اليوم
الأربعاء 06 آب 2025
التاريخ الهجري
English
ادعم الموقع
الرئيسية
فقه
المكتبة
أرشيف السيد
حقيبة بينات
×
دعم الموقع
تنبيهات
أخبار بينات
كتابات
محاضرات
فقه
كتاب فقه الشريعة - الجزء الأول
كتاب فقه الشريعة - الجزء الثاني
كتاب فقه الشريعة - الجزء الثالث
دليل مناسك الحج
كيفية تأدية العبادات
الصيد والذبائح
كتب للمطالعة
تصفح فقه الشريعة
المكتبة
قراءات
كتب عن السيد
قرآنيات
سياسة و فكر سياسي
أسرة ومجتمع
أهل البيت
عاشوراء
قضايا الهجرة والاغتراب
فقه وأحكام شرعية
شعر وأدب
أبحاث فقهية
تفسير القرآن
كتب باللغة الفرنسية
كتب باللغة الإنكليزية
أخلاق
دعاء
فكر إسلامي
أعلام و سيرة السيد
خطب الجمعة
مفاهيم
عقائد
حديث
كلمات
أديان
الحج
موسوعة الندوة
أرشيف السيد
خطب الجمعة
بيانات
حوارات
أخبار السيّد
أناشيد
سيرة السيد
مقابلات
السيد في النجف
السيد في لبنان
العالم الفقيه
المرجعية المؤسسة
زيارات ومؤتمرات
ملف الرحيل
مرجعية السيد فضل الله
مقالات ودراسات
صور العلامة المرجع السيد فضل الله(رض)
ذكريات مع السيّد
مؤسسات السيد فضل الله(رض)
حقيبة بينات
أعمال ومستحبات
مناسبات
مواقيت
المكتبة
دعاء
أدعية الصحيفة السجاديّة
أدعية مشهورة
شرح الدعاء
المناجيات الخمس عشرة
حول الدعاء
أدعية أيام الأسبوع
كتب أدعية
زيارات
صفحات خاصة
الحج
المغتربين
عاشوراء
رمضان
تاريخ وسيرة
أهل البيت
سيرة الرسول(ص)
سيرة الأنبياء(ع)
ملفات تاريخية
قرآن
مسائل قرآنية
مقالات قرآنية
×
دعم الموقع
تنبيهات
أخبار بينات
كتابات
محاضرات
فقه
كتاب فقه الشريعة - الجزء الأول
كتاب فقه الشريعة - الجزء الثاني
كتاب فقه الشريعة - الجزء الثالث
دليل مناسك الحج
كيفية تأدية العبادات
الصيد والذبائح
كتب للمطالعة
تصفح فقه الشريعة
المكتبة
قراءات
كتب عن السيد
قرآنيات
سياسة و فكر سياسي
أسرة ومجتمع
أهل البيت
عاشوراء
قضايا الهجرة والاغتراب
فقه وأحكام شرعية
شعر وأدب
أبحاث فقهية
تفسير القرآن
كتب باللغة الفرنسية
كتب باللغة الإنكليزية
أخلاق
دعاء
فكر إسلامي
أعلام و سيرة السيد
خطب الجمعة
مفاهيم
عقائد
حديث
كلمات
أديان
الحج
موسوعة الندوة
أرشيف السيد
خطب الجمعة
بيانات
حوارات
أخبار السيّد
أناشيد
سيرة السيد
مقابلات
السيد في النجف
السيد في لبنان
العالم الفقيه
المرجعية المؤسسة
زيارات ومؤتمرات
ملف الرحيل
مرجعية السيد فضل الله
مقالات ودراسات
صور العلامة المرجع السيد فضل الله(رض)
ذكريات مع السيّد
مؤسسات السيد فضل الله(رض)
حقيبة بينات
أعمال ومستحبات
مناسبات
مواقيت
المكتبة
دعاء
أدعية الصحيفة السجاديّة
أدعية مشهورة
شرح الدعاء
المناجيات الخمس عشرة
حول الدعاء
أدعية أيام الأسبوع
كتب أدعية
زيارات
صفحات خاصة
الحج
المغتربين
عاشوراء
رمضان
تاريخ وسيرة
أهل البيت
سيرة الرسول(ص)
سيرة الأنبياء(ع)
ملفات تاريخية
قرآن
مسائل قرآنية
مقالات قرآنية
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
سيرة السيد
أرشيف خطب الجمعة عام 1996
06/08/2025
دعوةٌ قرآنيَّةٌ لتعميقِ الإيمانِ في خَطِّ اللهِ ورسولِه
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد:
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[الأنفال: 24 - 26].
تعميقُ صفةِ الإيمان
يريد الله سبحانه بهذا النّداء الإلهيّ لنا، أن تتعمَّق صفة الإيمان فينا، لأنَّنا كلَّما تعمَّق الإيمان في عقولنا أكثر، اقتربنا من الله أكثر، وكلَّما تعمَّق في قلوبنا أكثر، اقتربنا بالمحبَّة فيما بيننا أكثر، وكلَّما تعمّق في حياتنا أكثر، تعمَّقت المسؤوليَّة في حركة الحياة أكثر..
فنحن عندما نؤمن بالله الواحد، نكتشف خطَّ الاستقامة على خطّ التَّوحيد، ليكون الله هو الَّذي نحبّ أن يرضى عنَّا، وهو غاية حركتنا في الحياة، لأنَّنا من الله بدأنا، عندما قال لكلّ واحد منَّا كن فكان، وإلى الله ننتهي، عندما ينقلنا الله من دار العمل إلى دار الحساب، عندما نقف بين يديه لنؤدّي حسابنا أمامه
{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}
[الغاشية: 25 - 26].
لهذا، يريدنا الله دائماً، أيُّها الأحبَّة، أن ننمّي إيماننا كما ننمّي أجسادنا، فالإيمان يحتاج إلى رعاية دائمة، وإلى حماية دائمة، كما هي الأجساد تحتاج إلى ذلك كلّه. ولهذا، لا بدَّ لنا أن ننمّيَ إيماننا بالمزيد من قراءة آيات الله، فالله يتحدَّث عن المؤمنين فيقول:
{إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
[الأنفال: 2].
فقراءة القرآن تزيد في إيماننا، وكذلك التَّفكير في الله وخلقه:
{الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[آل عمران: 191]، فيزيدهم التَّفكير معرفةً بالله أكثر، وقرباً منه أكثر، وإحساساً بحضوره في حياتهم أكثر، وقد ورد: "تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ"، لأنَّ التفكّر في الله يمنحك وعي العبادة وروحها.
لَا حرّيَّةَ أمَامَ الله
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}
، فالله ربّكم، والربوبيَّة تعني أن تكونوا عباده المخلصين والصَّالحين، وأن تكونوا عباده المتَّقين الَّذين إذا أمرهم الله بشيء قالوا أسلمنا لربّ العالمين،
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
[الأحزاب: 36].
قل لكلّ النَّاس إذا أرادوا منك شيئاً لأنفسهم، قل أنا حرّ، يمكن أن أرفض ما تطرحونه عليّ إذا اختلف مع قناعاتي، ويمكن أن أقبله، ولكن عندما يقول لك الله افعل، فليس ليس لك أن تقول له أنا حرّ، ليس لك الحريَّة أمام ربّك، ربُّك
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ}
[الانفطار: 7-8]، ربُّك الَّذي أعطاك الحياة، وأعطاك كلَّ جسدك، وأعطاك ما ينمّي لك هذا الجسد، وهو الَّذي يميتك ويحييك، هو الَّذي يبعثك غداً.. فأيَّة حريَّة هي حريّتك أمام ربّك الَّذي يملكك بكلّك، وأنت عبد مملوك لا يقدر على شيء إلّا بإذنه؟!
إذا دعاك إنسان إلى طاعة ربّك، فإيَّاك تقول له أنا حرّ، وإذا جاءك إنسان يدعوك إلى أن لا تعصي الله، فلا تقل له أنا حرّ، قل أنا العبد لله أفعل ما يريد. من أنت أمام عليّ بن أبي طالب (ع)، هذا الإنسان الَّذي يقول لك:
"لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً"
، هذا الإنسان الكبير الكبير جداً، كيف يتحدَّث مع ربّه؟:
"فَكَيْفَ بِيْ وَأَنَا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ الـمِسْكِينُ الـمُسْتَكِينُ؟!"
، وقبله كان رسول الله (ص)، والقوم يضربونه بالحجارة ويسبّونه ويشتمونه ويطردونه من بلدهم لأنَّه قال كلمة الحقّ، وهو يرفع عينيه إلى ربّه في فرح روحيّ، ويقول:
"إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي".
القصَّة أن تكون كلّ حياتنا، أيُّها الأحبَّة، عملاً من أجل الحصول على رضا الله، لأنَّك إذا حصلت على رضا ربّك، فلا يهمّك من يغضب عليك، وإذا لم تحصل على رضاه، وحصلت على غضبه، فما قيمة رضا النَّاس عنك؟! الإمام عليّ (ع) في دعاء كميل يقول عن غضب الله:
"وَهَذَا مَا لَا تَقُومُ لَهُ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ، فَكَيْفَ بِيْ وَأَنَا عَبْدُكَ الحَقِيرُ المِسْكِينُ الـمُسْتَكِينُ؟!".
لذلك، كلّ الدّنيا تفنى، كلّ أحلامنا تذهب، كلّ شهواتنا تتبخَّر، كلّ جسدنا يتفتَّت ويتحوَّل إلى تراب، ويبقى رضا الله. والله يحدّثنا عن الجنَّة، ثمَّ يقول:
{وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}
[التّوبة: 72]، رضوان الله أكبر من نعيم الجنَّة.
لذلك، أيُّها الأحبَّة، علينا أن نعمل في وعي إيمانيّ أن يرضى الله عنَّا وأن يحبّنا، لأنَّنا بذلك نحصل على سعادة الدّنيا والآخرة. لقد جرَّبتم رضا الله من حولكم، فماذا أعطاكم ذلك؟! يمكن أن يرضى عنك إنسان لأنَّك تحقّق له غاية، ولكنَّك إذا ابتعدت عن ذلك غضِبَ عليك.
لذلك، لا بدَّ أن نعيش مع الله، على قول ذلك الشَّاعر:
فليتـَـكَ تحـلو والحياةُ مريـرةٌ
وليتَكَ ترضى والأنامُ غضابُ
وليتَ الَّذي بيني وبينَكَ عامرٌ
وبينـي وبينَ العالمين خـرابُ
إذا صحَّ منْكَ الودُّ فالكلُّ هيّنٌ
وكلُّ الَّذي فوقَ التّرابِ ترابُ
الاستجابةُ للهِ والرَّسول
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}
الَّذي جاءكم
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
[التّوبة: 128].
استجيبوا لله وللرَّسول الَّذي يبلّغكم رسالات الله، والله لا يريد منكم أن تستجيبوا له لمنفعته، فالله لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضرّه معصية من عصاه، والرَّسول لا يريد لكم أن تستجيبوا له لذاته، كما يفعل الكثيرون من زعمائكم ووجهائكم الَّذين يريدون لكم أن تستجيبوا لهم من أجل أن تؤكّدوا ذاتهم في انسحاق ذاتكم أمامهم؛ إنَّ الله يأمركم، والرَّسول يأمركم ويدعوكم إلى ما يحييكم، إلى ما يحقّق لكم الحياة الطيّبة في الدّنيا والآخرة.
فالله يريد لك في كلّ ما أمرك به ونهاك عنه، أن تنظّم حياتك، ولم يرخّص لك بأن تقتل هذه الحياة، فأنت لست حرّاً أن تقتل نفسك، حتَّى لو أحاطت بك كلّ الأزمات والضّغوط والمشاكل، فحياتك أمانة الله عندك، وليس لك أن تنهي حياتك إلَّا إذا أمرك الله بذلك، كما في خطّ الجهاد وفي خطّ الدّفاع، أمَّا أن تقتل نفسك، لأنَّ إنسانة تحبّها لم تستطع أن تتزوَّجها، أو أنَّ الفتاة تقتل نفسها لأنَّها لم تستطع أن تحقّق أحلامها في شابّ تتزوّجه، أو أنَّ إنساناً يقتل نفسه من أجل أزمة ماليَّة أو أزمة نفسيَّة... فليس ذلك من حقّه.. إنَّ الحياة أغلى من ذلك.. كن القويَّ الَّذي يستمدُّ قوَّته من الله، إذا جاءتك الغموم والهموم والأزمات، فاجلس مع ربّك وناجه واخشع له، وقل له: أسألك أن تكشف عنّي غمّي وهمّي وكربي، والله يكشف عنك ذلك إذا رأى منك صدق النيَّة، فلا تُنْهِ حياتك على هذا الأساس.
احترامُ الحياة
فالله يريد لك أن تحترم حياتك وحياة الآخرين، لا تحركوا سيوفكم في هوى ألسنتكم
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
[النساء: 93]، من دون فرق بين أن تقتله نتيجة خلاف بينك وبينه، أو أن تقتله نتيجة نزوة في نفسك، كالكثيرين من الَّذين يقتلون زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم لأنَّهم سمعوا كلمة قالها عنهنَّ سفهاء، ولأنهم لا يتحمَّلون العار.. ولكن من سلَّطك على قتل ابنتك؟! فروحها من الله، والله لم يسلّطك على ابنتك، ولا على زوجتك أو أختك أو قريبتك، إنَّ روحها بيد الله، وليس لك أن تستلبها إلَّا من خلال حكم الله، ومن خلال قوانينه وشريعته.. فمن الَّذي جعلك منفّذاً للقانون؟! حتَّى لو كان الشّخص يستحقّ القتل، لكن من قال إنّك أنت الَّذي تنفّذ قانون القتل؟! القضيَّة ليست فوضى؛ أن تقتل من تشاء، وأن تضغط على من تشاء، إنَّ الحياة هي ملك الله، ولذلك فإنَّه لا فرق بين أن تقتل عمداً نتيجة حالة ذاتيَّة، أو أن تقتل بيدك من لا يجوز لك أن تقتله، حتَّى لو جاز للشَّرع أن يقتله، فلقد احترم الله الحياة وأرادنا أن نحترمها.
في الإسلام، هناك حدود، هناك قصاص وجلد ورجم وغيرها، لكن عندنا قاعدة تقول:
"الحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ"
، يعني إذا فرضنا أنَّه قامت بيّنات، ولكن كان هناك شبهة معيَّنة، فعلينا أن نتأكّد أوّلاً، وبعض النَّاس يقتلون على الشّبهة...
في مسألة الزّنا، لا يعاقَب الزَّاني في الإسلام إلَّا إذا ثبت الزّنا بأربعة شهود، ورأوا بأمّ أعينهم العمليَّة الجنسيَّة بتفاصيلها، يعني لو شاهد الشّخص عناقاً بين رجل وامرأة، أو رآها معه في السَّرير، ولكن لم ير عمليّة جنسيّة، فلا يحكم عليهما بالزّنا، ولا بدَّ أن يشهد أربعة عدول بالزّنا بتفاصيله، وفي حال شهد ثلاثة وتراجع الرّابع عن شهادته يجلد الثَّلاثة، لأنَّ الله لا يريد أن يجعل أعراض النَّاس تحت حكم الظنّ أو الشّبهة أو الوهم. وحتَّى لو أقرّ شخص بالزنا، فينبغي أن يكون إقراره بالزّنا أربع مرَّات، فإذا أقرّ أربع مرّات أقيم عليه الحدّ. ليس عندنا أن ننفّذ استناداً إلى الشُّبهات، فالحياة قيمتها أساسيَّة.
لذلك، أيُّها الأحبَّة، عليكم أن تقفوا عند حدود الله، لأنَّ من يتعدَّ حدَّ الله فهو ظالم، فقط فكّر أنّك لست حاكماً ولا ديّاناً للنّاس. لذلك، لا بدَّ أن نقف عند الحدود، وأن نحترم الحياة، وقد حدّثنا في القرآن
{أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
[المائدة: 32].
التّوازنُ في الحياة
والله أيضاً دعانا إلى أن نعطي حياتنا معنى، أن نوازن بين الرّوح والجسد، بين الرّوح والمادّة، بين الحياة الفرديَّة والحياة الاجتماعيَّة، والله أحلَّ لك الطيّبات في الحياة، وأراد لك أن تعيش برفاهية، ولكن بشرط أن لا ترتكب الحرام، ولا تشرب الحرام، ولا تتحرَّك في الشَّهوة الحرام واللَّعب الحرام والمال الحرام، ابتعد عن الحرام وخذ حريَّتك، فكُلْ ما تشاء، واشربْ ما تشاء، والبسْ ما تشاء، واسكنْ حيثما تشاء، وتلذّذ بما تشاء...
ولو أردنا أن ندرس التَّشريعات الإسلاميَّة الَّتي تنظّم للإنسان حياته في علاقته مع نفسه ومع ربَّه، وعلاقته بالإنسان الآخر، والضَّوابط الَّتي يرسمها الإسلام لحركة النَّاس في الحياة، لرأينا أنَّ الإسلام يقدّم إلينا حياةً من أروع أنواع الحياة؛ الحياة القائمة على احترام الإنسان للإنسان وعلى المحبَّة:
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"
، الحياة القائمة على عدم الاعتداء
{وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
[البقرة: 190]، والقائمة على العدل
{فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ}
[البقرة: 194].
وهكذا نجد أنَّ الحياة في الخطّ الإسلاميّ تمثّل أعلى ما يمكن للإنسان أن يعيشه مع الآخرين ومع من حوله، بالطَّريقة الَّتي يرتفع فيها إلى مستوى إنسانيَّته.
التَّخطيطُ للآخرة
والله لا يريد لك أن تنحصر في هذه الحياة، بل يريد لك أن تخطّط لحياتك لما بعد الموت، أن ترسم للحياة الطيّبة هناك، والحياة الطيّبة هي حياة الجنَّة ورضوان الله
{جَنَّاتُ عَدْنٍۢ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ ۖ وَٱلْمَلٰائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍۢ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
[الرّعد: 23 - 24].
حياة الاستقامة هي الَّتي تعطيك خير الدّنيا والآخرة، وهذا هو معنى أن تكون حرّاً، أن تكون إرادتك حرَّة في أن ترفض كلّ ما يسقط حياتك، وأن تتقبَّل كلَّ ما يرفع من شأنها، سواء كانت حياة الدّنيا أو حياة الآخرة
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
تحسُّسُ رقابةِ الله
افهموا ربَّكم جيّداً، افهموا موقعكم من ربّكم، افهموا موقع ربّكم منكم، فالله يحول بينك وبين قلبك، وبينك وبين عقلك وفكرك، فهو أقرب إلى فكرك منك، وأقرب إلى عقلك منك، بحيث إنَّه وحده الَّذي يشرف على حركة فكرك، وهو وحده الَّذي يستطيع أن يغيّر لك فكرك، وهذه كناية عن هيمنة الله على الإنسان، لأنَّ أعظم الهيمنة هي الهيمنة على الدَّاخل، فمن السَّهل أن يسيطر أحد عليك في الخارج إذا كان أقوى منك، إذا كان يملك سلاحاً أو عضلات قويَّة، ولكنّ الله الَّذي يستطيع أن يسيطر على داخلك
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}
[ق: 16].
فراقبوا ربَّكم فيما تفكّرون، فإنَّه يلاحق تفكيركم ويعرف خفاياه، وهو القادر على أن يغيّر ذلك. ولذلك، لا تشعر بالأمان عندما تجلس وحدك وتطلق فكرك، لتخطّط أن تقتل فلاناً، أو تخدع فلاناً، أو تغشّ بالنَّصيحة والمعاملة، أو أن تضرّ فلاناً، أو أن تفتن بين النَّاس، أو أن تتعامل مع العدوّ، لأنَّ الله يحول بين المرء وقلبه:
إِذا ما خَلَوتَ الدَّهرَ يَوماً فَلا تَقُل
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقيبُ
بعض النَّاس يجلس مع العدوّ لكي يعطيه تعليمات عن كيفيَّة التجسّس والاغتيال، فيقول له أغلق الأبواب، تعال من هذا الطّريق، افعل كذا... والله يقول:
{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[المجادلة: 7]، فلا تأخذ حريّتك على أساس أن لا أحد يعرف، لأنّ الله يعرف.
والله سبحانه وتعالى يعرف كيف يفضحك إذا أراد ذلك، لأنَّ عنده وسائل ليست موجودة عند كلّ وسائل الإعلام والمخابرات، فهو خالق ذلك كلّه
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
[الأنفال: 24] وستُحاسَبون وتُسألون. فليحضّر كلّ واحد منكم جواباً، عندما يأتي النّداء
{وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}
[الصّافّات: 24]،
{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
[النّحل: 111]،
{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ}
[الانفطار: 19].
وينطلق النّداء يوم القيامة
{لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ
– هل هو لأمريكا؟ لروسيا؟ لأوروبّا؟ بل هو-
لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}
[غافر: 16]،
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}
[طه: 111].
محاربةُ الفتنة
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً}
[الأنفال: 25]، فبعض النَّاس في الدنيا ربما يلعبون ويفتنون، ويتصرَّفون تصرّفات تسيء إلى الأمَّة وإلى حركة الواقع عند النَّاس، وهؤلاء إذا لم يمنعهم النَّاس من ذلك، ولم يقفوا في وجههم، فلن تبقى الفتنة محصورة بدائرتهم، بل ستمتدّ إلى خارجها وتصيب الآخرين، فنحن نعرف أنّه إذا أشعل أحد ناراً، فالهواء سيجعل النَّار تمتدّ لتصل إلى بيتك وتحرقه، حتّى لو لم يكن لك علاقة... لذلك، علينا أن نمنع من يشعل النَّار إذا كانت ستمتدّ خارج نطاق المنطقة الَّتي تشتعل فيها.
وقد ورد عن رسول الله (ص) فيما يتعلَّق بالمسؤوليَّة الاجتماعيَّة، أنَّ أشخاصاً ركبوا سفينة،
"فأصابَ بعضُهُم أعلاها، وأصابَ بعضُهُم أسفلَها، فَكانَ الَّذينَ في أسفلِها يصعدونَ فَيستَقونَ الماءَ، فَيصبُّونَ علَى الَّذينَ في أعلاها، فقالَ الَّذينَ في أعلاها: لا ندعُكُم تصعَدونَ فتؤذونَنا، فقالَ الَّذينَ في أسفلِها: فإنَّا نثقُبُها في أسفلِها فنَستَقي
– يعني أن ينتزعوا خشبة من خشبات السّفينة، ليتاح لهم الشّرب دون أن يصعدوا، ومعنى ذلك تعرّض السَّفينة للغرق -
فإن أخذوا علَى أيديهِم فمنَعوهُمْ نجَوا جميعاً، وإن ترَكوهُم غرِقوا جميعاً"
، والمشاكل الاجتماعيَّة والسياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة كلُّها من هذا القبيل.
لذلك، لا بدَّ للمجتمع، أيّ مجتمع، أن يتحمَّل مسؤوليَّته في كفّ أيدي هؤلاء النَّاس الَّذين يهدّدون سلامة المجتمع
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
[المائدة: 92]، وهذا تهديد من الله، فإذا لم تقفوا عند حدود الله، فسينزل بكم عقابه.
اللهُ معَ المستضعفين
وهناك خطاب خاطَبَ به الله المسلمين في عصر الدَّعوة الأولى، وهو خطاب لكلّ الَّذين يشعرون بالاستضعاف ويسقطون أمامه:
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[الأنفال: 26].
وكما أنَّ الله آوى أولئك، وأيَّدهم بنصره، ورزقهم من الطيّبات لأنَّهم أخلصوا له، هو أيضاً يأويكم اليوم، وهو الَّذي يرزق ويؤيّد. فلا تخافوا إذا عشتم مرحلة استضعاف أمام الاستكبار، ولكن أعدّوا لهم ما استطعتم من قوَّة، وقولوا انصرنا على القوم الكافرين، وسينصركم الله كما نصر الأوَّلين، وسيؤيّدكم كما أيَّد الأوَّلين.
هذه هي الأجواء الَّتي يريدنا الله أن نعيشها، أيُّها الأحبَّة، والعيش مع الله هو عيش مع الذَّات ومع الحياة ومع الإنسان، كما قلنا في البداية، كلَّما اقتربت من الله أكثر، أحسست بمسؤوليَّتك عن النَّاس أكثر، وعن الحياة أكثر، وعن البيئة أكثر، لأنَّ الله لا يريد للإنسان أن يجمّد طاقته، وأن يهرب من مسؤوليَّته في الشَّأن الخاصّ والعامّ، وقد قالها رسول الله (ص):
"كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"
، لذلك كلّ إنسان يملك مسؤوليَّته بحجم قدراته وإمكاناته.
وهذا ما يجعلنا نواجه في مواقفنا العامَّة من كلّ أحداث الحياة، لنقف مع مسؤوليَّاتنا تجاهها، فماذا هناك؟ لأنَّنا في كلّ أسبوع فيما بين جمعة وجمعة، ننفتح على أحداث تتَّصل بأمننا وديننا واقتصادنا وسياستنا، وبكلّ ما نواجهه من أحداث.
ماذا هناك في بداية هذا الجوّ الَّذي نتحرَّك فيه؟
الجمعةُ العظيمة
في هذا اليوم، يحتفل المسيحيّون، أو قسم كبير منهم في العالم، بالجمعة العظيمة، وهم يتحدَّثون عن صلب السيّد المسيح (ع) وعن دفنه، ونحن كمسلمين نختلف معهم في هذه المسألة، فالله يقول:
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}
[النّساء: 157].
لكنَّنا نتَّفق معهم بأنَّ السيّد المسيح (ع) عانى من الآلام ما لا يتحمَّل، وذلك في سبيل الرّسالة، وفي سبيل الله، وفي سبيل الإنسان الَّذي جاءت الرّسالة من أجل أن ترفع مستواه ليعيش الحريَّة والعدالة في الحياة.
كيف نتذكَّر آلام السيّد المسيح؟ كيف نستوحيها بعيداً من الطقوس ومن شكليّاتها؟ إنَّ تذكّرنا لآلام السيّد المسيح، يوحي إلينا أنَّ علينا أن نتحمَّل الآلام في سبيل الله، وفي سبيل الإخلاص للقيم الرّوحيَّة الَّتي هي قيم الإنسانيَّة، من أجل الإنسان كلّه، ومن أجل الحياة كلّها، وفي مقدَّمها قيم الحريَّة والعدالة.
مسؤوليّةٌ مشتركة
إنَّ السيّد المسيح (ع)، وقبله موسى وإبراهيم ومحمَّد (ص)، تألَّموا في سبيل الحقّ كلّه، والعدل كلّه، والإنسان كلّه، والحياة كلّها، من أجل أن يجسّدوا قيامهم بالمسؤوليَّة الَّتي حمَّلهم الله إيَّاها في ذلك كلّه.
وعلينا في الدَّائرة الإسلاميَّة المسيحيَّة، أن ننطلق معاً لمواجهة الإلحاد كلّه في الخطّ العقيديّ، حتَّى مع اختلافنا في خصائص الإيمان بالله، وأن نعمل معاً لمواجهة الاستكبار كلّه في العالم، لنكون كما كان السيّد المسيح (ع) والنّبيّ محمَّد (ص)، مع المستضعفين في الأرض، الَّذين يتمثَّل في أفكارهم ومشاعرهم العمق الإنسانيّ في الحياة، وتتمثّل في أوضاعهم قمَّة المأساة الإنسانيَّة في سيطرة المستكبرين على المستضعفين، وبذلك نستجيب للنّداء الإلهيّ:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}
[آل عمران: 64].
وهذه الكلمة السَّواء الأولى، أن نوحّد الله، وأن نعمل من أجل يعيش الإنسان كلّه الإيمان بالله الواحد، وإن اختلفنا في طريقة تصوّرنا لله، ثمَّ الكلمة السَّواء الثَّانية
{وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}
[آل عمران: 64]، أن لا يكون الإنسان ربّاً للإنسان؛ ربّاً في السياسة وفي الاقتصاد والأمن والحياة الاجتماعيَّة. بذلك نعمل على أن نقف ضدَّ المستكبرين، سواء كان الاستكبار أمريكيَّاً أو أوروبيّاً أو صينيّاً أو عربيّاً، لأنَّنا نرفض كلَّ مستكبر، حتَّى لو كان المستكبر مسلماً، لأنَّ الله يرفض الاستكبار من أيّ إنسان على إنسان.
إنَّنا نقول لهم إذا كانت المحبَّة شعار المسيحيّة "الله محبَّة"، وكانت الرَّحمة شعار الإسلام
{وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}
[البلد: 17]، والله هو
{الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}
[الفاتحة: 3]، فعلينا أن نجاهد جميعاً حتَّى الاستشهاد، من أجل إسقاط الَّذين يعملون على أن يؤكّدوا البغضَ من خلال الجريمة، أو الَّذين يؤكّدون القسوة من خلال الظّلم، بما تمثّله إسرائيل في المنطقة، وأمريكا في العالم.
الوحدةُ ضدَّ المستكبرين
علينا أن نكتشف في لبنان، ونحن نعيش بين المسيحيَّة والإسلام، سرَّ الوحدة في إيمان السيّد المسيح (ع) والنَّبيّ محمَّد (ص)، أن نكتشف أكثر من موقع لقاء وكلمة سواء بين الإسلام والنصرانيّة، في الإيمان والقيمة ومواجهة قضايا المسؤوليَّة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة في عالم الواقع، لنكون في هذا البلد وفي كلّ بلد، مع المجاهدين ضدّ الاحتلال، لأنَّ الاحتلال مظهر للاستكبار، ومع العاملين من أجل الحريَّة والعدالة والإنسان، ضدَّ الَّذين يقهرون الحرّيّة والعدالة والإنسان، وأن نعلّم النّاس كيف تكون التَّضحية من أجل الإنسان، بدلاً من أن تكون التَّضحية بالإنسان لمنفعة المستكبرين.
إنَّنا نريد أن نستوحي من ذكرى السيّد المسيح (ع) في آلامه، كيف نلتقي في لبنان من أجل أن نمنع الَّذين يصنعون لنا الآلام من أن يصنعوها، والَّذين يفرضون علينا قسوة الحرمان أن يصنعوها، أن نطرد اللّصوص من ساحات الهيكل اللّبنانيّ كلّه، كما طرد السيّد المسيح (ع) اللّصوص من ساحة الهيكل.
ونحن في الوقت نفسه، نعبّر لمواطنينا المسيحيّين عن كلّ تمنّياتنا في أن يعيشوا في هذا البلد وفي غيره، روح السيّد المسيح في المحبَّة والتسامح، ليلتقوا بروح النبيّ (ص) في الرَّحمة والانفتاح، لأنَّ الانفتاح عندما يلتقي بالانفتاح، وعندما تلتقي المحبَّة بالمحبَّة، فإنّنا نستطيع أن نتحاور في كلّ المشكلات لنقترب من حلولها، ونتصارح في كلّ القضايا، من أجل أن نفهم كلَّ ما يفكّر فيه الآخر.
الوضعُ الفلسطينيّ
فإذا اقتربنا من واقعنا السياسيّ الإقليميّ، فإنَّنا نلتقي بفلسطين، هذه المنطقة الَّتي اختصرت أحداثُها كلَّ تاريخنا في النّصف الثّاني من القرن الماضي، والَّتي استطاعت أن تربك كلّ واقع المنطقة، وأن تبقيها في دائرة الإرباك الاقتصادي والأمني والسياسي والاجتماعي، بحيث لم تعرف المنطقة، منذ أن جاء اليهود إلى فلسطين ليحكموها، أيَّ نوع من أنواع الاستقرار في اقتصادها وسياستها وأمنها. إنَّ إسرائيل تفرض كلَّ وحشيَّتها على الفلسطينيّين، من خلال حصارها، ومن خلال كلّ سياستها التعسّفيَّة في تدمير بيوت المجاهدين وتجويع الفلسطينيّين.
وفي هذا المجال، لا بدَّ من بعض الملاحظات:
التَّضامنُ مَعَ المجاهدين
أوَّلاً: لا بدَّ من وقفة عربيَّة إسلاميَّة مع المجاهدين الفلسطينيّين ضدَّ الهجمة الإسرائيليَّة عليهم، لأنَّ العدوَّ الصّهيونيّ استطاع من خلال تحالفه مع أمريكا، أن يقوم بحرب عالميَّة ضدَّ المجاهدين في داخل فلسطين باعتبار أنَّهم إرهابيّون.. ولكن ما هو إرهابهم؟ إرهابهم أنَّهم يريدون أن يحرّروا بلدهم، وأن يرجعوا إلى بيوتهم، إنَّهم يريدون أن يقولوا للَّذين يحتلّون أرضهم وبيوتهم بغير حقّ: اخرجوا من بيوتنا لأنَّنا بحاجة إليها.. إنَّهم إذا تحدَّث الناس عن المدنيّين، قالوا للنَّاس إنَّ المدنيَّ لا يحتلّ أرض غيره، فمن يحتلّ بيوت الآخرين بغير حقّ، يرتكب عملاً عدوانيّاً يجعله في حالة حرب مع صاحب البيت. لذلك انطَلَقوا، لا لأنَّهم يريدون أن يقتلوا المدنيّين، ولكنَّهم يريدون أن يرفعوا كلّ هذا الغشاء الَّذي وضعته إسرائيل أمام عيون العالم، ليبصر العالم كيف أنَّ شعباً جاء من أقاصي الأرض وطرد شعباً آخر من أرضه، ومنعه من أن يأخذ حريَّته حتَّى في أرضه، وأنَّ لهذا الشّعب الحقّ في أن يدافع عن حرّيته أمام من يعتدي عليه.
سياسةٌ تخدمُ العدوّ
النّقطة الثّانية: لقد ولدت هناك سلطة الحكم الذّاتيّ، وبدأت أوَّل ما بدأت باعتقال المقاومين الَّذين كانوا جنباً إلى جنب مع هذه السّلطة، مع منظَّمة التحرير، مع حركة فتح، كانوا معاً، ولكنَّ الثَّورة بدأت تأكل أبناءها، ولا سيَّما بعد أن انحرفت، وأصبحت تأخذ تعليماتها من رئيس وزراء العدوّ، ومن وزير داخليَّته، ومن مخابراته الَّتي تقدّم إليه في كلّ يوم قائمة بأسماء الَّذين ينبغي لها أن تعتقلهم من أبطال حركة حماس والجهاد الإسلاميّ.
إنَّ السلطة الفلسطينيَّة تمارس الآن تعذيب المعتقلين بالطَّريقة الَّتي جعلتهم يترحمّون على التعذيب الإسرائيلي لهم عندما كانوا في السجون الإسرائيليَّة.
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى المـَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المـُــهَنَّدِ
إنَّ الطَّريقة الَّتي تحرّك بها سلطة الحكم الذَّاتيّ سياستها تجاه الفلسطينيّين الَّذين يعانون الآن من كلّ الهجمة الصّهيونيَّة الَّتي تغلق أبواب الجامعات بحجَّة أنَّها جامعات إسلاميَّة، وتغلق الجمعيَّات الخيريَّة الَّتي كانت تعطف على الفقراء والمساكين والمحرومين بحجَّة أنها جمعيَّات خيريَّة ترتبط بحماس، وتحاصر الفلسطينيّين، إنَّ سياسة هذه السّلطة يخدم ما يفعله العدوّ، فهي تتعسَّف وتضرب الطلَّاب في جامعاتهم، وتعتقل بكلّ وسائل الاعتقال، وتحاول أن تفرض الحوار على الحركة الإسلاميَّة مع قادتها وهم في السجون، وأيّ حوار ينطلق بين سجَّان وسجين؟!
إنَّ السلطة الفلسطينيَّة الآن الَّتي تدير الحكم الذاتيّ، إنّما تديره بطريقة تحرّك عناصر الحرب الأهليَّة بين الفلسطينيّين، وهذا ما تخطّط له إسرائيل، وتستعمل غباء السلطة الفلسطينيَّة للوصول إليه. ولولا أنَّ المجاهدين الإسلاميّين كانوا يفكّرون بطريقة "أمّ الولد"، لوقعت الحرب الأهليَّة منذ زمن، ولكنَّ المجاهدين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن فلسطين، وأنَّها أمانة الله في أعناقهم، فلا يمكن أن يخوضوا حرباً ضدَّ الشَّعب الفلسطيني في ذاته.
لا خيارَ إلَّا المقاومة
النّقطة الثّالثة: إنَّ التعسّف الإسرائيليَّ المدعوم بحرب عالمية استكبارية ضدَّ الإسلاميّين في حركة حماس والجهاد، جعل هذه الحركة تفكّر من خلال أبطالها، أن لا خيار لها إلَّا باستمرار المقاومة ضدَّ العدوّ بمختلف الوسائل، بما فيها العمليَّات الاستشهاديَّة، فلم يعد لديهم ما يخسرونه بعد إسقاط البنية التحتيَّة الاجتماعيَّة الخيريَّة والتربويَّة الَّتي كانت تمثّل الحلَّ المؤقَّت للمشاكل الاجتماعيَّة والتربويَّة للإنسان الفلسطيني.
وإنَّ كلّ حديث عن انقسام بين المجاهدين هناك، وكلّ من يتحدَّث عن وجود تمزّق في وحدتهم، هو حديث غير صحيح، فلا تزال الوحدة قويَّة في البنية العسكرية والسياسية، لأنهم لم ينطلقوا من حالة طارئة أو أطماع ذاتيَّة، بل انطلقوا من خلال إيمانهم بالقضيّة.
اتّفاقاتٌ تُضِرُّ بالقَضيَّة
النقطة الرّابعة: إنَّ دعوة رئيس وزراء العدوّ من قبل دولتين خليجيتَّين، يمثّل ضربة للقضيَّة الفلسطينيَّة، وتأييداً للممارسات الإسرائيليَّة ضدّ الشَّعب الفلسطيني، وحصاراً للدَّور السوري واللّبناني في المفاوضات، وتهديداً للأمن الإيراني، لأنَّ إسرائيل في اتّفاقاتها الخليجيَّة باتت على حدودها..
إنَّ مشكلة بعض العرب والمسلمين، أنَّهم لا يتحسَّسون معنى العروبة والإسلام في علاقاتهم السياسيَّة.
إننا نسأل هاتين الدَّولتين: إذا كنتم تريدون أن تعقدوا اتّفاقات مع العدوّ، فلماذا هذا التّوقيت؟! إنَّ للتَّوقيت معنى، فأن تدعوه والشَّعب الفلسطيني يصرخ، والشَّعب اللّبناني يصرخ، أن تدعوه وهو يتكلَّم بكلّ عنجهيَّة وعدوانيَّة عندما يتحدَّث عن الواقع العربيّ والإسلاميّ، أن تدعوه وهو يهدّد الجمهوريَّة الإسلاميَّة في إيران بضربة عسكريَّة تحت غطاء أمريكي... فأيّ معنى لهذا التَّوقيت؟ إنَّ المسألة تحتاج إلى نوع من الخجل السياسي والحياء القومي، ولكنَّ المشكلة أنَّ الكثير من النَّاس عاشوا الهوان حتَّى الانسحاق، كما قال ذلك الشَّاعر:
مَن يَهُن يسهُل الهوانُ عليه
ما لجُرحٍ بميتٍ إيلام
لقد استساغوا الذلّ، فأصبحوا يشترونه بشكل يسحق كلّ قضاياهم وأمورهم.
سياسةُ تركيا العدوانيَّة
النّقطة الخامسة: إنَّ تركيا - وهي دولة مسلمة، وكانت عمق الواقع الإسلاميّ قبل أتاتورك، ثمَّ تحوَّلت إلى دولة علمانيَّة من أجل أن يعطف الغرب عليها، حتَّى إنَّها ألغت يوم الجمعة كعطلة واستبدلت به يوم الأحد، ومنعت أن يكون للدّين دور في الدَّولة - هي أوَّل دولة مسلمة اعترفت بإسرائيل بعد أتاتورك، وقد عاشت طيلة العهود السياسيّة، تقترب من السياسة العدوانيَّة ضدَّ القضيَّة الفلسطينيَّة لمصلحة إسرائيل، من خلال الإيحاء الأمريكيّ الَّذي كانت تركيا، ولا تزال، تعيش تحت تأثيراته، باعتبار أنَّ تركيا تشبه المستعمرة الأمريكيَّة، من خلال القواعد العسكريَّة، ومن خلال أكثر من تأثير سياسيّ وأمنيّ وما إلى ذلك، وهي الآن تفتح أجواءها أمام الطَّيران الإسرائيليّ الحربيّ.. لماذا؟ لأنَّ إسرائيل أجواؤها صغيرة، كما يقولون، ولذلك تحتاج إلى دولة آفاقها واسعة، لكي يتدرَّب الطَّيران الحربي الإسرائيلي، ويتدرّب الطّيّارون الإسرائيليّون، وتركيا دولة إسلاميَّة، وتحبّ أن تعيش مع أهل الكتاب، وهي تضع قواعدها العسكريَّة في تصرّف إسرائيل من أجل تدريب الطيارين!!
أمَّا ما تأثير هذا الموضوع ومدى عدوانيَّة تركيا على كلّ الواقع العربي والإسلامي؟ ما المهمَّات الموكلة للطيران الحربي الإسرائيلي؟ هل إنَّ إسرائيل تريد أن تحارب أمريكا أم الصّين؟ إنَّ مهمَّة الطَّيران الحربي الإسرائيلي هي أن يقصف لبنان وجبل عامل والبقاع الغربي، وأن يخرق جدار الصّوت في بيروت، وأن يقوم بهجوم وهميّ، أو أن يقصف البقاع الأوسط..
ما دور الطيران الحربي الإسرائيلي؟ انطلق فقصف المفاعل النَّووي العراقي، وهو الآن يهدّد بأن يقصف أيَّ موقع في إيران. هذا معناه أنَّ تركيا عندما تفتح أجواءها للطيران الحربي الإسرائيلي، فإنها تنسّق مع إسرائيل في أن يصير الطيَّارون الصَّهاينة أكثر خبرة وتدريباً، حتَّى يقتلوا أكثر، ويقصفوا الواقع العربيّ والإسلاميّ أكثر، فأيَّة عدوانيَّة أكثر من هذه العدوانيَّة؟!
هذه مسألة لا بدَّ أن نعيشها أمام ما نواجهه من هذه الخطط الَّتي نشعر فيها بأنَّ تركيا تحارب الواقع الإسلاميّ كلَّه والواقع العربي كلَّه بالتحالف مع إسرائيل، ونحن نتطلّع بكلّ حذر إلى المستقبل الَّذي تحاول فيه تركيا أن تدخل كعنصر ضاغط على الواقع العربيّ كلّه من خلال المياه، كما تفعل الآن مع سوريا ومع العراق، عندما تنصب سدوداً على الفرات، بحيث تقلّ نسبة المياه الَّتي كانت تصل إلى نهر الفرات في العراق أو في سوريا في هذا المجال، وربما كانت الحروب المستقبليَّة في المنطقة هي حروب المياه، بعدما كانت في هذه المرحلة حروب الأرض. هذه نقطة نتوقَّف أمامها.
دعوةٌ إلى المعارضةِ العراقيَّة
ثمَّ بعد ذلك، نعرّج على العراق. هناك مؤتمر ينعقد في دمشق في هذه الأيَّام للمعارضة العراقيَّة، تحت عنوان "إسقاط الطَّاغية" في العراق. ولكنَّنا نقول للمعارضة العراقيَّة إنَّ مشكلتها هي تمزّقها، وأنَّها لا تزال تبحث القضايا الهامشيَّة لتختلف على أساسها.
إنَّنا ندعو المعارضة العراقيَّة، بكلّ فصائلها الإسلاميّة والوطنيّة والقوميّة، ندعوها إلى أن تجد السَّبيل إلى وحدتها، حتَّى تقدّم إلى العالم نموذجاً للمعارضة الموحّدة، تحت شعار مرحليّ هو "إسقاط الطَّاغية" الَّذي عاث في الأرض والمنطقة فساداً، وما زال الشَّعب العراقيُّ يعاني الجوع والحرمان والإرهاب من خلال حكمه، لأنَّ الآخرين يقولون إنَّ المشكلة في المعارضة أنَّها ليست موحَّدة ونحن نخاف على وحدة العراق، ولذلك فإنهم يبقون حاكم العراق على حكمه، باعتبار أنَّه يحفظ وحدة العراق، بالرّغم من أنَّنا نعرف أنَّه يبقى لا من أجل ذلك، بل لأنَّه لا يزال حاجة أمريكيَّة لابتزاز من تريد أن تبتزّه أمريكا وتهدّده.
زيارةُ الرَّئيسِ الفرنسيّ
وعندما نأتي إلى لبنان، نجد أنَّ هناك زيارة لرئيس أوروبي، هو رئيس فرنسا، ولا إشكال في أنّه حدث بارز في نطاق العلاقات اللبنانيَّة الفرنسيَّة، وقد استمع اللّبنانيون بالأمس إلى مواعظه السياسيَّة والاقتصاديَّة، ونحن شعب يسمع المواعظ من كثير من الدَّاخل والخارج، ولكنَّنا لا نعيش الواقع، ولا نعرف العبرة من الأشياء، شعب يعرف أن يصفّق ولا يعرف أن يركّز المواقف بشكل أساسيّ.
لقد ذكَّرنا بالأمّ الحنون - لأنَّ فرنسا، كما يقولون، كانت الأمَّ الحنون للّبنانيّين - الَّتي ترعى أولادها بأسلوب عاطفيّ. ولكنَّنا كنّا نتمنَّى أن يتحدَّث بصراحة ووضوح عن الاحتلال الصّهيوني للبنان، وعن حركة المقاومة ضدَّ الاحتلال، لأنَّ فرنسا عاشت مرارة الاحتلال وموقف المقاومة، ولأنَّ التقاليد الفرنسيَّة في مسألة الحريَّة، تفرض عليها أن تشير بالاسم إلى الواقع الوحشيّ الَّذي يعيشه اللّبنانيّون تحت الاحتلال، لا أن تكتفي بالكلام عن المصادمات في جنوب لبنان. إنَّ الَّذين يفكّرون في الحريَّة، عليهم أن يقولوا كلمة قويَّة في الَّذين يسيئون إلى حريَّة شعب باحتلال أرضه تحت حجَّة أنَّ ذلك من أجل أمنهم أو ما إلى ذلك، ولكنّه لم يتحدَّث بصراحة الحريَّة، وإنما تحدّث بدبلوماسيَّة لا تعني شيئاً.
إنَّنا نقول له إنَّك تحدَّثت عن العمران، وتحدَّثت عن الانتخابات، ولكنَّ مشكلتنا في لبنان، كما كانت مشكلتكم في فرنسا، هي مشكلة الاحتلال، ولذلك فإنّ القضيَّة أننا إذا استطعنا أن نخرج المحتلَّ من أرضنا بفعل ضربات المجاهدين، فإنَّ الاتّفاق على مسألة الانتخابات وعلى طريقة العمران، وما إلى ذلك من الأمور، يمكن أن يتمَّ بأبسط الطّرق.
إنَّنا في هذا المجال، كنَّا نتمنَّى أن تكون القضايا الَّتي تثار في هذه الزّيارة بهذا الحجم، بالطَّريقة الَّتي يشعر فيها اللّبنانيّون أنَّ هناك وضعاً دوليّاً يضغط ويضغط، من أجل انسحاب إسرائيل من دون قيد أو شرط، لا أن يتحدَّث عن انسحابها في إطار ما يسمَّى بالسَّلام، لتفرض على اللّبنانيّين شروطها السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة.
منعُ الاحتجاجِ العمَّاليّ
وأخيراً، كنَّا نتمنَّى أن تمنح السّلطة الاتحاد العماليَّ العامّ الرّخصة في الاعتصام الَّذي لن يتعقَّد منه الرَّئيس الفرنسيّ إذا كانوا يخافون من ذلك، لأنَّه عاش معارضة الحركة النقابيَّة العمَّاليَّة في فرنسا كأقوى ما تكون، من دون أن يجد فيها خروجاً عن التقاليد الديمقراطيَّة أو تهديداً للأمن الفرنسيّ.
إنَّنا لا نفهم أن يقال إنَّ الاحتجاج العمّاليّ على معالم الأزمة الاقتصاديّة، يمكن أن يسيء إلى أمن البلد، أو إنّه يسيء إلى استقبال رئيس أوروبي كبير في البلد. فما معنى أن يعيش شعب مثل هذه الأزمة الَّتي لا توفّر أيّ دولة، بفعل الارتباك في الواقع الاقتصاديّ العالميّ والإقليميّ؟!
فتّشْ عَنْ أمريكا
إنَّ هناك نقطة أخيرة لا بدَّ أن نثيرها في المجال العامّ للسياسة الدَّوليَّة، أنَّ أمريكا لا تزال تضغط على معظم العرب الَّذين يتحركون في خطّ سياستها الإسرائيليَّة، للانفتاح الكامل على إسرائيل، بالرّغم من التعثّر على المسار السوريّ الإسرائيليّ، والجمود على المسار اللّبنانيّ الإسرائيليّ، وذلك من أجل الضّغط على سوريا وعزلها، لتكون إسرائيل في موقع القوَّة، وليكون الجميع في موقع الضّعف.
لقد كان نابليون وهو يتعقَّد من المرأة، عندما يتحدَّث عن أيِّ مشكلة يقول: فتّش عن المرأة، ونحن نقول في منطقتنا هذه، وفي أكثر من منطقة في العالم، عندما تواجهون أيَّ مشكلة سياسيَّة أو اقتصاديَّة أو أمنيَّة: فتّش عن أمريكا، فإنَّها هي الَّتي تعقّد لنا الواقع وتربكه، من أجل مصالحها الَّتي تعيش على حساب الشّعوب المستضعفة.
والحمد لله ربّ العالمين.
*خطبة الجمعة للرجال، بتاريخ: 05/04/1996 م.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد:
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[الأنفال: 24 - 26].
تعميقُ صفةِ الإيمان
يريد الله سبحانه بهذا النّداء الإلهيّ لنا، أن تتعمَّق صفة الإيمان فينا، لأنَّنا كلَّما تعمَّق الإيمان في عقولنا أكثر، اقتربنا من الله أكثر، وكلَّما تعمَّق في قلوبنا أكثر، اقتربنا بالمحبَّة فيما بيننا أكثر، وكلَّما تعمّق في حياتنا أكثر، تعمَّقت المسؤوليَّة في حركة الحياة أكثر..
فنحن عندما نؤمن بالله الواحد، نكتشف خطَّ الاستقامة على خطّ التَّوحيد، ليكون الله هو الَّذي نحبّ أن يرضى عنَّا، وهو غاية حركتنا في الحياة، لأنَّنا من الله بدأنا، عندما قال لكلّ واحد منَّا كن فكان، وإلى الله ننتهي، عندما ينقلنا الله من دار العمل إلى دار الحساب، عندما نقف بين يديه لنؤدّي حسابنا أمامه
{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}
[الغاشية: 25 - 26].
لهذا، يريدنا الله دائماً، أيُّها الأحبَّة، أن ننمّي إيماننا كما ننمّي أجسادنا، فالإيمان يحتاج إلى رعاية دائمة، وإلى حماية دائمة، كما هي الأجساد تحتاج إلى ذلك كلّه. ولهذا، لا بدَّ لنا أن ننمّيَ إيماننا بالمزيد من قراءة آيات الله، فالله يتحدَّث عن المؤمنين فيقول:
{إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}
[الأنفال: 2].
فقراءة القرآن تزيد في إيماننا، وكذلك التَّفكير في الله وخلقه:
{الَّذينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
[آل عمران: 191]، فيزيدهم التَّفكير معرفةً بالله أكثر، وقرباً منه أكثر، وإحساساً بحضوره في حياتهم أكثر، وقد ورد: "تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ"، لأنَّ التفكّر في الله يمنحك وعي العبادة وروحها.
لَا حرّيَّةَ أمَامَ الله
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}
، فالله ربّكم، والربوبيَّة تعني أن تكونوا عباده المخلصين والصَّالحين، وأن تكونوا عباده المتَّقين الَّذين إذا أمرهم الله بشيء قالوا أسلمنا لربّ العالمين،
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}
[الأحزاب: 36].
قل لكلّ النَّاس إذا أرادوا منك شيئاً لأنفسهم، قل أنا حرّ، يمكن أن أرفض ما تطرحونه عليّ إذا اختلف مع قناعاتي، ويمكن أن أقبله، ولكن عندما يقول لك الله افعل، فليس ليس لك أن تقول له أنا حرّ، ليس لك الحريَّة أمام ربّك، ربُّك
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ}
[الانفطار: 7-8]، ربُّك الَّذي أعطاك الحياة، وأعطاك كلَّ جسدك، وأعطاك ما ينمّي لك هذا الجسد، وهو الَّذي يميتك ويحييك، هو الَّذي يبعثك غداً.. فأيَّة حريَّة هي حريّتك أمام ربّك الَّذي يملكك بكلّك، وأنت عبد مملوك لا يقدر على شيء إلّا بإذنه؟!
إذا دعاك إنسان إلى طاعة ربّك، فإيَّاك تقول له أنا حرّ، وإذا جاءك إنسان يدعوك إلى أن لا تعصي الله، فلا تقل له أنا حرّ، قل أنا العبد لله أفعل ما يريد. من أنت أمام عليّ بن أبي طالب (ع)، هذا الإنسان الَّذي يقول لك:
"لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً"
، هذا الإنسان الكبير الكبير جداً، كيف يتحدَّث مع ربّه؟:
"فَكَيْفَ بِيْ وَأَنَا عَبْدُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ الـمِسْكِينُ الـمُسْتَكِينُ؟!"
، وقبله كان رسول الله (ص)، والقوم يضربونه بالحجارة ويسبّونه ويشتمونه ويطردونه من بلدهم لأنَّه قال كلمة الحقّ، وهو يرفع عينيه إلى ربّه في فرح روحيّ، ويقول:
"إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي".
القصَّة أن تكون كلّ حياتنا، أيُّها الأحبَّة، عملاً من أجل الحصول على رضا الله، لأنَّك إذا حصلت على رضا ربّك، فلا يهمّك من يغضب عليك، وإذا لم تحصل على رضاه، وحصلت على غضبه، فما قيمة رضا النَّاس عنك؟! الإمام عليّ (ع) في دعاء كميل يقول عن غضب الله:
"وَهَذَا مَا لَا تَقُومُ لَهُ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ، فَكَيْفَ بِيْ وَأَنَا عَبْدُكَ الحَقِيرُ المِسْكِينُ الـمُسْتَكِينُ؟!".
لذلك، كلّ الدّنيا تفنى، كلّ أحلامنا تذهب، كلّ شهواتنا تتبخَّر، كلّ جسدنا يتفتَّت ويتحوَّل إلى تراب، ويبقى رضا الله. والله يحدّثنا عن الجنَّة، ثمَّ يقول:
{وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}
[التّوبة: 72]، رضوان الله أكبر من نعيم الجنَّة.
لذلك، أيُّها الأحبَّة، علينا أن نعمل في وعي إيمانيّ أن يرضى الله عنَّا وأن يحبّنا، لأنَّنا بذلك نحصل على سعادة الدّنيا والآخرة. لقد جرَّبتم رضا الله من حولكم، فماذا أعطاكم ذلك؟! يمكن أن يرضى عنك إنسان لأنَّك تحقّق له غاية، ولكنَّك إذا ابتعدت عن ذلك غضِبَ عليك.
لذلك، لا بدَّ أن نعيش مع الله، على قول ذلك الشَّاعر:
فليتـَـكَ تحـلو والحياةُ مريـرةٌ
وليتَكَ ترضى والأنامُ غضابُ
وليتَ الَّذي بيني وبينَكَ عامرٌ
وبينـي وبينَ العالمين خـرابُ
إذا صحَّ منْكَ الودُّ فالكلُّ هيّنٌ
وكلُّ الَّذي فوقَ التّرابِ ترابُ
الاستجابةُ للهِ والرَّسول
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}
الَّذي جاءكم
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
[التّوبة: 128].
استجيبوا لله وللرَّسول الَّذي يبلّغكم رسالات الله، والله لا يريد منكم أن تستجيبوا له لمنفعته، فالله لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضرّه معصية من عصاه، والرَّسول لا يريد لكم أن تستجيبوا له لذاته، كما يفعل الكثيرون من زعمائكم ووجهائكم الَّذين يريدون لكم أن تستجيبوا لهم من أجل أن تؤكّدوا ذاتهم في انسحاق ذاتكم أمامهم؛ إنَّ الله يأمركم، والرَّسول يأمركم ويدعوكم إلى ما يحييكم، إلى ما يحقّق لكم الحياة الطيّبة في الدّنيا والآخرة.
فالله يريد لك في كلّ ما أمرك به ونهاك عنه، أن تنظّم حياتك، ولم يرخّص لك بأن تقتل هذه الحياة، فأنت لست حرّاً أن تقتل نفسك، حتَّى لو أحاطت بك كلّ الأزمات والضّغوط والمشاكل، فحياتك أمانة الله عندك، وليس لك أن تنهي حياتك إلَّا إذا أمرك الله بذلك، كما في خطّ الجهاد وفي خطّ الدّفاع، أمَّا أن تقتل نفسك، لأنَّ إنسانة تحبّها لم تستطع أن تتزوَّجها، أو أنَّ الفتاة تقتل نفسها لأنَّها لم تستطع أن تحقّق أحلامها في شابّ تتزوّجه، أو أنَّ إنساناً يقتل نفسه من أجل أزمة ماليَّة أو أزمة نفسيَّة... فليس ذلك من حقّه.. إنَّ الحياة أغلى من ذلك.. كن القويَّ الَّذي يستمدُّ قوَّته من الله، إذا جاءتك الغموم والهموم والأزمات، فاجلس مع ربّك وناجه واخشع له، وقل له: أسألك أن تكشف عنّي غمّي وهمّي وكربي، والله يكشف عنك ذلك إذا رأى منك صدق النيَّة، فلا تُنْهِ حياتك على هذا الأساس.
احترامُ الحياة
فالله يريد لك أن تحترم حياتك وحياة الآخرين، لا تحركوا سيوفكم في هوى ألسنتكم
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
[النساء: 93]، من دون فرق بين أن تقتله نتيجة خلاف بينك وبينه، أو أن تقتله نتيجة نزوة في نفسك، كالكثيرين من الَّذين يقتلون زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم لأنَّهم سمعوا كلمة قالها عنهنَّ سفهاء، ولأنهم لا يتحمَّلون العار.. ولكن من سلَّطك على قتل ابنتك؟! فروحها من الله، والله لم يسلّطك على ابنتك، ولا على زوجتك أو أختك أو قريبتك، إنَّ روحها بيد الله، وليس لك أن تستلبها إلَّا من خلال حكم الله، ومن خلال قوانينه وشريعته.. فمن الَّذي جعلك منفّذاً للقانون؟! حتَّى لو كان الشّخص يستحقّ القتل، لكن من قال إنّك أنت الَّذي تنفّذ قانون القتل؟! القضيَّة ليست فوضى؛ أن تقتل من تشاء، وأن تضغط على من تشاء، إنَّ الحياة هي ملك الله، ولذلك فإنَّه لا فرق بين أن تقتل عمداً نتيجة حالة ذاتيَّة، أو أن تقتل بيدك من لا يجوز لك أن تقتله، حتَّى لو جاز للشَّرع أن يقتله، فلقد احترم الله الحياة وأرادنا أن نحترمها.
في الإسلام، هناك حدود، هناك قصاص وجلد ورجم وغيرها، لكن عندنا قاعدة تقول:
"الحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ"
، يعني إذا فرضنا أنَّه قامت بيّنات، ولكن كان هناك شبهة معيَّنة، فعلينا أن نتأكّد أوّلاً، وبعض النَّاس يقتلون على الشّبهة...
في مسألة الزّنا، لا يعاقَب الزَّاني في الإسلام إلَّا إذا ثبت الزّنا بأربعة شهود، ورأوا بأمّ أعينهم العمليَّة الجنسيَّة بتفاصيلها، يعني لو شاهد الشّخص عناقاً بين رجل وامرأة، أو رآها معه في السَّرير، ولكن لم ير عمليّة جنسيّة، فلا يحكم عليهما بالزّنا، ولا بدَّ أن يشهد أربعة عدول بالزّنا بتفاصيله، وفي حال شهد ثلاثة وتراجع الرّابع عن شهادته يجلد الثَّلاثة، لأنَّ الله لا يريد أن يجعل أعراض النَّاس تحت حكم الظنّ أو الشّبهة أو الوهم. وحتَّى لو أقرّ شخص بالزنا، فينبغي أن يكون إقراره بالزّنا أربع مرَّات، فإذا أقرّ أربع مرّات أقيم عليه الحدّ. ليس عندنا أن ننفّذ استناداً إلى الشُّبهات، فالحياة قيمتها أساسيَّة.
لذلك، أيُّها الأحبَّة، عليكم أن تقفوا عند حدود الله، لأنَّ من يتعدَّ حدَّ الله فهو ظالم، فقط فكّر أنّك لست حاكماً ولا ديّاناً للنّاس. لذلك، لا بدَّ أن نقف عند الحدود، وأن نحترم الحياة، وقد حدّثنا في القرآن
{أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
[المائدة: 32].
التّوازنُ في الحياة
والله أيضاً دعانا إلى أن نعطي حياتنا معنى، أن نوازن بين الرّوح والجسد، بين الرّوح والمادّة، بين الحياة الفرديَّة والحياة الاجتماعيَّة، والله أحلَّ لك الطيّبات في الحياة، وأراد لك أن تعيش برفاهية، ولكن بشرط أن لا ترتكب الحرام، ولا تشرب الحرام، ولا تتحرَّك في الشَّهوة الحرام واللَّعب الحرام والمال الحرام، ابتعد عن الحرام وخذ حريَّتك، فكُلْ ما تشاء، واشربْ ما تشاء، والبسْ ما تشاء، واسكنْ حيثما تشاء، وتلذّذ بما تشاء...
ولو أردنا أن ندرس التَّشريعات الإسلاميَّة الَّتي تنظّم للإنسان حياته في علاقته مع نفسه ومع ربَّه، وعلاقته بالإنسان الآخر، والضَّوابط الَّتي يرسمها الإسلام لحركة النَّاس في الحياة، لرأينا أنَّ الإسلام يقدّم إلينا حياةً من أروع أنواع الحياة؛ الحياة القائمة على احترام الإنسان للإنسان وعلى المحبَّة:
"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"
، الحياة القائمة على عدم الاعتداء
{وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
[البقرة: 190]، والقائمة على العدل
{فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ}
[البقرة: 194].
وهكذا نجد أنَّ الحياة في الخطّ الإسلاميّ تمثّل أعلى ما يمكن للإنسان أن يعيشه مع الآخرين ومع من حوله، بالطَّريقة الَّتي يرتفع فيها إلى مستوى إنسانيَّته.
التَّخطيطُ للآخرة
والله لا يريد لك أن تنحصر في هذه الحياة، بل يريد لك أن تخطّط لحياتك لما بعد الموت، أن ترسم للحياة الطيّبة هناك، والحياة الطيّبة هي حياة الجنَّة ورضوان الله
{جَنَّاتُ عَدْنٍۢ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ ۖ وَٱلْمَلٰائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍۢ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
[الرّعد: 23 - 24].
حياة الاستقامة هي الَّتي تعطيك خير الدّنيا والآخرة، وهذا هو معنى أن تكون حرّاً، أن تكون إرادتك حرَّة في أن ترفض كلّ ما يسقط حياتك، وأن تتقبَّل كلَّ ما يرفع من شأنها، سواء كانت حياة الدّنيا أو حياة الآخرة
{يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
تحسُّسُ رقابةِ الله
افهموا ربَّكم جيّداً، افهموا موقعكم من ربّكم، افهموا موقع ربّكم منكم، فالله يحول بينك وبين قلبك، وبينك وبين عقلك وفكرك، فهو أقرب إلى فكرك منك، وأقرب إلى عقلك منك، بحيث إنَّه وحده الَّذي يشرف على حركة فكرك، وهو وحده الَّذي يستطيع أن يغيّر لك فكرك، وهذه كناية عن هيمنة الله على الإنسان، لأنَّ أعظم الهيمنة هي الهيمنة على الدَّاخل، فمن السَّهل أن يسيطر أحد عليك في الخارج إذا كان أقوى منك، إذا كان يملك سلاحاً أو عضلات قويَّة، ولكنّ الله الَّذي يستطيع أن يسيطر على داخلك
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}
[ق: 16].
فراقبوا ربَّكم فيما تفكّرون، فإنَّه يلاحق تفكيركم ويعرف خفاياه، وهو القادر على أن يغيّر ذلك. ولذلك، لا تشعر بالأمان عندما تجلس وحدك وتطلق فكرك، لتخطّط أن تقتل فلاناً، أو تخدع فلاناً، أو تغشّ بالنَّصيحة والمعاملة، أو أن تضرّ فلاناً، أو أن تفتن بين النَّاس، أو أن تتعامل مع العدوّ، لأنَّ الله يحول بين المرء وقلبه:
إِذا ما خَلَوتَ الدَّهرَ يَوماً فَلا تَقُل
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقيبُ
بعض النَّاس يجلس مع العدوّ لكي يعطيه تعليمات عن كيفيَّة التجسّس والاغتيال، فيقول له أغلق الأبواب، تعال من هذا الطّريق، افعل كذا... والله يقول:
{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[المجادلة: 7]، فلا تأخذ حريّتك على أساس أن لا أحد يعرف، لأنّ الله يعرف.
والله سبحانه وتعالى يعرف كيف يفضحك إذا أراد ذلك، لأنَّ عنده وسائل ليست موجودة عند كلّ وسائل الإعلام والمخابرات، فهو خالق ذلك كلّه
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
[الأنفال: 24] وستُحاسَبون وتُسألون. فليحضّر كلّ واحد منكم جواباً، عندما يأتي النّداء
{وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}
[الصّافّات: 24]،
{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
[النّحل: 111]،
{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ}
[الانفطار: 19].
وينطلق النّداء يوم القيامة
{لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ
– هل هو لأمريكا؟ لروسيا؟ لأوروبّا؟ بل هو-
لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}
[غافر: 16]،
{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}
[طه: 111].
محاربةُ الفتنة
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً}
[الأنفال: 25]، فبعض النَّاس في الدنيا ربما يلعبون ويفتنون، ويتصرَّفون تصرّفات تسيء إلى الأمَّة وإلى حركة الواقع عند النَّاس، وهؤلاء إذا لم يمنعهم النَّاس من ذلك، ولم يقفوا في وجههم، فلن تبقى الفتنة محصورة بدائرتهم، بل ستمتدّ إلى خارجها وتصيب الآخرين، فنحن نعرف أنّه إذا أشعل أحد ناراً، فالهواء سيجعل النَّار تمتدّ لتصل إلى بيتك وتحرقه، حتّى لو لم يكن لك علاقة... لذلك، علينا أن نمنع من يشعل النَّار إذا كانت ستمتدّ خارج نطاق المنطقة الَّتي تشتعل فيها.
وقد ورد عن رسول الله (ص) فيما يتعلَّق بالمسؤوليَّة الاجتماعيَّة، أنَّ أشخاصاً ركبوا سفينة،
"فأصابَ بعضُهُم أعلاها، وأصابَ بعضُهُم أسفلَها، فَكانَ الَّذينَ في أسفلِها يصعدونَ فَيستَقونَ الماءَ، فَيصبُّونَ علَى الَّذينَ في أعلاها، فقالَ الَّذينَ في أعلاها: لا ندعُكُم تصعَدونَ فتؤذونَنا، فقالَ الَّذينَ في أسفلِها: فإنَّا نثقُبُها في أسفلِها فنَستَقي
– يعني أن ينتزعوا خشبة من خشبات السّفينة، ليتاح لهم الشّرب دون أن يصعدوا، ومعنى ذلك تعرّض السَّفينة للغرق -
فإن أخذوا علَى أيديهِم فمنَعوهُمْ نجَوا جميعاً، وإن ترَكوهُم غرِقوا جميعاً"
، والمشاكل الاجتماعيَّة والسياسيَّة والأمنيَّة والاقتصاديَّة كلُّها من هذا القبيل.
لذلك، لا بدَّ للمجتمع، أيّ مجتمع، أن يتحمَّل مسؤوليَّته في كفّ أيدي هؤلاء النَّاس الَّذين يهدّدون سلامة المجتمع
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
[المائدة: 92]، وهذا تهديد من الله، فإذا لم تقفوا عند حدود الله، فسينزل بكم عقابه.
اللهُ معَ المستضعفين
وهناك خطاب خاطَبَ به الله المسلمين في عصر الدَّعوة الأولى، وهو خطاب لكلّ الَّذين يشعرون بالاستضعاف ويسقطون أمامه:
{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
[الأنفال: 26].
وكما أنَّ الله آوى أولئك، وأيَّدهم بنصره، ورزقهم من الطيّبات لأنَّهم أخلصوا له، هو أيضاً يأويكم اليوم، وهو الَّذي يرزق ويؤيّد. فلا تخافوا إذا عشتم مرحلة استضعاف أمام الاستكبار، ولكن أعدّوا لهم ما استطعتم من قوَّة، وقولوا انصرنا على القوم الكافرين، وسينصركم الله كما نصر الأوَّلين، وسيؤيّدكم كما أيَّد الأوَّلين.
هذه هي الأجواء الَّتي يريدنا الله أن نعيشها، أيُّها الأحبَّة، والعيش مع الله هو عيش مع الذَّات ومع الحياة ومع الإنسان، كما قلنا في البداية، كلَّما اقتربت من الله أكثر، أحسست بمسؤوليَّتك عن النَّاس أكثر، وعن الحياة أكثر، وعن البيئة أكثر، لأنَّ الله لا يريد للإنسان أن يجمّد طاقته، وأن يهرب من مسؤوليَّته في الشَّأن الخاصّ والعامّ، وقد قالها رسول الله (ص):
"كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"
، لذلك كلّ إنسان يملك مسؤوليَّته بحجم قدراته وإمكاناته.
وهذا ما يجعلنا نواجه في مواقفنا العامَّة من كلّ أحداث الحياة، لنقف مع مسؤوليَّاتنا تجاهها، فماذا هناك؟ لأنَّنا في كلّ أسبوع فيما بين جمعة وجمعة، ننفتح على أحداث تتَّصل بأمننا وديننا واقتصادنا وسياستنا، وبكلّ ما نواجهه من أحداث.
ماذا هناك في بداية هذا الجوّ الَّذي نتحرَّك فيه؟
الجمعةُ العظيمة
في هذا اليوم، يحتفل المسيحيّون، أو قسم كبير منهم في العالم، بالجمعة العظيمة، وهم يتحدَّثون عن صلب السيّد المسيح (ع) وعن دفنه، ونحن كمسلمين نختلف معهم في هذه المسألة، فالله يقول:
{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}
[النّساء: 157].
لكنَّنا نتَّفق معهم بأنَّ السيّد المسيح (ع) عانى من الآلام ما لا يتحمَّل، وذلك في سبيل الرّسالة، وفي سبيل الله، وفي سبيل الإنسان الَّذي جاءت الرّسالة من أجل أن ترفع مستواه ليعيش الحريَّة والعدالة في الحياة.
كيف نتذكَّر آلام السيّد المسيح؟ كيف نستوحيها بعيداً من الطقوس ومن شكليّاتها؟ إنَّ تذكّرنا لآلام السيّد المسيح، يوحي إلينا أنَّ علينا أن نتحمَّل الآلام في سبيل الله، وفي سبيل الإخلاص للقيم الرّوحيَّة الَّتي هي قيم الإنسانيَّة، من أجل الإنسان كلّه، ومن أجل الحياة كلّها، وفي مقدَّمها قيم الحريَّة والعدالة.
مسؤوليّةٌ مشتركة
إنَّ السيّد المسيح (ع)، وقبله موسى وإبراهيم ومحمَّد (ص)، تألَّموا في سبيل الحقّ كلّه، والعدل كلّه، والإنسان كلّه، والحياة كلّها، من أجل أن يجسّدوا قيامهم بالمسؤوليَّة الَّتي حمَّلهم الله إيَّاها في ذلك كلّه.
وعلينا في الدَّائرة الإسلاميَّة المسيحيَّة، أن ننطلق معاً لمواجهة الإلحاد كلّه في الخطّ العقيديّ، حتَّى مع اختلافنا في خصائص الإيمان بالله، وأن نعمل معاً لمواجهة الاستكبار كلّه في العالم، لنكون كما كان السيّد المسيح (ع) والنّبيّ محمَّد (ص)، مع المستضعفين في الأرض، الَّذين يتمثَّل في أفكارهم ومشاعرهم العمق الإنسانيّ في الحياة، وتتمثّل في أوضاعهم قمَّة المأساة الإنسانيَّة في سيطرة المستكبرين على المستضعفين، وبذلك نستجيب للنّداء الإلهيّ:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}
[آل عمران: 64].
وهذه الكلمة السَّواء الأولى، أن نوحّد الله، وأن نعمل من أجل يعيش الإنسان كلّه الإيمان بالله الواحد، وإن اختلفنا في طريقة تصوّرنا لله، ثمَّ الكلمة السَّواء الثَّانية
{وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}
[آل عمران: 64]، أن لا يكون الإنسان ربّاً للإنسان؛ ربّاً في السياسة وفي الاقتصاد والأمن والحياة الاجتماعيَّة. بذلك نعمل على أن نقف ضدَّ المستكبرين، سواء كان الاستكبار أمريكيَّاً أو أوروبيّاً أو صينيّاً أو عربيّاً، لأنَّنا نرفض كلَّ مستكبر، حتَّى لو كان المستكبر مسلماً، لأنَّ الله يرفض الاستكبار من أيّ إنسان على إنسان.
إنَّنا نقول لهم إذا كانت المحبَّة شعار المسيحيّة "الله محبَّة"، وكانت الرَّحمة شعار الإسلام
{وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}
[البلد: 17]، والله هو
{الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}
[الفاتحة: 3]، فعلينا أن نجاهد جميعاً حتَّى الاستشهاد، من أجل إسقاط الَّذين يعملون على أن يؤكّدوا البغضَ من خلال الجريمة، أو الَّذين يؤكّدون القسوة من خلال الظّلم، بما تمثّله إسرائيل في المنطقة، وأمريكا في العالم.
الوحدةُ ضدَّ المستكبرين
علينا أن نكتشف في لبنان، ونحن نعيش بين المسيحيَّة والإسلام، سرَّ الوحدة في إيمان السيّد المسيح (ع) والنَّبيّ محمَّد (ص)، أن نكتشف أكثر من موقع لقاء وكلمة سواء بين الإسلام والنصرانيّة، في الإيمان والقيمة ومواجهة قضايا المسؤوليَّة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة في عالم الواقع، لنكون في هذا البلد وفي كلّ بلد، مع المجاهدين ضدّ الاحتلال، لأنَّ الاحتلال مظهر للاستكبار، ومع العاملين من أجل الحريَّة والعدالة والإنسان، ضدَّ الَّذين يقهرون الحرّيّة والعدالة والإنسان، وأن نعلّم النّاس كيف تكون التَّضحية من أجل الإنسان، بدلاً من أن تكون التَّضحية بالإنسان لمنفعة المستكبرين.
إنَّنا نريد أن نستوحي من ذكرى السيّد المسيح (ع) في آلامه، كيف نلتقي في لبنان من أجل أن نمنع الَّذين يصنعون لنا الآلام من أن يصنعوها، والَّذين يفرضون علينا قسوة الحرمان أن يصنعوها، أن نطرد اللّصوص من ساحات الهيكل اللّبنانيّ كلّه، كما طرد السيّد المسيح (ع) اللّصوص من ساحة الهيكل.
ونحن في الوقت نفسه، نعبّر لمواطنينا المسيحيّين عن كلّ تمنّياتنا في أن يعيشوا في هذا البلد وفي غيره، روح السيّد المسيح في المحبَّة والتسامح، ليلتقوا بروح النبيّ (ص) في الرَّحمة والانفتاح، لأنَّ الانفتاح عندما يلتقي بالانفتاح، وعندما تلتقي المحبَّة بالمحبَّة، فإنّنا نستطيع أن نتحاور في كلّ المشكلات لنقترب من حلولها، ونتصارح في كلّ القضايا، من أجل أن نفهم كلَّ ما يفكّر فيه الآخر.
الوضعُ الفلسطينيّ
فإذا اقتربنا من واقعنا السياسيّ الإقليميّ، فإنَّنا نلتقي بفلسطين، هذه المنطقة الَّتي اختصرت أحداثُها كلَّ تاريخنا في النّصف الثّاني من القرن الماضي، والَّتي استطاعت أن تربك كلّ واقع المنطقة، وأن تبقيها في دائرة الإرباك الاقتصادي والأمني والسياسي والاجتماعي، بحيث لم تعرف المنطقة، منذ أن جاء اليهود إلى فلسطين ليحكموها، أيَّ نوع من أنواع الاستقرار في اقتصادها وسياستها وأمنها. إنَّ إسرائيل تفرض كلَّ وحشيَّتها على الفلسطينيّين، من خلال حصارها، ومن خلال كلّ سياستها التعسّفيَّة في تدمير بيوت المجاهدين وتجويع الفلسطينيّين.
وفي هذا المجال، لا بدَّ من بعض الملاحظات:
التَّضامنُ مَعَ المجاهدين
أوَّلاً: لا بدَّ من وقفة عربيَّة إسلاميَّة مع المجاهدين الفلسطينيّين ضدَّ الهجمة الإسرائيليَّة عليهم، لأنَّ العدوَّ الصّهيونيّ استطاع من خلال تحالفه مع أمريكا، أن يقوم بحرب عالميَّة ضدَّ المجاهدين في داخل فلسطين باعتبار أنَّهم إرهابيّون.. ولكن ما هو إرهابهم؟ إرهابهم أنَّهم يريدون أن يحرّروا بلدهم، وأن يرجعوا إلى بيوتهم، إنَّهم يريدون أن يقولوا للَّذين يحتلّون أرضهم وبيوتهم بغير حقّ: اخرجوا من بيوتنا لأنَّنا بحاجة إليها.. إنَّهم إذا تحدَّث الناس عن المدنيّين، قالوا للنَّاس إنَّ المدنيَّ لا يحتلّ أرض غيره، فمن يحتلّ بيوت الآخرين بغير حقّ، يرتكب عملاً عدوانيّاً يجعله في حالة حرب مع صاحب البيت. لذلك انطَلَقوا، لا لأنَّهم يريدون أن يقتلوا المدنيّين، ولكنَّهم يريدون أن يرفعوا كلّ هذا الغشاء الَّذي وضعته إسرائيل أمام عيون العالم، ليبصر العالم كيف أنَّ شعباً جاء من أقاصي الأرض وطرد شعباً آخر من أرضه، ومنعه من أن يأخذ حريَّته حتَّى في أرضه، وأنَّ لهذا الشّعب الحقّ في أن يدافع عن حرّيته أمام من يعتدي عليه.
سياسةٌ تخدمُ العدوّ
النّقطة الثّانية: لقد ولدت هناك سلطة الحكم الذّاتيّ، وبدأت أوَّل ما بدأت باعتقال المقاومين الَّذين كانوا جنباً إلى جنب مع هذه السّلطة، مع منظَّمة التحرير، مع حركة فتح، كانوا معاً، ولكنَّ الثَّورة بدأت تأكل أبناءها، ولا سيَّما بعد أن انحرفت، وأصبحت تأخذ تعليماتها من رئيس وزراء العدوّ، ومن وزير داخليَّته، ومن مخابراته الَّتي تقدّم إليه في كلّ يوم قائمة بأسماء الَّذين ينبغي لها أن تعتقلهم من أبطال حركة حماس والجهاد الإسلاميّ.
إنَّ السلطة الفلسطينيَّة تمارس الآن تعذيب المعتقلين بالطَّريقة الَّتي جعلتهم يترحمّون على التعذيب الإسرائيلي لهم عندما كانوا في السجون الإسرائيليَّة.
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى المـَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المـُــهَنَّدِ
إنَّ الطَّريقة الَّتي تحرّك بها سلطة الحكم الذَّاتيّ سياستها تجاه الفلسطينيّين الَّذين يعانون الآن من كلّ الهجمة الصّهيونيَّة الَّتي تغلق أبواب الجامعات بحجَّة أنَّها جامعات إسلاميَّة، وتغلق الجمعيَّات الخيريَّة الَّتي كانت تعطف على الفقراء والمساكين والمحرومين بحجَّة أنها جمعيَّات خيريَّة ترتبط بحماس، وتحاصر الفلسطينيّين، إنَّ سياسة هذه السّلطة يخدم ما يفعله العدوّ، فهي تتعسَّف وتضرب الطلَّاب في جامعاتهم، وتعتقل بكلّ وسائل الاعتقال، وتحاول أن تفرض الحوار على الحركة الإسلاميَّة مع قادتها وهم في السجون، وأيّ حوار ينطلق بين سجَّان وسجين؟!
إنَّ السلطة الفلسطينيَّة الآن الَّتي تدير الحكم الذاتيّ، إنّما تديره بطريقة تحرّك عناصر الحرب الأهليَّة بين الفلسطينيّين، وهذا ما تخطّط له إسرائيل، وتستعمل غباء السلطة الفلسطينيَّة للوصول إليه. ولولا أنَّ المجاهدين الإسلاميّين كانوا يفكّرون بطريقة "أمّ الولد"، لوقعت الحرب الأهليَّة منذ زمن، ولكنَّ المجاهدين يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن فلسطين، وأنَّها أمانة الله في أعناقهم، فلا يمكن أن يخوضوا حرباً ضدَّ الشَّعب الفلسطيني في ذاته.
لا خيارَ إلَّا المقاومة
النّقطة الثّالثة: إنَّ التعسّف الإسرائيليَّ المدعوم بحرب عالمية استكبارية ضدَّ الإسلاميّين في حركة حماس والجهاد، جعل هذه الحركة تفكّر من خلال أبطالها، أن لا خيار لها إلَّا باستمرار المقاومة ضدَّ العدوّ بمختلف الوسائل، بما فيها العمليَّات الاستشهاديَّة، فلم يعد لديهم ما يخسرونه بعد إسقاط البنية التحتيَّة الاجتماعيَّة الخيريَّة والتربويَّة الَّتي كانت تمثّل الحلَّ المؤقَّت للمشاكل الاجتماعيَّة والتربويَّة للإنسان الفلسطيني.
وإنَّ كلّ حديث عن انقسام بين المجاهدين هناك، وكلّ من يتحدَّث عن وجود تمزّق في وحدتهم، هو حديث غير صحيح، فلا تزال الوحدة قويَّة في البنية العسكرية والسياسية، لأنهم لم ينطلقوا من حالة طارئة أو أطماع ذاتيَّة، بل انطلقوا من خلال إيمانهم بالقضيّة.
اتّفاقاتٌ تُضِرُّ بالقَضيَّة
النقطة الرّابعة: إنَّ دعوة رئيس وزراء العدوّ من قبل دولتين خليجيتَّين، يمثّل ضربة للقضيَّة الفلسطينيَّة، وتأييداً للممارسات الإسرائيليَّة ضدّ الشَّعب الفلسطيني، وحصاراً للدَّور السوري واللّبناني في المفاوضات، وتهديداً للأمن الإيراني، لأنَّ إسرائيل في اتّفاقاتها الخليجيَّة باتت على حدودها..
إنَّ مشكلة بعض العرب والمسلمين، أنَّهم لا يتحسَّسون معنى العروبة والإسلام في علاقاتهم السياسيَّة.
إننا نسأل هاتين الدَّولتين: إذا كنتم تريدون أن تعقدوا اتّفاقات مع العدوّ، فلماذا هذا التّوقيت؟! إنَّ للتَّوقيت معنى، فأن تدعوه والشَّعب الفلسطيني يصرخ، والشَّعب اللّبناني يصرخ، أن تدعوه وهو يتكلَّم بكلّ عنجهيَّة وعدوانيَّة عندما يتحدَّث عن الواقع العربيّ والإسلاميّ، أن تدعوه وهو يهدّد الجمهوريَّة الإسلاميَّة في إيران بضربة عسكريَّة تحت غطاء أمريكي... فأيّ معنى لهذا التَّوقيت؟ إنَّ المسألة تحتاج إلى نوع من الخجل السياسي والحياء القومي، ولكنَّ المشكلة أنَّ الكثير من النَّاس عاشوا الهوان حتَّى الانسحاق، كما قال ذلك الشَّاعر:
مَن يَهُن يسهُل الهوانُ عليه
ما لجُرحٍ بميتٍ إيلام
لقد استساغوا الذلّ، فأصبحوا يشترونه بشكل يسحق كلّ قضاياهم وأمورهم.
سياسةُ تركيا العدوانيَّة
النّقطة الخامسة: إنَّ تركيا - وهي دولة مسلمة، وكانت عمق الواقع الإسلاميّ قبل أتاتورك، ثمَّ تحوَّلت إلى دولة علمانيَّة من أجل أن يعطف الغرب عليها، حتَّى إنَّها ألغت يوم الجمعة كعطلة واستبدلت به يوم الأحد، ومنعت أن يكون للدّين دور في الدَّولة - هي أوَّل دولة مسلمة اعترفت بإسرائيل بعد أتاتورك، وقد عاشت طيلة العهود السياسيّة، تقترب من السياسة العدوانيَّة ضدَّ القضيَّة الفلسطينيَّة لمصلحة إسرائيل، من خلال الإيحاء الأمريكيّ الَّذي كانت تركيا، ولا تزال، تعيش تحت تأثيراته، باعتبار أنَّ تركيا تشبه المستعمرة الأمريكيَّة، من خلال القواعد العسكريَّة، ومن خلال أكثر من تأثير سياسيّ وأمنيّ وما إلى ذلك، وهي الآن تفتح أجواءها أمام الطَّيران الإسرائيليّ الحربيّ.. لماذا؟ لأنَّ إسرائيل أجواؤها صغيرة، كما يقولون، ولذلك تحتاج إلى دولة آفاقها واسعة، لكي يتدرَّب الطَّيران الحربي الإسرائيلي، ويتدرّب الطّيّارون الإسرائيليّون، وتركيا دولة إسلاميَّة، وتحبّ أن تعيش مع أهل الكتاب، وهي تضع قواعدها العسكريَّة في تصرّف إسرائيل من أجل تدريب الطيارين!!
أمَّا ما تأثير هذا الموضوع ومدى عدوانيَّة تركيا على كلّ الواقع العربي والإسلامي؟ ما المهمَّات الموكلة للطيران الحربي الإسرائيلي؟ هل إنَّ إسرائيل تريد أن تحارب أمريكا أم الصّين؟ إنَّ مهمَّة الطَّيران الحربي الإسرائيلي هي أن يقصف لبنان وجبل عامل والبقاع الغربي، وأن يخرق جدار الصّوت في بيروت، وأن يقوم بهجوم وهميّ، أو أن يقصف البقاع الأوسط..
ما دور الطيران الحربي الإسرائيلي؟ انطلق فقصف المفاعل النَّووي العراقي، وهو الآن يهدّد بأن يقصف أيَّ موقع في إيران. هذا معناه أنَّ تركيا عندما تفتح أجواءها للطيران الحربي الإسرائيلي، فإنها تنسّق مع إسرائيل في أن يصير الطيَّارون الصَّهاينة أكثر خبرة وتدريباً، حتَّى يقتلوا أكثر، ويقصفوا الواقع العربيّ والإسلاميّ أكثر، فأيَّة عدوانيَّة أكثر من هذه العدوانيَّة؟!
هذه مسألة لا بدَّ أن نعيشها أمام ما نواجهه من هذه الخطط الَّتي نشعر فيها بأنَّ تركيا تحارب الواقع الإسلاميّ كلَّه والواقع العربي كلَّه بالتحالف مع إسرائيل، ونحن نتطلّع بكلّ حذر إلى المستقبل الَّذي تحاول فيه تركيا أن تدخل كعنصر ضاغط على الواقع العربيّ كلّه من خلال المياه، كما تفعل الآن مع سوريا ومع العراق، عندما تنصب سدوداً على الفرات، بحيث تقلّ نسبة المياه الَّتي كانت تصل إلى نهر الفرات في العراق أو في سوريا في هذا المجال، وربما كانت الحروب المستقبليَّة في المنطقة هي حروب المياه، بعدما كانت في هذه المرحلة حروب الأرض. هذه نقطة نتوقَّف أمامها.
دعوةٌ إلى المعارضةِ العراقيَّة
ثمَّ بعد ذلك، نعرّج على العراق. هناك مؤتمر ينعقد في دمشق في هذه الأيَّام للمعارضة العراقيَّة، تحت عنوان "إسقاط الطَّاغية" في العراق. ولكنَّنا نقول للمعارضة العراقيَّة إنَّ مشكلتها هي تمزّقها، وأنَّها لا تزال تبحث القضايا الهامشيَّة لتختلف على أساسها.
إنَّنا ندعو المعارضة العراقيَّة، بكلّ فصائلها الإسلاميّة والوطنيّة والقوميّة، ندعوها إلى أن تجد السَّبيل إلى وحدتها، حتَّى تقدّم إلى العالم نموذجاً للمعارضة الموحّدة، تحت شعار مرحليّ هو "إسقاط الطَّاغية" الَّذي عاث في الأرض والمنطقة فساداً، وما زال الشَّعب العراقيُّ يعاني الجوع والحرمان والإرهاب من خلال حكمه، لأنَّ الآخرين يقولون إنَّ المشكلة في المعارضة أنَّها ليست موحَّدة ونحن نخاف على وحدة العراق، ولذلك فإنهم يبقون حاكم العراق على حكمه، باعتبار أنَّه يحفظ وحدة العراق، بالرّغم من أنَّنا نعرف أنَّه يبقى لا من أجل ذلك، بل لأنَّه لا يزال حاجة أمريكيَّة لابتزاز من تريد أن تبتزّه أمريكا وتهدّده.
زيارةُ الرَّئيسِ الفرنسيّ
وعندما نأتي إلى لبنان، نجد أنَّ هناك زيارة لرئيس أوروبي، هو رئيس فرنسا، ولا إشكال في أنّه حدث بارز في نطاق العلاقات اللبنانيَّة الفرنسيَّة، وقد استمع اللّبنانيون بالأمس إلى مواعظه السياسيَّة والاقتصاديَّة، ونحن شعب يسمع المواعظ من كثير من الدَّاخل والخارج، ولكنَّنا لا نعيش الواقع، ولا نعرف العبرة من الأشياء، شعب يعرف أن يصفّق ولا يعرف أن يركّز المواقف بشكل أساسيّ.
لقد ذكَّرنا بالأمّ الحنون - لأنَّ فرنسا، كما يقولون، كانت الأمَّ الحنون للّبنانيّين - الَّتي ترعى أولادها بأسلوب عاطفيّ. ولكنَّنا كنّا نتمنَّى أن يتحدَّث بصراحة ووضوح عن الاحتلال الصّهيوني للبنان، وعن حركة المقاومة ضدَّ الاحتلال، لأنَّ فرنسا عاشت مرارة الاحتلال وموقف المقاومة، ولأنَّ التقاليد الفرنسيَّة في مسألة الحريَّة، تفرض عليها أن تشير بالاسم إلى الواقع الوحشيّ الَّذي يعيشه اللّبنانيّون تحت الاحتلال، لا أن تكتفي بالكلام عن المصادمات في جنوب لبنان. إنَّ الَّذين يفكّرون في الحريَّة، عليهم أن يقولوا كلمة قويَّة في الَّذين يسيئون إلى حريَّة شعب باحتلال أرضه تحت حجَّة أنَّ ذلك من أجل أمنهم أو ما إلى ذلك، ولكنّه لم يتحدَّث بصراحة الحريَّة، وإنما تحدّث بدبلوماسيَّة لا تعني شيئاً.
إنَّنا نقول له إنَّك تحدَّثت عن العمران، وتحدَّثت عن الانتخابات، ولكنَّ مشكلتنا في لبنان، كما كانت مشكلتكم في فرنسا، هي مشكلة الاحتلال، ولذلك فإنّ القضيَّة أننا إذا استطعنا أن نخرج المحتلَّ من أرضنا بفعل ضربات المجاهدين، فإنَّ الاتّفاق على مسألة الانتخابات وعلى طريقة العمران، وما إلى ذلك من الأمور، يمكن أن يتمَّ بأبسط الطّرق.
إنَّنا في هذا المجال، كنَّا نتمنَّى أن تكون القضايا الَّتي تثار في هذه الزّيارة بهذا الحجم، بالطَّريقة الَّتي يشعر فيها اللّبنانيّون أنَّ هناك وضعاً دوليّاً يضغط ويضغط، من أجل انسحاب إسرائيل من دون قيد أو شرط، لا أن يتحدَّث عن انسحابها في إطار ما يسمَّى بالسَّلام، لتفرض على اللّبنانيّين شروطها السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة.
منعُ الاحتجاجِ العمَّاليّ
وأخيراً، كنَّا نتمنَّى أن تمنح السّلطة الاتحاد العماليَّ العامّ الرّخصة في الاعتصام الَّذي لن يتعقَّد منه الرَّئيس الفرنسيّ إذا كانوا يخافون من ذلك، لأنَّه عاش معارضة الحركة النقابيَّة العمَّاليَّة في فرنسا كأقوى ما تكون، من دون أن يجد فيها خروجاً عن التقاليد الديمقراطيَّة أو تهديداً للأمن الفرنسيّ.
إنَّنا لا نفهم أن يقال إنَّ الاحتجاج العمّاليّ على معالم الأزمة الاقتصاديّة، يمكن أن يسيء إلى أمن البلد، أو إنّه يسيء إلى استقبال رئيس أوروبي كبير في البلد. فما معنى أن يعيش شعب مثل هذه الأزمة الَّتي لا توفّر أيّ دولة، بفعل الارتباك في الواقع الاقتصاديّ العالميّ والإقليميّ؟!
فتّشْ عَنْ أمريكا
إنَّ هناك نقطة أخيرة لا بدَّ أن نثيرها في المجال العامّ للسياسة الدَّوليَّة، أنَّ أمريكا لا تزال تضغط على معظم العرب الَّذين يتحركون في خطّ سياستها الإسرائيليَّة، للانفتاح الكامل على إسرائيل، بالرّغم من التعثّر على المسار السوريّ الإسرائيليّ، والجمود على المسار اللّبنانيّ الإسرائيليّ، وذلك من أجل الضّغط على سوريا وعزلها، لتكون إسرائيل في موقع القوَّة، وليكون الجميع في موقع الضّعف.
لقد كان نابليون وهو يتعقَّد من المرأة، عندما يتحدَّث عن أيِّ مشكلة يقول: فتّش عن المرأة، ونحن نقول في منطقتنا هذه، وفي أكثر من منطقة في العالم، عندما تواجهون أيَّ مشكلة سياسيَّة أو اقتصاديَّة أو أمنيَّة: فتّش عن أمريكا، فإنَّها هي الَّتي تعقّد لنا الواقع وتربكه، من أجل مصالحها الَّتي تعيش على حساب الشّعوب المستضعفة.
والحمد لله ربّ العالمين.
*خطبة الجمعة للرجال، بتاريخ: 05/04/1996 م.
اقرأ المزيد
-
A
+A
خطب الجمعة
أرشيف خطب الجمعة عام 1996
الإيمان
لبنان
إسرائيل
فلسطين
أمريكا
إيران
تركيا
فرنسا
العراق
بينَ رقابَةِ اللهِ ووحدَةِ الأمَّةِ: مسؤوليَّتُنا في زَمَنِ التَّحدّيَات
اخترنا لكم
أرشيف خطب الجمعة عام 1996
بينَ رقابَةِ اللهِ ووحدَةِ الأمَّةِ: مسؤوليَّتُنا في زَمَنِ التَّحدّيَات
أرشيف خطب الجمعة عام 1996
أسلوبُ الدَّعوةِ بين الكلمةِ الطيّبةِ والجدالِ بالأحسن
أرشيف خطب الجمعة عام 1996
شريعةُ الله: مصلحةُ الإنسان في الدّنيا والآخرة
مقالات ذات صلة
سيرة السيد
السيّد فضل الله... حين يكون الإيمان قلباً مفتوحاً والمرجع روح إنسان
أخبار بينات
دكتوراه عن تفسير "من وحي القرآن" للمرجع فضل الله في جامعة بتركيا
أرشيف خطب الجمعة عام 1996
بينَ رقابَةِ اللهِ ووحدَةِ الأمَّةِ: مسؤوليَّتُنا في زَمَنِ التَّحدّيَات
بالفيديو
01.08.2025
ظاهرةُ العصبيَّة: بين الحميَّة المرفوضة والالتزام المشروع
24.07.2025
هل همَّ يوسفُ (ع) بالمعصية؟!
18.07.2025
الاختلاف في الأذان بين السنة والشيعة
09.07.2025
موقع بيّنات: صوتٌ للوعيِ ومنبرٌ للرّسالة
07.07.2025
يا أبا عبد الله ... سقط جسدك وروحك لم تسقط
02.07.2025
التاريخ ومواجهة الاحداث تجربة الامام علي (ع)
02.07.2025
العبرة من عاشوراء
02.07.2025
الشخصية الإسلامية في مواجهة تفرقة المسلمين
02.07.2025
عاشوراء استكمال المسيرة
نسخ الآية
نُسِخ!
تفسير الآية