في ذكرى استشهادِ عليّ (ع): مسؤوليّةُ حفظِ الإسلامِ ونصرةِ الحقِّ

في ذكرى استشهادِ عليّ (ع): مسؤوليّةُ حفظِ الإسلامِ ونصرةِ الحقِّ
[نعيش في هذه الأيّام] ذكرى من أقسى ما مرّت على المسلمين من الذّكريات بعد وفاة رسول الله (ص)، وهي ذكرى استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، حيث برز إليه عبد الرَّحمن بن ملجم، وهو يؤدّي الصَّلاة في محراب مسجد الكوفة، وضربه على رأسه وهو بين يدي ربِّه، وصاح عليّ (ع): "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربِّ الكعبة" .
وكما أطلق (ع) آخر صوت بين يدي الله في المسجد، كذلك كانت حياته كلّها سجوداً لله في مواقع السّجود على الأرض، وسجوداً لله في جهاده وعطائه، وفي مواقفه، وفي رعايته للإسلام والمسلمين، وفي تحمّله كلَّ الصِّعاب من أجل الإسلام والمسلمين.
لقد كان عليّ (ع) الإنسان الّذي لم يفهمه العالم كما هو حتَّى الآن، ولذلك، فإنَّنا لا نستطيع أن نجري مقارنة بين عليّ وبين أيّ شخص آخر، لأنَّ عليّاً (ع) تكمن عظمته في معرفته بالله وحبّه له، وفي معرفته لرسول الله (ص) وحبّه له، وفي معرفته بالإسلام وجهاده في سبيله، وفي كلّ حركة المسؤوليّة التي عاشها في حياته، وفي فكره الَّذي لا يزال العالم بالرغم من كلّ تقدّمه وتطوّره الفكري، يشعر بأنَّ عليه أن يتعلم من عليّ (ع) الكثير، كما لو كان عليّ (ع) يعيش في هذا العصر، لأنَّ فكره لا يختلف فيه عصر عن عصر، لأنّه فكر الحقيقة، وفكر الحقيقة للحياة كلّها.
ولذلك، من حقّ عليّ (ع) علينا أن ندرسه وأن نفهمه وأن نقتدي به، وأن لا ندخله في كل العصبيات التي يستهلكها الناس، وفي كل الطائفيات والمذهبيات التي يجترونها، فعليّ فوق ذلك كله... وقد كان عليّ (ع) يعيش مع النَّاس، ولكنه كان في عيشه معهم يرتفع إلى الله دائماً، فيفكر فيهم من خلال الله لا من خلال نفسه، كان لا يريد الناس لنفسه، ولذلك قال لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً؛ إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم" ، وكان مع الحقّ في الله، ومع الحقّ في رسول الله، ومع الحقّ في الإسلام، ومع الحقّ في إدارة شؤون الناس، وقد قال رسول الله (ص): "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار" .
ولذلك، في ذكرى عليّ (ع)، ينبغي لنا أن نكون مع الحق، أن لا نكون مع الباطل، مهما أغرانا الباطل بماله، وبسلطته وبعصبيَّته، لأنَّ الباطل سوف يزول في الدنيا قبل الآخرة، وسيبقى الحقّ، ذلك بأنّ الله هو الحقّ، وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل.
إذاً، لا بدَّ لنا أن نكون مع الحقّ، لأنَّ ذلك هو الذي يقرِّبنا إلى الله، وهو الَّذي يجعلنا من الأتباع الحقيقيّين لمحمّد وعليّ والصفوة الطيّبة من أهل بيته، وهذا ما لاحظناه في وصيَّة عليّ في آخر لحظات حياته، فيما ينقله الشّريف الرضيّ في "نهج البلاغة"، من كلام له قاله في هذه الأيام الثلاثة التي كان ينزف فيها ويحتضر، وأراد أحد أصحابه أن يدخل عليه، فمنعه أهله من ذلك، ولكنَّه بعد أن صرخ وبكى أذن له، فوجده كما قال (الأصبغ بن نباته): "فإذا هو مستند معصوب الرأس بعصابة صفراء، قد نزف دمه واصفرّ وجهه، فما أدري أوجهه أشدّ اصفراراً أم العمامة، فأقبلت عليه، فقبَّلته وبكيت، فقال لي: "لا تبك يا أصبغ، فإنّها والله الجنَّة. فقلت له: جعلت فداك، إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وإنَّما أبكي لفقداني إيَّاك يا أمير المؤمنين" .
وينقل عن أحد أصحابه، وهو (صعصعة بن صلحان العبدي)، أنه استأذن على عليّ، فلم يؤذن له لشدَّة حالة الإمام، فقال صعصعة للآذن: "قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فلقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً. فبلّغه الآذن بعد أن نقل الكلام للإمام، فقال: قل له: وأنت يرحمك الله، لقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة" ...
وفي وصيَّة أخرى له: "أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن أبق فأنا وليّ دمي - أنا المسؤول عن دمي - وإن أفن فالفناء ميعادي - لأنَّ كلَّ نفس ذائقة الموت - وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة. فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم، والله ما فجأني من الموت واردٌ كرهته، ولا طالعٌ أنكرته، وما كنت إلَّا كقارب ورد وطالب وجد، وما عند الله خير للأبرار" .
ولذلك، أيها الأحبَّة، علينا ونحن نعيش ذكرى عليّ (ع) في هذا اليوم الَّذي استقبل به ربَّه في مسجد الكوفة، أن نرتفع إلى مستوى عليّ (ع)، أن نحفظ الإسلام كما حفظه، وأن نخلص لله ولرسوله كما أخلص لهما، وأن يكون رضى الله كلّ همنا، وأن نبتعد عن كلّ العصبيّات والحساسيات، لأنه يريد للذين يلتزمون خطه ويسيرون مع، أن يكونوا في مستوى المسؤوليَّة، أن يعيش المؤمن أخوَّة المؤمن، وأن يهتمَّ بما يصيب المؤمن الآخر. ابتعدوا عن كلّ ما يفرقكم، ابتعدوا عن كلّ عصبيّاتكم، ولا سيّما في هذا الشَّهر المبارك الذي أراده الله أن يكون شهراً للمغفرة والرَّحمة، يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا.
فتعالوا ليغفر بعضنا لبعض، وليرحم بعضنا بعضاً، ولنرحم الواقع الصعب الذي نعيشه، فلا نثقله بكلّ ما لدينا من عصبيّات طائفية ومذهبية وحزبية، تعالوا نرتفع إلى الله لنطلب رضاه، ولا شيء إلَّا رضاه، لنحبّه كما أحبّه عليّ (ع)... تعالوا لنسير مع عليّ إلى الله، لنكون القريبين إليه تعالى...
*من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 19 رمضان 1421 هـ/ الموافق:  ١٥/١٢/٢٠٠٠ م.
***
   بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج42، ص 239.
   نهج البلاغة، ج 2، ص 19.
   بحار الأنوار، ج 38، ص 29.
   الأمالي، الشيخ المفيد، ص 352.
   بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج42، ص 234.
   نهج البلاغة، ج3، ص 21.
[نعيش في هذه الأيّام] ذكرى من أقسى ما مرّت على المسلمين من الذّكريات بعد وفاة رسول الله (ص)، وهي ذكرى استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، حيث برز إليه عبد الرَّحمن بن ملجم، وهو يؤدّي الصَّلاة في محراب مسجد الكوفة، وضربه على رأسه وهو بين يدي ربِّه، وصاح عليّ (ع): "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربِّ الكعبة" .
وكما أطلق (ع) آخر صوت بين يدي الله في المسجد، كذلك كانت حياته كلّها سجوداً لله في مواقع السّجود على الأرض، وسجوداً لله في جهاده وعطائه، وفي مواقفه، وفي رعايته للإسلام والمسلمين، وفي تحمّله كلَّ الصِّعاب من أجل الإسلام والمسلمين.
لقد كان عليّ (ع) الإنسان الّذي لم يفهمه العالم كما هو حتَّى الآن، ولذلك، فإنَّنا لا نستطيع أن نجري مقارنة بين عليّ وبين أيّ شخص آخر، لأنَّ عليّاً (ع) تكمن عظمته في معرفته بالله وحبّه له، وفي معرفته لرسول الله (ص) وحبّه له، وفي معرفته بالإسلام وجهاده في سبيله، وفي كلّ حركة المسؤوليّة التي عاشها في حياته، وفي فكره الَّذي لا يزال العالم بالرغم من كلّ تقدّمه وتطوّره الفكري، يشعر بأنَّ عليه أن يتعلم من عليّ (ع) الكثير، كما لو كان عليّ (ع) يعيش في هذا العصر، لأنَّ فكره لا يختلف فيه عصر عن عصر، لأنّه فكر الحقيقة، وفكر الحقيقة للحياة كلّها.
ولذلك، من حقّ عليّ (ع) علينا أن ندرسه وأن نفهمه وأن نقتدي به، وأن لا ندخله في كل العصبيات التي يستهلكها الناس، وفي كل الطائفيات والمذهبيات التي يجترونها، فعليّ فوق ذلك كله... وقد كان عليّ (ع) يعيش مع النَّاس، ولكنه كان في عيشه معهم يرتفع إلى الله دائماً، فيفكر فيهم من خلال الله لا من خلال نفسه، كان لا يريد الناس لنفسه، ولذلك قال لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً؛ إني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم" ، وكان مع الحقّ في الله، ومع الحقّ في رسول الله، ومع الحقّ في الإسلام، ومع الحقّ في إدارة شؤون الناس، وقد قال رسول الله (ص): "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، يدور معه حيثما دار" .
ولذلك، في ذكرى عليّ (ع)، ينبغي لنا أن نكون مع الحق، أن لا نكون مع الباطل، مهما أغرانا الباطل بماله، وبسلطته وبعصبيَّته، لأنَّ الباطل سوف يزول في الدنيا قبل الآخرة، وسيبقى الحقّ، ذلك بأنّ الله هو الحقّ، وأنَّ ما يدعون من دونه هو الباطل.
إذاً، لا بدَّ لنا أن نكون مع الحقّ، لأنَّ ذلك هو الذي يقرِّبنا إلى الله، وهو الَّذي يجعلنا من الأتباع الحقيقيّين لمحمّد وعليّ والصفوة الطيّبة من أهل بيته، وهذا ما لاحظناه في وصيَّة عليّ في آخر لحظات حياته، فيما ينقله الشّريف الرضيّ في "نهج البلاغة"، من كلام له قاله في هذه الأيام الثلاثة التي كان ينزف فيها ويحتضر، وأراد أحد أصحابه أن يدخل عليه، فمنعه أهله من ذلك، ولكنَّه بعد أن صرخ وبكى أذن له، فوجده كما قال (الأصبغ بن نباته): "فإذا هو مستند معصوب الرأس بعصابة صفراء، قد نزف دمه واصفرّ وجهه، فما أدري أوجهه أشدّ اصفراراً أم العمامة، فأقبلت عليه، فقبَّلته وبكيت، فقال لي: "لا تبك يا أصبغ، فإنّها والله الجنَّة. فقلت له: جعلت فداك، إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وإنَّما أبكي لفقداني إيَّاك يا أمير المؤمنين" .
وينقل عن أحد أصحابه، وهو (صعصعة بن صلحان العبدي)، أنه استأذن على عليّ، فلم يؤذن له لشدَّة حالة الإمام، فقال صعصعة للآذن: "قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فلقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً. فبلّغه الآذن بعد أن نقل الكلام للإمام، فقال: قل له: وأنت يرحمك الله، لقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة" ...
وفي وصيَّة أخرى له: "أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، إن أبق فأنا وليّ دمي - أنا المسؤول عن دمي - وإن أفن فالفناء ميعادي - لأنَّ كلَّ نفس ذائقة الموت - وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة. فاعفوا، ألا تحبّون أن يغفر الله لكم، والله ما فجأني من الموت واردٌ كرهته، ولا طالعٌ أنكرته، وما كنت إلَّا كقارب ورد وطالب وجد، وما عند الله خير للأبرار" .
ولذلك، أيها الأحبَّة، علينا ونحن نعيش ذكرى عليّ (ع) في هذا اليوم الَّذي استقبل به ربَّه في مسجد الكوفة، أن نرتفع إلى مستوى عليّ (ع)، أن نحفظ الإسلام كما حفظه، وأن نخلص لله ولرسوله كما أخلص لهما، وأن يكون رضى الله كلّ همنا، وأن نبتعد عن كلّ العصبيّات والحساسيات، لأنه يريد للذين يلتزمون خطه ويسيرون مع، أن يكونوا في مستوى المسؤوليَّة، أن يعيش المؤمن أخوَّة المؤمن، وأن يهتمَّ بما يصيب المؤمن الآخر. ابتعدوا عن كلّ ما يفرقكم، ابتعدوا عن كلّ عصبيّاتكم، ولا سيّما في هذا الشَّهر المبارك الذي أراده الله أن يكون شهراً للمغفرة والرَّحمة، يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا.
فتعالوا ليغفر بعضنا لبعض، وليرحم بعضنا بعضاً، ولنرحم الواقع الصعب الذي نعيشه، فلا نثقله بكلّ ما لدينا من عصبيّات طائفية ومذهبية وحزبية، تعالوا نرتفع إلى الله لنطلب رضاه، ولا شيء إلَّا رضاه، لنحبّه كما أحبّه عليّ (ع)... تعالوا لنسير مع عليّ إلى الله، لنكون القريبين إليه تعالى...
*من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 19 رمضان 1421 هـ/ الموافق:  ١٥/١٢/٢٠٠٠ م.
***
   بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج42، ص 239.
   نهج البلاغة، ج 2، ص 19.
   بحار الأنوار، ج 38، ص 29.
   الأمالي، الشيخ المفيد، ص 352.
   بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج42، ص 234.
   نهج البلاغة، ج3، ص 21.
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية