إنَّنا نلاحظ أنَّ هناك سجالاً بكلّ صراحة في كلّ مفردات الخلاف بين السنّة
والشيعة، في ما هو الفكر السنّي الذي ينتقده عالِم شيعيّ، أو الفكر الشيعي الذي
ينتقده عالِم سنّيّ، ولكن قولوا لي: هل تُبحَث قضايا كلّ مذهب في داخله، ولا سيّما
في المسألة الكلامية، بالطريقة التي يبحث فيها ما يختلف فيه الفكر السنّيّ عن الفكر
الشيعيّ؟ ومن المعروف أنَّ المسألة الكلاميّة في الإطار الشيعيّ والإطار السنّيّ،
تتحرّك على أساس إبقاء المسلّمات التي قد لا تكون مسلّمات عندما ندرسها دراسة علمية.
ولذلك، فإنَّني أتصوّر أنَّ علينا العودة إلى المسألة الفكرية التي تتحرّك بموضوعية،
بحيث يقف الإنسان المسلم وقفة حياديّة أمام ما يلتزمه. ونحن نقرأ القرآن كثيراً،
ولكن لو أردنا أن ندرس المنهج في كلّ حوزاتنا وجامعاتنا، لرأينا أنَّنا بعيدون عن
أنْ نهتدي بهدي القرآن في أسلوب البحث. هناك آية قد لا يكتشفها الكثيرون، وهي توحي
إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كيف ينبغي أن يكون أسلوبه في حوار
الكفَّار، الآية تقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ
مُّبِينٍ}[سبأ: 24]، وهي توضح أنَّ الشكّ هو الذي يحكم حركة البحث في مسألة الفكر
والحوار، وهي توجّه المحاور أنْ لا ينطلق إلى الفكرة على أساس أنَّ الحقّ معه وأنَّ
الباطل مع الآخر، حتّى لو كان مقتنعاً بذلك، بل أن ينطلق على أساس أنَّه والآخر
يقفان على أرض واحدة، فالفكرة أمام الاثنين، ولا أحد يملك إلّا أنْ يردّدها بين
الضلال والهدى، وعند ذلك، يجري البحث الموصل إلى الفكرة الجديدة بعيداً من الشروط
المسبقة التي تؤثّر في الالتزام بالفكرة الجديدة.
ولهذا، كنتُ أقول، إنَّ الأسلوب القرآني في الحوار يتقدَّم على الأسلوب المعروف لدى
كثيرٍ من علمائنا المتقدّمين، وهو أسلوب يأخذ به النّاس: "رأيي صواب يحتمل الخطأ،
ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". وفي رأيي أنَّ هذا الأسلوب يحمل قدراً من الذاتيّة،
فرأيي صواب بنسبة 70%، ورأي غيري خطأ بنسبة 30%. ولكنَّ القرآن لا يقول ذلك، فهو لا
يدخل المسألة الذاتية في المسألة العلمية، وإنَّما يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ
لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
هل كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) شاكّاً، وهو الذي جاء بالصدق وصدَّق به؟
لم تكن القضية كذلك، ولكنَّ أسلوب البحث كان يتحرَّك في هذا الاتّجاه. في القرآن
الكريم، أسلوب البحث ينطلق من البعد عن الجوّ الجمعي الذي يتحرّك فيه الناس ليكفروا
وليفسقوا وليؤيّدوا {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ
مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ}[سبأ: 46].
ولقد تحرّك الموقف وفق هذه الصورة، وكان الجميع يهتفون "هو مجنون"، ولم يردَّ عليهم
النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، حسبما جاء في القرآن، بأنّي لست مجنوناً، لأنَّ
الصوت لا يُسمع في الضجيج، ولكنَّه قال لهم تخلَّصوا من هذا الجوّ الانفعالي،
لأنَّكم لا تستطيعون في ظلّه أن تملكوا فكركم ورأيكم، ولكن تفرَّقوا مثنى وفرادى،
وستعرفون النتيجة من خلال الفكر؛ الفكر الهادئ والعقل الموضوعي.
لذلك، أخشى أنَّنا تحوَّلنا إلى مقلّدين في المسألة الكلاميّة، إذا كنّا نحرّك
الاجتهاد في المسألة الفقهية، وهذه نقطة أحبّ أن أُثيرها على مستوى المنهج.
*من كتاب "أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة".
إنَّنا نلاحظ أنَّ هناك سجالاً بكلّ صراحة في كلّ مفردات الخلاف بين السنّة
والشيعة، في ما هو الفكر السنّي الذي ينتقده عالِم شيعيّ، أو الفكر الشيعي الذي
ينتقده عالِم سنّيّ، ولكن قولوا لي: هل تُبحَث قضايا كلّ مذهب في داخله، ولا سيّما
في المسألة الكلامية، بالطريقة التي يبحث فيها ما يختلف فيه الفكر السنّيّ عن الفكر
الشيعيّ؟ ومن المعروف أنَّ المسألة الكلاميّة في الإطار الشيعيّ والإطار السنّيّ،
تتحرّك على أساس إبقاء المسلّمات التي قد لا تكون مسلّمات عندما ندرسها دراسة علمية.
ولذلك، فإنَّني أتصوّر أنَّ علينا العودة إلى المسألة الفكرية التي تتحرّك بموضوعية،
بحيث يقف الإنسان المسلم وقفة حياديّة أمام ما يلتزمه. ونحن نقرأ القرآن كثيراً،
ولكن لو أردنا أن ندرس المنهج في كلّ حوزاتنا وجامعاتنا، لرأينا أنَّنا بعيدون عن
أنْ نهتدي بهدي القرآن في أسلوب البحث. هناك آية قد لا يكتشفها الكثيرون، وهي توحي
إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) كيف ينبغي أن يكون أسلوبه في حوار
الكفَّار، الآية تقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ
مُّبِينٍ}[سبأ: 24]، وهي توضح أنَّ الشكّ هو الذي يحكم حركة البحث في مسألة الفكر
والحوار، وهي توجّه المحاور أنْ لا ينطلق إلى الفكرة على أساس أنَّ الحقّ معه وأنَّ
الباطل مع الآخر، حتّى لو كان مقتنعاً بذلك، بل أن ينطلق على أساس أنَّه والآخر
يقفان على أرض واحدة، فالفكرة أمام الاثنين، ولا أحد يملك إلّا أنْ يردّدها بين
الضلال والهدى، وعند ذلك، يجري البحث الموصل إلى الفكرة الجديدة بعيداً من الشروط
المسبقة التي تؤثّر في الالتزام بالفكرة الجديدة.
ولهذا، كنتُ أقول، إنَّ الأسلوب القرآني في الحوار يتقدَّم على الأسلوب المعروف لدى
كثيرٍ من علمائنا المتقدّمين، وهو أسلوب يأخذ به النّاس: "رأيي صواب يحتمل الخطأ،
ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". وفي رأيي أنَّ هذا الأسلوب يحمل قدراً من الذاتيّة،
فرأيي صواب بنسبة 70%، ورأي غيري خطأ بنسبة 30%. ولكنَّ القرآن لا يقول ذلك، فهو لا
يدخل المسألة الذاتية في المسألة العلمية، وإنَّما يقول: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ
لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
هل كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) شاكّاً، وهو الذي جاء بالصدق وصدَّق به؟
لم تكن القضية كذلك، ولكنَّ أسلوب البحث كان يتحرَّك في هذا الاتّجاه. في القرآن
الكريم، أسلوب البحث ينطلق من البعد عن الجوّ الجمعي الذي يتحرّك فيه الناس ليكفروا
وليفسقوا وليؤيّدوا {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ
مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ}[سبأ: 46].
ولقد تحرّك الموقف وفق هذه الصورة، وكان الجميع يهتفون "هو مجنون"، ولم يردَّ عليهم
النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، حسبما جاء في القرآن، بأنّي لست مجنوناً، لأنَّ
الصوت لا يُسمع في الضجيج، ولكنَّه قال لهم تخلَّصوا من هذا الجوّ الانفعالي،
لأنَّكم لا تستطيعون في ظلّه أن تملكوا فكركم ورأيكم، ولكن تفرَّقوا مثنى وفرادى،
وستعرفون النتيجة من خلال الفكر؛ الفكر الهادئ والعقل الموضوعي.
لذلك، أخشى أنَّنا تحوَّلنا إلى مقلّدين في المسألة الكلاميّة، إذا كنّا نحرّك
الاجتهاد في المسألة الفقهية، وهذه نقطة أحبّ أن أُثيرها على مستوى المنهج.
*من كتاب "أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة".