كتابات
25/03/2018

الزّواج بين مسؤوليّة الفرد والمجتمع

الزّواج بين مسؤوليّة الفرد والمجتمع

إذا كان الزواج ضرورة وحاجة ملحّة للإنسان في كلّ عصر، فإنه في هذا الزمن أكثر ضرورة، وأشد إلحاحاً. وذلك لما يتعرّض له إنسان اليوم من وسائل تحريض للشّهوة، وعوامل إثارة للغريزة، تجعله يعيش حالة من الهياج والاندفاع الجنسي العنيف. فوسائل الإعلام وأجهزة الاتصالات، تتفنّن في إذكاء الغرائز والشّهوات، إضافةً إلى انتشار أجواء الخلاعة والابتذال. ولم تعد هناك حدود أو مراعاة لشيء من الحياء والاحتشام، الّذي كان يميّز الإنسان في ممارساته لغرائزه عن بقيّة الحيوانات.

كما تحيط بالإنسان المعاصر الكثير من دواعي القلق، وأسباب الاضطراب النفسي، للتّعقيدات التي يواجهها في توفير متطلبات الحياة، وللأخطار والتحديات المختلفة التي تنتصب أمامه على الصعيدين الشخصي والاجتماعي.

وبذلك، تزداد حاجة الإنسان إلى مأوى يلجأ إليه ليمنحه الطمأنينة والاستقرار، وإلى قناة سليمة، وإطار مشروع، يمارس من خلاله غريزته الجنسية الطبيعية.

والزواج هو ذلك الحصن الحصين، والكهف المنيع، الذي يوفّر للإنسان أجواء الراحة النفسية، واللذة الغريزية، ففيه سكون واطمئنان نفسي، حيث يشعر كلّ من الزوجين بوجود من يشاركه هموم الحياة، ويعينه على مشاكلها، ويمكنه الانفتاح عليه، وبثّه آلامه وآماله. لذلك، يصف الله تعالى الزواج بأنه سكن للإنسان، فالرجل سكن لامرأته، وهي سكن له، أي يتوفر بكل واحد للآخر سكون النفس واطمئنانها. يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}. والخطاب موجَّه إلى الرجال والنساء.

وبالزّواج يصبح الإنسان أكثر حصانة ومناعة تجاه الانحرافات السلوكيّة، والمفاسد الأخلاقية، بل وتجاه مختلف الجرائم. وهذا ما تدلّ عليه الإحصاءات والأرقام. فالمتزوّج أمامه طريق سالك لإشباع رغباته وشهواته، وهو غالباً ما يفكّر أكثر في تصرفاته وممارساته، لما يشعر به من مسؤوليّة عائلية وأسرية.

أخرج البخاري عن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه)، قال: كنّا مع النبي شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة ـ أي النفقة ـ فليتزوّج، فانه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج".

أصبح تأخير الزواج للشباب والشابات هو الحالة السائدة في مجتمعاتنا، حيث تستغرق الدراسة حوالى ثمانية عشر عاماً، إضافةً إلى السنوات الستّ الأولى قبل سنّ الدراسة، وبعد التخرج، يحتاج إلى بضع سنوات حتى يجد له عملاً، وحتى يكوّن نفسه ليكون قادراً على توفير مستلزمات الزواج.

وهذا يعني أن يقضي الشباب والشابات أهم الفترات حراجةً وحساسيةً في حياتهم العاطفية والنفسية، وهم في حالة العزوبة، ما يعرّضهم للكثير من مخاطر الانزلاقات والانحرافات، ويعرّض أمن المجتمع الأخلاقي للاهتزاز والاضطراب. إنّ المجتمع الذي يفكّر في تحصين أمنه واستقراره، ويهتمّ بصلاح أبنائه وإصلاحهم، يجب أن يسهّل أمور الزواج وييسّرها، ويساعد الشباب على الإسراع في بناء حياتهم العائليّة.

وإذا ما تأمّلنا النصوص والتعاليم الدينية، نراها تحمّل المجتمع مسؤوليّة زواج أبنائه، يقول تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

{وَأَنْكِحُوا...}، أي زوّجوا، وهو خطاب للمجتمع بأن يزوّجوا العزاب، حيث لم يخاطب العزاب هنا بأن يتزوجوا، وإنما خاطب الناس أن يزوّجوهم، ذلك لأن الزواج غالباً ليس قضية فردية يقوم بها الطرفان المعنيّان فقط، وبمعزل عن الارتباطات والتّأثيرات الاجتماعية، كسائر الأمور من بيع وشراء وإجارة، بل هو مسألة لها أبعادها وارتباطاتها المؤثّرة بأكثر من جانب اجتماعي. كما أنّ من يريد تأسيس حياته العائليّة، وخصوصاً لأوّل مرّة، قد يحتاج إلى دعم وعون مادّي ومعنوي، لمساعدته على إنجاز هذه المهمة وإنجاحها. من هنا، يتوجه الخطاب إلى المجتمع {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ...}. و"الْأَيَامَىٰ" جمع (أيم)، على وزن (قيم)، وتعني الإنسان الذي لا زوج له، رجلاً كان أو امرأة، وإن كان قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته، وفي المرأة إذا مات زوجها، ولكنّه كما نصّ عليه اللّغويّون: تشمل كلّ ذكر لا أنثى معه، وكلّ أنثى لا ذكر معها، بكراً وثيّبا.

وإذا كان بعض الأشخاص يعانون الضعف الاقتصادي، فإن زواجهم قد يكون دافعاً لهم للمزيد من العمل والإنتاج، كما أن الله تعالى سيبارك لهم ويوسع عليهم، بتحملهم لمسؤولياتهم العائليّة والاجتماعيّة.

*مقالة منشورة في صحيفة اليوم، بتاريخ 11/ 12/ 2002م ، 7 شوّال 1423هـ، العدد 10771.

إذا كان الزواج ضرورة وحاجة ملحّة للإنسان في كلّ عصر، فإنه في هذا الزمن أكثر ضرورة، وأشد إلحاحاً. وذلك لما يتعرّض له إنسان اليوم من وسائل تحريض للشّهوة، وعوامل إثارة للغريزة، تجعله يعيش حالة من الهياج والاندفاع الجنسي العنيف. فوسائل الإعلام وأجهزة الاتصالات، تتفنّن في إذكاء الغرائز والشّهوات، إضافةً إلى انتشار أجواء الخلاعة والابتذال. ولم تعد هناك حدود أو مراعاة لشيء من الحياء والاحتشام، الّذي كان يميّز الإنسان في ممارساته لغرائزه عن بقيّة الحيوانات.

كما تحيط بالإنسان المعاصر الكثير من دواعي القلق، وأسباب الاضطراب النفسي، للتّعقيدات التي يواجهها في توفير متطلبات الحياة، وللأخطار والتحديات المختلفة التي تنتصب أمامه على الصعيدين الشخصي والاجتماعي.

وبذلك، تزداد حاجة الإنسان إلى مأوى يلجأ إليه ليمنحه الطمأنينة والاستقرار، وإلى قناة سليمة، وإطار مشروع، يمارس من خلاله غريزته الجنسية الطبيعية.

والزواج هو ذلك الحصن الحصين، والكهف المنيع، الذي يوفّر للإنسان أجواء الراحة النفسية، واللذة الغريزية، ففيه سكون واطمئنان نفسي، حيث يشعر كلّ من الزوجين بوجود من يشاركه هموم الحياة، ويعينه على مشاكلها، ويمكنه الانفتاح عليه، وبثّه آلامه وآماله. لذلك، يصف الله تعالى الزواج بأنه سكن للإنسان، فالرجل سكن لامرأته، وهي سكن له، أي يتوفر بكل واحد للآخر سكون النفس واطمئنانها. يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}. والخطاب موجَّه إلى الرجال والنساء.

وبالزّواج يصبح الإنسان أكثر حصانة ومناعة تجاه الانحرافات السلوكيّة، والمفاسد الأخلاقية، بل وتجاه مختلف الجرائم. وهذا ما تدلّ عليه الإحصاءات والأرقام. فالمتزوّج أمامه طريق سالك لإشباع رغباته وشهواته، وهو غالباً ما يفكّر أكثر في تصرفاته وممارساته، لما يشعر به من مسؤوليّة عائلية وأسرية.

أخرج البخاري عن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه)، قال: كنّا مع النبي شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة ـ أي النفقة ـ فليتزوّج، فانه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج".

أصبح تأخير الزواج للشباب والشابات هو الحالة السائدة في مجتمعاتنا، حيث تستغرق الدراسة حوالى ثمانية عشر عاماً، إضافةً إلى السنوات الستّ الأولى قبل سنّ الدراسة، وبعد التخرج، يحتاج إلى بضع سنوات حتى يجد له عملاً، وحتى يكوّن نفسه ليكون قادراً على توفير مستلزمات الزواج.

وهذا يعني أن يقضي الشباب والشابات أهم الفترات حراجةً وحساسيةً في حياتهم العاطفية والنفسية، وهم في حالة العزوبة، ما يعرّضهم للكثير من مخاطر الانزلاقات والانحرافات، ويعرّض أمن المجتمع الأخلاقي للاهتزاز والاضطراب. إنّ المجتمع الذي يفكّر في تحصين أمنه واستقراره، ويهتمّ بصلاح أبنائه وإصلاحهم، يجب أن يسهّل أمور الزواج وييسّرها، ويساعد الشباب على الإسراع في بناء حياتهم العائليّة.

وإذا ما تأمّلنا النصوص والتعاليم الدينية، نراها تحمّل المجتمع مسؤوليّة زواج أبنائه، يقول تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

{وَأَنْكِحُوا...}، أي زوّجوا، وهو خطاب للمجتمع بأن يزوّجوا العزاب، حيث لم يخاطب العزاب هنا بأن يتزوجوا، وإنما خاطب الناس أن يزوّجوهم، ذلك لأن الزواج غالباً ليس قضية فردية يقوم بها الطرفان المعنيّان فقط، وبمعزل عن الارتباطات والتّأثيرات الاجتماعية، كسائر الأمور من بيع وشراء وإجارة، بل هو مسألة لها أبعادها وارتباطاتها المؤثّرة بأكثر من جانب اجتماعي. كما أنّ من يريد تأسيس حياته العائليّة، وخصوصاً لأوّل مرّة، قد يحتاج إلى دعم وعون مادّي ومعنوي، لمساعدته على إنجاز هذه المهمة وإنجاحها. من هنا، يتوجه الخطاب إلى المجتمع {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ...}. و"الْأَيَامَىٰ" جمع (أيم)، على وزن (قيم)، وتعني الإنسان الذي لا زوج له، رجلاً كان أو امرأة، وإن كان قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته، وفي المرأة إذا مات زوجها، ولكنّه كما نصّ عليه اللّغويّون: تشمل كلّ ذكر لا أنثى معه، وكلّ أنثى لا ذكر معها، بكراً وثيّبا.

وإذا كان بعض الأشخاص يعانون الضعف الاقتصادي، فإن زواجهم قد يكون دافعاً لهم للمزيد من العمل والإنتاج، كما أن الله تعالى سيبارك لهم ويوسع عليهم، بتحملهم لمسؤولياتهم العائليّة والاجتماعيّة.

*مقالة منشورة في صحيفة اليوم، بتاريخ 11/ 12/ 2002م ، 7 شوّال 1423هـ، العدد 10771.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية