كتابات
23/10/2018

هل عدم الإيمان بنبوّة محمّد(ص) يستحقّ العقاب؟

هل عدم الإيمان بنبوّة محمّد(ص) يستحقّ العقاب؟

هل من لم يؤمن بنبوّة محمد مستحقّ للعقاب، أو لا بدّ من التفصيل.

وقبل أن نفرّق بين العالم والجاهل، والقاصر والمقصِّر، نشير إلى الأصول الرئيسية، والمقاييس الأولى لاستحقاق العقاب وعدمه، ومنها تتضح الحقيقة، والتمييز بين الأفراد.

وقد تسالم الجميع على أنّ الإنسان كائناً من كان، وعلى أيّ دين كان، لا يستحق العقاب إلا بعد قيام الحجّة عليه، ولا تقوم الحجّة عليه إلا بعد استطاعته على الوصول إلى دليل الحقّ، وقدرته على العمل به، ومع ذلك، تركه من غير مبرّر. فإذا لم يوجد على الحق دليل من الأساس، أو وجد، ولكن عجز الإنسان عن الوصول إليه، أو وصل إليه، وأدّى حقّ النظر فيه، حتى بلغ النهاية، مع ذلك خفي عليه الحق، إذا كان كذلك، فهو معذور، لعدم إتمام الحجّة عليه، لأنّ من لم يثبت الحقّ لديه، لا يعاقب على تركه إلا إذا قصَّر فيه.

1ـ أن يعيش الإنسان في بلدٍ ناءٍ عن الإسلام والمسلمين ولم تبلغه الدّعوة، وما سمع باسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة حياته، ولا مر بخاطره من قريب أو بعيد أن في الدنيا دينا اسمه الإسلام، ونبيا اسمه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس من شك أنّ هذا معذور من حيث عدم استحقاقه للعقاب، لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ولقوله تعالى: {وما كنّا معذِّبين حتى نبعث رسولاً}[الإسراء: 15].

والعقل رسول باطني، وما في ذلك ريب، إلا أنّه برهان مستقلّ على وجود الله، أما الدليل على ثبوت نبوّة النبيّ، فلا بدّ من توسط المعجزة، وظهورها على يده، مع حكم العقل باستحالة ظهورها على أيدي غير الأنبياء.

2 ـ أن يسمع بالإسلام وبمحمد، ولكنه يفقد القدرة على التمييز بين الحقّ والباطل، لقصوره وعدم استعداده لتفهم دليل الحقّ ومعرفته، وهذا معذور، لأنه تماماً كالطفل والمجنون. ومثله إذا لم يؤمن بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) صغيراً تقليداً لآبائه، وذهل عن عقيدته كبيراً، واستمر مطمئناً إليها غير شاك ولا متردّد، وهذا معذور، لأن تكليف الذاهل غير المقصِّر كتكليف النائم.

أجل، إذا تنبّه هذا الغافل من نفسه إلى وجوب المعرفة، أو قال له قائل إنك مبطل في عقيدتك، ومع ذلك أصرّ ولم يبحث ويسأل فهو آثم، لأنه مقصّر، وجهل المقصّر ليس بعذر.

3 ـ ألا يؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أنّ فيه الاستعداد الكافي الوافي لتفهم الحقّ، ولكنه أهمل ولم يكترث إطلاقاً، أو بحث بحثاً ناقصاً، وترك قبل أن يبلغ النظر نهايته، كما هو شأن الأعم الأغلب، بخاصّة شباب هذا الجيل، وهذا غير معذور، لأنّه أخطأ من غير اجتهاد، وتمكن من معرفة الحقّ وأهمل، وبالأولى أن يؤاخذ ويعاقب من بحث واقتنع، ومع ذلك، رفض الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تعصباً وعنادا.W

4 أن ينظر إلى الدليل، وهو متجه إلى الحقّ بإخلاص، ولكن لم يهتد إلى الوجه الذي يوجب الإيمان بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إما لتمسّكه بشبهة باطلة دون أن يلتفت إلى بطلانها، وإمّا لسليقة عرجاء، وما إلى ذلك مما يصدّ عن رؤية الحقّ.

وهذا ينظر إلى حاله: فإن جحد ونفى النبوّة عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول قاطع، فهو مؤاخذ ومستحقّ للعقاب، لأنّ من خفي عليه وجه الحقّ، لا يجوز له أن يجزم ويقطع بنفيه إطلاقاً، فقد يكون الحقّ موجوداً، ومنع من الوصول إلى معرفته مانع، وهذا هو الغالب، فإنّ الأشياء الكونية موجودة في ذاتها، ومع ذلك، لا نعلم منها إلا قليلاً، وكذلك الشأن بالنّسبة إلى الأنبياء والمصلحين، وأيّ إنسان يحيط بكلّ شيء علماً؟.

وعلى هذا، فإن مجرد عدم اقتناع زيد من الناس بنبوّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يسوغ له نفي النبوة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول قاطع، وإن فعل فهو مسؤول، بخاصّة بعد أن رأى العديد من الغرباء الأكفاء الذين يتأثرون بالوراثة والبيئة، رآهم يؤمنون بمحمد ورسالته، لا لشيء إلا احتراماً للحق، واعترافاً بالواقع.

هذا إذا جحد، أما إذا نظر إلى الدليل ولم يقتنع، ولكنه لم يجحد، بل وقف موقف المحايد من نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يثبت، ولم ينف، وفي الوقت نفسه نوى مخلصاً أن يؤمن بالحقّ متى ظهر له، تماماً كالفقيه العادل، يفتي بالشيء على نيّة العدول عنه متى استبان له الخطأ، أما هذا، فهو غير مسؤول، لأنّه أخطأ في اجتهاده من غير تقصير، فلا يؤاخذ على خطئه بحكم العقل والنقل أيضاً، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "لو أنّ الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا". وفي رواية ثانية: "إنما يكفر إذا جحد". وقال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف بالرّسائل، فصل الظنّ في الأصول: "لقد دلت الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والإيمان"، أي أن الجاحد كافر، والمعتقد مؤمن، والشاكّ لا كافر ولا مؤمن.

ومن الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على عدم مؤاخذة المجتهد غير المقصِّر إذا خطأ فيما يعود إلى العقيدة من هذه الأحاديث: الحديث المشهور عند السنّة والشيعة: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".

وإذا قال قائل: إن هذا الحديث خاصّ بخطأ المجتهد في الأحكام الفرعيّة، لا في المسائل العقائديّة، كما ادعى جماعة من العلماء.

قلنا في جوابه وجوابهم: إنّ المبرّر لعدم مؤاخذة المجتهد في الأحكام، هو احتراسه وعدم تقصيره في البحث، وهذا المبرر موجود بالذات في المسائل العقائدية.

هذا، إلى أن جميع الفقهاء اتفقوا، ومنهم الذين خصّوا هذا الحديث بالمجتهد في الفروع، اتفقوا كلمة واحدة، على أن القاصر الذي يعجز عن إدراك الحقيقة الحقّة معذور، ونحن لا نرى أيّ فرق بينه وبين المجتهد الذي عجز بعد أن استنفد الجهد، لأنّ كلاً منهما عاجز عن معرفة ما لم يصل إليه.

*من مقالة في مجلة "رسالة الإسلام".

هل من لم يؤمن بنبوّة محمد مستحقّ للعقاب، أو لا بدّ من التفصيل.

وقبل أن نفرّق بين العالم والجاهل، والقاصر والمقصِّر، نشير إلى الأصول الرئيسية، والمقاييس الأولى لاستحقاق العقاب وعدمه، ومنها تتضح الحقيقة، والتمييز بين الأفراد.

وقد تسالم الجميع على أنّ الإنسان كائناً من كان، وعلى أيّ دين كان، لا يستحق العقاب إلا بعد قيام الحجّة عليه، ولا تقوم الحجّة عليه إلا بعد استطاعته على الوصول إلى دليل الحقّ، وقدرته على العمل به، ومع ذلك، تركه من غير مبرّر. فإذا لم يوجد على الحق دليل من الأساس، أو وجد، ولكن عجز الإنسان عن الوصول إليه، أو وصل إليه، وأدّى حقّ النظر فيه، حتى بلغ النهاية، مع ذلك خفي عليه الحق، إذا كان كذلك، فهو معذور، لعدم إتمام الحجّة عليه، لأنّ من لم يثبت الحقّ لديه، لا يعاقب على تركه إلا إذا قصَّر فيه.

1ـ أن يعيش الإنسان في بلدٍ ناءٍ عن الإسلام والمسلمين ولم تبلغه الدّعوة، وما سمع باسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة حياته، ولا مر بخاطره من قريب أو بعيد أن في الدنيا دينا اسمه الإسلام، ونبيا اسمه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس من شك أنّ هذا معذور من حيث عدم استحقاقه للعقاب، لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ولقوله تعالى: {وما كنّا معذِّبين حتى نبعث رسولاً}[الإسراء: 15].

والعقل رسول باطني، وما في ذلك ريب، إلا أنّه برهان مستقلّ على وجود الله، أما الدليل على ثبوت نبوّة النبيّ، فلا بدّ من توسط المعجزة، وظهورها على يده، مع حكم العقل باستحالة ظهورها على أيدي غير الأنبياء.

2 ـ أن يسمع بالإسلام وبمحمد، ولكنه يفقد القدرة على التمييز بين الحقّ والباطل، لقصوره وعدم استعداده لتفهم دليل الحقّ ومعرفته، وهذا معذور، لأنه تماماً كالطفل والمجنون. ومثله إذا لم يؤمن بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) صغيراً تقليداً لآبائه، وذهل عن عقيدته كبيراً، واستمر مطمئناً إليها غير شاك ولا متردّد، وهذا معذور، لأن تكليف الذاهل غير المقصِّر كتكليف النائم.

أجل، إذا تنبّه هذا الغافل من نفسه إلى وجوب المعرفة، أو قال له قائل إنك مبطل في عقيدتك، ومع ذلك أصرّ ولم يبحث ويسأل فهو آثم، لأنه مقصّر، وجهل المقصّر ليس بعذر.

3 ـ ألا يؤمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أنّ فيه الاستعداد الكافي الوافي لتفهم الحقّ، ولكنه أهمل ولم يكترث إطلاقاً، أو بحث بحثاً ناقصاً، وترك قبل أن يبلغ النظر نهايته، كما هو شأن الأعم الأغلب، بخاصّة شباب هذا الجيل، وهذا غير معذور، لأنّه أخطأ من غير اجتهاد، وتمكن من معرفة الحقّ وأهمل، وبالأولى أن يؤاخذ ويعاقب من بحث واقتنع، ومع ذلك، رفض الإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تعصباً وعنادا.W

4 أن ينظر إلى الدليل، وهو متجه إلى الحقّ بإخلاص، ولكن لم يهتد إلى الوجه الذي يوجب الإيمان بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إما لتمسّكه بشبهة باطلة دون أن يلتفت إلى بطلانها، وإمّا لسليقة عرجاء، وما إلى ذلك مما يصدّ عن رؤية الحقّ.

وهذا ينظر إلى حاله: فإن جحد ونفى النبوّة عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول قاطع، فهو مؤاخذ ومستحقّ للعقاب، لأنّ من خفي عليه وجه الحقّ، لا يجوز له أن يجزم ويقطع بنفيه إطلاقاً، فقد يكون الحقّ موجوداً، ومنع من الوصول إلى معرفته مانع، وهذا هو الغالب، فإنّ الأشياء الكونية موجودة في ذاتها، ومع ذلك، لا نعلم منها إلا قليلاً، وكذلك الشأن بالنّسبة إلى الأنبياء والمصلحين، وأيّ إنسان يحيط بكلّ شيء علماً؟.

وعلى هذا، فإن مجرد عدم اقتناع زيد من الناس بنبوّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يسوغ له نفي النبوة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول قاطع، وإن فعل فهو مسؤول، بخاصّة بعد أن رأى العديد من الغرباء الأكفاء الذين يتأثرون بالوراثة والبيئة، رآهم يؤمنون بمحمد ورسالته، لا لشيء إلا احتراماً للحق، واعترافاً بالواقع.

هذا إذا جحد، أما إذا نظر إلى الدليل ولم يقتنع، ولكنه لم يجحد، بل وقف موقف المحايد من نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم يثبت، ولم ينف، وفي الوقت نفسه نوى مخلصاً أن يؤمن بالحقّ متى ظهر له، تماماً كالفقيه العادل، يفتي بالشيء على نيّة العدول عنه متى استبان له الخطأ، أما هذا، فهو غير مسؤول، لأنّه أخطأ في اجتهاده من غير تقصير، فلا يؤاخذ على خطئه بحكم العقل والنقل أيضاً، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "لو أنّ الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا". وفي رواية ثانية: "إنما يكفر إذا جحد". وقال الشيخ الأنصاري في كتابه المعروف بالرّسائل، فصل الظنّ في الأصول: "لقد دلت الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر والإيمان"، أي أن الجاحد كافر، والمعتقد مؤمن، والشاكّ لا كافر ولا مؤمن.

ومن الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على عدم مؤاخذة المجتهد غير المقصِّر إذا خطأ فيما يعود إلى العقيدة من هذه الأحاديث: الحديث المشهور عند السنّة والشيعة: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".

وإذا قال قائل: إن هذا الحديث خاصّ بخطأ المجتهد في الأحكام الفرعيّة، لا في المسائل العقائديّة، كما ادعى جماعة من العلماء.

قلنا في جوابه وجوابهم: إنّ المبرّر لعدم مؤاخذة المجتهد في الأحكام، هو احتراسه وعدم تقصيره في البحث، وهذا المبرر موجود بالذات في المسائل العقائدية.

هذا، إلى أن جميع الفقهاء اتفقوا، ومنهم الذين خصّوا هذا الحديث بالمجتهد في الفروع، اتفقوا كلمة واحدة، على أن القاصر الذي يعجز عن إدراك الحقيقة الحقّة معذور، ونحن لا نرى أيّ فرق بينه وبين المجتهد الذي عجز بعد أن استنفد الجهد، لأنّ كلاً منهما عاجز عن معرفة ما لم يصل إليه.

*من مقالة في مجلة "رسالة الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية