1- تمتدّ معرفتي بالمفكّر المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله (رض) لخمسة وأربعين عاماً بالحساب الكلّي للمعرفة، وإلى 30 عاماً لحين رحيله، وإلى خمسة عشر عاما في خدمته، ولو سئلت، أيّ الأعمار الثلاثة من عمر المعرفة ترجّح لقلت الأوَّل، لأنني لا أعتبر علاقة من هذا الطراز تنبتُّ بالموت، فما زلتُ إلى اليوم أتعرّف عليه، وأحيا معه.
2- أوَّلُ كتاب قرأتهُ للسيّد فضل الله (الإسلام ومنطق القوّة) في العام 1980. كنت يومها عاملاً في (المركز الثقافي الإسلامي) بأصفهان، وكنَّا نعقد ندوة باسم (ندوة الجمعة)، فمخضتُ الكتابَ وقدّمت زبدتَه لروّاد تلك النَّدوة التي أحيّي كلَّ من كان يشارك فيها وأقبّل جبينه، وأترحّم على الماضين منهم!
3- وكما يحصل في عالم الأصدقاء، أن الصديقَ الطيّب يجرّك بلطفه إلى محيط معارفه من الأصدقاء الطيّبين، أخذني كتابُ (الإسلام ومنطق القوَّة) ليعرّفني بإخوته جميعاً، حتَّى بتُّ أعتبر نفسي واحداً من أسرة السيّد محمَّد حسين الفكريّة والثقافيّة. تذوّقت نكهةَ حرفه، وتلمَّستُ استنارةَ بصيرته، وحرارةَ إخلاصه، وصدق رسائله، مثلما تذوّقت حرفَ زميله الحركيّ الشَّهيد السَّعيد السيّد محمَّد باقر الصَّدر (قده)، وكنت أرى – وما أزال - أنَّهما يمتحان من نبعٍ صافٍ واحد، وأنَّ ما يصدر عن قلميهما يصدر من نور مشكاةٍ واحدة.
4- كان السيد - وخصوصاً في فترة حياة الإمام الخميني (قده) – كثيرَ التردّد على الجمهوريّة الإسلاميّة، ويزور الإمام في بعض زياراته، ولقد نقل لي مرّة في حديث بيني وبينه، أنَّه كان إذا دخل على الإمام، نهض لاستقباله واحتضنه بأبوّة، وإذا انتهى اللّقاءُ، ودّعه وشيّعه إلى الباب بمحبّة، ولا أدري إن كان السيّد أبو أحمد فعلها مع غير السيّد أبي علي.
5- وكنّا سواء في (حزب الدَّعوة) أم في (المركز الإعلامي) أم في (الاتحاد الإسلامي لطلبة وشباب العراق) نغتنم فرصةَ وجوده الثَّمينة للتزوّد منه. في اللقاءات البكر الأولى، كنت أجلس بين يديه جلسة تلميذ الابتدائيّة يتلقّف كلَّ كلمة من أستاذٍ يجلّه ويهابه، إلى أن كُلّفت ذات مرّة من قبل صحيفة (الجهاد) الَّتي كنت أعمل محرّراً فيها، بإجراء حوار معه. ولم يكن في صالة الفندق إلَّا أنا والسيد وزميلي المصوّر. تهيّبته واستصعبتُ اللّقاء الأوَّل، لكنَّ الذين جالسوا السيّد وحاوروه يعرفون قدرته على فتح الأبواب، أبوابَ القلوب قبل أبواب الحوار.
5- منذ اللّقاء الصحفيّ الأوَّل عام 1987 وحتى آخر لقاء زرته في بيته خلف مقام السيّدة زينب لأودّعه مهاجراً إلى أمريكا عام 2001 (سيأتي الحديث عن ذلك اللّقاء في صورة قادمة بإذن الله)، لم أشعر بحرج اللقاء مع من كنَّا نسمّيه (المفكّر الاسلاميّ الكبير)، فنبرةُ السيد الأبويّة الهادئة الرزينة، ونظرتُه الحانية التي فيها من الاستحياء ما يجعله يخفّف التحديق في وجه محدّثه إلَّا لماماً، ليترك له الإحساسَ بألفة أليفة، ولا أغالي إذا قلت إنَّ أدبَ السيّد محمَّد حسين يستولي عليك حتَّى لتخال أنَّه هو الَّذي يخجل منك!!
6- في لقاءاته بطلبتنا في الثمانينات (قبل سقوط حكم الطغيان بربع قرن)، كان يوصيهم بإعداد أنفسهم ليكونوا قادةَ المستقبل الَّذي سيشهد فراغاً لا يملؤه إلَّا هم، وكانوا يبثّونه همومهم وبعض معاناتهم في بعض دوائر الجمهورية الإسلاميّة، وينتقدون بعض المظاهر السلبيّة هناك، فكان يجيبهم بمثال – فيه من الوعظ أكثر مما فيه من الإجابة على شكواهم – يقول لهم عن خاله المرجع الكبير السيّد محسن الحكيم ( قده): كان السيد محسن يقول: كنا ننتقد مرجعيَّة السيد أبي الحسن الأصفهاني على بعض الأخطاء، ولما تصدَّينا للمرجعيَّة، وقعنا بأخطاء أكبر وأكثر! فلننظر غداً إذا سقط صدَّام ماذا ستفعلون؟ وكأني به (رحمة الله عليه) يقرأ ما بتنا عليه!
* من صفحته على فايس بوك.
1- تمتدّ معرفتي بالمفكّر المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله (رض) لخمسة وأربعين عاماً بالحساب الكلّي للمعرفة، وإلى 30 عاماً لحين رحيله، وإلى خمسة عشر عاما في خدمته، ولو سئلت، أيّ الأعمار الثلاثة من عمر المعرفة ترجّح لقلت الأوَّل، لأنني لا أعتبر علاقة من هذا الطراز تنبتُّ بالموت، فما زلتُ إلى اليوم أتعرّف عليه، وأحيا معه.
2- أوَّلُ كتاب قرأتهُ للسيّد فضل الله (الإسلام ومنطق القوّة) في العام 1980. كنت يومها عاملاً في (المركز الثقافي الإسلامي) بأصفهان، وكنَّا نعقد ندوة باسم (ندوة الجمعة)، فمخضتُ الكتابَ وقدّمت زبدتَه لروّاد تلك النَّدوة التي أحيّي كلَّ من كان يشارك فيها وأقبّل جبينه، وأترحّم على الماضين منهم!
3- وكما يحصل في عالم الأصدقاء، أن الصديقَ الطيّب يجرّك بلطفه إلى محيط معارفه من الأصدقاء الطيّبين، أخذني كتابُ (الإسلام ومنطق القوَّة) ليعرّفني بإخوته جميعاً، حتَّى بتُّ أعتبر نفسي واحداً من أسرة السيّد محمَّد حسين الفكريّة والثقافيّة. تذوّقت نكهةَ حرفه، وتلمَّستُ استنارةَ بصيرته، وحرارةَ إخلاصه، وصدق رسائله، مثلما تذوّقت حرفَ زميله الحركيّ الشَّهيد السَّعيد السيّد محمَّد باقر الصَّدر (قده)، وكنت أرى – وما أزال - أنَّهما يمتحان من نبعٍ صافٍ واحد، وأنَّ ما يصدر عن قلميهما يصدر من نور مشكاةٍ واحدة.
4- كان السيد - وخصوصاً في فترة حياة الإمام الخميني (قده) – كثيرَ التردّد على الجمهوريّة الإسلاميّة، ويزور الإمام في بعض زياراته، ولقد نقل لي مرّة في حديث بيني وبينه، أنَّه كان إذا دخل على الإمام، نهض لاستقباله واحتضنه بأبوّة، وإذا انتهى اللّقاءُ، ودّعه وشيّعه إلى الباب بمحبّة، ولا أدري إن كان السيّد أبو أحمد فعلها مع غير السيّد أبي علي.
5- وكنّا سواء في (حزب الدَّعوة) أم في (المركز الإعلامي) أم في (الاتحاد الإسلامي لطلبة وشباب العراق) نغتنم فرصةَ وجوده الثَّمينة للتزوّد منه. في اللقاءات البكر الأولى، كنت أجلس بين يديه جلسة تلميذ الابتدائيّة يتلقّف كلَّ كلمة من أستاذٍ يجلّه ويهابه، إلى أن كُلّفت ذات مرّة من قبل صحيفة (الجهاد) الَّتي كنت أعمل محرّراً فيها، بإجراء حوار معه. ولم يكن في صالة الفندق إلَّا أنا والسيد وزميلي المصوّر. تهيّبته واستصعبتُ اللّقاء الأوَّل، لكنَّ الذين جالسوا السيّد وحاوروه يعرفون قدرته على فتح الأبواب، أبوابَ القلوب قبل أبواب الحوار.
5- منذ اللّقاء الصحفيّ الأوَّل عام 1987 وحتى آخر لقاء زرته في بيته خلف مقام السيّدة زينب لأودّعه مهاجراً إلى أمريكا عام 2001 (سيأتي الحديث عن ذلك اللّقاء في صورة قادمة بإذن الله)، لم أشعر بحرج اللقاء مع من كنَّا نسمّيه (المفكّر الاسلاميّ الكبير)، فنبرةُ السيد الأبويّة الهادئة الرزينة، ونظرتُه الحانية التي فيها من الاستحياء ما يجعله يخفّف التحديق في وجه محدّثه إلَّا لماماً، ليترك له الإحساسَ بألفة أليفة، ولا أغالي إذا قلت إنَّ أدبَ السيّد محمَّد حسين يستولي عليك حتَّى لتخال أنَّه هو الَّذي يخجل منك!!
6- في لقاءاته بطلبتنا في الثمانينات (قبل سقوط حكم الطغيان بربع قرن)، كان يوصيهم بإعداد أنفسهم ليكونوا قادةَ المستقبل الَّذي سيشهد فراغاً لا يملؤه إلَّا هم، وكانوا يبثّونه همومهم وبعض معاناتهم في بعض دوائر الجمهورية الإسلاميّة، وينتقدون بعض المظاهر السلبيّة هناك، فكان يجيبهم بمثال – فيه من الوعظ أكثر مما فيه من الإجابة على شكواهم – يقول لهم عن خاله المرجع الكبير السيّد محسن الحكيم ( قده): كان السيد محسن يقول: كنا ننتقد مرجعيَّة السيد أبي الحسن الأصفهاني على بعض الأخطاء، ولما تصدَّينا للمرجعيَّة، وقعنا بأخطاء أكبر وأكثر! فلننظر غداً إذا سقط صدَّام ماذا ستفعلون؟ وكأني به (رحمة الله عليه) يقرأ ما بتنا عليه!
* من صفحته على فايس بوك.