في موسمِ عاشوراءَ: توجيهاتٌ أخلاقيَّةٌ من وحيِ سيرةِ الحسينِ (ع)

في موسمِ عاشوراءَ: توجيهاتٌ أخلاقيَّةٌ من وحيِ سيرةِ الحسينِ (ع)

نعيش في هذه الأيَّام ذكرى الإمام الحسين (ع) في موسم عاشوراء. وإذا كنَّا نريد أن نتعمَّق في موقع هذه الذّكرى من مواقفنا، فلا بدَّ أن نتمثَّل الإمام الحسين (ع ) إماماً بكلِّ ما تعنيه كلمة الإمامة، من الموقع الَّذي يتحمَّل فيه الإمام مسؤوليَّةَ إبلاغِ الإسلامِ وحراستِهِ وتعميقِ مفاهيمه وقيادةِ حركته، ليكون الإسلام هو الَّذي يحكم المجتمع المسلم، لأنَّ دور الإمامة يمثِّل الامتدادَ الحركيَّ لدور النّبوَّة، فالإمام هو خليفة النّبيّ، وكما كان دور النبيّ (ص) الَّذي تحدَّث الله عنه {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ}[الجمعة: 2]، فذلك هو دور الإمام في حركته. الإمامة ليست نبوَّة "أنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي"، ولكنَّها امتداد لحركيَّة النبوَّة في معنى القيادة، وفي معنى الولاية.
استهداءُ نهجِ الحسين (ع)
وفي ضوء ذلك، علينا أن نفهم انطلاقة الإمام الحسين (ع)، أن لا نحصرها في الجانب السياسي، وإن كان للجانب السياسيّ دورُهُ في مسألة تغيير الحاكم الظَّالم، وفي مسألة تقويم المجتمع المنحرف، أو في مواجهة الظّلم كلِّه والاستكبار كلِّه في مواقع المستكبرين والظَّالمين. ولكن لن يكون الجهاد جهاداً، ولن تكون السياسة واعية منفتحة، إذا لم ترتكز على القاعدة الإسلاميَّة في عقليَّة الإنسان المسلم، وفي روحه وقلبه وحياته، بحيث يمارس المسلم السياسةَ كمسلم، ليدخل القيم الإسلاميَّة والمفاهيم الإسلاميَّة في حركته السياسيَّة، وفي مواقعه السياسيَّة، بحيث تكون السياسة إسلاماً يتحدَّى، وإسلاماً يواجه، وإسلاماً يبني، وإسلاماً يهدم، وإسلاماً يجاهد.
لذلك، لا بدَّ أن نأخذ الحسين بكلِّه؛ أن نأخذه بأخلاقه، كيف كانت أخلاقه، لتكون أخلاقنا أخلاق الحسين، كيف كانت عبادته لله، لتكون عبادتنا لله عبادة الحسين، كيف كان يدعو ربَّه، كيف كانت روحانيَّته الَّتي تفيض على كلِّ مَنْ حوله، كيف كان يعيش مع النَّاس ليرعى النَّاس بكلِّ ما لديه من طاقة ومن أخلاق، كيف كان علمه، وكيف كانَ يعيشُ مسؤوليَّة العلم، فلا يبقي علمه في صدره، بل يعطيه لكلِّ من يحتاجه... علينا أن نأخذ الحسين بكلِّه، ولا نقتصر على جانب السياسة في ذلك، ولا نقتصر على جانب المأساة في هذا المجال، ليكون كلُّ دورنا في عاشوراء أن نبكي وأن نلطم وأن نثير الحزن في قلوبنا.
الحزن مقدَّس في عاشوراء، وعلينا أن نعيش الحزن الكبير عندما نتذكَّر مأساة الإمام الحسين (ع)، وعلينا أن نتمثَّل تلك المأساة، فلا تملك الدّموع إلَّا أن تنساب من عيوننا. ولكن، أيُّها الأحبَّة، إنَّ الحسين (ع) لم ينطلق من أجل أن نعيش مأساته، بل انطلق من أجل أن نعيش رسالته: "خرجْتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمَّةِ جدّي، أريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عنِ المنكرِ". فإذا كنَّا نخلص للحسين (ع)، فلتكن عاشوراء حركة إصلاح في حركة الدّين في الواقع، فلتكن عاشوراء أمراً بالمعروف كلّه؛ المعروف في العقيدة، والمعروف في الممارسة الشخصيَّة، والمعروف في المجتمع، وفي السياسة، وفي الجهاد، وفي كلِّ مجالات الحياة، لأنَّ المعروف هو كلّ ما يرضي الله مما يرفع مستوى المجتمع، وأن تكون نهياً عن المنكر، كلّ منكر، في أيِّ جانب من جوانب الحياة، من أجل أن ننطلق لنسقط المنكر في كلِّ حياتنا.
وإذا عرفنا أنَّ الحسين (ع) ثار على الحاكم الجائر، لأنَّه كان مستحلًّا لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فعلينا نحن أن نقف ضدَّ كلّ من كان كذلك، كلّ من كان مستحلًّا لحرم الله، في أيِّ موقع من مواقع المسؤوليَّة، كلّ من كان مخالفاً لسنَّة رسول الله، في أيِّ موقع من مواقع المسؤوليَّة، كلّ من يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، في أيّ موقع من مواقع المسؤوليَّة... لتكن هذه العناوين هي العناوين التي تؤكِّد مواقفنا في الرّفض لكلِّ هؤلاء، حتَّى نستطيع أن نجعل المجتمع مجتمعاً يتحرَّك فيه العادلون الثَّائرون على خطِّ الله وخطِّ رسوله، العاملون في عباد الله بما يرضي الله، وبما يرفع مستواهم.
رفضُ مبدأِ الظّلم
ونحن، أيُّها الأحبَّة، إذا كنَّا نرفض الظّلم كلَّه من القوى السياسيَّة، أو القوى العسكريَّة، أو القوى الاقتصاديَّة، فعلينا أن نرفض الظّلم من أنفسنا، أن لا نكون نحن الظَّالمين في الصَّغير من الظّلم، أن لا نكون الظالمين في بيوتنا، الظالمين في أسواقنا، الظالمين في مواقعنا العمليَّة هنا وهناك، لأنَّه ليس هناك فرق بين الظّلم الصَّغير والظّلم الكبير، لأنَّ الظّلم الصَّغير يهيِّئ للظّلم الكبير، فإنَّ الإنسان إذا اجترأ على الصَّغير اجترأ على الكبير. إنَّ الذي يبدأ ليضرب ولده الصَّغير بدون حقّ، أو ليضرب زوجته بدون حقّ، أو ليضرب جاره الضَّعيف بدون حقّ، أو ليسرق من إنسانٍ مالاً من دون حقّ، إنَّ هذا الظّلم إذا بدأ في حياة الإنسان وهو لا يملك إلا قوَّة بسيطة، فإنَّه سوف يتحوَّل إلى ظلم كبير، فيظلم النَّاس كلَّهم بحسب سعة مسؤوليَّته.
لذلك، لا بدَّ أن نحاسب أنفسنا، ونجاهد أنفسنا، أن ننكر مبدأ الظلم، لا أن ننكر حجم الظّلم، لأنَّ مشكلتنا أنَّنا ننكر حجم الظّلم، وهو ظلم السياسيّين وظلم الحكَّام، ولكن علينا أن ننكر المبدأ، كما علَّمنا زين العابدين (ع)، عندما كان يدعو ربَّه: "اللَّهمَّ فكما كرَّهتني أن أُظلَم، فقِني مِنْ أنْ أَظلِم". أعطني الوقاية، يا ربّ، من أن أظلم النَّاس، لأني أريد، يا ربّ، أن أرفض المبدأ كلَّه؛ أن لا يظلمني النَّاس، وأن لا أظلم النَّاس. هذا هو الخطُّ الإسلاميّ الحسينيّ في ذلك كلِّه.
ونحن في هذه العجالة، ونحن نستوحي ثورة الحسين (ع) في قضايانا الكبيرة على المستوي السياسي والاجتماعي، نحبُّ أن نقف أمام بعض مواقع السّيرة الحسينيَّة في الجانب الأخلاقيّ، ولعلَّ هذا مما لا يعرفه الكثيرون من النَّاس عن الحسين (ع).
سموُّ الحسينِ (ع)
يذكر المحدَّث القمِّي في كتابه (منازل الآخرة) قصَّةً تمثِّل كيف كان الحسين (ع) واسع الصَّدر، وكيف كان يعفو عمَّن يتكلَّم معه بالكلمات القاسية اللامسؤولة: "قال عصام بن المصطلق: دخلْتُ المدينةَ، فرأيْتُ الحسينَ بنَ عليٍّ (ع)، فأعجبَني سمتُهُ ورواؤُهُ - حيويَّته - وأثارَ منَ الحسَدِ ما كانَ يخفيهِ صدري لأبيهِ منَ البغضِ – يقول كنت أبغض عليّ بن أبي طالب بغضا ًشديداً، فلمَّا رأيت الحسين بهذه الهيبة وبهذا الهدوء، أثار ذلك كلّ كوامن الحقد الَّذي أحمله لأبيه في صدري - فقلْتُ لهُ: أنتَ ابنُ أبي تراب؟ - كأنَّه أراد بهذه الكلمة أن يوهن عليّاً (ع) فيها. ولكن يقال إنَّ الإمام عليّاً (ع) كان يعتزّ بهذه الكنية، لأنَّ هذه الكنية كنّاه بها رسول الله (ص)، عندما جاءَ ورآه وهو ساجدٌ يعفِّرُ جبهتَهُ ووجهَهُ بالتّراب، فقال: قمْ يا أبا تراب. ولذلك، فإنَّ كنيةَ "أبو تراب"، لأنَّ عليّاً (ع) كان يعفِّر جبهتَهُ دائماً بالتّراب، خضوعاً لله سبحانه وتعالى وسجوداً له، ولذلك يقال كانت أحبّ كناه إليه. ولكنَّ النَّاس الَّتي لا تفهم حقائق الأمور، تعتبر أنَّها وهن - فقالَ (ع): نعم، فبالغْتُ في شتمِهِ وشتمِ أبيهِ – فبدون مناسبة، بدأت أشتمه وأشتم أباه - فنظرَ إليَّ نظرةَ عاطفٍ رؤوفٍ، ثمَّ قالَ: أعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ}[الأعراف: 199- 202]، ثمَّ قال لي: خفِّض عليك، أستغفرُ اللهَ لي ولكَ، إنَّكَ لو استعنْتَنا لأعنَّاكَ - إذا كنت فقيراً ومحتاجاً وتريد معونة، فنحن مستعدّون لإعانتك - ولو استرفدْتَنا لرفدْناكَ - لو طلبت منَّا العطاء والرّفد أعطيناك - ولو استرشدْتَنا لأرشدْناكَ - إذا كنْتَ تحتاجُ إلى نصيحة أو رشد لأرشدناك.
قال عصام: فتوسَّم منِّي النَّدمَ على ما فرط منِّي- هذه الحقارة من عندي، وهذا السموّ من عنده، وهو قادرٌ على أن يقتصّ مني، أشعرني بالنَّدم، كيف أتصرَّف مع هذا الإنسان العظيم بهذا التصرّف - فقال (ع): {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف: 92]. أمنْ أهلِ الشَّامِ أنتَ؟ - فهذه البيئة كانت تحاول دائماً أن تشوِّه صورة عليّ بن أبي طالب وصورة أولاده، كانت مشكلة أهل الشَّام مع الإمام عليّ (ع) من خلال سياسة معاوية الَّذي كان يحاول أن يشوِّه صورة الإمام عليّ (ع)، حتى إنَّه ينقل أنَّه قال: إنَّما نحارب عليّاً لأنَّه لا يصلِّي، وكان معاوية يريد أن يبغِّض النَّاس بعليٍّ (ع)، فجعل سبَّه بمرسومٍ لكلِّ خطباء الجمعة، وبقي هذا الأمر سبعين عاماً، حتَّى قال له ابن عبَّاس بعدَ وفاة الإمام (ع): "ألا تكفّ عن شتم هذا الرَّجل؟ قال: ما كنْتُ لأفعلَ حتَّى يربو عليهِ الصَّغيرُ، ويهرمَ فيه الكبيرُ". وهذا أسلوبٌ موجود في كلِّ المجتمعات، ففي الكثير من المجتمعات، إذا أرادوا تشويه صورة إنسان مصلح، أو إنسان مجاهد، أو إمام أو نبيّ، يلجأون إلى إثارة الأكاذيب والإشاعات حوله، ويمنعون أحداً من أن يدافع عنه.
فقال: نعم، فقال (ع): شنشنةٌ أعرفها من أخزم – وهو مثلٌ يقال في الشَّخص الَّذي يكون عنده خلقٌ ويُعرَف من ملامحه ومن كلماته - حيَّانا اللهُ وإيَّاكَ، انبسطْ إليْنا في حوائجِكَ وما يُعرَضُ لكَ، تجدْني عندَ أفضلِ ظنِّكَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى – فأنت مخدوع وتعيش تحت تأثير دعاية سيِّئة، فتعال عندنا لنثبت لك أنَّكَ مشتبهٌ في ذلك - قالَ عصامٌ: فضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحبَتْ، ووددْتُ لو ساخَتْ بي، ثمَّ سللْتُ منه لواذاً، وما على الأرضِ أحبُّ إليَّ منْهُ ومنْ أبيهِ"، لم أعد أستطيع أن أتماسك أمام هذا الرّجل العظيم، ووددت لو أنَّ الأرض انفتحت ونزلْتُ في جوفها من كثرة خجلي، فهربت.
ولكنَّ كلَّ هذا البغض له ولأبيه تحوَّل إلى حبٍّ، وهذا الإمام (ع) ينطلق في هذا المجال من الخطِّ الإسلاميّ الَّذي يقول: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصّلت: 34].
الحثُّ على قبولِ العذر
القضيَّة الثَّانية للإمام الحسين (ع): في رواية عن عليّ بن الحسين (ع)، قال: "سمعْتُ الحسينَ يقولُ: لو شتمَني رجلٌ في هذهِ الأذنِ، وأومأَ إلى اليمنى، واعتذرَ لي في الأخرى، لقبلْتُ ذلكَ منْهُ، وذلكَ أنَّ أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) حدَّثني أنَّهُ سمعَ جدّي رسولَ اللهِ (ص) يقولُ: لا يردُ الحوضَ مَنْ لم يقبلِ العذرَ مِنْ مُحقٍّ أو مُبْطلٍ".
فخلق المسلم الَّذي يرتفع به درجةً عندَ الله، هو أنَّه إذا أخطأَ شخصٌ معَكَ وجاءَ يعتذرُ منك، فعليك أن تقبل عذره، ونحن نقرأ في دعاء كميل: "فَاقْبَلْ عُذْرِي". فنحنُ بالرّغم من أخطائنا مع الله، نطلب منه أن يقبل عذرنا. ولكنَّ بعض النَّاس يخطئ معه أحدٌ، ويأتي إليه معتذراً، فيقول لا أقبل عذره أبداً، مع أنَّ هذا الَّذي يأتي إليك معتذراً، أهدرَ ماءَ وجهِهِ أمامَكَ، فالعذر نوع من الذّلّ. صحيح أنّه أخطأ معك، لكنَّه لما سفح ماء وجهه أمامك، فإنَّ هذا يعوِّضك عن الخطأ الَّذي صدر عنه، وعن الإساءة الَّتي بدرت منه بحقِّك، هذا هو الخلق الإسلاميّ.
والمجتمع، أيُّها الأحبَّة، حتّى يتعلَّم ويتكامل، علينا إذا أخطأ النَّاس معنا أن نعذرهم في ذلك، لأنَّ ذلك هو الَّذي يبعد كلَّ النّتائج الَّتي توجب الحقد، فقبول العذر منه يعني أنَّ المسألة انتهت بينك وبينه. فإذا قلت له لن أقبل عذرك أبداً، فلماذا لا تقبل عذره؟ فأنت قد تخطئ مع النَّاس أيضاً، وتريدهم أن يقبلوا عذرك. عامل النَّاس كما تحبّ أن يعاملوك به.
توجيهاتٌ أخلاقيّةٌ
قضيَّة ثالثة: "روي أنَّ غلاماً له (ع) جنى له جنايةً توجبُ العقابَ، فأمرَ بهِ أنْ يُضرَبَ، فقالَ: يا مولايَ، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، فقالَ: خلّوا عنْهُ، قالَ: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، قالَ: عفوْتُ عنْكَ، قالَ: يا مولايَ، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، قالَ: أنتَ حرٌّ لوجهِ اللهِ، ولكَ ضعفُ ما كنْتَ أعطيكَ".
وورد: "كان الحسين بن عليّ (ع) إذا توضَّأ، تغيَّرَ لونُهُ، وارتعدَتْ مفاصلُهُ، فقيلَ لهُ في ذلكَ، فقالَ: حقٌّ لمنْ وقفَ بينَ يدي الملكِ الجبَّارِ أنْ يصفرَّ لونُهُ، وترتعدَ مفاصلُهُ".
ورويَ أنَّه (ع): "كانَ إذا قامَ للصَّلاةِ يصفرُّ لونُهُ، فقيلَ لهُ: ما هذا نراهُ يعتريكَ عندَ الوضوءِ والصَّلاة؟ فيقولُ (ع): ما تدرونَ بينَ يدي مَنْ أُريدُ أنْ أقوم؟"، فأنتم لا تعرفون عظمة الله ومقامه وهيبته وموقعه، فالله يقول: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}[النَّازعات: 40 – 41]، فأنتم إذا وقف واحدكم أمام شخصٍ عاديّ، تهتمّ كيف هو وضعك أمامه، وكيف ترتّب أمورك أمامه، فكيف عندما تقف بين يدي الله؟!
وكان من خطبته في التَّوجيه الأخلاقيّ: "يا أيُّها النَّاسُ، نافسوا في المكارمِ - لا يكن تنافسكم فقط في المال والمواقع الاجتماعيَّة، تنافسوا في مكارم الأخلاق - وسارعوا في المغانم - الَّتي تقرِّبكم إلى الله - ولا تحتسبوا بمعروفٍ لم تعجِّلوا - حاولوا أن تعجِّلوا المعروف عندما تريدون أن تفكِّروا فيه - واكتسبوا الحمدَ بالنُّجْحِ – فإذا أردت أن تكسب الحمد بين النَّاس، فعليك أن تكسبه من خلال العمل الّذي تقوم به في مسؤوليَّتك وأن تنجح به - ولا تكتسبوا بالمطْلِ ذمَّاً – فإذا كان لأحدٍ حاجة عندك أو دين، فلا تؤجِّلها، لأنَّك تكتسب الذَّمّ بذلك - فمهما يكنْ لأحدٍ عندَ أحدٍ صنيعةٌ له رأى أنَّه لا يقومُ بشكرِها، فاللهُ له بمكافأتِهِ – يعني إذا أحسنت لأحد وأعطيته وخدمته ولم يشكرك، فلا تمتنع عن المعروف لأنّه لم يشكرك، لأنَّ الله سيكافئك - فإنَّه أجزلُ عطاءً وأعظمُ أجراً.
واعلموا أنَّ حوائج النَّاس إليكم، منْ نعمِ اللهِ عليكم - فإذا كان عندَكَ علم والنَّاس يحتاجون علمك، أو عندك مال والنَّاس يحتاجون مالك، أو عندك موقع اجتماعيّ والنَّاس يحتاجون إليك في موقعك، أو أيّ شيء آخر، فالنَّاس عندما تقصدك، اعتبر أنَّ هذه نعمة أنعمها الله عليك، حيث إنَّ الله أعطاك من نعمه ما جعلك موقع حاجة النَّاس إليك، وذلك يرفع درجتك عند النَّاس وعند الله - فلا تملّوا النِّعم فتحوزوا نقماً – لأنَّك إذا ملّيت نعم الله ولم تشكرها، فسوف تتحوَّل إلى نقمة عليك في المستقبل - واعلموا أنَّ المعروفَ يُكسِبُ حمداً – فإذا عملت المعروف، فإنَّك تحصل على الحمد من خلال ذلك - ويُعقِّبُ أجراً – وتحصل على الأجر - فلو رأيْتمُ المعروفَ – لو أراد الله أن يصوِّرَ لكم المعروف بصورة الإنسان - لرأيتموهُ حسناً جميلاً يسرُّ النَّاظرين وَيَفُوقُ الْعَالَمِينَ – ولكن لو أراد الله أن يصوّر لكم اللّؤم - ولو رأيتمُ اللّؤمَ رأيتموه سمجاً مشوَّهاً تنفرُ منه القلوبُ، وتغضُّ دونَهُ الأبصارُ.
أيُّها النَّاسُ، مَنْ جادَ سادَ - فمن يجود بماله أو بعلمه، يحصل على السيادة عند النَّاس - ومنْ بخلَ رذلَ - صار رذيلاً عند النَّاس - وإنَّ أجودَ النَّاسِ مَنْ أعطى من لا يرجوه - إذا بادرت بالعطاء، فأنت أجود النّاس - وإنَّ أعفى النَّاسِ مَنْ عفا عنْدَ قدرتِهِ – الّذي يكون قادراً على أخذ الحقّ ويعفو من موقع قدرة - وإنَّ أوصلَ النَّاسِ مَن وَصَلَ مَن قَطَعَهُ، والأصولُ على مغارسِها، بفروعِها تسمو، فمَنْ تعجَّلَ لأخيهِ خيراً، وجدَهُ إذا قدمَ عليْهِ غداً - يوم القيامة - ومنْ أرادَ اللهَ تباركَ وتعالى بالصَّنيعةِ إلى أخيه، كافأَهُ بها في كلِّ وقتٍ حاجةً - فإذا تقرَّبت إلى الله عندما تخدم أخاك المؤمن وعندما تعطيه وتساعده، فإنَّ الله سوف يعوِّضها عليك غداً في الوقت الَّذي تحتاجه - وصرفَ عنْهُ منْ بلاءِ الدُّنيا ما هوَ أكثرُ منْهُا، ومَنْ نفَّسَ كربةَ مؤمنٍ، فرَّجَ اللهُ عنْهُ كربَ الدّنيا والآخرةِ، ومَنْ أحسنَ أحسنَ اللهُ إليْهِ، واللهُ يحبُّ المحسنينَ".
على هدى الحسينِ (ع)
أيُّها الأحبَّة، هذه بعض كلمات الحسين (ع)، وهذا هو بعضُ أخلاقه، فإذا كنَّا نريد أن نعيشَ معَ الحسينِ (ع)، فلنعشْ معَهُ خلقاً وسيرةً وفكراً وكلمةً، كما نعيشُ معَهُ جهاداً وانفتاحاً وصلابة وشجاعة، وكما نعيش معه في مأساته حزناً. خذوا الحسين بكلّه، فإنَّ الحسين (ع) من رسول الله، كما أنَّ رسول الله منه: "حسين منِّي وأنا من حسين". ليكن كلّ واحد منّا حسيناً، ولو بنسبة الواحد في المئة، أن يبقى في عقولنا وقلوبنا شيء من الحسين (ع)، لنكون معنا غداً {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطفِّفين: 6].
الخطبة الثَّانية
 
عباد الله، اتَّقوا الله في كلِّ مرحلة من المراحل الَّتي يواجه فيها الإسلام كلُّه الكفرَ كلَّه، والاستضعافُ كلُّه الاستكبارَ كلَّه، ولا سيَّما عندما يتحرَّك الظَّالمون والمستكبرون والكافرون ضدّ المواقع الإسلاميَّة الَّتي ينادي فيها كلّ مسلم يا للمسلمين، وعلى المسلمين القادرين أن يجيبوه، لأنَّ ذلك هو الَّذي يشهد لهم بصدقهم في إسلامهم.
ونحن نواجه في أكثر من موقع من مواقع المسلمين أكثرَ من فئة إسلاميَّة تنادي يا للمسلمين، لأنَّ الاستكبارَ العالميَّ بكلِّ قواه يعمل على أن يحاصرَ المسلمين، أو أن يتَّخذهم وسيلة من وسائل التحرّك لمصالحه الاستكباريّة هنا وهناك، لأنَّنا في كلِّ تاريخنا، ومن خلال دراستنا لكلِّ مواقع الاستكبار في العالم، سواء كانت مواقع أمريكيَّة أو مواقع أوروبيَّة أو غيرها من المواقع، لن نجد أنَّ أيَّ موقع من هذه المواقع يفكِّر بأن يتعامل مع المسلمين ومع المستضعفين على أساس القيم الإنسانيَّة أو القيم الروحيَّة، بل إنَّ المسألة هي مسألة موازين القوى والضّعف، بحيث إنَّ القوى الكبرى الَّتي تمثِّل الاستكبار العالميّ، تملك من الثَّروة ومن القوَّة العسكريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، ما تستطيع من خلاله أن تلعب بمقدَّرات العالم المستضعف كلِّه، ولا سيَّما العالم الإسلاميّ، فإنَّها تعمل في كلِّ مرحلة من مراحل الزَّمن، على أساس أن تثير فتنةً هنا وحرباً هناك ومشكلةً هنالك، وأن تحرِّك مشروعاً سياسيّاً يهجَّر المسلمون بسببه من بلادهم، ثمَّ تثير الجانب الإنسانيَّ ليسقط الجانب السياسيَّ.
تهجيرُ المسلمينَ من كوسوفو
وهذا ما نلاحظه الآن في المسألة المتحركة، وهي مسألة المسلمين في كوسوفو، الَّذين يتحدَّث الإعلام الاستكباريّ للحلف الأطلسي عن المسألة المتَّصلة بهم، فيعتبر أنَّ كلَّ هذه الحرب الّتي يَصرفُ فيها الكثير من المليارات، ويحرِّك الكثيرَ من الأسلحة المتقدِّمة، إنَّما هي لحساب المسلمين. وعلينا أن نكون واعين أنّها لحساب مصالح الاستكبار في البلقان وأوروبَّا، في أكثر من مجال، كما تحدَّثنا عنه في خطب سابقة وأحاديث سابقة.
إنَّ علينا أن نعرف، أيُّها الأحبَّة، أنَّ هؤلاء لا يريدون للمسلمين خيراً، بل يريدون بهم شراً، وإذا كانوا ينفتحون على موقع إسلاميّ هنا، وموقع إسلاميّ هناك، فإنَّما هو لأنَّ هذا الموقع يمثِّل بقرةً حلوباً عندهم، تحلب لهم البترول، وتحلب لهم الأسواق والكثير من مصالحهم ومنافعهم.
لذلك، علينا كمسلمين أن نفكِّر في أنَّ هؤلاء لن ينصرونا ولن يساعدونا، حتى لو تحدَّثوا بمثل ذلك.
ونحن نواجه مسألة هذا التَّهجير الكبير للمسلمين في كوسوفو، لنتساءل: هل هذا التَّهجير يشابه تهجير الفلسطينيّين، أو أنَّ القضيَّة غير ذلك؟!
خطّةٌ للسَّيطرةِ على فلسطين
ثمّ إنَّنا نلاحظ في الواقع الإسلاميّ، كيف أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة تعيش الجمود في كلّ مواقعها، وكيف أنَّ هذا العالم المستكبر يعمل بالضَّغط على الفلسطينيّين أكثر مما يعمل بالضَّغط على الإسرائيليّين، لأنَّ هدف أمريكا هو أن تستكمل إسرائيل كلّ خططها في السيطرة على ما تريد السَّيطرة عليه من فلسطين، وعند ذلك، يمكن أن تتدخَّل أمريكا بحيويَّة وحرارة. ولذلك، فإنَّ المشكلة الفلسطينيَّة لا تزال تراوح مكانها، ولا يزال الفلسطينيّون يعيشون تدمير بيوتهم، وهتك حرماتهم، ومنعهم من تقرير مصيرهم.
وهكذا، نجد كيف أنَّ الصهيونيَّة لا تزال تحتلّ الجولان تحت سمع العالم وبصره، في عالمٍ لا يشجِّع الاحتلال ولكنَّه يسكت عن إسرائيل، بالرغم من أنَّ أهالي الجولان تظاهروا رافضين كلَّ أنواع الاحتلال.
مأزقُ العدوِّ في لبنان
وهكذا عندما نواجه المسألة في لبنان الَّذي لا تزال إسرائيل تعمل يوميّاً على قصف مواقعه، بما في ذلك مواقع المدنيّين، وعلى تشريد أهله من هذه القرية أو من تلك القرية، كما فعلت في شبعا، وكما فعلت في أرنون أخيراً، لأنَّ إسرائيل تعيش مأزقاً لم تعشه في أيِّ احتلال آخر مما احتلَّته من أراضي البلدان العربيَّة، لأنَّ المجاهدين استطاعوا أن يحوِّلوا احتلال العدوّ إلى مأزق سياسي وأمني، بحيث أصبح العدوّ يتحرَّك كما لو كان أرنباً مذعوراً في قفصٍ مغلقٍ من هنا وهناك. ولذلك، فإنَّ الانتخابات الإسرائيليَّة أصبحت تتحرَّك على أساس شعار الانسحاب من جنوب لبنان، لأنَّ هذا الشّعار هو الَّذي يملك الشعبيَّة عند النَّاس هناك الَّذين اكتووا بنار المجاهدين الَّذين يحملون إليهم في كلِّ يوم قتيلاً، وفي كلِّ يوم جريحاً، وما إلى ذلك مما لم يتحمَّله اليهود هناك.
وإذا كانت إسرائيل قد احتلَّت أرنون، فإنَّ هذا يمثّل مأزقاً من مآزقها الَّتي تحاول أن تبحث فيه عن ثغرة تنفذ منها لتتفاوض، فلعلَّ النَّاس هنا يقبلون "أرنون أوّلاً" كما طرحت "جزّين أوّلا"، وكما طرحت "لبنان أوّلاً"، ولكنَّنا نعرف أنَّ حركة المقاومة الَّتي يقف الجيش والدَّولة والشَّعب معها، سوف تجبر الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان ومن البقاع الغربي ومن الجولان، إن عاجلاً أو آجلاً.
العراقُ تحتَ الحصار
وهكذا، أيُّها الأحبَّة، ننطلق في العالم الإسلاميّ مع الشَّعب العراقيّ الَّذي يعيش الحصار كأقصى ما يكون الحصار، ويعيش الجوع كأقصى ما يكون الجوع، ويعيش التَّشريد والتَّهجير لكلِّ القوى الطيِّبة المثقَّفة الواعية العاملة في كلِّ أصقاع الأرض، كلُّ ذلك من خلال أمريكا الَّتي عملت على أن تحرس الطَّاغية الَّذي يظلم شعبه عندَ الانتفاضة، وبعدَ ذلكَ، من أجل أن تحصلَ من خلال العراق على أكثر من موقع استراتيجيّ وسوق اقتصاديَّة، وبترول هنا وهناك، وأن تبتزَّ من يراد ابتزازه، وأن تثبِّت مواقعها الاستراتيجيَّة في الخليج، ولا مشكلة عندها إذا مات الشَّعب العراقيّ، كما قال ذلك الشَّاعر وهو يخاطبُ صاحبَهُ:
قلْتُ العراقُ مائتٌ فقالَ لي وما العراقُ مائتٌ إلى سَقَرْ
يعني هذا الموضوع لا يهمّنا، وكذلك لا يهمّ المستكبرين من قريب أو بعيد.
إنَّ هناك معاناة لهذا الشَّعب، بحيث إنَّ الجوعَ أصبحَ يفترس أطفاله ويفترس نساءه وشيوخَه هناك، والمسلمون ساكتون، والأمريكيّون يلوِّحون في كلِّ يوم بتحرير العراق وإسقاط الطَّاغية، ولكنَّهم لا يفعلون شيئاً.
الجزائرُ.. وتركيا
أيُّها الأحبَّة، وقد عشنا في الأسبوع الماضي الانتخابات في الجزائر، والَّتي كنا نأمل فيها أن تحلّ مشكلة الجزائر، ولكن يبدو أنَّ السّلطة التي عاش الجزائريّون المأساة من خلالها، لم ترد لمشكلة الجزائر، ولهذا النَّزيف من الدَّم فيها، أن يقف، وقد أصبنا بخيبة أمل من ذلك.
أمَّا في تركيا، فإنَّ العالم يتحدَّث عن تراجع الإسلاميّين، والواقع أنَّ الإسلاميّين لم يتراجعوا، ولكنَّ السلطة الَّتي لاحقت الإسلاميّين في حزب الرفاه، ولاحقت الإسلاميّين في حزب الفضيلة، وحاولت أن تطوِّقهم وتحاصرهم وتسجن قياداتهم، عملت على أن تضيِّق الحصار عليهم، ومع ذلك، فإنَّ ما حصلوا عليه، يشير إلى أنَّ الشَّعب التركي لا يزال مع الإسلاميِّين، ولا سيَّما إذا رأينا نجاحاتهم في الانتخابات البلديَّة، لأنَّ الحكم المحلّيَّ هو الَّذي يعبِّر عن الترابط الشَّعبي، باعتبار أنَّه يتّصل بحياة النَّاس، فقد جرَّبوا رئاسة البلديَّات من قبل الإسلاميّين، فرأوا خدمة النَّاس والنَّزاهة الكبرى.
إنَّ هناك عالماً إسلاميّاً يعيش المسلمون المأساة فيه بين موقع وآخر، وعلينا أن نفكِّر في ذلك كلِّه.
مسؤوليَّةُ الشَّعبِ حيالَ الدَّولة
ويبقى الواقع المحلّي الَّذي نريد له أن يواصل مسيرته في تكامل الشَّعب مع الدولة، على أساس حركة الدولة في التَّخطيط للإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي، في ضوء مراقبةٍ شعبيَّةٍ دقيقةٍ ترصدُ كلَّ خطوة سياسيَّة واقتصاديَّة وأمنيَّة للدولة، لأنَّ مسؤوليَّة الشعب في داخل المجلس النيابي وخارجه، أن يتابع التجربة الجديدة بالكثير من الوعي والحذر والدقَّة والإخلاص، لأنَّه صاحب المصلحة في ذلك كلِّه، ولا سيَّما أنَّ قيمة الدولة بمقدار ما تكون أمينةً على حاضر الشَّعب ومستقبله.
ونحبّ التأكيد على الحركة العماليَّة، أن تبقى في ساحة المراقبة والمطالبة، ولكن مع دراسة دقيقة للظّروف والإمكانات المحيطة بالواقع في البلد، كما نريد للدَّولة أن تدخل في حوارٍ موضوعيّ واقعيّ مع الحركة العماليَّة، من أجل جلاء طبيعة القرارات وحدود الإمكانات، لأنَّنا نريد للبلد أن يبقى في حالة استقرار يمكِّن الجميع من الوصول إلى عمليَّة الإصلاح والنموّ والقوَّة والحريَّة والاستقلال.
والحمد لله ربِّ العالمين.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 23/ 04/ 1999م.
نعيش في هذه الأيَّام ذكرى الإمام الحسين (ع) في موسم عاشوراء. وإذا كنَّا نريد أن نتعمَّق في موقع هذه الذّكرى من مواقفنا، فلا بدَّ أن نتمثَّل الإمام الحسين (ع ) إماماً بكلِّ ما تعنيه كلمة الإمامة، من الموقع الَّذي يتحمَّل فيه الإمام مسؤوليَّةَ إبلاغِ الإسلامِ وحراستِهِ وتعميقِ مفاهيمه وقيادةِ حركته، ليكون الإسلام هو الَّذي يحكم المجتمع المسلم، لأنَّ دور الإمامة يمثِّل الامتدادَ الحركيَّ لدور النّبوَّة، فالإمام هو خليفة النّبيّ، وكما كان دور النبيّ (ص) الَّذي تحدَّث الله عنه {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ}[الجمعة: 2]، فذلك هو دور الإمام في حركته. الإمامة ليست نبوَّة "أنْتَ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى، إِلَّا أنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي"، ولكنَّها امتداد لحركيَّة النبوَّة في معنى القيادة، وفي معنى الولاية.
استهداءُ نهجِ الحسين (ع)
وفي ضوء ذلك، علينا أن نفهم انطلاقة الإمام الحسين (ع)، أن لا نحصرها في الجانب السياسي، وإن كان للجانب السياسيّ دورُهُ في مسألة تغيير الحاكم الظَّالم، وفي مسألة تقويم المجتمع المنحرف، أو في مواجهة الظّلم كلِّه والاستكبار كلِّه في مواقع المستكبرين والظَّالمين. ولكن لن يكون الجهاد جهاداً، ولن تكون السياسة واعية منفتحة، إذا لم ترتكز على القاعدة الإسلاميَّة في عقليَّة الإنسان المسلم، وفي روحه وقلبه وحياته، بحيث يمارس المسلم السياسةَ كمسلم، ليدخل القيم الإسلاميَّة والمفاهيم الإسلاميَّة في حركته السياسيَّة، وفي مواقعه السياسيَّة، بحيث تكون السياسة إسلاماً يتحدَّى، وإسلاماً يواجه، وإسلاماً يبني، وإسلاماً يهدم، وإسلاماً يجاهد.
لذلك، لا بدَّ أن نأخذ الحسين بكلِّه؛ أن نأخذه بأخلاقه، كيف كانت أخلاقه، لتكون أخلاقنا أخلاق الحسين، كيف كانت عبادته لله، لتكون عبادتنا لله عبادة الحسين، كيف كان يدعو ربَّه، كيف كانت روحانيَّته الَّتي تفيض على كلِّ مَنْ حوله، كيف كان يعيش مع النَّاس ليرعى النَّاس بكلِّ ما لديه من طاقة ومن أخلاق، كيف كان علمه، وكيف كانَ يعيشُ مسؤوليَّة العلم، فلا يبقي علمه في صدره، بل يعطيه لكلِّ من يحتاجه... علينا أن نأخذ الحسين بكلِّه، ولا نقتصر على جانب السياسة في ذلك، ولا نقتصر على جانب المأساة في هذا المجال، ليكون كلُّ دورنا في عاشوراء أن نبكي وأن نلطم وأن نثير الحزن في قلوبنا.
الحزن مقدَّس في عاشوراء، وعلينا أن نعيش الحزن الكبير عندما نتذكَّر مأساة الإمام الحسين (ع)، وعلينا أن نتمثَّل تلك المأساة، فلا تملك الدّموع إلَّا أن تنساب من عيوننا. ولكن، أيُّها الأحبَّة، إنَّ الحسين (ع) لم ينطلق من أجل أن نعيش مأساته، بل انطلق من أجل أن نعيش رسالته: "خرجْتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمَّةِ جدّي، أريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عنِ المنكرِ". فإذا كنَّا نخلص للحسين (ع)، فلتكن عاشوراء حركة إصلاح في حركة الدّين في الواقع، فلتكن عاشوراء أمراً بالمعروف كلّه؛ المعروف في العقيدة، والمعروف في الممارسة الشخصيَّة، والمعروف في المجتمع، وفي السياسة، وفي الجهاد، وفي كلِّ مجالات الحياة، لأنَّ المعروف هو كلّ ما يرضي الله مما يرفع مستوى المجتمع، وأن تكون نهياً عن المنكر، كلّ منكر، في أيِّ جانب من جوانب الحياة، من أجل أن ننطلق لنسقط المنكر في كلِّ حياتنا.
وإذا عرفنا أنَّ الحسين (ع) ثار على الحاكم الجائر، لأنَّه كان مستحلًّا لحرم الله، ناكثاً بعهده، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فعلينا نحن أن نقف ضدَّ كلّ من كان كذلك، كلّ من كان مستحلًّا لحرم الله، في أيِّ موقع من مواقع المسؤوليَّة، كلّ من كان مخالفاً لسنَّة رسول الله، في أيِّ موقع من مواقع المسؤوليَّة، كلّ من يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، في أيّ موقع من مواقع المسؤوليَّة... لتكن هذه العناوين هي العناوين التي تؤكِّد مواقفنا في الرّفض لكلِّ هؤلاء، حتَّى نستطيع أن نجعل المجتمع مجتمعاً يتحرَّك فيه العادلون الثَّائرون على خطِّ الله وخطِّ رسوله، العاملون في عباد الله بما يرضي الله، وبما يرفع مستواهم.
رفضُ مبدأِ الظّلم
ونحن، أيُّها الأحبَّة، إذا كنَّا نرفض الظّلم كلَّه من القوى السياسيَّة، أو القوى العسكريَّة، أو القوى الاقتصاديَّة، فعلينا أن نرفض الظّلم من أنفسنا، أن لا نكون نحن الظَّالمين في الصَّغير من الظّلم، أن لا نكون الظالمين في بيوتنا، الظالمين في أسواقنا، الظالمين في مواقعنا العمليَّة هنا وهناك، لأنَّه ليس هناك فرق بين الظّلم الصَّغير والظّلم الكبير، لأنَّ الظّلم الصَّغير يهيِّئ للظّلم الكبير، فإنَّ الإنسان إذا اجترأ على الصَّغير اجترأ على الكبير. إنَّ الذي يبدأ ليضرب ولده الصَّغير بدون حقّ، أو ليضرب زوجته بدون حقّ، أو ليضرب جاره الضَّعيف بدون حقّ، أو ليسرق من إنسانٍ مالاً من دون حقّ، إنَّ هذا الظّلم إذا بدأ في حياة الإنسان وهو لا يملك إلا قوَّة بسيطة، فإنَّه سوف يتحوَّل إلى ظلم كبير، فيظلم النَّاس كلَّهم بحسب سعة مسؤوليَّته.
لذلك، لا بدَّ أن نحاسب أنفسنا، ونجاهد أنفسنا، أن ننكر مبدأ الظلم، لا أن ننكر حجم الظّلم، لأنَّ مشكلتنا أنَّنا ننكر حجم الظّلم، وهو ظلم السياسيّين وظلم الحكَّام، ولكن علينا أن ننكر المبدأ، كما علَّمنا زين العابدين (ع)، عندما كان يدعو ربَّه: "اللَّهمَّ فكما كرَّهتني أن أُظلَم، فقِني مِنْ أنْ أَظلِم". أعطني الوقاية، يا ربّ، من أن أظلم النَّاس، لأني أريد، يا ربّ، أن أرفض المبدأ كلَّه؛ أن لا يظلمني النَّاس، وأن لا أظلم النَّاس. هذا هو الخطُّ الإسلاميّ الحسينيّ في ذلك كلِّه.
ونحن في هذه العجالة، ونحن نستوحي ثورة الحسين (ع) في قضايانا الكبيرة على المستوي السياسي والاجتماعي، نحبُّ أن نقف أمام بعض مواقع السّيرة الحسينيَّة في الجانب الأخلاقيّ، ولعلَّ هذا مما لا يعرفه الكثيرون من النَّاس عن الحسين (ع).
سموُّ الحسينِ (ع)
يذكر المحدَّث القمِّي في كتابه (منازل الآخرة) قصَّةً تمثِّل كيف كان الحسين (ع) واسع الصَّدر، وكيف كان يعفو عمَّن يتكلَّم معه بالكلمات القاسية اللامسؤولة: "قال عصام بن المصطلق: دخلْتُ المدينةَ، فرأيْتُ الحسينَ بنَ عليٍّ (ع)، فأعجبَني سمتُهُ ورواؤُهُ - حيويَّته - وأثارَ منَ الحسَدِ ما كانَ يخفيهِ صدري لأبيهِ منَ البغضِ – يقول كنت أبغض عليّ بن أبي طالب بغضا ًشديداً، فلمَّا رأيت الحسين بهذه الهيبة وبهذا الهدوء، أثار ذلك كلّ كوامن الحقد الَّذي أحمله لأبيه في صدري - فقلْتُ لهُ: أنتَ ابنُ أبي تراب؟ - كأنَّه أراد بهذه الكلمة أن يوهن عليّاً (ع) فيها. ولكن يقال إنَّ الإمام عليّاً (ع) كان يعتزّ بهذه الكنية، لأنَّ هذه الكنية كنّاه بها رسول الله (ص)، عندما جاءَ ورآه وهو ساجدٌ يعفِّرُ جبهتَهُ ووجهَهُ بالتّراب، فقال: قمْ يا أبا تراب. ولذلك، فإنَّ كنيةَ "أبو تراب"، لأنَّ عليّاً (ع) كان يعفِّر جبهتَهُ دائماً بالتّراب، خضوعاً لله سبحانه وتعالى وسجوداً له، ولذلك يقال كانت أحبّ كناه إليه. ولكنَّ النَّاس الَّتي لا تفهم حقائق الأمور، تعتبر أنَّها وهن - فقالَ (ع): نعم، فبالغْتُ في شتمِهِ وشتمِ أبيهِ – فبدون مناسبة، بدأت أشتمه وأشتم أباه - فنظرَ إليَّ نظرةَ عاطفٍ رؤوفٍ، ثمَّ قالَ: أعوذُ باللهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ}[الأعراف: 199- 202]، ثمَّ قال لي: خفِّض عليك، أستغفرُ اللهَ لي ولكَ، إنَّكَ لو استعنْتَنا لأعنَّاكَ - إذا كنت فقيراً ومحتاجاً وتريد معونة، فنحن مستعدّون لإعانتك - ولو استرفدْتَنا لرفدْناكَ - لو طلبت منَّا العطاء والرّفد أعطيناك - ولو استرشدْتَنا لأرشدْناكَ - إذا كنْتَ تحتاجُ إلى نصيحة أو رشد لأرشدناك.
قال عصام: فتوسَّم منِّي النَّدمَ على ما فرط منِّي- هذه الحقارة من عندي، وهذا السموّ من عنده، وهو قادرٌ على أن يقتصّ مني، أشعرني بالنَّدم، كيف أتصرَّف مع هذا الإنسان العظيم بهذا التصرّف - فقال (ع): {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف: 92]. أمنْ أهلِ الشَّامِ أنتَ؟ - فهذه البيئة كانت تحاول دائماً أن تشوِّه صورة عليّ بن أبي طالب وصورة أولاده، كانت مشكلة أهل الشَّام مع الإمام عليّ (ع) من خلال سياسة معاوية الَّذي كان يحاول أن يشوِّه صورة الإمام عليّ (ع)، حتى إنَّه ينقل أنَّه قال: إنَّما نحارب عليّاً لأنَّه لا يصلِّي، وكان معاوية يريد أن يبغِّض النَّاس بعليٍّ (ع)، فجعل سبَّه بمرسومٍ لكلِّ خطباء الجمعة، وبقي هذا الأمر سبعين عاماً، حتَّى قال له ابن عبَّاس بعدَ وفاة الإمام (ع): "ألا تكفّ عن شتم هذا الرَّجل؟ قال: ما كنْتُ لأفعلَ حتَّى يربو عليهِ الصَّغيرُ، ويهرمَ فيه الكبيرُ". وهذا أسلوبٌ موجود في كلِّ المجتمعات، ففي الكثير من المجتمعات، إذا أرادوا تشويه صورة إنسان مصلح، أو إنسان مجاهد، أو إمام أو نبيّ، يلجأون إلى إثارة الأكاذيب والإشاعات حوله، ويمنعون أحداً من أن يدافع عنه.
فقال: نعم، فقال (ع): شنشنةٌ أعرفها من أخزم – وهو مثلٌ يقال في الشَّخص الَّذي يكون عنده خلقٌ ويُعرَف من ملامحه ومن كلماته - حيَّانا اللهُ وإيَّاكَ، انبسطْ إليْنا في حوائجِكَ وما يُعرَضُ لكَ، تجدْني عندَ أفضلِ ظنِّكَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى – فأنت مخدوع وتعيش تحت تأثير دعاية سيِّئة، فتعال عندنا لنثبت لك أنَّكَ مشتبهٌ في ذلك - قالَ عصامٌ: فضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحبَتْ، ووددْتُ لو ساخَتْ بي، ثمَّ سللْتُ منه لواذاً، وما على الأرضِ أحبُّ إليَّ منْهُ ومنْ أبيهِ"، لم أعد أستطيع أن أتماسك أمام هذا الرّجل العظيم، ووددت لو أنَّ الأرض انفتحت ونزلْتُ في جوفها من كثرة خجلي، فهربت.
ولكنَّ كلَّ هذا البغض له ولأبيه تحوَّل إلى حبٍّ، وهذا الإمام (ع) ينطلق في هذا المجال من الخطِّ الإسلاميّ الَّذي يقول: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصّلت: 34].
الحثُّ على قبولِ العذر
القضيَّة الثَّانية للإمام الحسين (ع): في رواية عن عليّ بن الحسين (ع)، قال: "سمعْتُ الحسينَ يقولُ: لو شتمَني رجلٌ في هذهِ الأذنِ، وأومأَ إلى اليمنى، واعتذرَ لي في الأخرى، لقبلْتُ ذلكَ منْهُ، وذلكَ أنَّ أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) حدَّثني أنَّهُ سمعَ جدّي رسولَ اللهِ (ص) يقولُ: لا يردُ الحوضَ مَنْ لم يقبلِ العذرَ مِنْ مُحقٍّ أو مُبْطلٍ".
فخلق المسلم الَّذي يرتفع به درجةً عندَ الله، هو أنَّه إذا أخطأَ شخصٌ معَكَ وجاءَ يعتذرُ منك، فعليك أن تقبل عذره، ونحن نقرأ في دعاء كميل: "فَاقْبَلْ عُذْرِي". فنحنُ بالرّغم من أخطائنا مع الله، نطلب منه أن يقبل عذرنا. ولكنَّ بعض النَّاس يخطئ معه أحدٌ، ويأتي إليه معتذراً، فيقول لا أقبل عذره أبداً، مع أنَّ هذا الَّذي يأتي إليك معتذراً، أهدرَ ماءَ وجهِهِ أمامَكَ، فالعذر نوع من الذّلّ. صحيح أنّه أخطأ معك، لكنَّه لما سفح ماء وجهه أمامك، فإنَّ هذا يعوِّضك عن الخطأ الَّذي صدر عنه، وعن الإساءة الَّتي بدرت منه بحقِّك، هذا هو الخلق الإسلاميّ.
والمجتمع، أيُّها الأحبَّة، حتّى يتعلَّم ويتكامل، علينا إذا أخطأ النَّاس معنا أن نعذرهم في ذلك، لأنَّ ذلك هو الَّذي يبعد كلَّ النّتائج الَّتي توجب الحقد، فقبول العذر منه يعني أنَّ المسألة انتهت بينك وبينه. فإذا قلت له لن أقبل عذرك أبداً، فلماذا لا تقبل عذره؟ فأنت قد تخطئ مع النَّاس أيضاً، وتريدهم أن يقبلوا عذرك. عامل النَّاس كما تحبّ أن يعاملوك به.
توجيهاتٌ أخلاقيّةٌ
قضيَّة ثالثة: "روي أنَّ غلاماً له (ع) جنى له جنايةً توجبُ العقابَ، فأمرَ بهِ أنْ يُضرَبَ، فقالَ: يا مولايَ، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، فقالَ: خلّوا عنْهُ، قالَ: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، قالَ: عفوْتُ عنْكَ، قالَ: يا مولايَ، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، قالَ: أنتَ حرٌّ لوجهِ اللهِ، ولكَ ضعفُ ما كنْتَ أعطيكَ".
وورد: "كان الحسين بن عليّ (ع) إذا توضَّأ، تغيَّرَ لونُهُ، وارتعدَتْ مفاصلُهُ، فقيلَ لهُ في ذلكَ، فقالَ: حقٌّ لمنْ وقفَ بينَ يدي الملكِ الجبَّارِ أنْ يصفرَّ لونُهُ، وترتعدَ مفاصلُهُ".
ورويَ أنَّه (ع): "كانَ إذا قامَ للصَّلاةِ يصفرُّ لونُهُ، فقيلَ لهُ: ما هذا نراهُ يعتريكَ عندَ الوضوءِ والصَّلاة؟ فيقولُ (ع): ما تدرونَ بينَ يدي مَنْ أُريدُ أنْ أقوم؟"، فأنتم لا تعرفون عظمة الله ومقامه وهيبته وموقعه، فالله يقول: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}[النَّازعات: 40 – 41]، فأنتم إذا وقف واحدكم أمام شخصٍ عاديّ، تهتمّ كيف هو وضعك أمامه، وكيف ترتّب أمورك أمامه، فكيف عندما تقف بين يدي الله؟!
وكان من خطبته في التَّوجيه الأخلاقيّ: "يا أيُّها النَّاسُ، نافسوا في المكارمِ - لا يكن تنافسكم فقط في المال والمواقع الاجتماعيَّة، تنافسوا في مكارم الأخلاق - وسارعوا في المغانم - الَّتي تقرِّبكم إلى الله - ولا تحتسبوا بمعروفٍ لم تعجِّلوا - حاولوا أن تعجِّلوا المعروف عندما تريدون أن تفكِّروا فيه - واكتسبوا الحمدَ بالنُّجْحِ – فإذا أردت أن تكسب الحمد بين النَّاس، فعليك أن تكسبه من خلال العمل الّذي تقوم به في مسؤوليَّتك وأن تنجح به - ولا تكتسبوا بالمطْلِ ذمَّاً – فإذا كان لأحدٍ حاجة عندك أو دين، فلا تؤجِّلها، لأنَّك تكتسب الذَّمّ بذلك - فمهما يكنْ لأحدٍ عندَ أحدٍ صنيعةٌ له رأى أنَّه لا يقومُ بشكرِها، فاللهُ له بمكافأتِهِ – يعني إذا أحسنت لأحد وأعطيته وخدمته ولم يشكرك، فلا تمتنع عن المعروف لأنّه لم يشكرك، لأنَّ الله سيكافئك - فإنَّه أجزلُ عطاءً وأعظمُ أجراً.
واعلموا أنَّ حوائج النَّاس إليكم، منْ نعمِ اللهِ عليكم - فإذا كان عندَكَ علم والنَّاس يحتاجون علمك، أو عندك مال والنَّاس يحتاجون مالك، أو عندك موقع اجتماعيّ والنَّاس يحتاجون إليك في موقعك، أو أيّ شيء آخر، فالنَّاس عندما تقصدك، اعتبر أنَّ هذه نعمة أنعمها الله عليك، حيث إنَّ الله أعطاك من نعمه ما جعلك موقع حاجة النَّاس إليك، وذلك يرفع درجتك عند النَّاس وعند الله - فلا تملّوا النِّعم فتحوزوا نقماً – لأنَّك إذا ملّيت نعم الله ولم تشكرها، فسوف تتحوَّل إلى نقمة عليك في المستقبل - واعلموا أنَّ المعروفَ يُكسِبُ حمداً – فإذا عملت المعروف، فإنَّك تحصل على الحمد من خلال ذلك - ويُعقِّبُ أجراً – وتحصل على الأجر - فلو رأيْتمُ المعروفَ – لو أراد الله أن يصوِّرَ لكم المعروف بصورة الإنسان - لرأيتموهُ حسناً جميلاً يسرُّ النَّاظرين وَيَفُوقُ الْعَالَمِينَ – ولكن لو أراد الله أن يصوّر لكم اللّؤم - ولو رأيتمُ اللّؤمَ رأيتموه سمجاً مشوَّهاً تنفرُ منه القلوبُ، وتغضُّ دونَهُ الأبصارُ.
أيُّها النَّاسُ، مَنْ جادَ سادَ - فمن يجود بماله أو بعلمه، يحصل على السيادة عند النَّاس - ومنْ بخلَ رذلَ - صار رذيلاً عند النَّاس - وإنَّ أجودَ النَّاسِ مَنْ أعطى من لا يرجوه - إذا بادرت بالعطاء، فأنت أجود النّاس - وإنَّ أعفى النَّاسِ مَنْ عفا عنْدَ قدرتِهِ – الّذي يكون قادراً على أخذ الحقّ ويعفو من موقع قدرة - وإنَّ أوصلَ النَّاسِ مَن وَصَلَ مَن قَطَعَهُ، والأصولُ على مغارسِها، بفروعِها تسمو، فمَنْ تعجَّلَ لأخيهِ خيراً، وجدَهُ إذا قدمَ عليْهِ غداً - يوم القيامة - ومنْ أرادَ اللهَ تباركَ وتعالى بالصَّنيعةِ إلى أخيه، كافأَهُ بها في كلِّ وقتٍ حاجةً - فإذا تقرَّبت إلى الله عندما تخدم أخاك المؤمن وعندما تعطيه وتساعده، فإنَّ الله سوف يعوِّضها عليك غداً في الوقت الَّذي تحتاجه - وصرفَ عنْهُ منْ بلاءِ الدُّنيا ما هوَ أكثرُ منْهُا، ومَنْ نفَّسَ كربةَ مؤمنٍ، فرَّجَ اللهُ عنْهُ كربَ الدّنيا والآخرةِ، ومَنْ أحسنَ أحسنَ اللهُ إليْهِ، واللهُ يحبُّ المحسنينَ".
على هدى الحسينِ (ع)
أيُّها الأحبَّة، هذه بعض كلمات الحسين (ع)، وهذا هو بعضُ أخلاقه، فإذا كنَّا نريد أن نعيشَ معَ الحسينِ (ع)، فلنعشْ معَهُ خلقاً وسيرةً وفكراً وكلمةً، كما نعيشُ معَهُ جهاداً وانفتاحاً وصلابة وشجاعة، وكما نعيش معه في مأساته حزناً. خذوا الحسين بكلّه، فإنَّ الحسين (ع) من رسول الله، كما أنَّ رسول الله منه: "حسين منِّي وأنا من حسين". ليكن كلّ واحد منّا حسيناً، ولو بنسبة الواحد في المئة، أن يبقى في عقولنا وقلوبنا شيء من الحسين (ع)، لنكون معنا غداً {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطفِّفين: 6].
الخطبة الثَّانية
 
عباد الله، اتَّقوا الله في كلِّ مرحلة من المراحل الَّتي يواجه فيها الإسلام كلُّه الكفرَ كلَّه، والاستضعافُ كلُّه الاستكبارَ كلَّه، ولا سيَّما عندما يتحرَّك الظَّالمون والمستكبرون والكافرون ضدّ المواقع الإسلاميَّة الَّتي ينادي فيها كلّ مسلم يا للمسلمين، وعلى المسلمين القادرين أن يجيبوه، لأنَّ ذلك هو الَّذي يشهد لهم بصدقهم في إسلامهم.
ونحن نواجه في أكثر من موقع من مواقع المسلمين أكثرَ من فئة إسلاميَّة تنادي يا للمسلمين، لأنَّ الاستكبارَ العالميَّ بكلِّ قواه يعمل على أن يحاصرَ المسلمين، أو أن يتَّخذهم وسيلة من وسائل التحرّك لمصالحه الاستكباريّة هنا وهناك، لأنَّنا في كلِّ تاريخنا، ومن خلال دراستنا لكلِّ مواقع الاستكبار في العالم، سواء كانت مواقع أمريكيَّة أو مواقع أوروبيَّة أو غيرها من المواقع، لن نجد أنَّ أيَّ موقع من هذه المواقع يفكِّر بأن يتعامل مع المسلمين ومع المستضعفين على أساس القيم الإنسانيَّة أو القيم الروحيَّة، بل إنَّ المسألة هي مسألة موازين القوى والضّعف، بحيث إنَّ القوى الكبرى الَّتي تمثِّل الاستكبار العالميّ، تملك من الثَّروة ومن القوَّة العسكريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، ما تستطيع من خلاله أن تلعب بمقدَّرات العالم المستضعف كلِّه، ولا سيَّما العالم الإسلاميّ، فإنَّها تعمل في كلِّ مرحلة من مراحل الزَّمن، على أساس أن تثير فتنةً هنا وحرباً هناك ومشكلةً هنالك، وأن تحرِّك مشروعاً سياسيّاً يهجَّر المسلمون بسببه من بلادهم، ثمَّ تثير الجانب الإنسانيَّ ليسقط الجانب السياسيَّ.
تهجيرُ المسلمينَ من كوسوفو
وهذا ما نلاحظه الآن في المسألة المتحركة، وهي مسألة المسلمين في كوسوفو، الَّذين يتحدَّث الإعلام الاستكباريّ للحلف الأطلسي عن المسألة المتَّصلة بهم، فيعتبر أنَّ كلَّ هذه الحرب الّتي يَصرفُ فيها الكثير من المليارات، ويحرِّك الكثيرَ من الأسلحة المتقدِّمة، إنَّما هي لحساب المسلمين. وعلينا أن نكون واعين أنّها لحساب مصالح الاستكبار في البلقان وأوروبَّا، في أكثر من مجال، كما تحدَّثنا عنه في خطب سابقة وأحاديث سابقة.
إنَّ علينا أن نعرف، أيُّها الأحبَّة، أنَّ هؤلاء لا يريدون للمسلمين خيراً، بل يريدون بهم شراً، وإذا كانوا ينفتحون على موقع إسلاميّ هنا، وموقع إسلاميّ هناك، فإنَّما هو لأنَّ هذا الموقع يمثِّل بقرةً حلوباً عندهم، تحلب لهم البترول، وتحلب لهم الأسواق والكثير من مصالحهم ومنافعهم.
لذلك، علينا كمسلمين أن نفكِّر في أنَّ هؤلاء لن ينصرونا ولن يساعدونا، حتى لو تحدَّثوا بمثل ذلك.
ونحن نواجه مسألة هذا التَّهجير الكبير للمسلمين في كوسوفو، لنتساءل: هل هذا التَّهجير يشابه تهجير الفلسطينيّين، أو أنَّ القضيَّة غير ذلك؟!
خطّةٌ للسَّيطرةِ على فلسطين
ثمّ إنَّنا نلاحظ في الواقع الإسلاميّ، كيف أنَّ القضيَّة الفلسطينيَّة تعيش الجمود في كلّ مواقعها، وكيف أنَّ هذا العالم المستكبر يعمل بالضَّغط على الفلسطينيّين أكثر مما يعمل بالضَّغط على الإسرائيليّين، لأنَّ هدف أمريكا هو أن تستكمل إسرائيل كلّ خططها في السيطرة على ما تريد السَّيطرة عليه من فلسطين، وعند ذلك، يمكن أن تتدخَّل أمريكا بحيويَّة وحرارة. ولذلك، فإنَّ المشكلة الفلسطينيَّة لا تزال تراوح مكانها، ولا يزال الفلسطينيّون يعيشون تدمير بيوتهم، وهتك حرماتهم، ومنعهم من تقرير مصيرهم.
وهكذا، نجد كيف أنَّ الصهيونيَّة لا تزال تحتلّ الجولان تحت سمع العالم وبصره، في عالمٍ لا يشجِّع الاحتلال ولكنَّه يسكت عن إسرائيل، بالرغم من أنَّ أهالي الجولان تظاهروا رافضين كلَّ أنواع الاحتلال.
مأزقُ العدوِّ في لبنان
وهكذا عندما نواجه المسألة في لبنان الَّذي لا تزال إسرائيل تعمل يوميّاً على قصف مواقعه، بما في ذلك مواقع المدنيّين، وعلى تشريد أهله من هذه القرية أو من تلك القرية، كما فعلت في شبعا، وكما فعلت في أرنون أخيراً، لأنَّ إسرائيل تعيش مأزقاً لم تعشه في أيِّ احتلال آخر مما احتلَّته من أراضي البلدان العربيَّة، لأنَّ المجاهدين استطاعوا أن يحوِّلوا احتلال العدوّ إلى مأزق سياسي وأمني، بحيث أصبح العدوّ يتحرَّك كما لو كان أرنباً مذعوراً في قفصٍ مغلقٍ من هنا وهناك. ولذلك، فإنَّ الانتخابات الإسرائيليَّة أصبحت تتحرَّك على أساس شعار الانسحاب من جنوب لبنان، لأنَّ هذا الشّعار هو الَّذي يملك الشعبيَّة عند النَّاس هناك الَّذين اكتووا بنار المجاهدين الَّذين يحملون إليهم في كلِّ يوم قتيلاً، وفي كلِّ يوم جريحاً، وما إلى ذلك مما لم يتحمَّله اليهود هناك.
وإذا كانت إسرائيل قد احتلَّت أرنون، فإنَّ هذا يمثّل مأزقاً من مآزقها الَّتي تحاول أن تبحث فيه عن ثغرة تنفذ منها لتتفاوض، فلعلَّ النَّاس هنا يقبلون "أرنون أوّلاً" كما طرحت "جزّين أوّلا"، وكما طرحت "لبنان أوّلاً"، ولكنَّنا نعرف أنَّ حركة المقاومة الَّتي يقف الجيش والدَّولة والشَّعب معها، سوف تجبر الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان ومن البقاع الغربي ومن الجولان، إن عاجلاً أو آجلاً.
العراقُ تحتَ الحصار
وهكذا، أيُّها الأحبَّة، ننطلق في العالم الإسلاميّ مع الشَّعب العراقيّ الَّذي يعيش الحصار كأقصى ما يكون الحصار، ويعيش الجوع كأقصى ما يكون الجوع، ويعيش التَّشريد والتَّهجير لكلِّ القوى الطيِّبة المثقَّفة الواعية العاملة في كلِّ أصقاع الأرض، كلُّ ذلك من خلال أمريكا الَّتي عملت على أن تحرس الطَّاغية الَّذي يظلم شعبه عندَ الانتفاضة، وبعدَ ذلكَ، من أجل أن تحصلَ من خلال العراق على أكثر من موقع استراتيجيّ وسوق اقتصاديَّة، وبترول هنا وهناك، وأن تبتزَّ من يراد ابتزازه، وأن تثبِّت مواقعها الاستراتيجيَّة في الخليج، ولا مشكلة عندها إذا مات الشَّعب العراقيّ، كما قال ذلك الشَّاعر وهو يخاطبُ صاحبَهُ:
قلْتُ العراقُ مائتٌ فقالَ لي وما العراقُ مائتٌ إلى سَقَرْ
يعني هذا الموضوع لا يهمّنا، وكذلك لا يهمّ المستكبرين من قريب أو بعيد.
إنَّ هناك معاناة لهذا الشَّعب، بحيث إنَّ الجوعَ أصبحَ يفترس أطفاله ويفترس نساءه وشيوخَه هناك، والمسلمون ساكتون، والأمريكيّون يلوِّحون في كلِّ يوم بتحرير العراق وإسقاط الطَّاغية، ولكنَّهم لا يفعلون شيئاً.
الجزائرُ.. وتركيا
أيُّها الأحبَّة، وقد عشنا في الأسبوع الماضي الانتخابات في الجزائر، والَّتي كنا نأمل فيها أن تحلّ مشكلة الجزائر، ولكن يبدو أنَّ السّلطة التي عاش الجزائريّون المأساة من خلالها، لم ترد لمشكلة الجزائر، ولهذا النَّزيف من الدَّم فيها، أن يقف، وقد أصبنا بخيبة أمل من ذلك.
أمَّا في تركيا، فإنَّ العالم يتحدَّث عن تراجع الإسلاميّين، والواقع أنَّ الإسلاميّين لم يتراجعوا، ولكنَّ السلطة الَّتي لاحقت الإسلاميّين في حزب الرفاه، ولاحقت الإسلاميّين في حزب الفضيلة، وحاولت أن تطوِّقهم وتحاصرهم وتسجن قياداتهم، عملت على أن تضيِّق الحصار عليهم، ومع ذلك، فإنَّ ما حصلوا عليه، يشير إلى أنَّ الشَّعب التركي لا يزال مع الإسلاميِّين، ولا سيَّما إذا رأينا نجاحاتهم في الانتخابات البلديَّة، لأنَّ الحكم المحلّيَّ هو الَّذي يعبِّر عن الترابط الشَّعبي، باعتبار أنَّه يتّصل بحياة النَّاس، فقد جرَّبوا رئاسة البلديَّات من قبل الإسلاميّين، فرأوا خدمة النَّاس والنَّزاهة الكبرى.
إنَّ هناك عالماً إسلاميّاً يعيش المسلمون المأساة فيه بين موقع وآخر، وعلينا أن نفكِّر في ذلك كلِّه.
مسؤوليَّةُ الشَّعبِ حيالَ الدَّولة
ويبقى الواقع المحلّي الَّذي نريد له أن يواصل مسيرته في تكامل الشَّعب مع الدولة، على أساس حركة الدولة في التَّخطيط للإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي، في ضوء مراقبةٍ شعبيَّةٍ دقيقةٍ ترصدُ كلَّ خطوة سياسيَّة واقتصاديَّة وأمنيَّة للدولة، لأنَّ مسؤوليَّة الشعب في داخل المجلس النيابي وخارجه، أن يتابع التجربة الجديدة بالكثير من الوعي والحذر والدقَّة والإخلاص، لأنَّه صاحب المصلحة في ذلك كلِّه، ولا سيَّما أنَّ قيمة الدولة بمقدار ما تكون أمينةً على حاضر الشَّعب ومستقبله.
ونحبّ التأكيد على الحركة العماليَّة، أن تبقى في ساحة المراقبة والمطالبة، ولكن مع دراسة دقيقة للظّروف والإمكانات المحيطة بالواقع في البلد، كما نريد للدَّولة أن تدخل في حوارٍ موضوعيّ واقعيّ مع الحركة العماليَّة، من أجل جلاء طبيعة القرارات وحدود الإمكانات، لأنَّنا نريد للبلد أن يبقى في حالة استقرار يمكِّن الجميع من الوصول إلى عمليَّة الإصلاح والنموّ والقوَّة والحريَّة والاستقلال.
والحمد لله ربِّ العالمين.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريخ: 23/ 04/ 1999م.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية