لا يخفى أن الثمن والمثمن إن كانا حالَّيْن وتقابض المتبايعان فلا إشكال، بل إن ذلك هو الوضع الطبيعي الغالب في البيوع، وأما إن كانا على خلاف ذلك فهو على ثلاثة أنحاء: الأول: أن يكون العوضان مؤجلين، وسيأتي ذكره في المسألة 771 إذا كان من فروع بيع السلف، وأما إذا لم تنطبق عليه شروط بيع السلف فقد سبق ذكره في المسألة 643؛ الثاني: أن يكون المثمن مؤجلاً والثمن حالاً؛ وهو هذا البحث المصطلح عليه بـ (بيع السلف)؛ الثالث: أن يكون المثمن حالاً والثمن مؤجلاً، وهو المعروف بـ (النسيئة)، وهو ما سنبحثه لاحقاً تحت عنوان (النقد والنسيئة).
وأما تفصيل أحكام بيع السلف فيقع في مطالب:
المطلب الأول ـ في الصيغة:
مسألة 763: (السلف) هو: (بيع كلي في الذمة مؤجل بثمن حال)، أي أن هذا النوع من البيع يبتني على كون المبيع أمراً كلياً في الذمة مُؤجَّلَ التسليم إلى وقت محدد، فلا يشمل ما لو كان عيناً شخصية أو من الكلي في المعين، فإنه إذا أُجِّل تسليمه وكان ثمنه حالاً لا تلحقه أحكام السلف، بل يكون بيعاً عادياً قد اشترط فيه تأخير تسليم المثمن، وهو ما قد ذكرنا أحكامه سابقاً في مبحث (التسليم والقبض).
كذلك فإن هذا البيع يبتني على تسليم المشتري الثمن للبائع، وهو الذي من أجله سمي بـ (بيع السَّلَم) أيضاً، بل إن هذا الاسم صار هو المعتمد في تسمية أركان العقد، فسمي المشتري بـ (المُسلِّم)، والبائع بـ (المُسلَّم إليه)، والثمن بـ (المُسلَّم)، والمثمن بـ (المسلَّم فيه).
مسألة 764: يصح في عقد بيع السلف اللفظي صدور الإيجاب من كلٍ من البائع والمشتري وصدور القبول من الآخر؛ فإذا كان الموجب هو البائع فالصيغة هي نفسها صيغة البيع، ويكفي فيها مثل قول البائع: «بعتك خمسة أثواب بصفة كذا إلى مدة كذا»، فيقول المشتري: «قبلت»؛ وإذا كان الموجب هو المشتري فإنه ينبغي تضمينه ما يفهم منه التسليف بكل لفظ يدل عليه، ويكفي فيه مثل قوله: «أسلفتك (أو أسلمت إليك) مائة دولار ـ مثلاً ـ في طن من القمح بصفة كذا إلى أجل كذا»، فيقول البائع: «قبلت».
كذلك فإنه يصـح ـ كغيـره من العقـود ـ بالمعاطاة بكل فعل دل عليه وأوضح المراد منه، ومن ذلك الكتابة.
المطلب الثاني ـ في الشروط:
يشترط في بيع السلف توفر أمور:
الأول: تعيين المبيع من حيث أوصافه ومقداره على النحو التالي:
أ ـ من حيث الأوصاف: فإنه يجب ذكر الأوصاف بالنحو الذي يجعله معلوماً ومحدداً عرفاً من جهة الجودة والرداءة والطعم والريح واللون وغيرها من الخصائص التي تتمايز بها الأشياء وتختلف قيمتها باختلافها؛ فيصح السلف في كل ما أمكن ضبط أوصافه وتحديدها بنحو يرفع الجهالة بالمبيع في مثل الحيوان والخضراوات والفواكه والحبوب والجوز واللوز والملابس والأدوية ونحو ذلك من الأعيان.
ب ـ من حيث المقدار: فإنه يجب ذكر مقداره وزناً أو كيلاً أو عداً، فلا يصح السلف مع جهالة المقدار.
مسألة 765: لما كان المبيع في السلف (كلياً في الذمة) فإنه لا يصح في الأعيان التي لا تتبين أوصافها إلا بالمشاهدة إذا كانت أفرادها تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً، بنحو لا ترتفع الجهالة في كل فرد منها إلا بعد مشاهدته، وذلك كما في أغلب الأحجار الكريمة والبساتين ونحوها، فإذا وقع البيع على الفرد المشاهد صار المبيع (عيناً شخصية) أو (كلياً في المعين)، ومعه لا يكون البيع سلفاً.
نعم إذا كانت أفراد العين المشاهدة لا تختلف فيما بينها اختلافاً معتداً به عند العرف لم يضر ذلك في وقوع البيع على فرد منها في الذمة مع مشاهدة الكل، وذلك كما في الجوز والبيض.
الثاني: أن لا يكون العوضان من الذهب أو الفضة، أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، فإن لم يكونا كذلك صح السلف فيه كائناً ما كان المبيع إذا كان ثمنه ذهباً أو فضة، أو كان المثمن ذهباً أو فضة وكان ثمنه من جنس آخر غيرهما، وذلك بدون إشكال في الموردين، وأما إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون، أو أحدهما من المكيل والآخر من الموزون، لم يجز أن يكون الثمن من جنسه، بل ولا من غير جنسه على الأحوط وجوباً، كذلك فإن الأحوط وجوباً في المعدود أن لا يكون الثمن من جنسه مع الزيادة العينية في أحدهما عن الآخر.
الثالث: تعيين أجل مضبوط لتسليم المبيع فيه، وذلك بالأيام أو الشهور أو السنين أو نحوها مما هو محدد معلوم، فلا يصح تحديده بمثل زمان الحصاد أو عودة المسافر أو نحوهما، وإذا وَقَّتَ الأجل به بطل البيع. هذا، ولا حدَّ للأجل قلة وكثرة، فيصح يوماً ويصح عشرين سنة.
مسألة 766: إذا جعل الأجل شهراً، دون تحديد كونه قمرياً أو شمسياً، فإنه يُحمَلُ على ما هو المتعارف عند المتبايعين؛ فإن وقع البيع في أول الشهر فالمراد تمام ذلك الشهر، وإن وقع أثناءه فالأحوط استحباباً تحديد منتهى الأجل بالنص عليه في أي يوم هو من الشهر التالي، فإن لم ينصا عليه فالأحوط لهما استحباباً التراضي على يوم نهاية الأجل بنحو يشمل التراضي على أصل البيع وتملك كل منهما لما في يده، فإن لم يتراضيا عليه كان اليوم الثلاثين من يوم وقوع البيع هو نهاية الشهر.
هذا، ويجري نفس الكلام فيما لو كان الأجل شهرين أو أكثر، وذلك من جهة كونهما قمريين أو شمسيين، ومن جهة تحديد نهاية الشهرين فيما لو وقع العقد في أول الشهر أو أثناءه.
مسألة 767: إذا جعل الأجل حلول شهر له أول وثان، كجُمادى أو ربيع، أو كانون أو تشرين، دون أن يذكر كونه الأول أو الثاني، حمل على أولهما من تلك السنة، وحل الأجل في القمري بحلول أول جزء من ليلة الهلال، وفي الشمسي على ما هو المتعارف في التقويم الميلادي، وهو أول جزء بعد منتصف ليل آخر يوم من الشهر المنصرم؛ إلا أن ينصا على خلاف ذلك ساعةً للتسليم.
وكذا إذا جعل الأجل حلول يوم الجمعة مثلاً، فإنه يحمل على يوم الجمعة الذي يقدم من الأسبوع الذي هما فيه، ويحل فيه الأجل في أول جزء من فجر نهار ذلك اليوم.
الرابع: تعيين بلد التسليم في العقد إذا اختلفت الأمكنة في صعوبة التسليم وسهولته وتعلقت به الرغبات ولزمت منه الخسارة، بحيث يكون الجهل به موجباً لوقوع المتبايعين في الغرر، كما هو الشأن في الكثير من البيوعات، وبخاصة في زماننا هذا الذي تعاظم فيه الاستيراد من الخارج وتعاظمت معه أهمية مكان التسليم. أما إذا لم يكن للمكان أهمية في المعاملة فإنه لا يجب النص على مكان التسليم في العقد، بل إن إطلاق العقد من هذه الجهة ـ حينئذ ـ يستلزم التسليم في بلد العقد، إلا أن تقوم قرينة على )الإطلاق(، أي على التسليم في أي مكان يختاره البائع، أو تقوم القرينة على تعيين بلد آخر غير بلد العقد، ولو كانت هي التعارف الخارجي.
مسألة 768: إذا كان المبيع حين التسليم في غير البلد المتفق على تسليمه فيه، فإن تراضيا على تسليمه في موضعه جاز، وإلا فإن أمكن نقله إلى بلد التسليم وجب على البائع نقله، وإلا كان المشتري بالخيار بين الانتظار حتى يسلمه المبيع في بلد التسليم وبين أن يفسخ البيع ويرجع بالثمن الذي دفعه دون زيادة ولا نقصان.
الخامس: أن يكون البائع حين العقد غير عالم بعجزه عن التسليم حين حلول الأجل، وفي البلد الذي اشترط التسليم فيه، سواء كان العجز المعلوم مستمراً من حين العقد أو طارئاً بعده، وسواء كان العجز الطارىء عامَّ الوجود، ككثرة الثلوج المانعة من الانتقال، أو نادره، كمصادفة كونه موعد دخوله السجن؛ فإن كان عالماً بعدم قدرته على التسليم بالنحو المذكور بطل العقد. أما إذا لم يكن عالماً مسبقاً بذلك، وكان ظاهر الأمور يشير إلى إمكان دفع ما تعهد به وقدرته على تسليمه، فعرض ما لم يكن بالحسبان فمنع من التسليم في الوقت المحدد، فإن المشتري حينئذ يتخير بين الصبر على البائع حتى يسلمه المبيع، وبين الفسخ والرجوع بالثمن أو ببدله دون زيادة ولا نقصان.
وكما يثبت الخيار للمشتري عند العجز عن دفع الكل كذلك يثبت له الخيار عند تمكن البائع من دفع بعض المبيع فقط، فيتخير المشتري في الباقي بين فسخ البيع فيه فقط أو في جميع المبيع وبين الانتظار حتى يسلمه تمام المبيع، لكنه إذا فسخ في الباقي جاز للبائع الفسخ في المقدار الآخر بخيار تبعض الصفقة.
مسألة 769: إذا عجز البائع عن دفع المبيع حين حلول الأجل لم يجز للمشتري ـ على الأحوط لزوماً ـ استغلال ذلك وبيعه للبائع بأكثر مما اشتراه منه.
السادس: قبض الثمن قبل التفرق عن مجلس العقد إن اجتمعا، أو إقباضه إياه قبل العقد إن كان التعاقد بينهما عن بعد، كما لو كان بالتخابر الهاتفي أو بالكتابة، أو بما أشبه ذلك من وسائل الإقباض قبل العقد، ومن ذلك ما لو كان له دَيْنٌ في ذمة البائع، وكان قد حل أجله قبل العقد، أو بعده قبل افتراقهما؛ فإن لم يكن قد حل وقت الوفاء به، أو لم يقبضه الثمن بالنحو الذي سلف، بطل البيع. ولو أقبضه بعض الثمن صح فيه بمقدار نسبته إلى الثمن وبطل في الباقي؛ وحيث تتبعض الصفقة بذلك ثبت خيار تبعض الصفقة وجاز فسخ المعاملة في المقدار الذي صح البيع فيه.
المطلب الثالث ـ في الأحكام العامة:
مسألة 770: إذا حل الأجل فدفع البائع المبيع مطابقاً للوصف والمقدار المطلوبين لم يكن للمشتري أن يمتنع عن قبوله، وأما إذا كان ما دفعه مخالفاً لهما أو لأحدهما فحكمه كما يلي:
أولاً: إن كان على غير الوصف وكان وصفه دون المطلوب، فإن رضي به صح، وإلا وجب عليه دفع الفرد الموافق للصفة. وإن كان أزيد من الصفة وأعلى منها، فإن كانت رغبة المشتري قد تعلقت بخصوص الصفة المطلوبة بالنحو الذي ينفي غيرها ولو كان أحسن لم يجب عليه القبول، ولزم البائع دفع الفرد الموافق، وإلا وجب عليه القبول.
ثانياً: إن كان المدفوع على خلاف المقدار المطلوب، وكان دونه، فإن رضي به وأبرأه من الباقي صح البيع، وإلا ألزمه بدفعه المقدار المطلوب، وإن كان أكثر من المطلوب لم يجب عليه قبول المبيع إلا بعد تجريد البائع له من الزيادة التي فيه.
مسألة 771: إذا أراد المشتري بيع ما اشتراه سلفاً فحكمه كما يلي:
أ ـ لا يجوز بيعه لغير البائع قبل حلول الأجل لا نقداً ولا نسيئة، ومهما كان جنس المبيع.
ب ـ يجوز بيعه لبائعه قبل حلول الأجل نقداً، ولا يجوز نسيئة.
ج ـ يجوز بيعه للبائع وغيره بعد حلول الأجل نقداً بدون إشكال، وأما نسيئة فإنه يجوز أيضاً إلا إذا استلزم الربا، وما يستلزم منه الربا له موردان:
1 ـ ما لو كان العوضان من المكيل أو الموزون وكانا متحدين في الجنس بدون إشكال، أو مختلفين فيه على الأحوط وجوباً.
2 ـ ما لو كان العوضان من جنس واحد، وكانا من المعدود، مع زيادة عينية في أحدهما على الآخر، كأن يبيعه ألف جوزة بألفٍ ومائتين على الأحوط وجوباً.
لا يخفى أن الثمن والمثمن إن كانا حالَّيْن وتقابض المتبايعان فلا إشكال، بل إن ذلك هو الوضع الطبيعي الغالب في البيوع، وأما إن كانا على خلاف ذلك فهو على ثلاثة أنحاء: الأول: أن يكون العوضان مؤجلين، وسيأتي ذكره في المسألة 771 إذا كان من فروع بيع السلف، وأما إذا لم تنطبق عليه شروط بيع السلف فقد سبق ذكره في المسألة 643؛ الثاني: أن يكون المثمن مؤجلاً والثمن حالاً؛ وهو هذا البحث المصطلح عليه بـ (بيع السلف)؛ الثالث: أن يكون المثمن حالاً والثمن مؤجلاً، وهو المعروف بـ (النسيئة)، وهو ما سنبحثه لاحقاً تحت عنوان (النقد والنسيئة).
وأما تفصيل أحكام بيع السلف فيقع في مطالب:
المطلب الأول ـ في الصيغة:
مسألة 763: (السلف) هو: (بيع كلي في الذمة مؤجل بثمن حال)، أي أن هذا النوع من البيع يبتني على كون المبيع أمراً كلياً في الذمة مُؤجَّلَ التسليم إلى وقت محدد، فلا يشمل ما لو كان عيناً شخصية أو من الكلي في المعين، فإنه إذا أُجِّل تسليمه وكان ثمنه حالاً لا تلحقه أحكام السلف، بل يكون بيعاً عادياً قد اشترط فيه تأخير تسليم المثمن، وهو ما قد ذكرنا أحكامه سابقاً في مبحث (التسليم والقبض).
كذلك فإن هذا البيع يبتني على تسليم المشتري الثمن للبائع، وهو الذي من أجله سمي بـ (بيع السَّلَم) أيضاً، بل إن هذا الاسم صار هو المعتمد في تسمية أركان العقد، فسمي المشتري بـ (المُسلِّم)، والبائع بـ (المُسلَّم إليه)، والثمن بـ (المُسلَّم)، والمثمن بـ (المسلَّم فيه).
مسألة 764: يصح في عقد بيع السلف اللفظي صدور الإيجاب من كلٍ من البائع والمشتري وصدور القبول من الآخر؛ فإذا كان الموجب هو البائع فالصيغة هي نفسها صيغة البيع، ويكفي فيها مثل قول البائع: «بعتك خمسة أثواب بصفة كذا إلى مدة كذا»، فيقول المشتري: «قبلت»؛ وإذا كان الموجب هو المشتري فإنه ينبغي تضمينه ما يفهم منه التسليف بكل لفظ يدل عليه، ويكفي فيه مثل قوله: «أسلفتك (أو أسلمت إليك) مائة دولار ـ مثلاً ـ في طن من القمح بصفة كذا إلى أجل كذا»، فيقول البائع: «قبلت».
كذلك فإنه يصـح ـ كغيـره من العقـود ـ بالمعاطاة بكل فعل دل عليه وأوضح المراد منه، ومن ذلك الكتابة.
المطلب الثاني ـ في الشروط:
يشترط في بيع السلف توفر أمور:
الأول: تعيين المبيع من حيث أوصافه ومقداره على النحو التالي:
أ ـ من حيث الأوصاف: فإنه يجب ذكر الأوصاف بالنحو الذي يجعله معلوماً ومحدداً عرفاً من جهة الجودة والرداءة والطعم والريح واللون وغيرها من الخصائص التي تتمايز بها الأشياء وتختلف قيمتها باختلافها؛ فيصح السلف في كل ما أمكن ضبط أوصافه وتحديدها بنحو يرفع الجهالة بالمبيع في مثل الحيوان والخضراوات والفواكه والحبوب والجوز واللوز والملابس والأدوية ونحو ذلك من الأعيان.
ب ـ من حيث المقدار: فإنه يجب ذكر مقداره وزناً أو كيلاً أو عداً، فلا يصح السلف مع جهالة المقدار.
مسألة 765: لما كان المبيع في السلف (كلياً في الذمة) فإنه لا يصح في الأعيان التي لا تتبين أوصافها إلا بالمشاهدة إذا كانت أفرادها تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً، بنحو لا ترتفع الجهالة في كل فرد منها إلا بعد مشاهدته، وذلك كما في أغلب الأحجار الكريمة والبساتين ونحوها، فإذا وقع البيع على الفرد المشاهد صار المبيع (عيناً شخصية) أو (كلياً في المعين)، ومعه لا يكون البيع سلفاً.
نعم إذا كانت أفراد العين المشاهدة لا تختلف فيما بينها اختلافاً معتداً به عند العرف لم يضر ذلك في وقوع البيع على فرد منها في الذمة مع مشاهدة الكل، وذلك كما في الجوز والبيض.
الثاني: أن لا يكون العوضان من الذهب أو الفضة، أو أحدهما من الذهب والآخر من الفضة، فإن لم يكونا كذلك صح السلف فيه كائناً ما كان المبيع إذا كان ثمنه ذهباً أو فضة، أو كان المثمن ذهباً أو فضة وكان ثمنه من جنس آخر غيرهما، وذلك بدون إشكال في الموردين، وأما إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون، أو أحدهما من المكيل والآخر من الموزون، لم يجز أن يكون الثمن من جنسه، بل ولا من غير جنسه على الأحوط وجوباً، كذلك فإن الأحوط وجوباً في المعدود أن لا يكون الثمن من جنسه مع الزيادة العينية في أحدهما عن الآخر.
الثالث: تعيين أجل مضبوط لتسليم المبيع فيه، وذلك بالأيام أو الشهور أو السنين أو نحوها مما هو محدد معلوم، فلا يصح تحديده بمثل زمان الحصاد أو عودة المسافر أو نحوهما، وإذا وَقَّتَ الأجل به بطل البيع. هذا، ولا حدَّ للأجل قلة وكثرة، فيصح يوماً ويصح عشرين سنة.
مسألة 766: إذا جعل الأجل شهراً، دون تحديد كونه قمرياً أو شمسياً، فإنه يُحمَلُ على ما هو المتعارف عند المتبايعين؛ فإن وقع البيع في أول الشهر فالمراد تمام ذلك الشهر، وإن وقع أثناءه فالأحوط استحباباً تحديد منتهى الأجل بالنص عليه في أي يوم هو من الشهر التالي، فإن لم ينصا عليه فالأحوط لهما استحباباً التراضي على يوم نهاية الأجل بنحو يشمل التراضي على أصل البيع وتملك كل منهما لما في يده، فإن لم يتراضيا عليه كان اليوم الثلاثين من يوم وقوع البيع هو نهاية الشهر.
هذا، ويجري نفس الكلام فيما لو كان الأجل شهرين أو أكثر، وذلك من جهة كونهما قمريين أو شمسيين، ومن جهة تحديد نهاية الشهرين فيما لو وقع العقد في أول الشهر أو أثناءه.
مسألة 767: إذا جعل الأجل حلول شهر له أول وثان، كجُمادى أو ربيع، أو كانون أو تشرين، دون أن يذكر كونه الأول أو الثاني، حمل على أولهما من تلك السنة، وحل الأجل في القمري بحلول أول جزء من ليلة الهلال، وفي الشمسي على ما هو المتعارف في التقويم الميلادي، وهو أول جزء بعد منتصف ليل آخر يوم من الشهر المنصرم؛ إلا أن ينصا على خلاف ذلك ساعةً للتسليم.
وكذا إذا جعل الأجل حلول يوم الجمعة مثلاً، فإنه يحمل على يوم الجمعة الذي يقدم من الأسبوع الذي هما فيه، ويحل فيه الأجل في أول جزء من فجر نهار ذلك اليوم.
الرابع: تعيين بلد التسليم في العقد إذا اختلفت الأمكنة في صعوبة التسليم وسهولته وتعلقت به الرغبات ولزمت منه الخسارة، بحيث يكون الجهل به موجباً لوقوع المتبايعين في الغرر، كما هو الشأن في الكثير من البيوعات، وبخاصة في زماننا هذا الذي تعاظم فيه الاستيراد من الخارج وتعاظمت معه أهمية مكان التسليم. أما إذا لم يكن للمكان أهمية في المعاملة فإنه لا يجب النص على مكان التسليم في العقد، بل إن إطلاق العقد من هذه الجهة ـ حينئذ ـ يستلزم التسليم في بلد العقد، إلا أن تقوم قرينة على )الإطلاق(، أي على التسليم في أي مكان يختاره البائع، أو تقوم القرينة على تعيين بلد آخر غير بلد العقد، ولو كانت هي التعارف الخارجي.
مسألة 768: إذا كان المبيع حين التسليم في غير البلد المتفق على تسليمه فيه، فإن تراضيا على تسليمه في موضعه جاز، وإلا فإن أمكن نقله إلى بلد التسليم وجب على البائع نقله، وإلا كان المشتري بالخيار بين الانتظار حتى يسلمه المبيع في بلد التسليم وبين أن يفسخ البيع ويرجع بالثمن الذي دفعه دون زيادة ولا نقصان.
الخامس: أن يكون البائع حين العقد غير عالم بعجزه عن التسليم حين حلول الأجل، وفي البلد الذي اشترط التسليم فيه، سواء كان العجز المعلوم مستمراً من حين العقد أو طارئاً بعده، وسواء كان العجز الطارىء عامَّ الوجود، ككثرة الثلوج المانعة من الانتقال، أو نادره، كمصادفة كونه موعد دخوله السجن؛ فإن كان عالماً بعدم قدرته على التسليم بالنحو المذكور بطل العقد. أما إذا لم يكن عالماً مسبقاً بذلك، وكان ظاهر الأمور يشير إلى إمكان دفع ما تعهد به وقدرته على تسليمه، فعرض ما لم يكن بالحسبان فمنع من التسليم في الوقت المحدد، فإن المشتري حينئذ يتخير بين الصبر على البائع حتى يسلمه المبيع، وبين الفسخ والرجوع بالثمن أو ببدله دون زيادة ولا نقصان.
وكما يثبت الخيار للمشتري عند العجز عن دفع الكل كذلك يثبت له الخيار عند تمكن البائع من دفع بعض المبيع فقط، فيتخير المشتري في الباقي بين فسخ البيع فيه فقط أو في جميع المبيع وبين الانتظار حتى يسلمه تمام المبيع، لكنه إذا فسخ في الباقي جاز للبائع الفسخ في المقدار الآخر بخيار تبعض الصفقة.
مسألة 769: إذا عجز البائع عن دفع المبيع حين حلول الأجل لم يجز للمشتري ـ على الأحوط لزوماً ـ استغلال ذلك وبيعه للبائع بأكثر مما اشتراه منه.
السادس: قبض الثمن قبل التفرق عن مجلس العقد إن اجتمعا، أو إقباضه إياه قبل العقد إن كان التعاقد بينهما عن بعد، كما لو كان بالتخابر الهاتفي أو بالكتابة، أو بما أشبه ذلك من وسائل الإقباض قبل العقد، ومن ذلك ما لو كان له دَيْنٌ في ذمة البائع، وكان قد حل أجله قبل العقد، أو بعده قبل افتراقهما؛ فإن لم يكن قد حل وقت الوفاء به، أو لم يقبضه الثمن بالنحو الذي سلف، بطل البيع. ولو أقبضه بعض الثمن صح فيه بمقدار نسبته إلى الثمن وبطل في الباقي؛ وحيث تتبعض الصفقة بذلك ثبت خيار تبعض الصفقة وجاز فسخ المعاملة في المقدار الذي صح البيع فيه.
المطلب الثالث ـ في الأحكام العامة:
مسألة 770: إذا حل الأجل فدفع البائع المبيع مطابقاً للوصف والمقدار المطلوبين لم يكن للمشتري أن يمتنع عن قبوله، وأما إذا كان ما دفعه مخالفاً لهما أو لأحدهما فحكمه كما يلي:
أولاً: إن كان على غير الوصف وكان وصفه دون المطلوب، فإن رضي به صح، وإلا وجب عليه دفع الفرد الموافق للصفة. وإن كان أزيد من الصفة وأعلى منها، فإن كانت رغبة المشتري قد تعلقت بخصوص الصفة المطلوبة بالنحو الذي ينفي غيرها ولو كان أحسن لم يجب عليه القبول، ولزم البائع دفع الفرد الموافق، وإلا وجب عليه القبول.
ثانياً: إن كان المدفوع على خلاف المقدار المطلوب، وكان دونه، فإن رضي به وأبرأه من الباقي صح البيع، وإلا ألزمه بدفعه المقدار المطلوب، وإن كان أكثر من المطلوب لم يجب عليه قبول المبيع إلا بعد تجريد البائع له من الزيادة التي فيه.
مسألة 771: إذا أراد المشتري بيع ما اشتراه سلفاً فحكمه كما يلي:
أ ـ لا يجوز بيعه لغير البائع قبل حلول الأجل لا نقداً ولا نسيئة، ومهما كان جنس المبيع.
ب ـ يجوز بيعه لبائعه قبل حلول الأجل نقداً، ولا يجوز نسيئة.
ج ـ يجوز بيعه للبائع وغيره بعد حلول الأجل نقداً بدون إشكال، وأما نسيئة فإنه يجوز أيضاً إلا إذا استلزم الربا، وما يستلزم منه الربا له موردان:
1 ـ ما لو كان العوضان من المكيل أو الموزون وكانا متحدين في الجنس بدون إشكال، أو مختلفين فيه على الأحوط وجوباً.
2 ـ ما لو كان العوضان من جنس واحد، وكانا من المعدود، مع زيادة عينية في أحدهما على الآخر، كأن يبيعه ألف جوزة بألفٍ ومائتين على الأحوط وجوباً.