر الأدبيَّة الشعريَّة، ما جعلني أقوم بنظم الشّعر في وقت مبكر، لأنَّ النَّجف كانت بلدًا شاعرًا، يتحرَّك بالشّعر في كثير من مناسباته وحفلاته.
ومن الطبيعي أنَّني عندما كنت في بيئة محافظة، لم أتوفَّر على الظّروف المفرحة الَّتي كانت تفسح لي مجال اللّعب مع الأقران. وكنت فيما بين وقت وآخر أخرج مع والدي ومع أصحابه إلى خارج النَّجف، حيث هناك البساتين الَّتي تبعد عن النجف ما يقارب عدَّة كيلومترات. وكنَّا نبقى فيها طوال النَّهار، وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة للانفتاح على هذا الجانب الجماليّ وما إلى ذلك.
لقد كانت حياة بائسة، وكنت في تلك السّنّ، أحاول أن أعوّض كلَّ هذا الحصار النفسيّ، أو الحصار الاجتماعيّ، بالقراءات المتنوعة الَّتي كانت تتحرَّك في أكثر من موقع ثقافي. حتَّى إنَّني كنت أقرأ الصّحف المصريَّة الَّتي قد لا يتناسب بعضها مع المستوى الثَّقافيّ، كمجلة "الرسالة"، الَّتي كان يصدرها أحمد حسن الزيات، ومجلَّة "الكتاب" الَّتي كان يصدرها عادل الغضبان.
وهكذا كنت أقرأ بعض الترجمات من الفرنسيَّة إلى العربيَّة، كترجمات قصصيَّة وشعريَّة. وهكذا تكوَّنت ثقافتي الأدبيَّة بشكل أو بآخر من عدَّة قنوات يتحرّك فيها جانب الشَّرق والغرب.
وقد بدأت دراستي مبكرًا، فقد بدأتها في السَّنة العاشرة من عمري، وفي كتاب "الأجروميَّة" في النحو، ثمَّ كتاب "قطر النّدى"، ثمَّ كتب البلاغة. وهكذا كان أستاذي الأوَّل المرحوم الوالد الَّذي لم أتلمَّذ على غيره في تلك المرحلة الَّتي تسمى في المصطلح الحوزوي بمرحلة المقدّمات والسطوح.
* مقابلة مع سماحة العلَّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، بتاريخ: 20/01/ 2008م.
بسم الله الرحمن الرحيم.
ولدتُ في النجف الأشرف، العراق، في ظروف قاسية وصعبة، يغلب عليها الفقر الَّذي كان يحيط بأسرتنا، وذلك من خلال ظروف المرحوم السيّد الوالد (رحمه الله). لذلك، كنت مع أفراد الأسرة الآخرين، نعيش في حالة من الضّيق، وفي شظف من العيش.
وكانت المنطقة الَّتي ولدت فيها إحدى مواقع مدينة النَّجف الَّتي كان المستضعفون يعيشون فيها. ولكنّي نشأت في الأجواء النَّجفيَّة الَّتي كنَّا نتطلَّع فيها إلى الجنائز الَّتي كانت تأتي من سائر أنحاء العراق، لأنَّ مقبرة وادي السَّلام كانت هي المدفن لكلّ المسلمين الشّيعة في العراق.
كما أنَّنا كنَّا نعيش أجواء الاحتفالات العاشورائيّة الَّتي كان يغلب عليها التَّقاليد المتوارثة، وذلك كالمواكب الَّتي تخرج في أهازيج للَّطم الذي كان عنيفًا لدى البعض، وخفيفًا لدى البعض الآخر. كما كنَّا نتابع التقاليد المأساويَّة المتمثّلة بضرب الرؤوس بالسيوف حزنًا على الحسين (ع)، أو ضرب الظّهور بالسلاسل، مما كان يلفت أنظارنا، وكنَّا نعيش نوعًا من أنواع الأزمة النفسيَّة تجاه ذلك. وأتذكَّر أنَّ بعض المواكب في اللَّيل كانت تخرج مع المشاعل الَّتي كانت تلوّث البيئة، وكان الَّذي يمسك المشاعل الطَّويلة يحاول أن يدور بها، ما يؤثّر تأثيرًا سلبيًّا في هذا المجال.
كنَّا نعيش هذا الجوّ، وكنت أذهب في أيَّام شهر رمضان إلى موقع مرقد الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، وكنت أتميَّز بصوت جميل، وكنت أقرأ أدعية شهر رمضان للمؤمنين الَّذين يحيطون بي، حتّى في أشدّ الأوقات حرارة هناك.
لقد عشت هذا الجوّ، كما كنت أحضر بين وقت وآخر، المحافل التَّأبينية للعلماء المراجع الَّتي كانت تمتدّ إلى الأربعين. وكان الشّعراء يتسابقون إلى قراءة قصائدهم الرثائيَّة. كما كنَّا أيضًا نستمع إلى القصائد الشعبيَّة التي كان يلقيها الأشخاص الَّذين يطلق عليهم اسم "الرَّواديد" في هذا المجال، والتي كان بعضها ينطلق مع أوضاع اللَّطم، باعتبار أنَّ اللَّحن كان يثير ذلك، وكان بعضها ينطلق في أجواء الجلوس، وما إلى ذلك.
وهكذا استطعت أن أختزن في داخل شخصيّتي المشاعر الأدبيَّة الشعريَّة، ما جعلني أقوم بنظم الشّعر في وقت مبكر، لأنَّ النَّجف كانت بلدًا شاعرًا، يتحرَّك بالشّعر في كثير من مناسباته وحفلاته.
ومن الطبيعي أنَّني عندما كنت في بيئة محافظة، لم أتوفَّر على الظّروف المفرحة الَّتي كانت تفسح لي مجال اللّعب مع الأقران. وكنت فيما بين وقت وآخر أخرج مع والدي ومع أصحابه إلى خارج النَّجف، حيث هناك البساتين الَّتي تبعد عن النجف ما يقارب عدَّة كيلومترات. وكنَّا نبقى فيها طوال النَّهار، وكانت هذه هي الفرصة الوحيدة للانفتاح على هذا الجانب الجماليّ وما إلى ذلك.
لقد كانت حياة بائسة، وكنت في تلك السّنّ، أحاول أن أعوّض كلَّ هذا الحصار النفسيّ، أو الحصار الاجتماعيّ، بالقراءات المتنوعة الَّتي كانت تتحرَّك في أكثر من موقع ثقافي. حتَّى إنَّني كنت أقرأ الصّحف المصريَّة الَّتي قد لا يتناسب بعضها مع المستوى الثَّقافيّ، كمجلة "الرسالة"، الَّتي كان يصدرها أحمد حسن الزيات، ومجلَّة "الكتاب" الَّتي كان يصدرها عادل الغضبان.
وهكذا كنت أقرأ بعض الترجمات من الفرنسيَّة إلى العربيَّة، كترجمات قصصيَّة وشعريَّة. وهكذا تكوَّنت ثقافتي الأدبيَّة بشكل أو بآخر من عدَّة قنوات يتحرّك فيها جانب الشَّرق والغرب.
وقد بدأت دراستي مبكرًا، فقد بدأتها في السَّنة العاشرة من عمري، وفي كتاب "الأجروميَّة" في النحو، ثمَّ كتاب "قطر النّدى"، ثمَّ كتب البلاغة. وهكذا كان أستاذي الأوَّل المرحوم الوالد الَّذي لم أتلمَّذ على غيره في تلك المرحلة الَّتي تسمى في المصطلح الحوزوي بمرحلة المقدّمات والسطوح.
* مقابلة مع سماحة العلَّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، بتاريخ: 20/01/ 2008م.