ازدواجيَّة الشَّخصيَّة وتداعياتها

ازدواجيَّة الشَّخصيَّة وتداعياتها

أن يكون المرء صاحب شخصيَّة تحمل قيم الصِّدق والأمانة، وعدم التلوُّن والانقلاب في الكلام والموقف، فهذا شيء أصيل يعبِّر عن ذاتٍ متوازنة مستقيمة. ولكنَّ الحال ليس كذلك مع بعض النّاس الَّذين يتقنون فنّ النّفاق، ويعيشون أكثر من وجه في شخصيَّتهم، إذ تراهم ينقلبون في مواقفهم وكلامهم وتصرّفاتهم، ما يدلّ على عدم تجذّر الصّدق والأمانة في نفوسهم، وهو ما يؤدّي إلى كثيرٍ من المشاكل في البيت والشَّارع والأسرة ومكان العمل والدّراسة، ويجعل من واقع العلاقات متوتّراً ومتشنّجاً وغير صحّي.

البعض من هؤلاء المضطربين تراه مهذّباً، لا يتكلّم إلا بكلام جميل ومؤدّب وأخلاقي أمامك، ويُظهر أنّه لبق اللّسان، ويتعامل جيّداً مع الآخرين، حتى يكسب ودّهم واحتراهم وثقتهم، ثم هو في الحقيقة يغتنم أيّ فرصة في المستقبل، ليغدر بأصحابه المفترضين أو بمعارفه، فيدبِّر المكائد لهم ويغتابهم، ويسيء إليهم بالقول والفعل.

كيف، يا تُرى، يستطيع هؤلاء أن يعيشوا هذا الخداع والنّفاق في شخصيَّتهم؟! ففي لحظةٍ صادمة، تسقط الأقنعة، ويظهر الشَّخص الّذي بدا بالأمس صادقاً محبّاً، على حقيقته، وإذا به يبدو إنساناً حاقداً، يحمل الغلَّ في صدره، والسّوء في أفعاله.

معالجون نفسيّون يرون أنَّ هذا الإنسان يعاني مرض انفصام في الشخصيَّة، وهو ما يجعله يعيش التَّناقض في شخصيَّته، جرّاء خلفيّات وظروف نفسيَّة عاشها في طفولته، أو أنّ البيئة الَّتي يحيا فيها ساهمت بتكوين هذه الشَّخصيَّة وتعزيزها.

ويرى باحثون اجتماعيّون، أنَّ من أعقد أنواع الشخصيَّة، هي تلك التي يعيش صاحبها وجوهاً متعدّدة، ويُظهر عكس ما يُبطن، ويعيش التقلُّب السَّريع في مزاجه، ولا يبالي بمساوئ سلوكه مع الآخرين.

ويتابع هؤلاء بأنّه لا بدَّ من التركيز على غرس قيم الصّدق والأمانة عند الأطفال من قِبَل الأهل والمدرسة والمجتمع، فهناك مسؤوليّة كبيرة عليهم في هذا المجال، فكم من أصدقاء أو جيران أو معارف أو أرحام لنا، نخالهم للحظة أنَّهم ودودون، فإذا بهم يفضحون أسرارنا، ويدبِّرون لنا المؤامرات والمشاكل، ويتحاملون علينا، ويقطعون كلّ صلةٍ بنا!

من هذه القضيّة، نطلّ على مشكلة ازدياد المشاكل الأخلاقيَّة وتفاقمها في المجتمع، جرّاء الضّغوطات التي تكرِّس التراجع الأخلاقيّ، لجهة حفظ المودَّة والصّدق والأمانة في القول والعمل، فعلى المرء أن يكون صاحب مصداقيَّة ومتوازناً في شخصيَّته، فلا يعيش النّفاق الَّذي يلوِّثه ويلوِّث الحياة من حوله.

هنا، لا بدَّ من إطلاق الصَّرخة، والتمنّي على القيّمين على الشّأن العام، من وسائل إعلام، ومؤسَّسات اجتماعيَّة وتربويَّة وثقافيَّة ودعويَّة، أن تركِّز في رسالتها وعملها على إعادة توجيه العلاقات الاجتماعيَّة والإنسانيّة وبنائها، ومحاولة معالجة هذه الآفات الأخلاقيَّة، عبر برامج تغرس في النّفوس والعقول قيم الصّدق والأمانة والتواصل، والابتعاد عن كلّ ما يسيء إلى كرامة الإنسان وحرمته.

ولا يجوز التَّهاون بمثل هذه الآفات، التي تعرِّض المجتمع لكثير من الأزمات والتعقيدات والمشاكل، كما أنَّ الأهل مسؤولون في الدَّرجة الأولى عن حُسن رعاية أولادهم وتربيتهم وتوجيههم، بما يضمن سلامة صحَّتهم النفسيَّة والأخلاقيَّة، وأن يغرسوا في قلوبهم المحبّة والصّدق، ونبذ الكذب والمراوغة والنفاق.

ولا ضير في عرض أصحاب الآفات على مختصّين نفسيّين واجتماعيّين لمعالجة جذور ذلك، فلا عيب هنا ما دام هذا سيعود بالفائدة على الجميع، فلا بدَّ من معالجة الأمور، وعدم الاكتفاء بتوصيف الدّاء، في وقت تحاصرنا المشاكل والضّغوطات.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.


أن يكون المرء صاحب شخصيَّة تحمل قيم الصِّدق والأمانة، وعدم التلوُّن والانقلاب في الكلام والموقف، فهذا شيء أصيل يعبِّر عن ذاتٍ متوازنة مستقيمة. ولكنَّ الحال ليس كذلك مع بعض النّاس الَّذين يتقنون فنّ النّفاق، ويعيشون أكثر من وجه في شخصيَّتهم، إذ تراهم ينقلبون في مواقفهم وكلامهم وتصرّفاتهم، ما يدلّ على عدم تجذّر الصّدق والأمانة في نفوسهم، وهو ما يؤدّي إلى كثيرٍ من المشاكل في البيت والشَّارع والأسرة ومكان العمل والدّراسة، ويجعل من واقع العلاقات متوتّراً ومتشنّجاً وغير صحّي.

البعض من هؤلاء المضطربين تراه مهذّباً، لا يتكلّم إلا بكلام جميل ومؤدّب وأخلاقي أمامك، ويُظهر أنّه لبق اللّسان، ويتعامل جيّداً مع الآخرين، حتى يكسب ودّهم واحتراهم وثقتهم، ثم هو في الحقيقة يغتنم أيّ فرصة في المستقبل، ليغدر بأصحابه المفترضين أو بمعارفه، فيدبِّر المكائد لهم ويغتابهم، ويسيء إليهم بالقول والفعل.

كيف، يا تُرى، يستطيع هؤلاء أن يعيشوا هذا الخداع والنّفاق في شخصيَّتهم؟! ففي لحظةٍ صادمة، تسقط الأقنعة، ويظهر الشَّخص الّذي بدا بالأمس صادقاً محبّاً، على حقيقته، وإذا به يبدو إنساناً حاقداً، يحمل الغلَّ في صدره، والسّوء في أفعاله.

معالجون نفسيّون يرون أنَّ هذا الإنسان يعاني مرض انفصام في الشخصيَّة، وهو ما يجعله يعيش التَّناقض في شخصيَّته، جرّاء خلفيّات وظروف نفسيَّة عاشها في طفولته، أو أنّ البيئة الَّتي يحيا فيها ساهمت بتكوين هذه الشَّخصيَّة وتعزيزها.

ويرى باحثون اجتماعيّون، أنَّ من أعقد أنواع الشخصيَّة، هي تلك التي يعيش صاحبها وجوهاً متعدّدة، ويُظهر عكس ما يُبطن، ويعيش التقلُّب السَّريع في مزاجه، ولا يبالي بمساوئ سلوكه مع الآخرين.

ويتابع هؤلاء بأنّه لا بدَّ من التركيز على غرس قيم الصّدق والأمانة عند الأطفال من قِبَل الأهل والمدرسة والمجتمع، فهناك مسؤوليّة كبيرة عليهم في هذا المجال، فكم من أصدقاء أو جيران أو معارف أو أرحام لنا، نخالهم للحظة أنَّهم ودودون، فإذا بهم يفضحون أسرارنا، ويدبِّرون لنا المؤامرات والمشاكل، ويتحاملون علينا، ويقطعون كلّ صلةٍ بنا!

من هذه القضيّة، نطلّ على مشكلة ازدياد المشاكل الأخلاقيَّة وتفاقمها في المجتمع، جرّاء الضّغوطات التي تكرِّس التراجع الأخلاقيّ، لجهة حفظ المودَّة والصّدق والأمانة في القول والعمل، فعلى المرء أن يكون صاحب مصداقيَّة ومتوازناً في شخصيَّته، فلا يعيش النّفاق الَّذي يلوِّثه ويلوِّث الحياة من حوله.

هنا، لا بدَّ من إطلاق الصَّرخة، والتمنّي على القيّمين على الشّأن العام، من وسائل إعلام، ومؤسَّسات اجتماعيَّة وتربويَّة وثقافيَّة ودعويَّة، أن تركِّز في رسالتها وعملها على إعادة توجيه العلاقات الاجتماعيَّة والإنسانيّة وبنائها، ومحاولة معالجة هذه الآفات الأخلاقيَّة، عبر برامج تغرس في النّفوس والعقول قيم الصّدق والأمانة والتواصل، والابتعاد عن كلّ ما يسيء إلى كرامة الإنسان وحرمته.

ولا يجوز التَّهاون بمثل هذه الآفات، التي تعرِّض المجتمع لكثير من الأزمات والتعقيدات والمشاكل، كما أنَّ الأهل مسؤولون في الدَّرجة الأولى عن حُسن رعاية أولادهم وتربيتهم وتوجيههم، بما يضمن سلامة صحَّتهم النفسيَّة والأخلاقيَّة، وأن يغرسوا في قلوبهم المحبّة والصّدق، ونبذ الكذب والمراوغة والنفاق.

ولا ضير في عرض أصحاب الآفات على مختصّين نفسيّين واجتماعيّين لمعالجة جذور ذلك، فلا عيب هنا ما دام هذا سيعود بالفائدة على الجميع، فلا بدَّ من معالجة الأمور، وعدم الاكتفاء بتوصيف الدّاء، في وقت تحاصرنا المشاكل والضّغوطات.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية