يوسف(ع) في مواجهة الإغراء
العلامة المرجع السيِّد محمَّد حسين فضل الله
كانت المرأة الّتي عاش يوسف في بيتها، تراقب التّطوّر الجماليّ الجسديّ له في شبابه المنفتح على الملامح الجاذبة لكلِّ من يشاهده، والمثيرة للغرام من كلِّ امرأةٍ تراه، فكيف بالمرأة الّتي يعيش معها ليلاً ونهاراً، والّتي تراه وهو ينفتح على حُسنٍ مميَّز يوحي إليها بالعشق والغرام، ولا سيَّما أنّها كانت خاضعةً ـ كما يقال ـ لنوعٍ من الحرمان الجنسيّ. وقرَّرت أن تجذبه إليها، وأن تفجِّر شهوتها اللاهبة في الحصول على التَّواصل الغريزيّ معه، معتقدةً أنّه سوف يستجيب لها بسهولةٍ، وخصوصاً أنّه لم يعش في حياته أيّة تجربةٍ جنسيّةٍ مما يرغبه الشابّ الّذي يبلغ الذّروة في الإحساس بالشَّهوة.
امرأة العزيز تراود يوسف(ع)
وبدأت برسم الخطَّة الغراميَّة بأسلوب اللّين والمحبَّة والرّفق، في مظهرٍ حميمٍ من مظاهر العشق، وهذا ما جاء في قوله تعالى:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ}1.
وجاء في المفردات: "الرَّود" هو التردّد في طلب الشَّيء برفق، والمراودة، أن تنازع غيرك في الإرادة، فتريد غير ما يريد، أو ترود غير ما يرود. وراودت فلاناً عن كذا، قال تعالى: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي}2، وقال:
{تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ}3، أي تصرفه عن رأيه، وعلى ذلك قوله:
{وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ}4، وقوله:
{قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ}5.
وفي المجمع: "المراودة المطالبة بأمرٍ بالرِّفق واللّين ليعمل به. ومنه المرود، لأنّه يعمل به. ولا يقال في المطالبة بدين: راوده".
وهكذا طلبت منه أن يهبها جسده لتستمتع به، وتروي شهوتها الظَّامئة من الينبوع الغريزيّ الّذي كان يتفجَّر منه في شبابه المشبوب. فقد استغرقت في حبّه، وتولّهت في غرامه، واشتغلت به عن كلِّ ما حولها ومَن حولها، وقد أحاط بمشاعرها وأحاسيسها، حتّى ملك كلّ نبضات قلبها الّذي كان يخفق بعاطفتها تجاهه. وهذا ما عبَّرت عنه نسوة مصر بقولهنَّ في تصوير حالتها:
{قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً}6.
واندفعت إليه،
{وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ}، وأطبقتها بما يعسر فتحه، لئلا يطَّلع عليها أحد من أهلها، ولا سيَّما زوجها، ولئلاّ تحرج حبيبها يوسف عندما يستجيب لها ويقوم بالعمليَّة الجنسيَّة التي دعته إليها، في تصوّرها لاستجابته السَّريعة لتلبية طلبها.
{وَقَالَتْ} في صوتٍ ينضج بالشَّهوة اللاهبة،
{هَيْتَ لَكَ}7، وهو اسم فعل بمعنى هلمّ، فلم يبقَ في البيت إلا أنا وأنت، فلا تخفْ من أيّة مشكلةٍ في النَّتائج السّلبيَّة الّتي تحدث من خلال علاقتنا من قِبَل الآخرين، لأنَّه لن يرانا أحدٌ بعد هذا الإغلاق المحكم للأبواب.
وهكذا بدأت هجومها الغراميّ العاطفيّ الّذي يوحي إليه ـ كما تريد ـ بأجواء الإغراء، ويحرّك فيه مكامن الشَّهوة، ويمنع عنه طريق الهروب. وربَّما كان في التَّعبير بأنَّه في بيتها ـ دون ذكر اسمها ـ إيحاءٌ بالجوِّ الضَّاغط الذي يحيط به، لتوفّره على الاختلاط والسَّيطرة، اللّذين يسهّلان مهمّة السّقوط، ويضغطان على حرّيّته في الامتناع عن إطاعتها.
وبدأت بالكلمة الرَّاغبة الحميمة المعبّرة عن الدَّعوة إلى القيام بالعمليَّة الجنسيَّة، ليُقبل عليها في رغبةٍ تلتقي برغبتها، وشهوةٍ تنفتح على شهوتها،
{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}، في صوتٍ يشبه الفحيح المحموم الّذي يخرج من أعماق الغريزة ويخضع لها، فقد استعدَّت كلَّ الاستعداد النّفسيّ والشّعوريّ والجسديّ لهذا الموقف، واعتبرت الحصول على ما تريده وتندفع إليه حالةً طبيعيّةً ومهمّةً سهلةً لا تحتاج إلا إلى الإشارة السَّريعة إلى يوسف، لأنّه عبدها الَّذي اشتراه زوجها بماله.
ولهذا، كانت الدَّعوة بهذا الأسلوب الحاسم الّذي يختصر الموقف في كلمةٍ لا تخلو من الحميميَّة:
{هَيْتَ لَكَ}، أي تعال إليَّ واندمج بجسدي وتمتَّع به، ومتّعني بجسدك الجميل، لنحلّق في أجواء اللذَّة المشبعة بالشَّهوة.
يوسف(ع) يعتصم بالإيمان
ولكنَّ يوسف كان يعيش في عالمٍ آخر زاخرٍ بالقيم الروحيَّة والأخلاقيَّة التي اكتسبها من امتداد التّاريخ الرّساليّ في آبائه الأنبياء، في المعرفة بالله، والإخلاص لتوحيده، والخضوع لتعاليمه، والخوف منه، والخشوع بين يديه، ما جعله إنساناً تغلب فيه متطلّبات الرّوح على متطلّبات الجسد، وقضايا العفَّة والأمانة على انحرافات الخيانة من حيث المبدأ، إضافةً إلى الظّروف الإنسانيَّة والوفاء الخالص لصاحب البيت الّذي احتضنه وأكرم مثواه، ولم يتعامل معه تعامل السيِّد مع العبد، بل كان يفكِّر في أن يتَّخذه ولداً يتبنَّاه ليعوّضه عن حرمانه من إنجاب الولد بشكلٍ طبيعيّ.
ولذلك، ابتعد يوسف عن عالم الحسّ الشَّهوانيّ، وتحقيق الارتواء الغريزيّ الّذي ينفتح عليه الإحساس الشَّبابيّ لدى الآخرين، كقيمةٍ إنسانيّةٍ حيويّةٍ يستهدفها الشَّباب عموماً في بداية سنّ المراهقة، فقد كان يعيش تحت تأثير نداء الرّوح بما تنطلق به من روحيَّة الإيمان، والإحساس العميق بالوفاء، فهو لم يكن ينظر إلى ما في داخله من أشواق الحسِّ في جانبه المادّيّ، بل كان ينطلق إلى ما في روحه من آفاق السّموّ نحو الله، الّذي يستعيذ به ويستجير بلطفه من كلّ حالات الخطر على الإيمان.
وهذا ما عبّر عنه في ردِّ فعله على دعوتها الخيانيَّة الفاسقة، مستحضراً إيمانه بالله لينقذه من هذه الورطة المعقَّدة التي وقع فيها، وليعبّر بذلك عن إحساسه بحضور الله في وجدانه التّوحيديّ العقيديّ، حتى لا يسقط تحت تأثير الانحراف الشّيطانيّ الّذي يثير في الإنسان غرائزه الشّهوانيَّة، لينسى ربّه ويستسلم لهواه.
{قَالَ مَعَاذَ اللهِ}8، في كلمةٍ موحيةٍ تعبّر عن الرّفض الحازم لما تدعوه إليه، وعن اللّجوء إلى الله والاستجارة به من هذا النّداء الشّبِق المفعم باللَّهفة والإغراء، الّذي يكاد يفترس فيه روح الطّهر، ويدفعه إلى العهر والفجور، وليعرِّف هذه المرأة أنَّ هناك في تكوين شخصيّته العقليّة والرّوحيّة والأخلاقيّة، علاقةً بالله تمثّل الضّابطة القويّة التي تضبط له سلوكه، وتحدّد له نوعيّة تصرّفاته، ممّا لا يمكن لأيّة حالةٍ طارئةٍ ضاغطةٍ أن تبعده عنها.
وهكذا، فإنّه لم يجبها بتهديدٍ، ولم يتحدَّث عن خوفه من زوجها وعن الموقع التَّاريخيّ في انطلاقه من بيت النّبوّة والطّهارة، ولم يتحدَّث إليها عن أخلاقيّته في عفَّته وعصمته التي تمنعه من الفحشاء، بل ارتفع بروحه إلى الله، في حالةٍ من الغيبوبة الرّوحيَّة في ذات خالقه، وأجاب بالعياذ بالله فحسب، فلم يكن هناك أحدٌ لديه سوى ربّه، ولا تعدّى وعيه إلى غيره.
هذا هو التَّوحيد الخالص الذي استقرَّ في أصالة شخصيَّته، والذَّوب في المحبَّة الإلهيَّة الّتي أنسته الأسباب كلَّها، وحتّى أنسته نفسه، فلم يقل إنّي أعوذ منك بالله أو ما يؤدِّي معناه، وإنّما قال: "معاذ الله" تأكيداً، لأنَّ الله يرفض منه الاستسلام لها في تحقيق رغبتها منه، الأمر الّذي يجعله يرفض كلَّ ما يغضبه ويسخطه.
ثم انطلق ليتحسَّس المسألة من وجهةٍ أخرى، ممّا يدخل في نطاق القيم الاجتماعيَّة، في الحالات المماثلة الّتي تشبه حالته الّتي خضع فيها لرعايةٍ خاصَّةٍ من قِبَل الشَّخص الّذي أكرمه وأنعم عليه ورعاه وجعله أميناً على كلِّ ما عنده، بما في ذلك الحفاظ على العلاقة الطّاهرة النّقيَّة بزوجته، فإنَّ المجتمع يعتبر الشَّخص الّذي يسيء إلى هذه القيم شخصاً حقيراً منحطّاً ناكراً للجميل، حتّى إنَّ هذه المرأة تؤمن بذلك، باعتبارها من الشَّخصيّات الخاضعة لتقاليد مجتمعها في الحالات الطبيعيّة. وقد أراد يوسف أن يذكِّرها بذلك، وأن يبرِّر لها امتناعه عن الاستجابة لرغبتها الغريزيّة، ولا سيَّما أنَّ الشّخص الذي سوف يخونه ـ لو استجاب لها ـ هو الشَّخص الّذي أكرم مثواه وأحسن إليه، فلا يمكن له من خلال أخلاقيَّته أن يخونه في زوجته، فإنَّه لو فعل ذلك، فسوف يحسُّ بالاحتقار لنفسه، كما يحسّ بذلك أيّ خائنٍ في مثل حالته. ويعرف الجميع أنَّ احتقار الإنسان لنفسه هو أشدّ من احتقار النَّاس له.
معنى "الرّبّ" في الآية
وهكذا، أرادَ لها أن تعرفَ أنَّ موقفه الرَّافض ناشئٌ من الوفاء لسيِّده الّذي هو زوجها:
{إِنَّهُ رَبِّي} الَّذي ربَّاني، بما تتضمَّنه الكلمة من معنى التّربية والرّعاية والسِّيادة. وهذه الكلمة لا تختصّ بالتَّعبير عن الله؛ ربِّ كلِّ شيءٍ وخالقه، فقد جاء في "لسان العرب": "وربّ كلّ شيء: مالكه ومستحقّه، وقيل: صاحبه، وقيل: فلان ربُّ هذا الشَّيء، أي ملكه له، وكلّ من ملك شيئاً فهو ربّه. يقال: هو ربّ الدابّة، وربّ الدّار، وفلانٌ ربّ البيت، وهنَّ ربّات الحجال"، وقيل: إنّ الربّ يطلق في اللّغة على المالك والسيِّد والمدبّر.
وهكذا قصد يوسف في خطابه للمرأة أحد هذه المعاني الّتي قد توحي بمعنى المالك والسيِّد، بحسب الوضع الّذي كان ليوسف في هذا البيت الّذي اشتراه صاحبه، فكان ـ حسب عرفهم ـ مالكه وسيِّده. {أَحْسَنَ مَثْوَايَ}، بما أعدَّه لي من منزلٍ وإحسانٍ وحرّيّةٍ وراحةٍ، لأنّه لم يعهد أن أساء إليه في قولٍ ولا فعلٍ، بل كان لديه في موضع الكرامة في البيت، وخصوصاً لما تحدَّث به مع زوجته من التّفكير في اتّخاذه ولداً، كما هو المتعارف في قانون التبنّي الّذي يمنح الولد المتبنّى شخصيَّة الولد الطبيعيّ في حقوقه الخاصَّة والعامّة.
وهكذا، أوحى يوسف إلى هذه المرأة أنّه يرفض طلباتها المنحرفة منه، لأنّه يريد أن يواجه الإحسان بالإحسان، فلا يتنكَّر لإحسان الشّخص الذي أحسن إليه بالخيانة بالتعدّي على عرضه، ولا يظلمه في حقِّه الإنسانيّ بالإساءة إليه بخيانته مع زوجته، ممَّا هو مرفوضٌ من المجتمع كلّه، فإنَّ ذلك لن يحقِّق له النَّجاح والفلاح في عواقب الأمور، وفي احترامه لنفسه في سلوكه الاجتماعيّ في هذه العائلة الّتي أصبح جزءاً منها، إضافةً إلى أنَّ ذلك يمثِّل الظّلم في الاعتداء على حقوق الآخرين.
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}9، الّذين يظلمون أنفسهم بالمعصية، ويظلمون غيرهم بالخيانة، لأنَّ النَّتائج لن تكون في صالح دنياهم أو آخرتهم.
وقد ذهب بعض المفسِّرين إلى أنَّ الحديث هو عن الله لا عن سيِّده، ولكنَّ الظّاهر غير ذلك، فقد استعاذ يوسف بالله من الخضوع لإغراء الشَّهوة، ثم عبّر عن إحساسه بنعمة الله الذي يردعه عن الاندفاع باتّجاه الخيانة. ولهذا كان من المناسب إثارة جانب الاحترام الذي يشعر به يوسف تجاه سيّده. وربّما كان هذا التَّعبير بكلمة "ربّي" متعارَفاً في الحديث عن السيِّد المالك في ذلك المجتمع، كما أنَّ كلمة "أحسن مثواي" قد تكون أقرب إلى علاقة يوسف بزوجها الّذي رعاه وحماه من التشرّد والضَّياع الذي كان يعانيه العبيد عادةً، بالانتقال في أسواق النّخاسة من مالكٍ إلى مالك، ومن بلدٍ إلى بلد، بينما كان ليوسف في قلب هذا الإنسان موقع الولد، كما عبَّر بقوله:
{أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً}10، وإن لم يصل ذلك إلى مستوى التبنّي القانونيّ، هذا إضافةً إلى وصيَّته لزوجته بقوله: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، ممَّا يمكن أن يكون قرينةً على تذكيرها بما حصل من زوجها من إكرامه لمثواه وإحسانه إليه.
ولو كان الحديث عن الله فيما هو المراد من كلمة "إنّه ربّي"، لكان من المناسب الحديث عن النّعم الكثيرة التي أغدقها الله عليه، بما يتَّصل بوجوده وخلقه ورعايته في كلّ الأمور. أمّا عدم تقدّم ذكره أو قرب ذكر لفظ الجلالة من موقع الضّمير، فليس بشيء يحقِّق الظّهور لما يريدون المصير إليه في تفسير الكلمة، لأنَّ الحديث عنه قد تقدّم في قوله:
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ}11، كما أنَّ جوَّ الحادثة يوحي به بشكلٍ بارز، فإنَّ الموقف من الزّوجة التي تريد خيانة زوجها، لا بدَّ من أن يبعث على التّفكير في الموقف من الزّوج، وعلاقة يوسف به، وإخلاصه لرعايته إيّاه بطريقةٍ طبيعيَّة، ليكون ذلك أكثر تأثيراً في تذكيرها، بما تفرضه العلاقة الزوجيَّة من إخلاص الزّوجة لزوجها، وبما يفرضه موقعه من حال التّوازن الأخلاقيّ في وجوده في البيت، كما لو كان جزءاً من العائلة، وهذا ما يغني عن ذكر الزَّوج بشكلٍ صريحٍ باللَّفظ.
وقد ذكر العلاّمة الطّباطبائي(ره) في الإشكال على عودة الضَّمير إلى الزّوج، "أنّه لو كان كذلك، لكان الأنسب أن يقال: إنّه لا يفلح الخائنون، كما قال للرَّسول وهو في السِّجن:
{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}12، ولم يقل إنّي لم أظلمه بالغيب".13
ويردّ عليه، أنَّ هذه الفقرة من الكلام منقولٌ عن امرأة العزيز، وليست من كلام النبيّ يوسف، وبذلك يتأكَّد أنَّ المراد بالظّلم للزّوج، هو خيانة حقِّه في العلاقة الجنسيّة بزوجته.
ومن الإشكالات الّتي تطرح، أنّه ـ عليه السّلام ـ لم يكن ليعدّ العزيز ربّاً لنفسه وهو حرّ غير مملوك، وإن كان النَّاس يزعمون ذلك على الظَّاهر، وقد قال لأحد صاحبيه في السّجن:
{اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}14، وقال لرسول الملك:
{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}، ولم يعبّر عن الملك بلفظ ربّي على عادتهم في ذكر الملوك. وقال أيضاً لرسول الملك:
{فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}15، حيث يأخذ الله سبحانه ربّاً لنفسه قبال ما يأخذ الملك ربّاً للرّسول. ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً، قوله في الآية التّالية:
{لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}16.
ويردّ عليه، أنّه كان بصدد مخاطبة امرأة العزيز، فأراد أن يذكّرها بما يزعمون من إطلاق الربّ على السيّد والمالك، ولم يكن في وارد الحديث عمَّا يعتقده في نفسه، كما هو الحال في قوله تعالى:
{لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}، أو في قوله:
{إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}17، باعتبار أنَّ هاتين الفقرتين تمثِّلان حالته العقيديَّة الخاصَّة.
ثم إنّه كيف يخاطب السَّجين بقوله:
{اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}18؟ وكيف يتبنّى ما يتعارفون عليه، أو قوله: "ارجع إلى ربِّك"؟ فإنَّ مقتضى ما ذكره العلّامة الطباطبائي، أن لا يصدر عنه إطلاق كلمة الرّبّ على غير الله، حتى في حديثه مع الآخرين، لأنَّ المسألة في كلِّ هذه المواضع، من امرأة العزيز، إلى صاحب السِّجن، إلى رسول الملك، كانت واردةً على حسب العرف السَّائد، لا على أساس الاعتقاد الذّاتيّ ليوسف. إنّها ملاحظاتٌ ترجِّح الوجه الّذي استقربناه. والله العالم. والحمد لله ربِّ العالمين.
*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة
1 [يوسف: 23].
2 [يوسف: 26].
3 [يوسف: 30].
4 [يوسف: 32].
5 [يوسف: 61].
6 [يوسف: 30].
7 [يوسف: 23].
8 [يوسف: 23].
9 [يوسف: 23].
10 [يوسف: 21].
11 [يوسف: 21].
12 [يوسف: 52].
13 تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 11، ص 125.
14 [يوسف: 42].
15 [يوسف: 50].
16 [يوسف: 24].
17 [يوسف: 50].
18 [يوسف: 42].