كتابات
23/04/2018

الملل والنِّحل في المؤلّفات الإسلاميّة

الملل والنِّحل في المؤلّفات الإسلاميّة

... لقد قام ثلّة من علماء المسلمين بتدوين كتب مفصّلة أو مختصرة في هذا المضمار، فكشفوا عن مصادر الآراء ومواردها، وجمعوا واردها وشاردها، وما ألّفوه حول تبيين العقائد والنِّحل على أصناف نشير إليها:

أ‌. ما يتناول جميع الشرائع والمذاهب العالمية، إسلامية كانت أو غيرها، ومن هذا القسم:

١ ـ «الفصل في الملل والأهواء والنحل» لإمام المذهب الظاهري، أبي محمد علي بن حزم الظاهري (المتوفّى العام ٤٥٦).

٢ ـ «الملل والنحل» لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (٤٧٩ ـ ٥٤٨).

ب.ما يتناول خصوص الفرق الإسلامية.ومن هذا القسم:

١ ـ «مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين»، تأليف شيخ الأشاعرة أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري (المتوفّى العام ٣٢٤).

٢ ـ «التنبيه والردّ»، لأبي الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرّحمن الملطي الشافعي (المتوفّى العام ٣٧٧).

٣ ـ «الفرق بين الفرق»، تأليف الشّيخ عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفرائيني التميمي (المتوفّى سنة ٤٢٩).

٤ ـ «التّبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكة»، لطاهر بن محمد الإسفرائيني (المتوفّى العام ٤٧١ )، المطبوع بمصر العام ١٣٧٤.

5 ـ «الفرق الإسلامية»، ذيل كتاب «شرح المواقف» للكرماني (المتوفّى العام ٧٨٦)، وقد طبع في بغداد العام ١٩٧٣م.

ج.ما يتناول خصوص مذهب من المذاهب الإسلاميّة.ومن هذا القسم:

١ ـ «فرق الشيعة»، تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي، من أعلام القرن الثالث للهجرة، وقد بيّن فيه فرق أهل الإمامة.

٢ ـ «فرق الشّيعة»، للشيخ أبي القاسم سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (المتوفّى العام ٢٩٩ أو ٣٠١).

وقد طبعت هذه الكتب ووزّعت في العالم، وهي متاحة لكلِّ من أراد معرفة هذه المذاهب والمقالات والآراء والأفكار.

ولنقدّم قبل الورود في البحث أُموراً تفيد القرّاء الكرام وطلاب هذه المعرفة:

١ ـ الملّة والنحلة في اللغة:

الملّة بمعنى الطريقة. والمراد هنا السنن المأخوذة والمقتبسة من الآخرين، ولأجل ذلك، يضيفها القرآن إلى الرّسل والأقوام، إذ يقول مثلاً: {بَلْ مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً}(البقرة: ١٣٥)، وقوله: {إِنّي تَرَكْتُ مِلّةَ قَوم لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ}(يوسف: ٣٧). ولا تستعمل مضافةً إلى الله ولا إلى آحاد أُمّة نبيّ، بل إلى نفس النبي، ويقال ملّة إبراهيم وملّة محمّد(ص)، ولا يقال: ملّة الله.

وأمّا النّحلة، فهي على ما في «لسان العرب» بمعنى الدّعوى، والنسبة بينها وبين الدين، أنّها تستعمل في الباطل كثيراً، مثل كلمة «انتحال المبطلين».

والمقصود من الكلمتين في هذا العلم هو الطّرق والمناهج العقائديّة، سواء أكانت حقّاً أم باطلاً.

٢ ـ الصّلة بين علم العقائد وعلم الملل والنِّحل:

وهناك اتّصال وثيق بين علم الكلام وعلم الملل والنّحل، ووزان علم الملل والنحل بالنسبة إلى علم العقائد والكلام، وزان تاريخ العلم بالنسبة إلى العلم نفسه، نظير الفلسفة وتاريخها، فالفلسفة تطرح الموضوعات الفلسفية على بساط البحث، فتقيم برهاناً على ما تتبنّاه، بينما يشرح تاريخ الفلسفة المناهج الفكرية التي نجمت في فترات مختلفة، من دون تركيز على رأي أو تبني عقيدة خاصّة في كثير من الأحيان.

ومثله علم الكلام بالنّسبة إلى الملل والنحل، فالأوّل يبحث عن المسائل العقائدية التي ترجع إلى المبدأ والمعاد، وما يلحقهما من المباحث، ويوجِّه عنايته إلى إثبات فكرة خاصّة في موضوع معيَّن، ونقد الآراء المضادَّة له، ولكنّ الثاني يطرح المناهج الكلامية المؤسّسة طيلة قرون، من دون أن يتحيّز إلى منهج دون منهج غالباً، وهمّه هو عرض هذه الأسس الفكرية على روّاد الفكر والمعرفة.

وإن شئت قلت: إنَّ علم الملل والنحل يتعرَّض للموضوعات الكلامية المبحوث عنها في علم الكلام، ويشرحها ويعرض الآراء المختلفة حولها من دون القضاء بينها، وأمَّا علم الكلام، فهو يتّخذ موضوعات خاصّة للبحث، ويبدي المؤلّف نظره الخاصّ فيها، ويركّز على رأيه بإقامة البرهان.

٣ ـ قيمة الكتب المؤلّفة في هذا المضمار:

لا شكّ في أنَّ للكتب المؤلّفة في هذا المضمار، مكانة في الأوساط العلمية، وأنّ المؤلّفين في الملل والنحل قد تحمّلوا جهوداً كثيرة في الإحاطة بالمناهج الفكريّة الرائجة في الملأ العلميّ، وخصوصاً الأوائل منهم، غير أنّه لا يمكن الاعتماد على هذه الكتب بصورة مطلقة، وذلك لأنّا نرى أنّهم يذكرون فرقاً للشيعة الإماميّة لم يسمع الدَّهر بأسمائها، كما لم يسمع بآراء أصحابها قطّ.

فهذا إمام الأشاعرة يذكر للشّيعة الغالية خمس عشرة فرقة، وللشّيعة الإماميّة أربعاً وعشرين فرقة، وينسب إليهم القول بالتّجسيم، وغير ذلك من الآراء والعقائد السّخيفة، ويقسّم الزيديّة إلى ستّ فرق، وقد أخذ عنه من جاء بعده ممّن ألّف في هذا المجال.

فإذا كان حاله وحال من نسج على منواله ـ كالبغدادي في «الفرق بين الفرق»، والشهرستاني في «الملل النحل» في تلك المواضع التي نحن أعرف منهم بها ـ بهذا المنوال، فكيف حالهم فيما ينقلونه عن سائر أصحاب الشرائع من اليهود والنّصارى والمجوس والبراهمة والبوذيّين وغيرهم؟! ولأجل ذلك، يجب أن تكون نسبة القول إلى أصحابها مقرونة بالاحتياط والتثبّت والرجوع إلى مؤلّفات نفس الفرق.

يقول المحقّق المعاصر الشّيخ محمد زاهد الكوثري في تقديمه لكتاب «التبصير في الدّين»: والعالم المحتاط لدينه، لا ينسب إلى فرقة من الفرق ما لم يره في الكتب المردودة عليهم، الثابتة عنهم، أو في كتب الثقات من أهل العلم المتثبّتين في عزو الأقاويل، ولا يلزمهم إلّا ما هو لازم قولهم لزوماً بيّناً، لم يصرّح قائله بالتبرّي من ذلك اللازم.

وقد تصفَّحنا أكثر ما كتبه أحمد بن تيمية في «المسائل الكبرى» عن الشّيعة وغيرهم، وفي كتابه «منهاج السنّة» عن خصوص الشّيعة، فوجدناهما مليئين بالأخطاء، لو لم نقل بالكذب والوضع.

كتاب "بحوث في الملل والنِّحل"، ج 1، ص 19-22.

... لقد قام ثلّة من علماء المسلمين بتدوين كتب مفصّلة أو مختصرة في هذا المضمار، فكشفوا عن مصادر الآراء ومواردها، وجمعوا واردها وشاردها، وما ألّفوه حول تبيين العقائد والنِّحل على أصناف نشير إليها:

أ‌. ما يتناول جميع الشرائع والمذاهب العالمية، إسلامية كانت أو غيرها، ومن هذا القسم:

١ ـ «الفصل في الملل والأهواء والنحل» لإمام المذهب الظاهري، أبي محمد علي بن حزم الظاهري (المتوفّى العام ٤٥٦).

٢ ـ «الملل والنحل» لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (٤٧٩ ـ ٥٤٨).

ب.ما يتناول خصوص الفرق الإسلامية.ومن هذا القسم:

١ ـ «مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين»، تأليف شيخ الأشاعرة أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري (المتوفّى العام ٣٢٤).

٢ ـ «التنبيه والردّ»، لأبي الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرّحمن الملطي الشافعي (المتوفّى العام ٣٧٧).

٣ ـ «الفرق بين الفرق»، تأليف الشّيخ عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الإسفرائيني التميمي (المتوفّى سنة ٤٢٩).

٤ ـ «التّبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكة»، لطاهر بن محمد الإسفرائيني (المتوفّى العام ٤٧١ )، المطبوع بمصر العام ١٣٧٤.

5 ـ «الفرق الإسلامية»، ذيل كتاب «شرح المواقف» للكرماني (المتوفّى العام ٧٨٦)، وقد طبع في بغداد العام ١٩٧٣م.

ج.ما يتناول خصوص مذهب من المذاهب الإسلاميّة.ومن هذا القسم:

١ ـ «فرق الشيعة»، تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي، من أعلام القرن الثالث للهجرة، وقد بيّن فيه فرق أهل الإمامة.

٢ ـ «فرق الشّيعة»، للشيخ أبي القاسم سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (المتوفّى العام ٢٩٩ أو ٣٠١).

وقد طبعت هذه الكتب ووزّعت في العالم، وهي متاحة لكلِّ من أراد معرفة هذه المذاهب والمقالات والآراء والأفكار.

ولنقدّم قبل الورود في البحث أُموراً تفيد القرّاء الكرام وطلاب هذه المعرفة:

١ ـ الملّة والنحلة في اللغة:

الملّة بمعنى الطريقة. والمراد هنا السنن المأخوذة والمقتبسة من الآخرين، ولأجل ذلك، يضيفها القرآن إلى الرّسل والأقوام، إذ يقول مثلاً: {بَلْ مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً}(البقرة: ١٣٥)، وقوله: {إِنّي تَرَكْتُ مِلّةَ قَوم لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ}(يوسف: ٣٧). ولا تستعمل مضافةً إلى الله ولا إلى آحاد أُمّة نبيّ، بل إلى نفس النبي، ويقال ملّة إبراهيم وملّة محمّد(ص)، ولا يقال: ملّة الله.

وأمّا النّحلة، فهي على ما في «لسان العرب» بمعنى الدّعوى، والنسبة بينها وبين الدين، أنّها تستعمل في الباطل كثيراً، مثل كلمة «انتحال المبطلين».

والمقصود من الكلمتين في هذا العلم هو الطّرق والمناهج العقائديّة، سواء أكانت حقّاً أم باطلاً.

٢ ـ الصّلة بين علم العقائد وعلم الملل والنِّحل:

وهناك اتّصال وثيق بين علم الكلام وعلم الملل والنّحل، ووزان علم الملل والنحل بالنسبة إلى علم العقائد والكلام، وزان تاريخ العلم بالنسبة إلى العلم نفسه، نظير الفلسفة وتاريخها، فالفلسفة تطرح الموضوعات الفلسفية على بساط البحث، فتقيم برهاناً على ما تتبنّاه، بينما يشرح تاريخ الفلسفة المناهج الفكرية التي نجمت في فترات مختلفة، من دون تركيز على رأي أو تبني عقيدة خاصّة في كثير من الأحيان.

ومثله علم الكلام بالنّسبة إلى الملل والنحل، فالأوّل يبحث عن المسائل العقائدية التي ترجع إلى المبدأ والمعاد، وما يلحقهما من المباحث، ويوجِّه عنايته إلى إثبات فكرة خاصّة في موضوع معيَّن، ونقد الآراء المضادَّة له، ولكنّ الثاني يطرح المناهج الكلامية المؤسّسة طيلة قرون، من دون أن يتحيّز إلى منهج دون منهج غالباً، وهمّه هو عرض هذه الأسس الفكرية على روّاد الفكر والمعرفة.

وإن شئت قلت: إنَّ علم الملل والنحل يتعرَّض للموضوعات الكلامية المبحوث عنها في علم الكلام، ويشرحها ويعرض الآراء المختلفة حولها من دون القضاء بينها، وأمَّا علم الكلام، فهو يتّخذ موضوعات خاصّة للبحث، ويبدي المؤلّف نظره الخاصّ فيها، ويركّز على رأيه بإقامة البرهان.

٣ ـ قيمة الكتب المؤلّفة في هذا المضمار:

لا شكّ في أنَّ للكتب المؤلّفة في هذا المضمار، مكانة في الأوساط العلمية، وأنّ المؤلّفين في الملل والنحل قد تحمّلوا جهوداً كثيرة في الإحاطة بالمناهج الفكريّة الرائجة في الملأ العلميّ، وخصوصاً الأوائل منهم، غير أنّه لا يمكن الاعتماد على هذه الكتب بصورة مطلقة، وذلك لأنّا نرى أنّهم يذكرون فرقاً للشيعة الإماميّة لم يسمع الدَّهر بأسمائها، كما لم يسمع بآراء أصحابها قطّ.

فهذا إمام الأشاعرة يذكر للشّيعة الغالية خمس عشرة فرقة، وللشّيعة الإماميّة أربعاً وعشرين فرقة، وينسب إليهم القول بالتّجسيم، وغير ذلك من الآراء والعقائد السّخيفة، ويقسّم الزيديّة إلى ستّ فرق، وقد أخذ عنه من جاء بعده ممّن ألّف في هذا المجال.

فإذا كان حاله وحال من نسج على منواله ـ كالبغدادي في «الفرق بين الفرق»، والشهرستاني في «الملل النحل» في تلك المواضع التي نحن أعرف منهم بها ـ بهذا المنوال، فكيف حالهم فيما ينقلونه عن سائر أصحاب الشرائع من اليهود والنّصارى والمجوس والبراهمة والبوذيّين وغيرهم؟! ولأجل ذلك، يجب أن تكون نسبة القول إلى أصحابها مقرونة بالاحتياط والتثبّت والرجوع إلى مؤلّفات نفس الفرق.

يقول المحقّق المعاصر الشّيخ محمد زاهد الكوثري في تقديمه لكتاب «التبصير في الدّين»: والعالم المحتاط لدينه، لا ينسب إلى فرقة من الفرق ما لم يره في الكتب المردودة عليهم، الثابتة عنهم، أو في كتب الثقات من أهل العلم المتثبّتين في عزو الأقاويل، ولا يلزمهم إلّا ما هو لازم قولهم لزوماً بيّناً، لم يصرّح قائله بالتبرّي من ذلك اللازم.

وقد تصفَّحنا أكثر ما كتبه أحمد بن تيمية في «المسائل الكبرى» عن الشّيعة وغيرهم، وفي كتابه «منهاج السنّة» عن خصوص الشّيعة، فوجدناهما مليئين بالأخطاء، لو لم نقل بالكذب والوضع.

كتاب "بحوث في الملل والنِّحل"، ج 1، ص 19-22.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية