الصيام يعلِّمنا تحدّي الأهواء والأنانيات

الصيام يعلِّمنا تحدّي الأهواء والأنانيات

أما الصيام، فقد أمر به الإنجيل قبل أن يأمر به القرآن {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وليس الحكمة من وجوب الصيام أن يتذكر الصائم الجائعين، فيحسن إليهم، ويتصدّق عليهم بالقرش والرغيف ـ كما قيل ـ ، ولو كانت هذه فائدة الصيام، لوجب الصيام على الأغنياء دون الفقراء، ولكان حقّاً على الله أن يسلِّط على الناس حاكماً ظالماً يظلمهم ويستعبدهم ليتذكّروا المظلوم، وينتصروا له من الظالم.

إن قول الله سبحانه {كُتِبَ عليكم الصّيامُ} {لعلّكُم تتّقونَ}، إشارة إلى أن الحكمة من وجوب الصوم، وامتناع الإنسان عن طعامه وشرابه ـ وهما في بيته ومتناول يده ـ أن يضبط الصائم نفسه بوازع يردعه عن استغلال الناس واستثمارهم، والتعدي على طعامهم وشرابهم.

أن يدرك عملاً ـ لا قولاً ـ أن إطلاق العنان لأنانيته وأهوائه، يجعل أقوات الناس ومقدراتهم رهناً بمقدِرَته على الاحتكار واللعب بالأسواق، وبمهارته في فنّ الغشّ والتدليس، وفي ذلك خطر كبير عليه وعلى المجتمع.

أن يدرك أنّ حرية الفرد واستقلاله ومصالحه ـ مهما بالغنا في احترامها ـ هي دون حريّة المجتمع واستقلاله ومصالحه. أنّ الحرّ ـ فرداً كان أو مجتمعاً ـ هو من لا يَستغلّ ولا يُستغَلّ، لا يَستعبِد ولا يُستعبَد. وبالتالي، أن يهيّئ الصّائم نفسه بنكران ذاته، وكبح شهواته، ليكون عضواً صالحاً في مجتمعٍ يسير في سبيل النّجاح والازدهار.

إن الدين أمر بالصوم تحدياً للجوع والعطش، لا رغبةً في الجوع والعطش، تحدّياً للأهواء التي تفرض على الناس ضريبة الجوع والعطش، وتعيق سير التقدّم بجشعها الذي لا يُقيَّد بقيد، ولا ينتهي إلى حدّ.

قال الرسول الأعظم محمد بن عبد الله(ص): "الصائم مَن يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجل الله سبحانه"، وقال: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".

أجل، لأن صيامه لم يحدّ من طمعه، ولم يرْقَ به إلى احترام الحياة والإيمان بحقوق الإنسان. وجاء في بعض الأدعية التي يتلوها المؤمنون في شهر رمضان المبارك: "اللّهمّ ارزقني الجدّ والاجتهاد، والقوّة والنشاط لما تحبّ وترضى... والوَجَل منك، والرّجاء لك والتوكل عليك، والثقة بك، والورع عن محارمك".

إن الخوف من الله سبحانه، والورع عن محارمه، والنشاط لما يرضيه، كلّ ذلك، إنما يكون بالتحرر من عبودية الهوى، وحبّ السيطرة والاستئثار، والبعد عن الكسل والخمول، عن سبيل الذين يقامرون بقرش الفقير، ورغيف البائس، ولا عمل لهم سوى الانتقال من مقهى إلى بار، ومن ملهى إلى حانة، إنّ الله لا يحبّ ولا يرضى عن مجتمع لا يجدّ ويجتهد، ولا يكافح ويناضل في سبيل حياة أرقى وأبقى، ولو ملأ الشّوارع بالكنائس والجوامع، والفضاء بالأجراس والأذان! إن المجتمع الذي يحبه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، هو الذي لا ترى فيه إلا عاملاً في مصنع، أو زارعاً في حقل، أو راعياً على منحدر جبل، أو سماكاً يجذب شباكه، أو فناناً يرسم على لوحة، أو طبيباً في عيادة، أو عالماً في مختبر، أو أديباً ينقد الأوضاع.

إنّ مثل هذا المجتمع خليق بأن يعبد الله مخلصاً له الدّين والصّلاة والصّيام.

*من كتاب "الشيعة في الميزان"، ص 410-412.

أما الصيام، فقد أمر به الإنجيل قبل أن يأمر به القرآن {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وليس الحكمة من وجوب الصيام أن يتذكر الصائم الجائعين، فيحسن إليهم، ويتصدّق عليهم بالقرش والرغيف ـ كما قيل ـ ، ولو كانت هذه فائدة الصيام، لوجب الصيام على الأغنياء دون الفقراء، ولكان حقّاً على الله أن يسلِّط على الناس حاكماً ظالماً يظلمهم ويستعبدهم ليتذكّروا المظلوم، وينتصروا له من الظالم.

إن قول الله سبحانه {كُتِبَ عليكم الصّيامُ} {لعلّكُم تتّقونَ}، إشارة إلى أن الحكمة من وجوب الصوم، وامتناع الإنسان عن طعامه وشرابه ـ وهما في بيته ومتناول يده ـ أن يضبط الصائم نفسه بوازع يردعه عن استغلال الناس واستثمارهم، والتعدي على طعامهم وشرابهم.

أن يدرك عملاً ـ لا قولاً ـ أن إطلاق العنان لأنانيته وأهوائه، يجعل أقوات الناس ومقدراتهم رهناً بمقدِرَته على الاحتكار واللعب بالأسواق، وبمهارته في فنّ الغشّ والتدليس، وفي ذلك خطر كبير عليه وعلى المجتمع.

أن يدرك أنّ حرية الفرد واستقلاله ومصالحه ـ مهما بالغنا في احترامها ـ هي دون حريّة المجتمع واستقلاله ومصالحه. أنّ الحرّ ـ فرداً كان أو مجتمعاً ـ هو من لا يَستغلّ ولا يُستغَلّ، لا يَستعبِد ولا يُستعبَد. وبالتالي، أن يهيّئ الصّائم نفسه بنكران ذاته، وكبح شهواته، ليكون عضواً صالحاً في مجتمعٍ يسير في سبيل النّجاح والازدهار.

إن الدين أمر بالصوم تحدياً للجوع والعطش، لا رغبةً في الجوع والعطش، تحدّياً للأهواء التي تفرض على الناس ضريبة الجوع والعطش، وتعيق سير التقدّم بجشعها الذي لا يُقيَّد بقيد، ولا ينتهي إلى حدّ.

قال الرسول الأعظم محمد بن عبد الله(ص): "الصائم مَن يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجل الله سبحانه"، وقال: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".

أجل، لأن صيامه لم يحدّ من طمعه، ولم يرْقَ به إلى احترام الحياة والإيمان بحقوق الإنسان. وجاء في بعض الأدعية التي يتلوها المؤمنون في شهر رمضان المبارك: "اللّهمّ ارزقني الجدّ والاجتهاد، والقوّة والنشاط لما تحبّ وترضى... والوَجَل منك، والرّجاء لك والتوكل عليك، والثقة بك، والورع عن محارمك".

إن الخوف من الله سبحانه، والورع عن محارمه، والنشاط لما يرضيه، كلّ ذلك، إنما يكون بالتحرر من عبودية الهوى، وحبّ السيطرة والاستئثار، والبعد عن الكسل والخمول، عن سبيل الذين يقامرون بقرش الفقير، ورغيف البائس، ولا عمل لهم سوى الانتقال من مقهى إلى بار، ومن ملهى إلى حانة، إنّ الله لا يحبّ ولا يرضى عن مجتمع لا يجدّ ويجتهد، ولا يكافح ويناضل في سبيل حياة أرقى وأبقى، ولو ملأ الشّوارع بالكنائس والجوامع، والفضاء بالأجراس والأذان! إن المجتمع الذي يحبه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، هو الذي لا ترى فيه إلا عاملاً في مصنع، أو زارعاً في حقل، أو راعياً على منحدر جبل، أو سماكاً يجذب شباكه، أو فناناً يرسم على لوحة، أو طبيباً في عيادة، أو عالماً في مختبر، أو أديباً ينقد الأوضاع.

إنّ مثل هذا المجتمع خليق بأن يعبد الله مخلصاً له الدّين والصّلاة والصّيام.

*من كتاب "الشيعة في الميزان"، ص 410-412.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية