كتابات
07/10/2018

الملحمة الحسينية وتشكيكات السيد جعفر مرتضى العاملي بين الموضوعيّة والعاطفة

الملحمة الحسينية وتشكيكات السيد جعفر مرتضى العاملي بين الموضوعيّة والعاطفة

الملحمة الحسينيّة وتشكيكات السيّد جعفر مرتضى العاملي

"بين الموضوعيّة والعاطفة"

الشيخ صلاح مرسول 

لقد كتب الكثير من العلماء حول "الملحمة الحسينيّة" للشهيد الشيخ مرتضى مطهري، وهي ذات بعد نقديّ جريء لكلّ ما يتم نسبته إلى القضية الحسينية، وقد قام السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه "كربلاء فوق الشبهات" بالتشكيك حول نسبة الكتاب لمطهّري من ناحية، وأن ما قاله السيد الخميني حول الأخذ بكتب مطهري، إنّما هي قبل وفاته وليس بعد وفاته، وكتاب "الملحمة الحسينية" صدر بعد وفاته، فهذا لا يندرج ضمن وصية السيد الخميني! من ناحية أخرى، فهو يقول: "ولكن الحقيقة هي أن هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة أجزاء، لم يكتبه هذا الشهيد السعيد. وإن كان ربما يعكس أفكاره، التي يتبناها، ويلتزم بها، وإنما هو من تأليف رجل آخر..." .1
وهنا أحبّ أن أشير إلى نقطة محوريّة أجدها في غاية الأهميّة، وغاية بحثي هنا ليس المضمون كمضمون، وإنّما المنسوب كمنسوب، فالمضمون بحاجة إلى بحث أوسع حقيقة، ولكني أرى أنّ تثبيت نسبة الكتاب لصاحبه من عدمه، يأتي قبل ذلك. ودعوني أطرح تساؤلاً ألا وهو: هل دعوى السيد جعفر مرتضى أن الكتاب ليس للشهيد مطهري كان صحيحًا!؟ ومن دون الدخول في النوايا والدّوافع، نريد أن نعالج هذه المسألة بطريقة علميّة وموضوعيّة.
وللإجابة عن هذا السؤال، يكفينا ما نقله المحقق العلامة الشيخ اليوسفي الغروي، عندما سأل عن إشكالية ودعوى السيد جعفر مرتضى حول الملحمة. لماذا؟! لأنه شاهد عيان وثقة ومحقّق وله وزنه العلمي الكبير، وهذا مرجّح على من يعالج المسألة بالحدس لا بالحسّ.

العلامة المحقّق الشيخ اليوسفي الغروي كشاهد عيان
 طرح سؤالًا على الشيخ الغروي في إحدى الجلسات الحوارية في إيران2، وكانت باللغة الفارسية، ولكن أحد الإخوة ممن نثق بهم وبإيمانهم وبقوّتهم باللغة الفارسية، طلبنا منه أن يقوم بترجمة هذا المقطع الذي يجيب فيه الغروي عن هذا التساؤل حول "الملحمة الحسينية"، وتشكيك العاملي فيها، وكان السؤال كالتالي: بالنّسبة إلى كتاب "الملحمة الحسينية" (الجزء الثالث) للشهيد مرتضى مطهّري، إلى أيّ حدّ هو موثق؟ وهل نقد السيد جعفر مرتضى العاملي لهذا الكتاب صحيح أم لا؟!
وجاء جواب الشيخ الغروي عن هذا التساؤل كما يلي: كلا - وهنا يردّ على ادّعاء العاملي، بأنّ ما ذهب إليه غير صحيح - ومن هنا، سوف أبدأ: إنّ أحد الأسباب التي دعتني إلى عدم الاكتفاء بتحقيقاته التاريخيّة، وبدأت بتحقيقاتي الخاصّة، هو لأنني إذا كنت قادرًا على الاعتماد على كتابه - السيد جعفر مرتضى- كآخر تحقيق تاريخي شيعي حوزوي، لاكتفيت به، ولَم أكن لأكتب تاريخًا آخر، لكنني قد رأيت بالتدريج أنه متأثّر بالجانب العاطفي أكثر من التحقيق التاريخي، وفِي العديد من الأمور، لديه عدة أخطاء، من جملتها هذه المسألة: التشكيكات التي طرحها الشهيد المطهّري بنفسه في خطاباته في حسينية الإرشاد، والتي تمّ جمعها في كتاب وطباعتها، حيث أراد السيد جعفر أن لا يتطرّق إلى هذه التشكيكات، لذلك، شكك في أصل صحة نسبة هذه التسجيلات إلى المرحوم الشهيد المطهري، على الرغم من أننا كنا متواجدين ولازلنا أحياءً! لذلك، لا تحرّفوا التاريخ أمام أعيننا، نحن أمام أعيننا رأينا أنّ الشهيد المطهري قد طرح هذه المسائل، وكذلك، فإن تسجيلاته موجودة أيضًا، ولَم يمض الكثير من الوقت حتى يأتينا البعض بتسجيلات فلان وفلان، وينسبها إلى المرحوم الشهيد المطهري، لذلك، فإنني أقول حول هذه التشكيكات بأنّه تشكيك في غير محلّه. انتهى كلام الغروي.

ملاحظات حول جواب الغروي
  1. إنّ المحقق الغروي قد لجأ إلى التحقيق بعد أن اطّلع على ضعف تحقيق العاملي وعدم موضوعيّته وتأثره العاطفي والميولي، وهذا يعني أنّ النتاج الذي قام به العاملي ليس نتاجًا علميًّا  يوثق به من الناحية الموضوعيّة، وهذه نقطة ارتكازية على مستوى البحث العلمي والتاريخي لا ينبغي تخطيها من قبل الباحثين، كونها ثغرة كبيرة في النتاج المعرفي.
  2.  إنّ العاملي - حسب تتبع الغروي- وجد أنّ هناك أخطاءً على مستوى التحقيق، وليس خطأً واحدًا فقط، ومن جملة هذه الأخطاء، ما جاء من خلاصة وتحقيق في كتابه "كربلاء فوق الشبهات"، والذي من خلاله يشكّك في نسبة "لملحمة الحسينية" إلى الشهيد المطهري، ودافع تأليفه كان لذلك، وهذا يعني أنّ كتاب العاملي قد سقط ولَم يصبح ذات قيمة علميّة، كونه قد ارتكز على شبهات، فكيف يردّ الشبهات!!؟
  3.  إنّ الغروي شاهد عيان، وينقل الخبر عن طريق الحسّ والقرب والحضور، وكونه محلّ ثقة، فكلامه مقدَّم ومعتمد على من يعالج المسألة عن طريق الحدس والاحتمالات. لذلك، فكتاب "الملحمة الحسينيّة" حسب ما أورده الغروي، هو بالفعل للشهيد مطهّري، وكلّ ما جاء فيه يعبّر عن رأيه، رحمه الله، ولو كانت توجد أيّ فكرة لا تعبّر عن رأيه، لما توانى الغروي للإشارة إليها، فهو معروف بدقّته وإخلاصه وعدم ميوله العاطفيّة في هذا المجال.
  4.  إنّ ما قام به العاملي، حسب تعبير الغروي، يعتبر تحريفًا للتاريخ، وهذه مسألة خطيرة جدًا، لأنّ نتاجاتها على المستوى البعيد تؤدي لإسقاط نتاج فكري مهم، كما هو في الملحمة، وحرمان الأمّة من وثاقة هذا الكتاب وما جاء به من معالجات مهمة للقضية الحسينية على المستوى الفكري والتاريخي والعقدي.
  5.  لمصلحة من يتمّ إسقاط الملحمة الحسينيّة؟! أليست غنيّة بمعالجة الكثير من الخرافات التي ألصقت بالقضيّة الحسينيّة!؟ فالمستفيد من ذلك في المقام الأوّل هم الخرافيّون، والذين يستأنسون بالقصص والأخبار الأسطوريّة التي تعطي القضية الحسينيّة بُعدًا مغايرًا لما هي عليه في حقيقتها، وتقديمها بشكل هزيل وبأنّها ذات انهزاميّة، فلنتأمل. 
وصيَّة السيّد الخميني بالأخذ بنتاج الشهيد مطهّري
ومن الغريب والعجيب، أنَّنا نجد هذا الادّعاء من قبل السيِّد جعفر مرتضى، بأن يفرِّق بين نتاج مطهّري المطبوع قبل استشهاده وبعده، رحمه الله! ولا ندري من أين ارتكز إلى ذلك! فالخميني عندما يدعو بالأخذ بنتاج مطهَّري، فهو ذو إطلاق عام، لم يحدّد ولَم يدع من دافع الاطلاع الشخصي الكامل لنتاجات مطهّري، وإنما من خلال ثقته بعلمه ونتاجه الفكري، فليس بالضّرورة أن يطَّلع الخميني على كلّ حرف وكلّ كلمة قالها مطهّري، حتى يدعو للاهتمام والأخذ بنتاجاته، فالمضامين تكفي، والإخلاص الذي كان يعيشه مطهّري يكفي، والجانب العلمي المعروف لديه يكفي، وكونه من تلامذته والقريبين منه يكفي، ولأنّه اطلع في الجملة على نتاجه ووجدها ثريّة وقويّة ومهمّة وعميقة، وهذا يكفي، فلماذا هذا التفريق؟! ولماذا الشهيد مطهّري؟! ولماذا "الملحمة الحسينيّة" بالذات؟!
   فالمسألة، إذاً، ليست مسألة رياضيّة حسابيّة هندسيّة، حتى نفرِّق بين ما هو مكتوب بيده، أو محاضرة ألقيت أو خرجت إلى النّور قبل وفاته أو بعدها، فالمعيار ليس كذلك، وإنما في نتاجه المعرفي الشمولي في كلّ تفاصيله وأبعاده، بغضّ النّظر عن الطريقة والأسلوب، وكتاب "الملحمة الحسينيّة" هو عبارة عن محاضرات ألقيت من قبله، وكتابات كانت موجودة لديه قبل استشهاده، وقامت لجنة الإشراف على إعداد هذا الكتاب ليمثّل رأي الشهيد مطهّري فيما يرتبط بالقضيّة الحسينيّة، وما ينسب إليها من أحداث ووقائع.
   كما أنّ شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهري، وكبار العلماء، ولا سيّما القريبين منه، لن يقبلوا بأن ينسب أحدٌ إلى مطهّري كتابًا ليس له، وخصوصاً بحجم "الملحمة الحسينيّة"، لذلك نجدهم أمروا بسحب كتاب نزل في السوق "نظري به نظام اقتصاد إسلام"، كونه يحمل تعليقات النّاشر غير الجيدة، فكيف لو كان المتن نفسه فيه إشكاليات معيّنة!؟ وما ذهب إليه العاملي من أن الكتاب هذا تمّ سحبه، كونه غير دقيق في متنه، غير صحيح، بل كانت المشكلة في الناشر نفسه3.
وكيف يغفل العاملي عن مقبوليّة النتاج الذي يطبع بعد وفاة الكثير من العلماء والمفكّرين دون اعتراض من أحد؟! فهل هذا جدال كان يريد من خلاله تعكير الذهن ليمرّر من خلاله تشكيكاته؟! ومن الغريب أيضاً، أنّنا نجده يستشهد بكلامٍ لمطهَّري بعدم نشر محاضراته! ولكنّه غفل عن الدافع حول ذلك، كون المحاضر يطلب مراجعة محاضراته من النّاحية اللّغويّة وما شابه ذلك، حتى تكون صالحةً للطباعة، وليس على مستوى المضمون نفسه. فماذا يفعل بما يسمّى بالتقريرات في الحوزة؟! هل هي غير مقبولة أيضاً؟! ولو قبلنا بهذه القاعدة الغريبة، لوصلنا إلى نتيجة تلغي الكثير من التقريرات التي قام بها الطلبة لأساتذتهم في الحوزة العلميّة، ولما أصبحت حجّة ودليلاً يرجع إليه من قبل العلماء والمحققين والباحثين، وفي هذا خرط القتاد.

الشيخ أحمد أبو زيد العاملي وعمليّة ردّ الشبهات
 وقد بحث هذه المسألة الشيخ أحمد أبو زيد العاملي، وخرج بخلاصات بعد ردّ ّكل الشبهات التي أثارها السيد جعفر مرتضى4. ومن أهمّ هذه الخلاصات:
الأولى: أنّ السيّد جعفر مرتضى لم يطالع مقدّمة الجزء الثاني من الطبعة الفارسيّة، وإلا لارتفعت أكثر إشكالياته تلقائيًّا.
الثانية: أنه غفل بأن ما وصفه "بالمؤلّف" لكتاب "الملحمة الحسينيّة" غير الشهيد مطهري، هو نفسه "شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهري"، وهي تابعة للجمهورية الإسلامية في إيران وورثة الشهيد مطهري، والتي لا يشكّ فيها أحد في اعتمادها الدقة والتأني.
الثالثة: أنه لم يرجع إلى الطبعة الفارسية عندما وجد أخطاءً بالطبعة العربية، بالرغم من أنه صرَّح بأنها بين يديه! وهذا ما أدّى به إلى استنتاج أمور غير صحيحة.
  
وقد وجدت أحد العلماء قد خلص بنتيجة بعد التتبع والتدقيق لما جاء به السيد جعفر مرتضى، وهو الشيخ جعفر الصويلح، وهي: "كثير مما ذكره المحقق العاملي هو بالفعل عامل ضعف في الكتاب، ولكنّه لا ينفي صحة نسبة الكتاب للشهيد مطهري، بل ننسبه للشهيد (رضوان الله عليه)، مع الاعتراف بوجود عوامل ضعف في الكتاب"5.
   تعليق: إنّ ما اعتمده الشيخ صويلح في ضعف الملحمة، كان مما جاء به السيد جعفر مرتضى، وكوننا وجدنا أنّ كتابه لم يكن علميًّا، ولَم يتحرّ الدقة في كثير من الشبهات التي أوردها، كما خلص إلى ذلك المحقق الغروي والشيخ أبو زيد، فنتيجته غير دقيقة، ولكن ما يهمّنا هنا، هو أنه رفض أن يكون الكتاب غير منسوب إلى الشهيد مطهري، فهو بالفعل له، ولا يمكن أن ننفي ذلك.
  
خلاصة: إنّ ما نستخلصه من قول العلامة المحقق الشيخ اليوسفي الغروي، وكذلك الشيخ أحمد أبو زيد العاملي، والشيخ جعفر الصويلح وغيره من الباحثين حقيقة...، هو أن كتاب "الملحمة الحسينية" عبارة عن محاضرات وكلمات قد كتبت من قبل العلامة الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (رضوان الله عليه)، وما ادّعاه السيد جعفر مرتضى العاملي عار من الصحة، ولا يصمد أمام الواقع، وأن دعوة السيد الخميني (رضوان الله عليه) وتوصيته بالأخذ من الشهيد مطهري، لا تنحصر بما اطلع هو عليه شخصياً، وليس بما تمّ طبعه في حياته فقط، وإنما هي توصية عامة شمولية لا علاقة لها بذلك، فكل نتاج للشهيد مطهري هو محلّ تقدير واحترام وتوصية من قبل السيد الخميني، ودعوى السيد جعفر مرتضى ليست في محلّها، كونها غير مستندة إلى دليل سوى ما يرمي إليه من محاججة غريبة، ولا علاقة لها بالبحث العلمي، فيكفينا أن نثق بأنّ "الملحمة الحسينية" هي للشهيد مطهّري، وأنّ السيّد الخميني أوصى بتراثه وهو محلّ ثقته، وهو ليس بحاجة إلى تزكية أحد، فهو غني عن ذلك.

ولهذا البحث نتائج كثيرة لا محلّ لذكرها، ولكنّنا نأمل أن نوفّق للبحث فيها في وقت قريب بإذن الله تعالى، وخصوصاً ما يتعلق بوجود ليلى أم علي الأكبر في كربلاء، لماذا نرى إصرار البعض على إثبات وجودها؟ ما الغاية من ذلك؟ وهل يوجد مصدر معتبر يثبت ذلك؟ وأيّ المصادر التي ذكرت ذلك؟ وهل يمكن الاعتماد عليها؟ ولماذا؟...

الهوامش:
1 العاملي، جعفر مرتضى ، كربلاء فوق الشبهات، صفحة 67.
2 المقطع موجود على اليوتيوب تحت اسم "الشيخ اليوسفي الغروي: الملحمة الحسينية للشهيد مطهري والسيد جعفر مرتضى يحرف التاريخ
https://www.youtube.com/watch?v=hcYjPmli05w&feature=youtu.be
3 وهذا ما قد تمّ إثباته من قبل الشيخ أحمد أبو زيد العاملي، في ردّه على كتاب "كربلاء فوق الشبهات"، فراجع.
4 الملحمة الحسينية فوق الشبهات، وقفة مع استنتاجات السيّد جعفر مرتضى العاملي:
http://sayedfadlullah.com/article/1259
5 هل كتاب الملحمة الحسينية للشهيد مطهري ؟:
  HTTPS://ALANSARBLOG.WORDPRESS.COM/

الملحمة الحسينيّة وتشكيكات السيّد جعفر مرتضى العاملي

"بين الموضوعيّة والعاطفة"

الشيخ صلاح مرسول 

لقد كتب الكثير من العلماء حول "الملحمة الحسينيّة" للشهيد الشيخ مرتضى مطهري، وهي ذات بعد نقديّ جريء لكلّ ما يتم نسبته إلى القضية الحسينية، وقد قام السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه "كربلاء فوق الشبهات" بالتشكيك حول نسبة الكتاب لمطهّري من ناحية، وأن ما قاله السيد الخميني حول الأخذ بكتب مطهري، إنّما هي قبل وفاته وليس بعد وفاته، وكتاب "الملحمة الحسينية" صدر بعد وفاته، فهذا لا يندرج ضمن وصية السيد الخميني! من ناحية أخرى، فهو يقول: "ولكن الحقيقة هي أن هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة أجزاء، لم يكتبه هذا الشهيد السعيد. وإن كان ربما يعكس أفكاره، التي يتبناها، ويلتزم بها، وإنما هو من تأليف رجل آخر..." .1
وهنا أحبّ أن أشير إلى نقطة محوريّة أجدها في غاية الأهميّة، وغاية بحثي هنا ليس المضمون كمضمون، وإنّما المنسوب كمنسوب، فالمضمون بحاجة إلى بحث أوسع حقيقة، ولكني أرى أنّ تثبيت نسبة الكتاب لصاحبه من عدمه، يأتي قبل ذلك. ودعوني أطرح تساؤلاً ألا وهو: هل دعوى السيد جعفر مرتضى أن الكتاب ليس للشهيد مطهري كان صحيحًا!؟ ومن دون الدخول في النوايا والدّوافع، نريد أن نعالج هذه المسألة بطريقة علميّة وموضوعيّة.
وللإجابة عن هذا السؤال، يكفينا ما نقله المحقق العلامة الشيخ اليوسفي الغروي، عندما سأل عن إشكالية ودعوى السيد جعفر مرتضى حول الملحمة. لماذا؟! لأنه شاهد عيان وثقة ومحقّق وله وزنه العلمي الكبير، وهذا مرجّح على من يعالج المسألة بالحدس لا بالحسّ.

العلامة المحقّق الشيخ اليوسفي الغروي كشاهد عيان
 طرح سؤالًا على الشيخ الغروي في إحدى الجلسات الحوارية في إيران2، وكانت باللغة الفارسية، ولكن أحد الإخوة ممن نثق بهم وبإيمانهم وبقوّتهم باللغة الفارسية، طلبنا منه أن يقوم بترجمة هذا المقطع الذي يجيب فيه الغروي عن هذا التساؤل حول "الملحمة الحسينية"، وتشكيك العاملي فيها، وكان السؤال كالتالي: بالنّسبة إلى كتاب "الملحمة الحسينية" (الجزء الثالث) للشهيد مرتضى مطهّري، إلى أيّ حدّ هو موثق؟ وهل نقد السيد جعفر مرتضى العاملي لهذا الكتاب صحيح أم لا؟!
وجاء جواب الشيخ الغروي عن هذا التساؤل كما يلي: كلا - وهنا يردّ على ادّعاء العاملي، بأنّ ما ذهب إليه غير صحيح - ومن هنا، سوف أبدأ: إنّ أحد الأسباب التي دعتني إلى عدم الاكتفاء بتحقيقاته التاريخيّة، وبدأت بتحقيقاتي الخاصّة، هو لأنني إذا كنت قادرًا على الاعتماد على كتابه - السيد جعفر مرتضى- كآخر تحقيق تاريخي شيعي حوزوي، لاكتفيت به، ولَم أكن لأكتب تاريخًا آخر، لكنني قد رأيت بالتدريج أنه متأثّر بالجانب العاطفي أكثر من التحقيق التاريخي، وفِي العديد من الأمور، لديه عدة أخطاء، من جملتها هذه المسألة: التشكيكات التي طرحها الشهيد المطهّري بنفسه في خطاباته في حسينية الإرشاد، والتي تمّ جمعها في كتاب وطباعتها، حيث أراد السيد جعفر أن لا يتطرّق إلى هذه التشكيكات، لذلك، شكك في أصل صحة نسبة هذه التسجيلات إلى المرحوم الشهيد المطهري، على الرغم من أننا كنا متواجدين ولازلنا أحياءً! لذلك، لا تحرّفوا التاريخ أمام أعيننا، نحن أمام أعيننا رأينا أنّ الشهيد المطهري قد طرح هذه المسائل، وكذلك، فإن تسجيلاته موجودة أيضًا، ولَم يمض الكثير من الوقت حتى يأتينا البعض بتسجيلات فلان وفلان، وينسبها إلى المرحوم الشهيد المطهري، لذلك، فإنني أقول حول هذه التشكيكات بأنّه تشكيك في غير محلّه. انتهى كلام الغروي.

ملاحظات حول جواب الغروي
  1. إنّ المحقق الغروي قد لجأ إلى التحقيق بعد أن اطّلع على ضعف تحقيق العاملي وعدم موضوعيّته وتأثره العاطفي والميولي، وهذا يعني أنّ النتاج الذي قام به العاملي ليس نتاجًا علميًّا  يوثق به من الناحية الموضوعيّة، وهذه نقطة ارتكازية على مستوى البحث العلمي والتاريخي لا ينبغي تخطيها من قبل الباحثين، كونها ثغرة كبيرة في النتاج المعرفي.
  2.  إنّ العاملي - حسب تتبع الغروي- وجد أنّ هناك أخطاءً على مستوى التحقيق، وليس خطأً واحدًا فقط، ومن جملة هذه الأخطاء، ما جاء من خلاصة وتحقيق في كتابه "كربلاء فوق الشبهات"، والذي من خلاله يشكّك في نسبة "لملحمة الحسينية" إلى الشهيد المطهري، ودافع تأليفه كان لذلك، وهذا يعني أنّ كتاب العاملي قد سقط ولَم يصبح ذات قيمة علميّة، كونه قد ارتكز على شبهات، فكيف يردّ الشبهات!!؟
  3.  إنّ الغروي شاهد عيان، وينقل الخبر عن طريق الحسّ والقرب والحضور، وكونه محلّ ثقة، فكلامه مقدَّم ومعتمد على من يعالج المسألة عن طريق الحدس والاحتمالات. لذلك، فكتاب "الملحمة الحسينيّة" حسب ما أورده الغروي، هو بالفعل للشهيد مطهّري، وكلّ ما جاء فيه يعبّر عن رأيه، رحمه الله، ولو كانت توجد أيّ فكرة لا تعبّر عن رأيه، لما توانى الغروي للإشارة إليها، فهو معروف بدقّته وإخلاصه وعدم ميوله العاطفيّة في هذا المجال.
  4.  إنّ ما قام به العاملي، حسب تعبير الغروي، يعتبر تحريفًا للتاريخ، وهذه مسألة خطيرة جدًا، لأنّ نتاجاتها على المستوى البعيد تؤدي لإسقاط نتاج فكري مهم، كما هو في الملحمة، وحرمان الأمّة من وثاقة هذا الكتاب وما جاء به من معالجات مهمة للقضية الحسينية على المستوى الفكري والتاريخي والعقدي.
  5.  لمصلحة من يتمّ إسقاط الملحمة الحسينيّة؟! أليست غنيّة بمعالجة الكثير من الخرافات التي ألصقت بالقضيّة الحسينيّة!؟ فالمستفيد من ذلك في المقام الأوّل هم الخرافيّون، والذين يستأنسون بالقصص والأخبار الأسطوريّة التي تعطي القضية الحسينيّة بُعدًا مغايرًا لما هي عليه في حقيقتها، وتقديمها بشكل هزيل وبأنّها ذات انهزاميّة، فلنتأمل. 
وصيَّة السيّد الخميني بالأخذ بنتاج الشهيد مطهّري
ومن الغريب والعجيب، أنَّنا نجد هذا الادّعاء من قبل السيِّد جعفر مرتضى، بأن يفرِّق بين نتاج مطهّري المطبوع قبل استشهاده وبعده، رحمه الله! ولا ندري من أين ارتكز إلى ذلك! فالخميني عندما يدعو بالأخذ بنتاج مطهَّري، فهو ذو إطلاق عام، لم يحدّد ولَم يدع من دافع الاطلاع الشخصي الكامل لنتاجات مطهّري، وإنما من خلال ثقته بعلمه ونتاجه الفكري، فليس بالضّرورة أن يطَّلع الخميني على كلّ حرف وكلّ كلمة قالها مطهّري، حتى يدعو للاهتمام والأخذ بنتاجاته، فالمضامين تكفي، والإخلاص الذي كان يعيشه مطهّري يكفي، والجانب العلمي المعروف لديه يكفي، وكونه من تلامذته والقريبين منه يكفي، ولأنّه اطلع في الجملة على نتاجه ووجدها ثريّة وقويّة ومهمّة وعميقة، وهذا يكفي، فلماذا هذا التفريق؟! ولماذا الشهيد مطهّري؟! ولماذا "الملحمة الحسينيّة" بالذات؟!
   فالمسألة، إذاً، ليست مسألة رياضيّة حسابيّة هندسيّة، حتى نفرِّق بين ما هو مكتوب بيده، أو محاضرة ألقيت أو خرجت إلى النّور قبل وفاته أو بعدها، فالمعيار ليس كذلك، وإنما في نتاجه المعرفي الشمولي في كلّ تفاصيله وأبعاده، بغضّ النّظر عن الطريقة والأسلوب، وكتاب "الملحمة الحسينيّة" هو عبارة عن محاضرات ألقيت من قبله، وكتابات كانت موجودة لديه قبل استشهاده، وقامت لجنة الإشراف على إعداد هذا الكتاب ليمثّل رأي الشهيد مطهّري فيما يرتبط بالقضيّة الحسينيّة، وما ينسب إليها من أحداث ووقائع.
   كما أنّ شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهري، وكبار العلماء، ولا سيّما القريبين منه، لن يقبلوا بأن ينسب أحدٌ إلى مطهّري كتابًا ليس له، وخصوصاً بحجم "الملحمة الحسينيّة"، لذلك نجدهم أمروا بسحب كتاب نزل في السوق "نظري به نظام اقتصاد إسلام"، كونه يحمل تعليقات النّاشر غير الجيدة، فكيف لو كان المتن نفسه فيه إشكاليات معيّنة!؟ وما ذهب إليه العاملي من أن الكتاب هذا تمّ سحبه، كونه غير دقيق في متنه، غير صحيح، بل كانت المشكلة في الناشر نفسه3.
وكيف يغفل العاملي عن مقبوليّة النتاج الذي يطبع بعد وفاة الكثير من العلماء والمفكّرين دون اعتراض من أحد؟! فهل هذا جدال كان يريد من خلاله تعكير الذهن ليمرّر من خلاله تشكيكاته؟! ومن الغريب أيضاً، أنّنا نجده يستشهد بكلامٍ لمطهَّري بعدم نشر محاضراته! ولكنّه غفل عن الدافع حول ذلك، كون المحاضر يطلب مراجعة محاضراته من النّاحية اللّغويّة وما شابه ذلك، حتى تكون صالحةً للطباعة، وليس على مستوى المضمون نفسه. فماذا يفعل بما يسمّى بالتقريرات في الحوزة؟! هل هي غير مقبولة أيضاً؟! ولو قبلنا بهذه القاعدة الغريبة، لوصلنا إلى نتيجة تلغي الكثير من التقريرات التي قام بها الطلبة لأساتذتهم في الحوزة العلميّة، ولما أصبحت حجّة ودليلاً يرجع إليه من قبل العلماء والمحققين والباحثين، وفي هذا خرط القتاد.

الشيخ أحمد أبو زيد العاملي وعمليّة ردّ الشبهات
 وقد بحث هذه المسألة الشيخ أحمد أبو زيد العاملي، وخرج بخلاصات بعد ردّ ّكل الشبهات التي أثارها السيد جعفر مرتضى4. ومن أهمّ هذه الخلاصات:
الأولى: أنّ السيّد جعفر مرتضى لم يطالع مقدّمة الجزء الثاني من الطبعة الفارسيّة، وإلا لارتفعت أكثر إشكالياته تلقائيًّا.
الثانية: أنه غفل بأن ما وصفه "بالمؤلّف" لكتاب "الملحمة الحسينيّة" غير الشهيد مطهري، هو نفسه "شورى الإشراف على آثار الشهيد مطهري"، وهي تابعة للجمهورية الإسلامية في إيران وورثة الشهيد مطهري، والتي لا يشكّ فيها أحد في اعتمادها الدقة والتأني.
الثالثة: أنه لم يرجع إلى الطبعة الفارسية عندما وجد أخطاءً بالطبعة العربية، بالرغم من أنه صرَّح بأنها بين يديه! وهذا ما أدّى به إلى استنتاج أمور غير صحيحة.
  
وقد وجدت أحد العلماء قد خلص بنتيجة بعد التتبع والتدقيق لما جاء به السيد جعفر مرتضى، وهو الشيخ جعفر الصويلح، وهي: "كثير مما ذكره المحقق العاملي هو بالفعل عامل ضعف في الكتاب، ولكنّه لا ينفي صحة نسبة الكتاب للشهيد مطهري، بل ننسبه للشهيد (رضوان الله عليه)، مع الاعتراف بوجود عوامل ضعف في الكتاب"5.
   تعليق: إنّ ما اعتمده الشيخ صويلح في ضعف الملحمة، كان مما جاء به السيد جعفر مرتضى، وكوننا وجدنا أنّ كتابه لم يكن علميًّا، ولَم يتحرّ الدقة في كثير من الشبهات التي أوردها، كما خلص إلى ذلك المحقق الغروي والشيخ أبو زيد، فنتيجته غير دقيقة، ولكن ما يهمّنا هنا، هو أنه رفض أن يكون الكتاب غير منسوب إلى الشهيد مطهري، فهو بالفعل له، ولا يمكن أن ننفي ذلك.
  
خلاصة: إنّ ما نستخلصه من قول العلامة المحقق الشيخ اليوسفي الغروي، وكذلك الشيخ أحمد أبو زيد العاملي، والشيخ جعفر الصويلح وغيره من الباحثين حقيقة...، هو أن كتاب "الملحمة الحسينية" عبارة عن محاضرات وكلمات قد كتبت من قبل العلامة الشهيد الشيخ مرتضى مطهري (رضوان الله عليه)، وما ادّعاه السيد جعفر مرتضى العاملي عار من الصحة، ولا يصمد أمام الواقع، وأن دعوة السيد الخميني (رضوان الله عليه) وتوصيته بالأخذ من الشهيد مطهري، لا تنحصر بما اطلع هو عليه شخصياً، وليس بما تمّ طبعه في حياته فقط، وإنما هي توصية عامة شمولية لا علاقة لها بذلك، فكل نتاج للشهيد مطهري هو محلّ تقدير واحترام وتوصية من قبل السيد الخميني، ودعوى السيد جعفر مرتضى ليست في محلّها، كونها غير مستندة إلى دليل سوى ما يرمي إليه من محاججة غريبة، ولا علاقة لها بالبحث العلمي، فيكفينا أن نثق بأنّ "الملحمة الحسينية" هي للشهيد مطهّري، وأنّ السيّد الخميني أوصى بتراثه وهو محلّ ثقته، وهو ليس بحاجة إلى تزكية أحد، فهو غني عن ذلك.

ولهذا البحث نتائج كثيرة لا محلّ لذكرها، ولكنّنا نأمل أن نوفّق للبحث فيها في وقت قريب بإذن الله تعالى، وخصوصاً ما يتعلق بوجود ليلى أم علي الأكبر في كربلاء، لماذا نرى إصرار البعض على إثبات وجودها؟ ما الغاية من ذلك؟ وهل يوجد مصدر معتبر يثبت ذلك؟ وأيّ المصادر التي ذكرت ذلك؟ وهل يمكن الاعتماد عليها؟ ولماذا؟...

الهوامش:
1 العاملي، جعفر مرتضى ، كربلاء فوق الشبهات، صفحة 67.
2 المقطع موجود على اليوتيوب تحت اسم "الشيخ اليوسفي الغروي: الملحمة الحسينية للشهيد مطهري والسيد جعفر مرتضى يحرف التاريخ
https://www.youtube.com/watch?v=hcYjPmli05w&feature=youtu.be
3 وهذا ما قد تمّ إثباته من قبل الشيخ أحمد أبو زيد العاملي، في ردّه على كتاب "كربلاء فوق الشبهات"، فراجع.
4 الملحمة الحسينية فوق الشبهات، وقفة مع استنتاجات السيّد جعفر مرتضى العاملي:
http://sayedfadlullah.com/article/1259
5 هل كتاب الملحمة الحسينية للشهيد مطهري ؟:
  HTTPS://ALANSARBLOG.WORDPRESS.COM/
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية