القرآن ينبوع طهر

القرآن ينبوع طهر

[يشرح سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) دعاءً للإمام زين العابدين(ع)،كان يدعو به عند ختم القرآن، وقد ورد في الصّحيفة السّجاديّة].

"اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأدِمْ بِالْقُرْآنِ صَلاَحَ ظَاهِرِنَا، واحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ الوسَاوِس عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا، واغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا وعَلاَئِقَ أوْزَارِنَا، واجْمَعْ بِهِ مُنْتَشِرَ أُمُورِنَا، وارْوِ بِهِ في مَوَاقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأَ هَوَاجِرِنَا، واكْسنَا بِهِ حُلَلَ الأمَانِ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ في نُشُورِنَا.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، واجْبُرْ بِالْقُرآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ الإمْلاَقِ، وَسُقْ إلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ وَخِصْبَ سَعَةِ الأَرْزاقِ، وجَنّبْنَا بِهِ الضَّرَائِبَ الْمَذمُومَةَ وَمَدَانِيَ الأخْلاَقِ".

اللّهمّ اغسل بالقرآن دَرَن قلوبنا:

يا ربّ، لقد أنزلت القرآن على رسولك من أجل تغيير الإنسان في ظاهره وباطنه إلى الأفضل، وتركيز حركته في الحياة في الداخل والخارج على خطِّ الاستقامة في اتجاه توحيدك، باعتبار أنَّ ذلك هو الّذي يُؤصّل إنسانيّته الّتي عمّقت فيها الفطرة، التي توحي بالقيم الروحية الإنسانية في علاقته بربه وبنفسه وبالناس والحياة من حوله، وذلك من خلال التعاليم المفصّلة المتنوّعة الّتي وزّعتها على مختلف أوضاع الإنسان في أقواله وأفعاله وعلاقاته، وأودعت ذلك في كتابك في خطوطه العامّة والخاصّة، لإصلاح ظاهره في ممارسته العمليّة في دائرة التّقوى، ولتركيز ظاهره في أفكاره المنفتحة على الحقّ، وفي دوافعه المنطلقة من الخير، وفي تطلّعاته المرتكزة على الخطّ المستقيم.

اللّهمّ ألهمنا سلامة التصوّر للأشياء، واستقامة الفكر في قضايا العقيدة والحياة، وقوّة الإرادة في تأكيد الموقف، حتى نصلح حياتنا الخارجيّة بالسّير ـ مع التقوى ـ في طريق رضاك، ونطرد في واقعنا الدّاخليّ في الفكر والروح والشعور، كلّ الوساوس الشّيطانيّة الّتي يزرعها الشّيطان في داخلنا، ليربك كلّ ما يختزنه الوجدان من عناصر الحقّ الفكريّ والرّوحي والشعوري، فإنَّنا نريد أن تكون صورتنا في الشّكل والمضمون في صورة رضاك وفي عناوين الحقيقة، بدلاً من الوهم الّذي يربطنا بالخرافة، والزّيف الّذي ينفتح بنا على الباطل، لأنّك تريدنا في حركة الواقع أن تكون إنسانيّتنا في موقع الإيجابيّة لبناء الحياة.

اللّهمّ اجعل القرآن ينبوع طهر يغسل قلوبنا من أمراضها، بما قد تختزنه بفعل المؤثّرات المنحرفة من اللّؤم والحقد والحسد والبغضاء وغيرها، حتى نغتسل به في كلّ صباح ومساء، في وعيٍ للآية، وفي انفتاحٍ على الموعظة، وطهّر ـ يا ربّ ـ بالقرآن في إيحاءاته الفكريّة والروحيّة كلّ واقعنا العمليّ من الذّنوب الخفيّة والظاهرة، حتى لا يبقى علينا ذنب يرهق طهارتنا الإنسانيّة، لأنّ الذنوب ليست حالة طارئةً في رياح النفس، بل قد تكون حالةً متجذّرةً في الأعماق، من خلال الأوحال المتراكمة الكامنة في النفس.

يا ربّ، واجعل القرآن عنصر وحدة، يوحّد القلوب على المحبّة، ويجمع الناس على البرّ والتّقوى، ويفتح لهم أبواب التعاون على رعاية كلّ أمورهم بالخير والحقّ، فلا تبقى أمورهم الحيويّة منتشرةً في كلّ موقع، موزّعةً بين كلّ أفق، بل تجتمع على مواقع رضاك في وحي آياتك.

وهيّئ لنا الحصول على محبّتك الّتي تروي أعماقنا، فنرتوي بها ـ في وحي القرآن ـ في ظمأ الأجواء الملتهبة بالحرارة في موقف العرض عليك يوم القيامة: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[1]، فلا نحسّ بالعطش، ولا نسقط تحت تأثير حرارته، بل تتحوّل محبّتك ورحمتك برداً وسلاماً على عبادك الصّالحين.

وألبسنا ـ يا ربّ ـ حلل الأمان، لنعيش الأمن المنفتح على الثقة برحمتك، والأمل بمغفرتك، والتطلّع إلى رضوانك، فلا نقف في حالة عُريٍ كاملٍ من تأثير الخوف فينا في يوم الفزع الأكبر في ساحة النشور.

اللّهم، وقد يسيطر علينا الفقر بفعل الأسباب الواعية الّتي تدفع به إلى حياتنا، فنعيش مرارته وجوعه وعريه وتشريده وحزنه ويأسه، وقد تتجمّع المشاكل ـ من داخله ـ في واقعنا، فتعطّل لدينا كلّ فرصةٍ للحركة في اتجاه الخلاص.

اللّهمّ إننا نتوسّل إليك بالقرآن الذي تحبّه، لأنّه وحي الحقّ في كلماتك، بأن تجبر هذا الكسر المادّيّ لحياتنا بقوّتك، فتخلّصنا من الفقر بغناك، بما تهيّئه لنا ـ في غامض علمك ـ من الوسائل الّتي تفتح لنا أبواب السّعة في الرزق والخصب في الإنتاج، وتغلق عنّا أبواب التحرّك بالذهنيّة المغلقة، وبما تلهمنا من التفكير في تفاصيل العمل المتحرك في خطّ الرّشد الاقتصاديّ في الكسب والإنفاق، وترزقنا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب.

وابتعد بنا ـ يا ربّ ـ من خلال وعينا للقرآن في آياته التربويّة، وتعاليمه الأخلاقيّة، وتطلّعاته الرّوحيّة، عن كلّ الطّبائع والسّجايا السيّئة المذمومة، وكلّ الأخلاق السّافلة الرّذيلة، حتى تكون أخلاقنا صورةً لأخلاقك، وتنطلق طبائعنا في الخطّ الّذي يتحرّك في مواقع رضاك.

[كتاب: آفاق الرّوح]


[1] [المطفّفين: 6].


[يشرح سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) دعاءً للإمام زين العابدين(ع)،كان يدعو به عند ختم القرآن، وقد ورد في الصّحيفة السّجاديّة].

"اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأدِمْ بِالْقُرْآنِ صَلاَحَ ظَاهِرِنَا، واحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ الوسَاوِس عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا، واغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا وعَلاَئِقَ أوْزَارِنَا، واجْمَعْ بِهِ مُنْتَشِرَ أُمُورِنَا، وارْوِ بِهِ في مَوَاقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأَ هَوَاجِرِنَا، واكْسنَا بِهِ حُلَلَ الأمَانِ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ في نُشُورِنَا.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، واجْبُرْ بِالْقُرآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ الإمْلاَقِ، وَسُقْ إلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ وَخِصْبَ سَعَةِ الأَرْزاقِ، وجَنّبْنَا بِهِ الضَّرَائِبَ الْمَذمُومَةَ وَمَدَانِيَ الأخْلاَقِ".

اللّهمّ اغسل بالقرآن دَرَن قلوبنا:

يا ربّ، لقد أنزلت القرآن على رسولك من أجل تغيير الإنسان في ظاهره وباطنه إلى الأفضل، وتركيز حركته في الحياة في الداخل والخارج على خطِّ الاستقامة في اتجاه توحيدك، باعتبار أنَّ ذلك هو الّذي يُؤصّل إنسانيّته الّتي عمّقت فيها الفطرة، التي توحي بالقيم الروحية الإنسانية في علاقته بربه وبنفسه وبالناس والحياة من حوله، وذلك من خلال التعاليم المفصّلة المتنوّعة الّتي وزّعتها على مختلف أوضاع الإنسان في أقواله وأفعاله وعلاقاته، وأودعت ذلك في كتابك في خطوطه العامّة والخاصّة، لإصلاح ظاهره في ممارسته العمليّة في دائرة التّقوى، ولتركيز ظاهره في أفكاره المنفتحة على الحقّ، وفي دوافعه المنطلقة من الخير، وفي تطلّعاته المرتكزة على الخطّ المستقيم.

اللّهمّ ألهمنا سلامة التصوّر للأشياء، واستقامة الفكر في قضايا العقيدة والحياة، وقوّة الإرادة في تأكيد الموقف، حتى نصلح حياتنا الخارجيّة بالسّير ـ مع التقوى ـ في طريق رضاك، ونطرد في واقعنا الدّاخليّ في الفكر والروح والشعور، كلّ الوساوس الشّيطانيّة الّتي يزرعها الشّيطان في داخلنا، ليربك كلّ ما يختزنه الوجدان من عناصر الحقّ الفكريّ والرّوحي والشعوري، فإنَّنا نريد أن تكون صورتنا في الشّكل والمضمون في صورة رضاك وفي عناوين الحقيقة، بدلاً من الوهم الّذي يربطنا بالخرافة، والزّيف الّذي ينفتح بنا على الباطل، لأنّك تريدنا في حركة الواقع أن تكون إنسانيّتنا في موقع الإيجابيّة لبناء الحياة.

اللّهمّ اجعل القرآن ينبوع طهر يغسل قلوبنا من أمراضها، بما قد تختزنه بفعل المؤثّرات المنحرفة من اللّؤم والحقد والحسد والبغضاء وغيرها، حتى نغتسل به في كلّ صباح ومساء، في وعيٍ للآية، وفي انفتاحٍ على الموعظة، وطهّر ـ يا ربّ ـ بالقرآن في إيحاءاته الفكريّة والروحيّة كلّ واقعنا العمليّ من الذّنوب الخفيّة والظاهرة، حتى لا يبقى علينا ذنب يرهق طهارتنا الإنسانيّة، لأنّ الذنوب ليست حالة طارئةً في رياح النفس، بل قد تكون حالةً متجذّرةً في الأعماق، من خلال الأوحال المتراكمة الكامنة في النفس.

يا ربّ، واجعل القرآن عنصر وحدة، يوحّد القلوب على المحبّة، ويجمع الناس على البرّ والتّقوى، ويفتح لهم أبواب التعاون على رعاية كلّ أمورهم بالخير والحقّ، فلا تبقى أمورهم الحيويّة منتشرةً في كلّ موقع، موزّعةً بين كلّ أفق، بل تجتمع على مواقع رضاك في وحي آياتك.

وهيّئ لنا الحصول على محبّتك الّتي تروي أعماقنا، فنرتوي بها ـ في وحي القرآن ـ في ظمأ الأجواء الملتهبة بالحرارة في موقف العرض عليك يوم القيامة: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[1]، فلا نحسّ بالعطش، ولا نسقط تحت تأثير حرارته، بل تتحوّل محبّتك ورحمتك برداً وسلاماً على عبادك الصّالحين.

وألبسنا ـ يا ربّ ـ حلل الأمان، لنعيش الأمن المنفتح على الثقة برحمتك، والأمل بمغفرتك، والتطلّع إلى رضوانك، فلا نقف في حالة عُريٍ كاملٍ من تأثير الخوف فينا في يوم الفزع الأكبر في ساحة النشور.

اللّهم، وقد يسيطر علينا الفقر بفعل الأسباب الواعية الّتي تدفع به إلى حياتنا، فنعيش مرارته وجوعه وعريه وتشريده وحزنه ويأسه، وقد تتجمّع المشاكل ـ من داخله ـ في واقعنا، فتعطّل لدينا كلّ فرصةٍ للحركة في اتجاه الخلاص.

اللّهمّ إننا نتوسّل إليك بالقرآن الذي تحبّه، لأنّه وحي الحقّ في كلماتك، بأن تجبر هذا الكسر المادّيّ لحياتنا بقوّتك، فتخلّصنا من الفقر بغناك، بما تهيّئه لنا ـ في غامض علمك ـ من الوسائل الّتي تفتح لنا أبواب السّعة في الرزق والخصب في الإنتاج، وتغلق عنّا أبواب التحرّك بالذهنيّة المغلقة، وبما تلهمنا من التفكير في تفاصيل العمل المتحرك في خطّ الرّشد الاقتصاديّ في الكسب والإنفاق، وترزقنا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب.

وابتعد بنا ـ يا ربّ ـ من خلال وعينا للقرآن في آياته التربويّة، وتعاليمه الأخلاقيّة، وتطلّعاته الرّوحيّة، عن كلّ الطّبائع والسّجايا السيّئة المذمومة، وكلّ الأخلاق السّافلة الرّذيلة، حتى تكون أخلاقنا صورةً لأخلاقك، وتنطلق طبائعنا في الخطّ الّذي يتحرّك في مواقع رضاك.

[كتاب: آفاق الرّوح]


[1] [المطفّفين: 6].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية