استشارة..
أنا سيدة في العقد الثاني من العمر، ومتزوجة منذ ثلاث سنوات. مشكلتي أن زوجي لا يرفض لأخواته طلباً، ويلبي كل حاجاتهن، وينفذ أوامرهنَّ، ويذهب معهنَّ إلى السوق لقضاء حاجيات خاصة بهن، مع العلم أنهن متزوجات، الأمر الذي يزعجني كثيراً، لأنَّني أشعر بأنه يقصر في حقي. حاولت إقناعه بعدم المبالغة في الاهتمام بهن، وأن يكون متوازناً في علاقته معهنَّ، ولكنني لم أجد منه أذناً صاغية. فكيف أقنعه بذلك؟
وجواب..
شكراً لك أختي الفاضلة على طرح هذه المشكلة الحساسة، والتي قلما يلتفت إليها بعض الناس، على الرغم من أهميتها، وخصوصاً أنَّ الزوجة التي تعاني هذه المشكلة، تشعر بالحرج والخجل من طرحها والتحدث بها. ومن الجيد أن نتناول هذه المشكلة من جهتين:
ـ الأولى من جهة الزوجة نفسها، فعليها أن تلتفت إلى أن الرجل الذي اختارته زوجاً لها، له ظروفه ومزاجه وعلاقاته التي ستكون في الغالب مختلفة عن ظروفها ومزاجها وعلاقاتها، فإذا صادف أن زوجها محب لأهله وإخوته وأخواته، ومتواضع لهم، وشديد التواصل معهم، ومتفان في خدمتهم، فذلك وضع خاص ومهم وإيجابي، لكنه قد لا يكون مألوفاً في وسطها، ولم تشاهده بين أهلها وأقاربها الذين عايشتهم، ولذا، لا غرابة أن تراه مستهجناً، وخصوصاً إن كانت صلة زوجها بأخواته قد تجاوزت المألوف، واقترنت بشيء من عدم الاهتمام بها، أو بتقديم مطالب أخواته على مطالبها، كما أنها قد تفرط في الاستهجان إلى حد الشك في سلامة هذه العلاقة القوية والحميمة بين الأخ وأخواته، وخصوصاً حين ترى أنه يرافقهن إلى التسوق دون أزواجهن، حيث الغالب هو حرص النساء على مرافقة أزواجهن أو على الأقل زميلاتهن للتسوق.
وهنا أقول لك: عليك أن تتفهمي هذه الصلة وهذه التصرفات من زوجك، نتيجة ظروفه العائلية الخاصة، فهو قد يراها أمراً طبيعياً وأخلاقياً، وربما لا يخطر في باله أنه يضايقك، لأنه يتصرف بطريقة عفوية ألفها ودرج عليها، وسيستغرب إن انتقدته واعترضت عليه.
ومن الجيد أن تبدأي معه بطريقة الاستفسار البريء عن سبب هذه العلاقة بينه وبين أهله، ولتكن بأسلوب مدحها، ثم بعد ذلك، الفتي نظره إلى أن لك حقاً مماثلاً عليه، وهكذا تدرّجي معه، فربما يلتفت إلى ضرورة الاعتدال في العلاقة بينك وبينهم.
ومهما يكن الأمر، فعليك أن لا تعيشي حالة الغيرة أو الشك وسوء الظن، وأن لا تحولي ذلك إلى هاجس ينغص عليك حياتك، وحاولي أن تتقبلي ذلك وتتأقلمي معه إلى أن يتغير، وأعتقد أنه سيتغير، وخصوصاً حين يصير أباً وتكبر مسؤولياته الأسرية.
أما الجهة الثانية المتعلقة بزوجك، فإنني سأخاطبه من خلالك، وأقول له ما يلي:
يا أخي، إن الكثير منا، معاشر الرجال، نجهل أو نتجاهل حقيقة أن حياتنا بعد الزواج يجب أن تكون مختلفة عن حياتنا بعد الزواج.
إن الرجل المتزوج سيعيش مع شريك له مزاجه وحقوقه، وينبغي مراعاته ومداراته، وهذا الشريك هو امرأة وفدت من منزل أو عائلة أو بلد يختلف عن منزله وعائلته وبلده في أمور عديدة، وإن عليه واجب الاهتمام بها، والإحسان إليها، والصبر عليها، والوقوف إلى جانبها، والتحاور معها بلطف حول ما يمكن أن يختلفا فيه، أو تجهله هي من ظروفه ومزاجه وعاداته.
وأهم ما في الأمر أن الزوجة ستعتمد على زوجها بشكل تام ومطلق، بعدما فارقت أهلها وصارت وحيدة في منزله، وليس لها معين إلا هو في حاجاتها، وفي وحشتها، وفي تساؤلاتها، وفي المواقف المحرجة التي قد تقع فيها مع أهله وأقاربه، وربما معه.
لذا، نقول للرجل: إن عليك أن توازن بين أهلك وزوجتك في العاطفة وفي المسؤولية، لتشعر بأنك حاضر في حياتها، وتقف إلى جانبها، وعليك أن تكون دقيقاً في الموازنة بينها وبين أهلك في العاطفة والمودة، وعليك أن تعلم أن تصرفك هذا لا يعني أنك لست باراً بأهلك وأخوتك وأخواتك بالمستوى الذي كنت عليه، إنما ستضيف إلى برك بأهلك براً آخر، هو برك بزوجتك، والذي هو واجب عليك.
ومن المهم أن لا تتحرج من ذلك أمام ما قد تسمعه من انتقادات، فإن بإمكانك أن تكون حكيماً، فتتلافى هذه الانتقادات، وتتجاهلها إن صدرت من بعض من حولك، ممن يحب الهذر والانتقاد دون مبرر، وبدون وعي أحياناً.
يا أخي، روي عن نبينا محمد(ص) أنه قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وهو يعني بالأهل الزوجة، ويدعونا إلى أن نحسن عشرتها، فإنها مسؤوليتنا وأمانة الله عندنا، وعلينا أن لا نستهين بها.
***
مرسلة الاستشارة: ...
المجيب عن الاستشارة: الشيخ محسن عطوي، عالم دين وباحث ومؤلّف، عضو المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(رض).
التاريخ: 7 تشرين الأول 2013م.
نوع الاستشارة: اجتماعية.