كتابات
09/04/2018

السياسة والعدل والأخلاق

السياسة والعدل والأخلاق

إذا عرفنا أنَّ العدل يجتذب السياسي، لأن السياسة تمثل إدارة حركة الإنسان في علاقته مع الإنسان والحياة، من خلال النظام الذي يحكم هذه العلاقات، سواء النظام الثابت الذي يتمثل في التشريع الذي يحدّد لكلّ إنسان حقه على أخيه الإنسان، أو النظام المتحرّك الذي يمثل حركة الحاكم والرعية في الأمور اليوميّة.. إذا عرفنا ذلك، فإنّ علاقة السياسة بالعدل تعتبر مسألة دينية، بمعنى أن الدين في كل مفاهيمه وشرائعه وحركاته هو في عمق العدل.. إنّه يمثل العدل كله، وعلى هذا الاساس، فلا بدّ لنا من أن نحدّد العدل في علاقة الحاكم بالمحكوم، والقانون بالنّاس، والناس بالأرض والبيئة والحيوان وبكلّ شيء، وعند ذلك، فلا مجال للعدل بدون سياسة، لأنها هي التي تنظّم له حركته ومواقعه وصراعاته وتحدّياته.

وثمة مسألة أخرى، وهي أنّ السياسة قد تحتاج في تعقيداتها إلى المواقف التي لا تنسجم مع البعد الأخلاقي، كما لو أنّ الآخر فرض عليك واقعاً أخلاقيّاً، فلا تستطيع أن تواجه تحدياته بوسائل أخلاقية، وإلاَّ فإنه سوف يستغلّ القيمة التي تؤمن بها ليضربك بها ويحاصرك من خلالها.

فعند مواجهة هذه المواقف، فإن هناك باباً في الإسلام ينفتح على هذه الضرورات والحالات الطارئة، فقد تفرض الظروف الضاغطة عليك أن تخرج عن خطّ الصدق إلى (الكذب)، إذا كانت المصلحة الإسلامية العليا، أو مصلحة الناس في قضاياهم، تقتضي أن لا تصدّق، لأن الصدق في بعض الحالات يمكّن الآخر من الضغط على نقاط ضعفك التي إذا حركتها إلى العلن، فإنك تقع تحت تأثير القوة المضادة.

وربما قد تحتاج إلى (الغيبة) في حالات أخرى، إذا كانت المصلحة تتطلب ذلك، وقد تحتاج إلى (التجسّس) إذا تطلبت مصلحة الإسلام أن يكون للمسلمين مخابرات يحاولون من خلالها التعرّف إلى الواقع، بحيث لو لم تكن هذه المعلومات المخابراتيّة، لوقع المسلمون تحت تأثير المخابرات الأخرى التي قد تعرف كلّ شيء عن المسلمين من غير أن يعرفوا عنها شيئاً، ولربما يبتلى المسلمون بأن يقتلوا بعض المسلمين إذا تترَّس العدوّ بأسرى المسلمين في حربه ضدّهم بغية الانتصار عليهم.

إنّ الغاية في القضايا الكبرى تبرّر الواسطة، أمّا في القضايا الشخصيّة والذاتيّة العاديّة، فلا يصحّ أن تبرّر الغاية الوسيلة. إنّ الوسيلة في القضايا الكبرى يمكن أن تتحوّل من محرّمة إلى محلّلة، ومن مباحة إلى واجبة.

ولذلك، فإننا نعتقد أنَّ الأصل في السياسة الإسلامية هي أن تكون في خطّ الصّدق، وفي الخطّ الأخلاقي المستقيم، ولكن إذا حدثت ضغوط طارئة تضع المصلحة الإسلامية في غير هذا الخطّ، فعند ذلك، تنطلق أخلاقية العمل السياسي من المصالح المستجدّة التي فرضتها تلك الظروف الطارئة.

وفي التشريع الإسلاميّ، هناك عناوين أولية للأحكام وعناوين ثانوية لها، فقد يكون الشّيء حلالاً بالعنوان الأوّلي، وقد يكون حراماً بالعنوان الثانوي، لذلك نستطيع أن نقول إنّ الإسلام يختزن السياسة، وعندما تحتاج السياسة إلى بعض الرّخص فيما حرّمه الإسلام، فلا بدّ من أن يدرس أولو الأمر طبيعة المسائل في حركة الصّراع، ليتعرفوا ما إذا كانت المصلحة في هذا الجانب أو ذاك.

إنّ السياسة في الإسلام واقعيّة لا تبتعد عن الخطّ الأخلاقي، ولذلك نقول إن ديننا سياسة، باعتبار أن الدين يتحرك من أجل أن يحدّد للإنسان كلّ خطواته، كما أن سياستنا دين، باعتبار أنها تعني حركية الإنسان في الساحة، وكما في الدين رخص، كذلك في السياسة.

*كتاب دنيا الشباب، ص 181- 183.

إذا عرفنا أنَّ العدل يجتذب السياسي، لأن السياسة تمثل إدارة حركة الإنسان في علاقته مع الإنسان والحياة، من خلال النظام الذي يحكم هذه العلاقات، سواء النظام الثابت الذي يتمثل في التشريع الذي يحدّد لكلّ إنسان حقه على أخيه الإنسان، أو النظام المتحرّك الذي يمثل حركة الحاكم والرعية في الأمور اليوميّة.. إذا عرفنا ذلك، فإنّ علاقة السياسة بالعدل تعتبر مسألة دينية، بمعنى أن الدين في كل مفاهيمه وشرائعه وحركاته هو في عمق العدل.. إنّه يمثل العدل كله، وعلى هذا الاساس، فلا بدّ لنا من أن نحدّد العدل في علاقة الحاكم بالمحكوم، والقانون بالنّاس، والناس بالأرض والبيئة والحيوان وبكلّ شيء، وعند ذلك، فلا مجال للعدل بدون سياسة، لأنها هي التي تنظّم له حركته ومواقعه وصراعاته وتحدّياته.

وثمة مسألة أخرى، وهي أنّ السياسة قد تحتاج في تعقيداتها إلى المواقف التي لا تنسجم مع البعد الأخلاقي، كما لو أنّ الآخر فرض عليك واقعاً أخلاقيّاً، فلا تستطيع أن تواجه تحدياته بوسائل أخلاقية، وإلاَّ فإنه سوف يستغلّ القيمة التي تؤمن بها ليضربك بها ويحاصرك من خلالها.

فعند مواجهة هذه المواقف، فإن هناك باباً في الإسلام ينفتح على هذه الضرورات والحالات الطارئة، فقد تفرض الظروف الضاغطة عليك أن تخرج عن خطّ الصدق إلى (الكذب)، إذا كانت المصلحة الإسلامية العليا، أو مصلحة الناس في قضاياهم، تقتضي أن لا تصدّق، لأن الصدق في بعض الحالات يمكّن الآخر من الضغط على نقاط ضعفك التي إذا حركتها إلى العلن، فإنك تقع تحت تأثير القوة المضادة.

وربما قد تحتاج إلى (الغيبة) في حالات أخرى، إذا كانت المصلحة تتطلب ذلك، وقد تحتاج إلى (التجسّس) إذا تطلبت مصلحة الإسلام أن يكون للمسلمين مخابرات يحاولون من خلالها التعرّف إلى الواقع، بحيث لو لم تكن هذه المعلومات المخابراتيّة، لوقع المسلمون تحت تأثير المخابرات الأخرى التي قد تعرف كلّ شيء عن المسلمين من غير أن يعرفوا عنها شيئاً، ولربما يبتلى المسلمون بأن يقتلوا بعض المسلمين إذا تترَّس العدوّ بأسرى المسلمين في حربه ضدّهم بغية الانتصار عليهم.

إنّ الغاية في القضايا الكبرى تبرّر الواسطة، أمّا في القضايا الشخصيّة والذاتيّة العاديّة، فلا يصحّ أن تبرّر الغاية الوسيلة. إنّ الوسيلة في القضايا الكبرى يمكن أن تتحوّل من محرّمة إلى محلّلة، ومن مباحة إلى واجبة.

ولذلك، فإننا نعتقد أنَّ الأصل في السياسة الإسلامية هي أن تكون في خطّ الصّدق، وفي الخطّ الأخلاقي المستقيم، ولكن إذا حدثت ضغوط طارئة تضع المصلحة الإسلامية في غير هذا الخطّ، فعند ذلك، تنطلق أخلاقية العمل السياسي من المصالح المستجدّة التي فرضتها تلك الظروف الطارئة.

وفي التشريع الإسلاميّ، هناك عناوين أولية للأحكام وعناوين ثانوية لها، فقد يكون الشّيء حلالاً بالعنوان الأوّلي، وقد يكون حراماً بالعنوان الثانوي، لذلك نستطيع أن نقول إنّ الإسلام يختزن السياسة، وعندما تحتاج السياسة إلى بعض الرّخص فيما حرّمه الإسلام، فلا بدّ من أن يدرس أولو الأمر طبيعة المسائل في حركة الصّراع، ليتعرفوا ما إذا كانت المصلحة في هذا الجانب أو ذاك.

إنّ السياسة في الإسلام واقعيّة لا تبتعد عن الخطّ الأخلاقي، ولذلك نقول إن ديننا سياسة، باعتبار أن الدين يتحرك من أجل أن يحدّد للإنسان كلّ خطواته، كما أن سياستنا دين، باعتبار أنها تعني حركية الإنسان في الساحة، وكما في الدين رخص، كذلك في السياسة.

*كتاب دنيا الشباب، ص 181- 183.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية