في الذّكرى السنويَّة الخامسة عشرة لرحيل فضل الله: أين أصبح المشروع المقاوم والوحدوي؟

في الذّكرى السنويَّة الخامسة عشرة لرحيل فضل الله: أين أصبح المشروع المقاوم والوحدوي؟

في الرابع من شهر تموز من كلّ عام، تستعاد الذكرى السنوية لرحيل المرجع الديني السيّد محمَّد حسين فضل الله، وفي هذا العام، تأتي الذكرى الخامسة عشرة لرحيله، في ظلّ تزايد التحديات أمام المشروع الوحدوي والمقاوم، والذي طرحه السيّد فضل الله خلال مسيرته الفكرية والدينية والحركية والمؤسَّساتية، وما حصل ويحصل بعد معركة طوفان الأقصى والحرب على لبنان وإيران.
فأين أصبح هذا المشروع المقاوم والوحدوي الذي طرحه فضل الله؟ وما هي أبرز التحدّيات التي يواجهها هذا المشروع اليوم؟ وهل لا يزال التيَّار الذي أسّسه وأطلقه فضل الله قادراً على مواجهة هذه التحديات بعد مرور خمس عشرة سنة على رحيله؟
بدايةً، ما هي أبرز مميّزات ومضامين المشروع المقاوم والوحدوي الَّذي طرحه وتبنّاه المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله طيلة أكثر من ستين عاماً من مسيرته الحركية والدينية والفكرية والاجتماعية؟
يمكن تلخيص أبرز مميّزات هذا المشروع بالنقاط التالية:
أولاً: الرؤية الإسلامية والإنسانية الشاملة:
انطلق السيد فضل الله في مشروعه المقاوم والوحدوي من رؤية إسلامية وإنسانية شاملة، ورفض البُعد المذهبي والطائفي أو القطري، وكان يؤكّد دوماً ضرورة أن تتبنّى الحركات الإسلاميَّة أو السياسيَّة وقوى المقاومة المشروع الديني أو الإنساني بعيداً من المذهبية والطائفية والقطرية، وصولاً إلى دولة الإنسان، وقد دعا إلى مراجعة كل التراث الإسلامي وإزالة الشَّوائب منه، وخصوصاً الَّتي تؤدّي إلى الخلافات المذهبيَّة، من أجل أن تتوحّد قوى المقاومة حول مشروع موحّد.
وحمل راية الحوار الإسلامي- الإسلامي، والإسلامي- المسيحي، وتحاور مع السلفيين والعلمانيين واليساريين والقوميين للوصول الى الحقيقة، رافضاً احتكار الحقيقة الدينية والسياسية، وهو القائل: الحقيقة بنت الحوار.
ثانياً: مقاومة المشروع الصّهيوني والاستكبار العالمي ودعم كلّ قوى المقاومة:
كان فضل الله واضحاً بتبنّيه لكل مشاريع التحرّر والمقاومة في العالم العربي والإسلامي وفي العالم، وقدّم كلَّ أشكال الدعم العملية والميدانية لقوى المقاومة، ووقف في وجه الإدارة الأميركية والاحتلال الأميركي للعراق، وقد دفع ثمناً غالياً من جرَّاء مقاومته لقوى الاحتلال، وتعرّض لأكثر من عمليَّة اغتيال، وأبرزها محاولة الاغتيال في الثامن من أذار عام 1985، والتي خططت لها المخابرات الأميركيَّة، وموّلتها دولة عربيَّة، ونفَّذتها جهات محليَّة.
ثالثاً: دعم أيّ مشروع وحدوي:
بغضّ النظر عن انتمائه القطري أو المذهبي أو الحزبي، وكان على تواصل مع كل قوى المقاومة والأحزاب اليسارية والعلمانية والحركات الإسلامية، يقدّم لها النصح والدعم والإرشاد، ويتحاور مع الجميع بانفتاح واحترام.
رابعاً: رفض الظلم والطغيان:
سواء على مستوى كلّ بلد أو في أيَّة بقعة في العالم، وكان يرفع صوته عالياً لرفض الظلم، ولم يكن يبرّر لأيّ نظام ممارسة الظّلم، كما كان يرفض الاستعانة بالخارج لمواجهة الظّلم الدَّاخليّ، ولذا رفع الصَّوت عالياً ضدَّ الحرب الأميركيَّة على العراق.
هذه بعض ملامح المشروع الوحدوي والمقاوم الَّذي طرحه المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله، وإن كانت لا تعبّر عن كل تفاصيل المشروع الفكرية والثقافية والحركية.
لكن أين أصبح هذا المشروع المقاوم والوحدوي والإنساني الشَّامل اليوم؟ وما هي أبرز التحديات التي يواجهها؟
المراقب للواقع العربي والإسلامي اليوم، يلحظ حجم التحديات التي يواجهها المشروع الوحدوي والمقاوم في هذه المرحلة، ولا سيَّما خلال السنوات الأخيرة، منذ معركة طوفان الأقصى، إلى الحرب على لبنان واليمن وإيران، ورغم تراجع الأجواء المذهبيَّة نسبياً، وتقدّم روح المقاومة، فإنَّ قوى المقاومة لا تزال تتعرَّض للحصار والضّغوط الكبيرة في فلسطين ولبنان والمنطقة، ويواجه الشَّعب الفلسطيني حرب إبادة وتجويع في قطاع غزَّة، ويتمّ وصف الحركات المقاومة بالإرهاب، وتتعرض لضغوط قاسية لنزع سلاحها. وللأسف، شهدنا أيضاً فشل بعض التجارب الإسلاميَّة، وغرق بعض هذه التجارب بالهموم القطرية والمحلية والابتعاد عن الرؤية الإسلامية الشاملة، وغياب الحوار بين المكوّنات الإسلامية، وسيادة منطق القطيعة وعدم الاعتراف بالآخر وانتشار العنف.
ولقد حاول العلّامة السيّد علي فضل الله (نجل السيّد محمَّد حسين) ملء الفراغ الذي حصل من جراء رحيل والده، وأطلق العديد من المبادرات الحوارية، وانتهج سياسة وحدوية، وتواصل مع جميع الجهات، مؤكّداً رفض الظلم من أيَّة جهة أتت، وداعماً لقوى المقاومة، ورغم أنَّ هذه المبادرات حقَّقت بعض الإنجازات، لكن يبدو أنَّ الساحة المقاومة لا تزال تواجه الكثير من التحديات، وتحتاج إلى جهود متواصلة لمواجهة التحديات الكبرى التي تعانيها اليوم.
وقد يكون طرح مشروع التَّطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربيَّة مقدمة لتصفية القضية الفلسطينيَّة في ظلّ اشتداد المواجهة الأميركيَّة – الإسرائيليَّة – الإيرانيَّة. ولذلك، فإنَّ مسؤوليَّة الحركات الإسلاميَّة والقوميَّة واليساريَّة وقوى المقاومة اليوم، العمل من أجل إعادة بلورة المشروع الوحدوي والمقاوم، والَّذي يتواصل مع بقيَّة مكوّنات الأمَّة، وهذا يتطلَّب العودة إلى الأسس التي انطلق منها المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله، والاستفادة مما تركه من آثار فكرية وسياسية وعملية.
ولعلّ إحياء الذكرى السنويَّة لرحيله اليوم، فرصة لإعادة البحث بهذا المشروع وإعادة بلورته من جديد، بما يتلاءم مع المتغيّرات الحاصلة خلال السنوات الأخيرة.
*المحامي عمر زين، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب
*مقال منشور في جريدة اللّواء، بتاريخ: 3 تمّوز 2025م.
في الرابع من شهر تموز من كلّ عام، تستعاد الذكرى السنوية لرحيل المرجع الديني السيّد محمَّد حسين فضل الله، وفي هذا العام، تأتي الذكرى الخامسة عشرة لرحيله، في ظلّ تزايد التحديات أمام المشروع الوحدوي والمقاوم، والذي طرحه السيّد فضل الله خلال مسيرته الفكرية والدينية والحركية والمؤسَّساتية، وما حصل ويحصل بعد معركة طوفان الأقصى والحرب على لبنان وإيران.
فأين أصبح هذا المشروع المقاوم والوحدوي الذي طرحه فضل الله؟ وما هي أبرز التحدّيات التي يواجهها هذا المشروع اليوم؟ وهل لا يزال التيَّار الذي أسّسه وأطلقه فضل الله قادراً على مواجهة هذه التحديات بعد مرور خمس عشرة سنة على رحيله؟
بدايةً، ما هي أبرز مميّزات ومضامين المشروع المقاوم والوحدوي الَّذي طرحه وتبنّاه المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله طيلة أكثر من ستين عاماً من مسيرته الحركية والدينية والفكرية والاجتماعية؟
يمكن تلخيص أبرز مميّزات هذا المشروع بالنقاط التالية:
أولاً: الرؤية الإسلامية والإنسانية الشاملة:
انطلق السيد فضل الله في مشروعه المقاوم والوحدوي من رؤية إسلامية وإنسانية شاملة، ورفض البُعد المذهبي والطائفي أو القطري، وكان يؤكّد دوماً ضرورة أن تتبنّى الحركات الإسلاميَّة أو السياسيَّة وقوى المقاومة المشروع الديني أو الإنساني بعيداً من المذهبية والطائفية والقطرية، وصولاً إلى دولة الإنسان، وقد دعا إلى مراجعة كل التراث الإسلامي وإزالة الشَّوائب منه، وخصوصاً الَّتي تؤدّي إلى الخلافات المذهبيَّة، من أجل أن تتوحّد قوى المقاومة حول مشروع موحّد.
وحمل راية الحوار الإسلامي- الإسلامي، والإسلامي- المسيحي، وتحاور مع السلفيين والعلمانيين واليساريين والقوميين للوصول الى الحقيقة، رافضاً احتكار الحقيقة الدينية والسياسية، وهو القائل: الحقيقة بنت الحوار.
ثانياً: مقاومة المشروع الصّهيوني والاستكبار العالمي ودعم كلّ قوى المقاومة:
كان فضل الله واضحاً بتبنّيه لكل مشاريع التحرّر والمقاومة في العالم العربي والإسلامي وفي العالم، وقدّم كلَّ أشكال الدعم العملية والميدانية لقوى المقاومة، ووقف في وجه الإدارة الأميركية والاحتلال الأميركي للعراق، وقد دفع ثمناً غالياً من جرَّاء مقاومته لقوى الاحتلال، وتعرّض لأكثر من عمليَّة اغتيال، وأبرزها محاولة الاغتيال في الثامن من أذار عام 1985، والتي خططت لها المخابرات الأميركيَّة، وموّلتها دولة عربيَّة، ونفَّذتها جهات محليَّة.
ثالثاً: دعم أيّ مشروع وحدوي:
بغضّ النظر عن انتمائه القطري أو المذهبي أو الحزبي، وكان على تواصل مع كل قوى المقاومة والأحزاب اليسارية والعلمانية والحركات الإسلامية، يقدّم لها النصح والدعم والإرشاد، ويتحاور مع الجميع بانفتاح واحترام.
رابعاً: رفض الظلم والطغيان:
سواء على مستوى كلّ بلد أو في أيَّة بقعة في العالم، وكان يرفع صوته عالياً لرفض الظلم، ولم يكن يبرّر لأيّ نظام ممارسة الظّلم، كما كان يرفض الاستعانة بالخارج لمواجهة الظّلم الدَّاخليّ، ولذا رفع الصَّوت عالياً ضدَّ الحرب الأميركيَّة على العراق.
هذه بعض ملامح المشروع الوحدوي والمقاوم الَّذي طرحه المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله، وإن كانت لا تعبّر عن كل تفاصيل المشروع الفكرية والثقافية والحركية.
لكن أين أصبح هذا المشروع المقاوم والوحدوي والإنساني الشَّامل اليوم؟ وما هي أبرز التحديات التي يواجهها؟
المراقب للواقع العربي والإسلامي اليوم، يلحظ حجم التحديات التي يواجهها المشروع الوحدوي والمقاوم في هذه المرحلة، ولا سيَّما خلال السنوات الأخيرة، منذ معركة طوفان الأقصى، إلى الحرب على لبنان واليمن وإيران، ورغم تراجع الأجواء المذهبيَّة نسبياً، وتقدّم روح المقاومة، فإنَّ قوى المقاومة لا تزال تتعرَّض للحصار والضّغوط الكبيرة في فلسطين ولبنان والمنطقة، ويواجه الشَّعب الفلسطيني حرب إبادة وتجويع في قطاع غزَّة، ويتمّ وصف الحركات المقاومة بالإرهاب، وتتعرض لضغوط قاسية لنزع سلاحها. وللأسف، شهدنا أيضاً فشل بعض التجارب الإسلاميَّة، وغرق بعض هذه التجارب بالهموم القطرية والمحلية والابتعاد عن الرؤية الإسلامية الشاملة، وغياب الحوار بين المكوّنات الإسلامية، وسيادة منطق القطيعة وعدم الاعتراف بالآخر وانتشار العنف.
ولقد حاول العلّامة السيّد علي فضل الله (نجل السيّد محمَّد حسين) ملء الفراغ الذي حصل من جراء رحيل والده، وأطلق العديد من المبادرات الحوارية، وانتهج سياسة وحدوية، وتواصل مع جميع الجهات، مؤكّداً رفض الظلم من أيَّة جهة أتت، وداعماً لقوى المقاومة، ورغم أنَّ هذه المبادرات حقَّقت بعض الإنجازات، لكن يبدو أنَّ الساحة المقاومة لا تزال تواجه الكثير من التحديات، وتحتاج إلى جهود متواصلة لمواجهة التحديات الكبرى التي تعانيها اليوم.
وقد يكون طرح مشروع التَّطبيع بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربيَّة مقدمة لتصفية القضية الفلسطينيَّة في ظلّ اشتداد المواجهة الأميركيَّة – الإسرائيليَّة – الإيرانيَّة. ولذلك، فإنَّ مسؤوليَّة الحركات الإسلاميَّة والقوميَّة واليساريَّة وقوى المقاومة اليوم، العمل من أجل إعادة بلورة المشروع الوحدوي والمقاوم، والَّذي يتواصل مع بقيَّة مكوّنات الأمَّة، وهذا يتطلَّب العودة إلى الأسس التي انطلق منها المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله، والاستفادة مما تركه من آثار فكرية وسياسية وعملية.
ولعلّ إحياء الذكرى السنويَّة لرحيله اليوم، فرصة لإعادة البحث بهذا المشروع وإعادة بلورته من جديد، بما يتلاءم مع المتغيّرات الحاصلة خلال السنوات الأخيرة.
*المحامي عمر زين، الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب
*مقال منشور في جريدة اللّواء، بتاريخ: 3 تمّوز 2025م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية