بدايات تجربة الحركة الإسلاميَّة في لبنان، وقرار انخراطها في العمل السياسيّ، والأسباب الّتي دفعت إلى ذلك.. هو ما يتحدَّث عنه سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله في هذا الجزء من المقابلة الّتي كانت قد أجرتها معه جريدة الدّيار اللّبنانيّة...
الحركة الإسلاميّة في لبنان
ـ مولانا، كيف ترى الحركة الإسلاميَّة في لبنان؟
ـ انطلقت الحركة الإسلاميّة في لبنان من خلال عناوين كبيرة ربما أرادت أن تؤكِّد شعاراتها، وأن تخلّف قاعدةً واسعة في البداية، وربما كان لها رأي أن لا تدخل في المسألة السّياسيّة، انطلاقاً من اجتهاداتٍ معيَّنة قد يخضع لها كلّ تيّارٍ يرى، ولو من ناحية غير إسلاميّة ـ يعني من ناحية قومية ـ مقاطعة هذا النّظام أو ذاك، لأنَّ دخوله في هذا النّظام يعطيه ـ النّظام ـ الشّرعيّة ، ثم ابتعد التيّار الإسلاميّ عن الحرب الدّاخليَّة، ولكنّها فُرِضَت عليه، ولا ندَّعي أنّه لم تكن هناك أخطاء من الخارج ومن الدَّاخل، ككلّ الأخطاء الّتي يخضع لها كل تيّار، ولا سيّما هذا التّيار الغريب عن الأجواء اللبنانيّة، ولكنّه عندما انطلق بعد ذلك، انطلق في شعاره ضدّ إسرائيل.
وهنا، أعتقد أنّه ليست هناك أية جهة عربيّة أخلصت في خطّ المواجهة ضدّ إسرائيل كما أخلصت المقاومة، وانتصرت عليها انتصاراً سياسيّاً، عندما حوَّلت الاحتلال إلى مأزقٍ سياسيٍّ في الدّاخل، وانتصاراً أمنياً، عندما حوَّلت الجنود الإسرائيليّين إلى جنودٍ محاصَرين في لبنان، ولا تزال حتى اليوم.
لقد أطلقت المقاومة مشروع المواجهة ضدّ إسرائيل، واستمرّت فيه، بالرغم من أنّ الكثيرين كانوا يضعون العصيّ في الدَّواليب، ممن يتحدَّثون عن الحركة الإسلاميّة بطريقة سلبيّة، ويعيشون في مواقع النّخبة وفي الأبراج العاجيّة، وينظرون من فوق، ويعملون على أساس أن يقتربوا من أصحاب الجلالة والسموّ والسيادة، ليفرشوا لهم غضارة العيش.
ثمَّ إنَّ الحركة الإسلاميّة في لبنان رأت من خلال اجتهاد دينيّ، أو من خلال دراستها لظروف موضوعيَّة جديدة تختلف عن الظّروف الموضوعيّة السابقة، أو من خلال تخطيطها لحماية المقاومة الإسلاميَّة، أن تتعاطى السياسة، لذلك دخلت في النّظام من دون اعتراف شرعيّ به، ولم تضطرّ إليه، وإنما اختارته، أمّا الحديث بأنها اضطرّت للدخول في مؤسّسات النظام، فهو حديث ليس صحيحاً، لأنَّ المقاومة الإسلاميّة استطاعت أن تفرض نفسها على كلّ الواقع اللّبناني والعربيّ والإسلاميّ، قبل أن تدخل في اللّعبة الانتخابيّة في هذا المجال، وكانت محلّ الترحيب والتّأييد من كلّ الواقع اللبنانيّ والعربيّ والإسلاميّ والشّعبيّ، فهي لم تكن بحاجة اضطراريّة إلى أن تدخل الشّأن السياسيّ، لكنّها رأت أنَّ مشروعها الإسلاميّ في لبنان يفرض عليها أن تقاوم بالسّلاح، وأن تقاوم في السّياسة في ساحة البرلمان، وأن تقاوم بالفكر في السّاحات الأخرى.
وقد رأينا كيف انفتحت الحركة الإسلاميَّة في لبنان من موقع فكرها، لا من موقع اضطرارها، على المسيحيّين في أعلى المستويات، وعلى كلّ الأحزاب، بما فيها الأحزاب العلمانيَّة الماديَّة، بما فيها الملحدة، ودخلت معها فيما يشبه الجبهة من خلال القضايا الاجتماعيّة.. ومن هنا، نعتبر أنَّ الحركة الإسلاميَّة في لبنان، هي من أكثر الحركات الإسلاميّة وعياً ومعاصرةً، دون أن تبتعد عن الخطوط الإسلاميّة الأصيلة.
لذلك، إنَّ هؤلاء الّذين يتحدّثون عن الحركة الإسلاميّة في لبنان، وهي الحركة التي عبّر عنها الصَّديق محمد حسنين هيكل، بأنّها الحركة التي تختلف في سعة أفقها، وفي خطّها السياسيّ، وفي انفتاحها وصلابتها، عن أيّة حركة إسلاميّة في العالم.. إنّ هؤلاء الّذين اختزنوا في داخلهم رفض أيّ حركة إسلاميّة أصيلة، لا يريدون أن يجدوا أيّ إيجابيَّة في أيّ حركة إسلاميّة، وإنما يحاولون أن يدقِّقوا في السّلبيّات، لأنهم ينظرون بالنّظّارة السّوداء إلى أصل التحرك الإسلامي، بل إلى الإسلام الحركيّ، ولا ينظرون إلى الإيجابيّات والسّلبيات.
نحن لا نقول إنَّ الحركات الإسلاميّة، سواء في لبنان، أو مصر، أو الجزائر، أو الأردن، أو السودان، أو إيران، كلّها إيجابيّة، بل فيها سلبيات كثيرة، ولكن "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"، و"من كان بيته من زجاج، لا يرمي النّاس بالحجارة".
إنَّ مشكلة بعض النّاس الّذين يكتبون إسلاميّاً، أو بعض النّاس الّذين يحتلّون مواقع إسلاميَّة، أنهم يريدون إسلاماً في دائرة النظريّة، ويرجمون كلّ إسلام في ساحة التّطبيق إذا أخطأ، ولا يتسامحون مع الإسلاميّين، وهم مستعدّون لأن يتسامحوا مع كلّ خطٍّ مضادّ للإسلام على مستوى الواقع السياسي.
الإسلاميّون في الحكم!
ـ هم يقيّمون الحركة الإسلاميَّة، أو التيّارات الإسلاميّة في الحكم، بمدى نجاحها في الوصول إلى الحكم!
ـ إنَّنا نعتقد أنَّ بعض النّاس يقولون إنّ الإسلاميّين لم ينجحوا في الوصول إلى الحكم، ولكنّي أعتقد أنَّ عدم الوصول إلى الحكم ليس فشلاً، فهو ليس دليل فشل الحركة من خلال خطوطها الفكريّة والسّياسيّة، ولكنّ المسألة أنَّ هناك حرباً عالميّة ضدّ الإسلام الحركيّ، وقد عبّر عنها الحلف الأطلسيّ عندما قال إنَّ هناك عدوّاً جديداً بعد سقوط الاتحاد السّوفياتيّ، هو الإسلام.
إنَّ هناك مشكلة للاستكبار العالميّ من الإسلام الحركيّ المنفتح على قضايا الحريّة والعدالة في الواقع الإسلاميّ. لذلك، فإنَّ الفشل مردّه إلى فقدان توازن القوى، وقد استفاد الاستكبار العالميّ من نجاح الثّورة الإسلاميّة في غفلةٍ منه، فبدأ يخطِّط حتّى لا تنجح هناك ثورة إسلاميَّة أخرى مماثلة.
رقم صعب!
ـ يُقال إنَّ الحالة الإسلاميّة رقم صعب ومتحفِّز للوصول إلى الحكم، وقد لا تصل، لكنّها تبقى رقماً موجوداً. فماذا تقول؟
ـ نحن نعتقد أنَّ الإسلاميّين استطاعوا بعد هذا الإغفاء الإسلاميّ، إذا صحَّ التّعبير، أن يعطوا صورة حضاريّة للفكر الإسلاميّ، وفي الكثير من الخطوط السياسيّة الإسلاميّة، وفي خطّ المقاومة ضدّ المحتلّ، مما لم يعطه أيّ حزب آخر على مستوى الواقع العربيّ والإسلاميّ.
لذلك نقول، إنَّ الَّذي يريد أن يحكم على أيّ واقع، لا بدَّ من أن يدرس حجم الضّغوط والتّحدّيات، مقارنةً بحجم القدرات الّتي يملكها القائمون على هذا الواقع.
[المصدر: صحيفة الدّيار اللّبنانيّة، 10-9-1999]