[من دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الكلام عن الخطايا والذنوب وطلب
عتق الرّقاب من النار]:
"بلْ أنَا، يا إلهي، أكْثرُ ذُنُوباً، وأقْبَحُ آثاراً، وأشْنَعُ أفْعَالاً، وأشَدُّ
في البَاطِل تَهَوُّراً، وأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تيَقُّظاً، وَأقلُّ لِوَعيدِكَ
انْتِبَاهاً وَارْتِقاباً مِنْ أنْ أُحصِيَ لكَ عُيُوبي، أو أقْدِرَ عَلَى ذكْرِ
ذُنُوبي، وإنَّما أوَبِّخُ بِهَذا نَفْسِي طَمَعاً في رَأفَتِكَ الَّتي بِهَا صَلاحُ
أمٍرِ المًذْنِبينَ، وَرَجاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ
الخَاطِئينَ.
اللّهُمَّ وَهَذِهِ رَقَبتي قدْ أرَقّتْها الذُّنوبُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، واعْتِقْها بِعَفْوِكَ، وهَذا ظَهْري قَدْ أْثْقَلَتْهُ الخَطَايَا، فَصَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ".
أنا الإنسان الضعيف الذي تثيره اللّمسة، وتغريه الصورة، وتقوده الشّهوة، ويسيطر
عليه الطمع، وتحركه النـّزوة، وتطبق على حياته أحاسيس الذّات، وتثقله المسؤوليّة،
ويتغلّب عليه الحسد، وتتعمّق لديه العداوة، وتخدعه مظاهر الأشياء، ويجذبه الحسّ،
ويطغى عليه الأمل، وتلعب به الغفلة، وتحيط به الأخطاء، وتستغرقه الدّنيا، ويخلد إلى
الأرض، ويغلبه هواه.
عندما مارست الذنوب كنت الأكثر ذنوباً، لا من خلال الكمية، ولكن من خلال الإيحاء
الذي تتمرّد فيه الذات على ربها، وعندما درست أفعالي في معانيها ومداليلها
وإيحاءاتها، كنت الأقبح أفعالاً، وعندما تحرّكت النتائج في حياتي العاصية، كنت
الأقبح آثاراً، في ما يمثّله ذلك من معنى نكران الجميل في موقفي منك، أو في ما
تركته للواقع من حولي من شرور وآلام، وعندما تحرّكت مع الباطل، كنت الأكثر تهوّراً
فيه، لأني لم أفكّر في طبيعته المضلّة، أو في آثاره المهلكة، أو في أجوائه الخانقة،
بل اندفعت فيه اندفاع المتهوّر الذي يقبل على الأشياء من خلال مزاجه وهواه، وعندما
واجهت مسألة طاعتك التي توحي بها ربوبيّتك لي وعبوديتي لك، كنت الأضعف تيقظاً، من
خلال اليقظة في الوعي، والوعي في الحركة، فلم أدرك ما معنى الطاعة في المصير، وما
نتائج المعصية في الآخرة، وعندما استمعت - يا رب - إلى وعيدك الذي ينذرني بالعذاب
والهلاك، كنت الأقلّ انتباهاً وانتظاراً وجدّية في مواجهتها.
وإذا كانت المسألة بهذا الحجم وبهذه الخطورة، فهل أملك الآن القدرة على أن أقوم
بعمليّة إحصاء لعيوبي، أو تعدادٍ لذنوبي، بعد أن كانت فوق الإحصاء والعدّ، في
صغائرها وكبائرها، وظواهرها وبواطنها؟! ولكن لماذا أتحدّث عن ذلك كلّه، وما هي
الفائدة التي أتوخّاها منه؟…
إنني ـ يا ربّ ـ أقوم بعمليّة نقد ذاتي أدرس فيه، بفكر واعٍ، كلّ جوانب الضعف في
شخصيتي، وأعمل على مواجهة نفسي من خلال المراقبة والمحاسبة والمحاكمة بالتوبيخ
العنيف، لتعرف مني ـ يا ربّ ـ أنني لم أكن مطمئناً للوضع الذي أعيشه، ولم أكن
مرتاحاً للواقع الذي تحرّكت فيه، في إحساس عميق باللّوعة النفسيّة، والهمّ الروحيّ
في موقعي منك، من خلال ذلك، لأستدرّ بذلك عطفك، ولأستنـزل على وجودي لطفك، وتضمني
رأفتك التي إذا امتدت إلى المذنبين أصلحت أمرهم، وركّزت موقعهم في الخط المستقيم،
وخلّصتهم من عقدة الذنب، ومن نتائجه الدنيوية والأخروية، وفتحت لهم أبواب العودة
إليك، ولتحرّرني رحمتك من الحصار الذي تحاصرني به الخطايا، لأعيش حرية الطّاعة في
ساحة رضاك، وأخرج من عبودية المعصية في سجن سخطك.
إنني أناجيك ـ يا ربّ ـ بكلّ ما يثقلني أمره، وأنفتح عليك في كلّ ما يضيق عليّ فيه
دربه، وأوبّخ نفسي عمّا انحرفت فيه عن مواقع أمرك ونهيك، لأحصل على محبتك، ولترتفع
إلى الأعالي محبتي لك، لأطلب منك كل شيء من دون خوف، ولأفتح حياتي لك في كلّ ساحةٍ
من دون تعقيد.
لقد عاشت الذنوب في كلّ عمري، وأحاطت بذاتي حتى جعلتها في أسر الرّقّ الذي لا تملك
منه حرية النجاة من غضبك ومن عذاب النار، فهل أطمع - يا رب - أن تحرّرني وتعتق
رقبتي من النّار.
وقد أثقلت الخطايا ظهري، حتى بدأت أنوء بها وأرزح تحتها، فهل آمل أن تخفِّف عني ذلك
بمنِّك وعفوك؟ لم أطلب منك شيئاً جديداً عليك، فقد طلبه منك المذنبون، وابتهل إليك
فيه الخاطئون، وأجبت طلبهم، ورحمت ابتهالاتهم، ولن أكون العبد الخائب عندك يا ربّ…
*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج 1.
[من دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الكلام عن الخطايا والذنوب وطلب
عتق الرّقاب من النار]:
"بلْ أنَا، يا إلهي، أكْثرُ ذُنُوباً، وأقْبَحُ آثاراً، وأشْنَعُ أفْعَالاً، وأشَدُّ
في البَاطِل تَهَوُّراً، وأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تيَقُّظاً، وَأقلُّ لِوَعيدِكَ
انْتِبَاهاً وَارْتِقاباً مِنْ أنْ أُحصِيَ لكَ عُيُوبي، أو أقْدِرَ عَلَى ذكْرِ
ذُنُوبي، وإنَّما أوَبِّخُ بِهَذا نَفْسِي طَمَعاً في رَأفَتِكَ الَّتي بِهَا صَلاحُ
أمٍرِ المًذْنِبينَ، وَرَجاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ
الخَاطِئينَ.
اللّهُمَّ وَهَذِهِ رَقَبتي قدْ أرَقّتْها الذُّنوبُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَآلِهِ، واعْتِقْها بِعَفْوِكَ، وهَذا ظَهْري قَدْ أْثْقَلَتْهُ الخَطَايَا، فَصَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ".
أنا الإنسان الضعيف الذي تثيره اللّمسة، وتغريه الصورة، وتقوده الشّهوة، ويسيطر
عليه الطمع، وتحركه النـّزوة، وتطبق على حياته أحاسيس الذّات، وتثقله المسؤوليّة،
ويتغلّب عليه الحسد، وتتعمّق لديه العداوة، وتخدعه مظاهر الأشياء، ويجذبه الحسّ،
ويطغى عليه الأمل، وتلعب به الغفلة، وتحيط به الأخطاء، وتستغرقه الدّنيا، ويخلد إلى
الأرض، ويغلبه هواه.
عندما مارست الذنوب كنت الأكثر ذنوباً، لا من خلال الكمية، ولكن من خلال الإيحاء
الذي تتمرّد فيه الذات على ربها، وعندما درست أفعالي في معانيها ومداليلها
وإيحاءاتها، كنت الأقبح أفعالاً، وعندما تحرّكت النتائج في حياتي العاصية، كنت
الأقبح آثاراً، في ما يمثّله ذلك من معنى نكران الجميل في موقفي منك، أو في ما
تركته للواقع من حولي من شرور وآلام، وعندما تحرّكت مع الباطل، كنت الأكثر تهوّراً
فيه، لأني لم أفكّر في طبيعته المضلّة، أو في آثاره المهلكة، أو في أجوائه الخانقة،
بل اندفعت فيه اندفاع المتهوّر الذي يقبل على الأشياء من خلال مزاجه وهواه، وعندما
واجهت مسألة طاعتك التي توحي بها ربوبيّتك لي وعبوديتي لك، كنت الأضعف تيقظاً، من
خلال اليقظة في الوعي، والوعي في الحركة، فلم أدرك ما معنى الطاعة في المصير، وما
نتائج المعصية في الآخرة، وعندما استمعت - يا رب - إلى وعيدك الذي ينذرني بالعذاب
والهلاك، كنت الأقلّ انتباهاً وانتظاراً وجدّية في مواجهتها.
وإذا كانت المسألة بهذا الحجم وبهذه الخطورة، فهل أملك الآن القدرة على أن أقوم
بعمليّة إحصاء لعيوبي، أو تعدادٍ لذنوبي، بعد أن كانت فوق الإحصاء والعدّ، في
صغائرها وكبائرها، وظواهرها وبواطنها؟! ولكن لماذا أتحدّث عن ذلك كلّه، وما هي
الفائدة التي أتوخّاها منه؟…
إنني ـ يا ربّ ـ أقوم بعمليّة نقد ذاتي أدرس فيه، بفكر واعٍ، كلّ جوانب الضعف في
شخصيتي، وأعمل على مواجهة نفسي من خلال المراقبة والمحاسبة والمحاكمة بالتوبيخ
العنيف، لتعرف مني ـ يا ربّ ـ أنني لم أكن مطمئناً للوضع الذي أعيشه، ولم أكن
مرتاحاً للواقع الذي تحرّكت فيه، في إحساس عميق باللّوعة النفسيّة، والهمّ الروحيّ
في موقعي منك، من خلال ذلك، لأستدرّ بذلك عطفك، ولأستنـزل على وجودي لطفك، وتضمني
رأفتك التي إذا امتدت إلى المذنبين أصلحت أمرهم، وركّزت موقعهم في الخط المستقيم،
وخلّصتهم من عقدة الذنب، ومن نتائجه الدنيوية والأخروية، وفتحت لهم أبواب العودة
إليك، ولتحرّرني رحمتك من الحصار الذي تحاصرني به الخطايا، لأعيش حرية الطّاعة في
ساحة رضاك، وأخرج من عبودية المعصية في سجن سخطك.
إنني أناجيك ـ يا ربّ ـ بكلّ ما يثقلني أمره، وأنفتح عليك في كلّ ما يضيق عليّ فيه
دربه، وأوبّخ نفسي عمّا انحرفت فيه عن مواقع أمرك ونهيك، لأحصل على محبتك، ولترتفع
إلى الأعالي محبتي لك، لأطلب منك كل شيء من دون خوف، ولأفتح حياتي لك في كلّ ساحةٍ
من دون تعقيد.
لقد عاشت الذنوب في كلّ عمري، وأحاطت بذاتي حتى جعلتها في أسر الرّقّ الذي لا تملك
منه حرية النجاة من غضبك ومن عذاب النار، فهل أطمع - يا رب - أن تحرّرني وتعتق
رقبتي من النّار.
وقد أثقلت الخطايا ظهري، حتى بدأت أنوء بها وأرزح تحتها، فهل آمل أن تخفِّف عني ذلك
بمنِّك وعفوك؟ لم أطلب منك شيئاً جديداً عليك، فقد طلبه منك المذنبون، وابتهل إليك
فيه الخاطئون، وأجبت طلبهم، ورحمت ابتهالاتهم، ولن أكون العبد الخائب عندك يا ربّ…
*من كتاب "آفاق الرّوح"، ج 1.