هل إنَّ مشكلة المسلمين في كلّ تاريخهم، في ما اختلفوا فيه من شؤون العقيدة
وتفاصيلها المعروفة في علم الكلام، يعود إلى إصرارهم على أن يكون الفكر واحداً في
كلّ مذهب فلا يتغيَّر، سواء في شؤون الموضوعات العقيديَّة، أو في ما اختلفوا فيه من
شؤون الفقه؟!
في هذا الإطار، يصعب أن ترى فقيهاً شيعياً يلتزم في مرحلة من المراحل فقهاً سنيّاً
ولو في بعض المسائل، أو ترى فقيهاً سنيّاً بمثل هذه الطريقة.
والسؤال: هل ما نثيره يمثّل مشكلة فكرية فحسب، أم أنَّها مشكلة نفسيّة أيضاً؟
لقد انطلق العلماء على صعيد الفكر الكلامي والفقهي عبر التاريخ في خطّين غير
متطابقين؛ على المستوى السنّيّ من جهة، والشّيعيّ من جهةٍ أخرى، حتّى إذا اقترب
أحدهم فاكتشف إمكانية صوابٍ في فكر الآخر، حاول أنْ يلفَّ ويدور ليتكلَّف الكثير،
ما يجعله يقف عند مواقعه من دون أنْ يتحرَّك خطوة واحدة باتّجاه الآخر.
لم يحصل في كلّ التاريخ، وفي كلّ الكتب التي أُلِّفت، تطوّرٌ بالمعنى الجدّي
والكامل في مستوى الأبحاث التي بحثت. وإنّني أتساءل: هل يمكن أن تكون هناك مجموعات
من النَّاس جامدة أمام نصوص يمكن أن يتنوَّع فيها الاجتهاد؟ وهل يمكن أنْ تتجمَّد
عند موقع واحد لا تتحرَّك منه خطوة واحدة؟ ماذا يعني ذلك؟
إنَّ المشكلة ليست مشكلة فكر بين علماء المسلمين، ولا أتكلَّم عن الشعوب الإسلاميّة،
إنَّ المشكلة هي مشكلة نفسيّة، باعتبار أنَّ الشيعيَّ لا يزحزح اعتقاداته مهما
كلَّفه ذلك من تآويل، وأنَّ السنّيَّ يقرِّر أنْ يبقى سنيّاً في جميع الحالات.
ليست لدينا ـــ في ما نراه ـــ مذهبيّة فكريّة، إنَّما لدينا مذهبيّة طائفيّة. نحن
نتحرّك بروحيّة عشائرية في ما نتّفق عليه في كلّ دائرة من الدّوائر الإسلاميّة،
هناك عشيرة السنّة وعشيرة الشيعة، المنطق العشائري هو الذي يفرض نفسه، لا المذهب
الفكريّ السنّيّ أو المذهب الفكريّ الشيعيّ، في ما يعيشه الوجدان الشيعيّ أو السنّي.
ولما كانت المشكلة نفسية، حصل الرفض المتبادل؛ فالشيعيّ يفكِّر أن يكون شيعيّاً قبل
أن يكون مسلماً في خطّ التشيُّع، والسنّيّ يفكّر أن يكون سنيّاً قبل أن يكون مسلماً
في خطّ التسنُّن. لو كان الإسلام هو الفكر الذي نلتزمه معاً، لأمكننا أن نضيء
الإسلام على كلّ ما اختلفنا فيه، لنجد نور الحقيقة في ذلك كلِّه.
ولأنَّ المشكلة كانت نفسية، بقيت الظروف القاسية المتنوّعة تزيد هذا التشنُج
والتوتّر النفسيّ سوءاً، لذلك انطلقت آلاف الكتب والأبحاث كعلم تستطيع أن تخشع
أمامه لعمقه ودقّته، ولكنَّ النفوس كانت في اتّجاهٍ آخر، كان العقل يكتب الفكرة،
وكانت النفوس تنسفها.
*من كتاب أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة ، ص 69-71.
هل إنَّ مشكلة المسلمين في كلّ تاريخهم، في ما اختلفوا فيه من شؤون العقيدة
وتفاصيلها المعروفة في علم الكلام، يعود إلى إصرارهم على أن يكون الفكر واحداً في
كلّ مذهب فلا يتغيَّر، سواء في شؤون الموضوعات العقيديَّة، أو في ما اختلفوا فيه من
شؤون الفقه؟!
في هذا الإطار، يصعب أن ترى فقيهاً شيعياً يلتزم في مرحلة من المراحل فقهاً سنيّاً
ولو في بعض المسائل، أو ترى فقيهاً سنيّاً بمثل هذه الطريقة.
والسؤال: هل ما نثيره يمثّل مشكلة فكرية فحسب، أم أنَّها مشكلة نفسيّة أيضاً؟
لقد انطلق العلماء على صعيد الفكر الكلامي والفقهي عبر التاريخ في خطّين غير
متطابقين؛ على المستوى السنّيّ من جهة، والشّيعيّ من جهةٍ أخرى، حتّى إذا اقترب
أحدهم فاكتشف إمكانية صوابٍ في فكر الآخر، حاول أنْ يلفَّ ويدور ليتكلَّف الكثير،
ما يجعله يقف عند مواقعه من دون أنْ يتحرَّك خطوة واحدة باتّجاه الآخر.
لم يحصل في كلّ التاريخ، وفي كلّ الكتب التي أُلِّفت، تطوّرٌ بالمعنى الجدّي
والكامل في مستوى الأبحاث التي بحثت. وإنّني أتساءل: هل يمكن أن تكون هناك مجموعات
من النَّاس جامدة أمام نصوص يمكن أن يتنوَّع فيها الاجتهاد؟ وهل يمكن أنْ تتجمَّد
عند موقع واحد لا تتحرَّك منه خطوة واحدة؟ ماذا يعني ذلك؟
إنَّ المشكلة ليست مشكلة فكر بين علماء المسلمين، ولا أتكلَّم عن الشعوب الإسلاميّة،
إنَّ المشكلة هي مشكلة نفسيّة، باعتبار أنَّ الشيعيَّ لا يزحزح اعتقاداته مهما
كلَّفه ذلك من تآويل، وأنَّ السنّيَّ يقرِّر أنْ يبقى سنيّاً في جميع الحالات.
ليست لدينا ـــ في ما نراه ـــ مذهبيّة فكريّة، إنَّما لدينا مذهبيّة طائفيّة. نحن
نتحرّك بروحيّة عشائرية في ما نتّفق عليه في كلّ دائرة من الدّوائر الإسلاميّة،
هناك عشيرة السنّة وعشيرة الشيعة، المنطق العشائري هو الذي يفرض نفسه، لا المذهب
الفكريّ السنّيّ أو المذهب الفكريّ الشيعيّ، في ما يعيشه الوجدان الشيعيّ أو السنّي.
ولما كانت المشكلة نفسية، حصل الرفض المتبادل؛ فالشيعيّ يفكِّر أن يكون شيعيّاً قبل
أن يكون مسلماً في خطّ التشيُّع، والسنّيّ يفكّر أن يكون سنيّاً قبل أن يكون مسلماً
في خطّ التسنُّن. لو كان الإسلام هو الفكر الذي نلتزمه معاً، لأمكننا أن نضيء
الإسلام على كلّ ما اختلفنا فيه، لنجد نور الحقيقة في ذلك كلِّه.
ولأنَّ المشكلة كانت نفسية، بقيت الظروف القاسية المتنوّعة تزيد هذا التشنُج
والتوتّر النفسيّ سوءاً، لذلك انطلقت آلاف الكتب والأبحاث كعلم تستطيع أن تخشع
أمامه لعمقه ودقّته، ولكنَّ النفوس كانت في اتّجاهٍ آخر، كان العقل يكتب الفكرة،
وكانت النفوس تنسفها.
*من كتاب أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة ، ص 69-71.