يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال: 27 - 29].
العهد بين الله وعباده
تعالج هذه الآيات عدّة نقاط، لتؤكّد للإنسان خطّ الاستقامة والسَّلامة في علاقته بالله سبحانه وتعالى، وفي علاقته بنعم الله عليه، وبالخطّ الَّذي يتحرَّك به في الحياة.
الآية الأولى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فهناك عهد بين الله وبين عباده، فالله سبحانه وتعالى قال في آية أخرى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}[البقرة: 40]، أي أنَّ لله عهداً على عباده ينطلق من فطرتهم، لأنَّ فطرة الإنسان هي الَّتي توحي إليه بالإيمان بالله وبتوحيده.
ولذلك، فهو عهد بين الله وبين عباده؛ أن يؤمنوا به ويوحّدوه، وأن لا يشركوا به شيئاً، وأن يطيعوه في كلّ ما أمرهم به ونهاهم عنه. فالإخلاص لله سبحانه وتعالى إنما يكون بالإيمان به، وبتوحيده، وبإطاعته فيما أمر به أو نهى عنه، فمن لم يؤمن بالله، ومن لم يوحّده، ومن لم يطعه، فهو خائنٌ له سبحانه وتعالى، وأيَّة خيانة أعظم من أنَّ الله خلقنا ورزقنا وأفاض علينا نعمه، ونحن نتمرَّد عليه ونبتعد عنه وننحرف عنه في كلّ حياتنا؟!
لمن الاهتمام أوّلاً؟!
إنَّنا عندما ندرس أنفسنا من خلال التربية الَّتي تربّيناها، والبيئة الَّتي عشناها، والمؤثّرات الَّتي تأثَّرنا بها، نلاحظ أنَّ الله بالنّسبة إلينا هو أهون من كلّ شيء، فنحن نخاف من أشخاص أكثر مما نخاف من الله، ونهتمّ بأشخاص أكثر مما نهتمّ بالله، ففي الحياة الزوجيَّة، مثلاً، نرى أنَّ الزَّوج يهتمّ بأن ترضى زوجته عنه حتَّى تكون حياتهما مريحة، أو لأنّه يحبّها ويريدها أن تكون راضية عنه، والزَّوجة كذلك تهتمّ برضى زوجها عنها، فتراها تحوّل البيت، إذا قدم، إلى حالة طوارئ، وتهتمّ به كثيراً، باعتبار أنَّ زوجها يمثّل قيمةً كبيرةً في حياتها، وكذلك الزَّوج يشتري لزوجته بعض الأشياء ويهتمّ بها لأنَّ لها قيمة عنده، والزَّوجة تخاف أن يغضب زوجها عليها، وربّما يخاف الزوج أن تغضب زوجته عليه.. وهكذا الأولاد مع الآباء والأمّهات.
لكن لو فكَّر كلّ واحد منَّا: هل هو يهتمّ بالله سبحانه وتعالى كما يهتمّ بالإنسان الآخر؟ هل يخاف من الله كما يخاف من الإنسان الآخر؟ هل تخاف الزَّوجة من الله كما تخاف من زوجها أو من أبيها أو أخيها؟ البعض يعتبر العلاقة مع الله مسألة بسيطة، لأنّنا أساساً لم نربّ عظمة الله في نفوسنا، فنحن نتعاطى مع الله على أساس أنّه بعيد عنّا، فلا نحسب حسابه، بينما الآخرون موجودون معنا وأمامنا، وعلينا أن نحسب حسابهم!
ولذلك، يقول الله في بعض الآيات: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ - لم يتصوَّروا الله في مواقع عظمته - وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزّمر: 67]، فهذه الأرض الواسعة والسّموات والأرض كلّها في قبضة الله سبحانه وتعالى.
تعظيمُ مقامِ الله
والله سبحانه وتعالى يبيّن أنَّ مَن يدخل الجنَّة، هو الَّذي يعرف مقام ربّه ويخافه، يقول تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ - أي مقامه في عظمته ونعمته - وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النّازعات: 40 - 41]. فالجنَّة لمن يعيش عظمة الله في نفسه، وعندما يعيش ذلك، ينهى نفسه عن الأشياء الَّتي يريدها هواه مما يغضب الله. وأمَّا الَّذي تمرَّد على الله وعصاه، فصار يترك الواجبات، فلا يصلّي ولا يصوم، ولا يزكّي ولا يحجّ، ويلعب القمار، ويقوم بغيرها من المحرّمات {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}[النَّازعات: 37 - 39].
فينبغي علينا دائماً أن نربّى عظمة الله في نفوسنا، من خلال التَّفكير في نعم الله سبحانه وتعالى وفي خلقه، وكلّما تربت عظمة الله في نفوسنا، صرنا ننظر إلى النَّاس بأنَّهم لا يمثّلون شيئاً أمامه تعالى.
الإمام عليّ (ع) في وصفه للمتَّقين يقول: "عَظُمَ الْـخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ"، أي أنّهم عندما تربَّت عظمة الله في نفوسهم، أصبحوا ينظرون إلى النَّاس بأنَّهم لا يمثّلون شيئاً أمام الله سبحانه وتعالى.
فقد ترى النَّاس يتحدَّثون عن شخص بأنَّه عظيم أو كبير، لأنَّه يملك علماً أو مالاً أو بطولة، أو لأنّه شخصيَّة سياسيَّة، ولكن من هو فلان وفلان أمام الله؟ كلّهم عباد الله وخلقه؛ مالهم وعلمهم وقوّتهم وجاههم كلّه من الله.
ولذلك يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ}، يعني أخلصوا لله سبحانه وتعالى، فإذا عاهدتهم الله عهداً، فأخلصوا لعهدكم ولإيمانكم ولعلاقتكم مع ربّكم، لأنَّ العلاقات كلّها تتقطّع وتبقى علاقتنا مع الله فقط، فنحن خلقنا بإرادة الله، ونموت بإرادته، ونبعث بإرادته، ونقف أمامه بالسّؤال غداً بإرادته، لذا ينبغي أن تكون حساباتنا لعلاقتنا مع الله وليس مع النَّاس.
التّأمّل في أنفسنا
لذلك، ينبغي أن نفكّر في هذه المسائل ونتأمَّل بها، لأنَّها تمثّل حقائق وجودنا وحقائق الحياة. وأنا دائماً أتحدَّث مع نفسي ومعكم بأنَّنا نعيش في حياتنا ضجيجاً يشغلنا عن التأمّل في أنفسنا، فالمرأة في البيت تكون مشغولة ببيتها وبتنظيم أموره وأمور زوجها وأولادها، والرّجل أيضاً يكون مشغولاً بأموره، وكذلك إذا كان الإنسان موظَّفاً أو عاملاً، فيكون هناك ضجيج من الصّباح إلى اللَّيل، فلا يفرغ الإنسان لنفسه، حتّى عندما نصلّي، نستحضر كلّ مشاكلنا وأمورنا ونحن في الصَّلاة... ولا نتصوَّر أنَّنا واقفون أمام الله سبحانه وتعالى.
فهذا الضَّجيج الَّذي نعيشه؛ ضجيج الدّاخل والخارج، يمنعنا من أن نفهم أنفسنا، وقد قلتها مراراً، أنّه لو أتى شخص وسأل أيّ واحدة منكنّ: ما رأيك بجارتك فلانة أو بصديقتك فلانة؟ فإنّك تتحدّثين ساعة أو ساعتين عنها، لأنَّنا نعرف كلّ شيء بعضنا عن بعض، ولكن لو أتى شخص وفاجأنا وسألنا: ما تفكيركم في القضايا؟ ما هي أوضاعكم العقليَّة والثَّقافيَّة؟ تقولون له اسمح لنا لنفكّر ثمّ نتحدَّث. لماذا؟ لأنَّنا نجلس مع الآخرين أكثر مما نجلس مع أنفسنا، ونهتمّ بأشياء الآخرين أكثر مما نهتمّ بأشياء أنفسنا.
الآن، إذا اتَّسخ أيّ مكان في البيت، ترانا نفكّر كيف ننظّفه حتّى يبقى البيت نظيفاً، أمَّا كم كلمة سيّئة في اليوم تدخل في عقولنا، كم عادة سيّئة تستهوينا، كم منظر غير أخلاقيّ نعجب به، كم مشاعر خبيثة تنفذ إلى قلوبنا، كم صورة من الصّور الّتي نشاهدها تتعمَّق في تفكيرنا، فلا نهتمّ. فهل هناك مَنْ فكَّر أنَّ عليه يوميّاً أن ينظّف عقله وقلبه مما دخل فيهما من أوساخ، ممّا يسمعه ويراه ويمارسه؟! فكم يدخل في عقولنا وقلوبنا من أشياء غير صحيحة، ومن أشياء خبيثة وسيّئة، ونحن إنّما تتكوَّن شخصيّاتنا وأخلاقنا من الكثير من الأشياء الّتي تدخل قلوبنا وعقولنا من دون شعور وانتباه.
أنا الآن أسألكم، وسألت نفسي قبل أن أسألكم: هل اخترنا نحن أخلاقنا، سواء بطريقة السَّلام أو النَّظرة إلى الآخرين أو العلاقة معهم...؟ نحن لم نختر ذلك، وإنّما تأثَّرنا بالبيئة الَّتي عشنا فيها، بيئة البيت، وبيئة المدرسة، وبيئة الشَّارع، فهذه البيئة هي الَّتي أدخلت هذه العادات والأخلاق في داخل شخصيّاتنا، فنحن لم نخترها، وإنّما فرضت علينا من خلال المجتمع.
لذلك، ربّما يكتشف الإنسان أنَّ 90% من عواطفه ومشاعره وتقاليده وأخلاقيَّاته إنّما هي مفروضة عليه من المجتمع، ولم يخترها بنفسه عن قناعة. لذلك، عندما نجلس مع إنسان أو إنسانة، ونتحدَّث ساعة أو ساعتين، علينا بعد انتهاء الجلسة، أن نجلس ونفكّر ما الَّذي دخل في قلوبنا وعقولنا من كلام هذا الشّخص؟ لأنَّ الوسواس الخنَّاس ربما يتخفّى في داخل حديثه.
تأثير الأجواء الانفعاليَّة
فعلى الإنسان أن يحاول أن يعرف ما الَّذي ركز في قلبه وعقله في حديثه مع هذا الشَّخص، وما الشَّيء الَّذي لم يركز، فقد يأتي شخص يعقّد لنا أفكارنا من شخص، أو يبغّضنا بشخص، أو يحبّب لنا شخصاً بأسلوب عاطفيّ انفعاليّ، فنلاحظ أنّنا صرنا نحبّ فلاناً ولم نكن نحبّه، ونبغض فلاناً ولم نكن نبغضه، وأنّه صار لفلان قيمة عندنا ولم يكن كذلك... فكيف صار هذا الشَّيء؟! علينا أن نفكّر، لأنَّ الإنسان عندما يعيش بين أصدقاء، يتأثّر بالأجواء العاطفيّة والانفعاليّة، ولكن عندما يبتعد عن هذا الجوّ العاطفيّ، فعليه أن يجلس مع نفسه ويفكّر ما الّذي ينفعه وما الّذي يضرّه، فيأخذ الَّذي ينفعه عن قناعة، ويترك الشَّيء الَّذي يضرّه عن قناعة.
لهذا، نحتاج دائماً أن نصادق أنفسنا، وأن نتعوَّد على مناجاة النَّفس، وعلى الحديث معها واكتشافها، فما قيمة أن نعرف كلَّ الدّنيا ونجهل أنفسنا؟! نحتاج أن نعرف بماذا نفكّر، ما هي أفكارنا الدينيَّة والسياسيَّة، ما هي خطوطنا العاطفيَّة في الحياة، ما الأساس في عواطفنا الإيجابيَّة أو السَّلبيَّة في الحياة؟! علينا أن نعرف ذلك كلّه، حتَّى نفهم أنفسنا ونروّضها ونرتّبها، فلا يصحّ أن نهتمَّ بالبيت من الصّباح إلى اللَّيل ولا نهتمَّ بتنظيم أنفسنا، فكما نرتّب البيت، كذلك علينا أن نرتّب عقولنا وما تستقبله وتتركه، وهذا يحتاج إلى أن يجلس الإنسان مع نفسه ومع ربّه، ليدرس نفسه، وليعرف ربَّه، لأنَّ "مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ"، ومن نسي ربَّه نسي نفسه، فيجب أن نعرف ما لله علينا وما لنا عند الله، أن نعرف ماذا لأنفسنا علينا.
الإخلاص للرّسول
{لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، وما هي خيانة الرَّسول؟ ما هي مهمَّة الرَّسول عندنا؟ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[الجمعة: 2]، فمهمَّة الرَّسول أن يعلّمنا كتاب الله، وكيف نتصرَّف في الحياة بحكمة، وأن يزكّي نفوسنا ويطهّرها ويهدينا سواء السَّبيل. فمهمَّة النَّبيّ هي الرّسالة، وتزكية النَّفس وتطهيرها، ورفع مستوى العقل والرّوح، وأن تتأصَّل إنسانيَّة الإنسان في كلّ المعاني الإنسانيّة.. والإخلاص للرَّسول هو أن نتّبع رسالته، وأن نسير على خطّه ونهجه في كلّ ما بلَّغنا إيّاه عن الله سبحانه وتعالى، وفي كلّ ما عرَّفنا إيّاه من خطوط مسؤوليَّتنا في الحياة، فإذا ابتعدنا عن الرّسالة والتزمنا رسالةً غيرها، وإذا انحرفنا عن خطّ الرَّسول وانطلقنا مع خطّ غيره، فإنّنا بذلك نخون الرَّسول.
خيانةُ الأمانة
ثمَّ: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}، وهي الأمانات الشَّخصيَّة بين النَّاس. ففي الحياة الاجتماعيَّة، سواء كان مجتمعاً صغيراً، كما في مجتمع العائلة، أو مجتمعاً كبيراً، كما في مجتمع المحلَّة أو البلدة أو العالم، هناك أمانات إنسانيَّة.
والأمانات على أقسام، فهناك أمانة المال، كأن يودع أحد مالاً عند أحد ليحفظه له حتّى حين، وهناك أمانة السّرّ، كأن يودع أحد عند أحد سرّاً، ويطلب منه أن يحفظه له، وأن لا يتحدَّث به إلى أحد..
أمانةُ السّرّ
وربما تكون أمانة السّرّ أخطر من أمانة المال، فالبعض قد يكون عنده أسرار كبيرة تتَّصل بمصيره في الحياة، وتكون بالنّسبة إليه أهمّ بكثير من المال، لأنَّ السّرّ قد يدمّر حياته. لذلك، على الإنسان إذا كان خائفاً على سرّه، وكان خطيراً، بحيث يتعلَّق بمصيره وبالقضايا الحسّاسة عنده، فعليه أن لا يعطيه لأحد، حتّى لأقرب النَّاس إليه، لأنّ الإنسان إذا لم يستطع أن يحفظ سرّه، فكيف يحفظه غيره؟! على الإنسان أن يفكّر بهذه الطّريقة.
ثمَّ إنّنا أحياناً نعطي بعض النَّاس أسرارنا باعتبارهم أصدقاء نحبّهم ويحبّوننا، لكنَّ هؤلاء الّذين يحبّوننا اليوم، قد ينقلبون علينا غداً ويكرهوننا.. ألا تحدث مثل هذه الأمور؟ أن يكون هناك أصدقاء من الرّوح للرّوح، كما يقولون، ثمَّ يصبحون أعداء بالنّسبة ذاتها؟! الشَّاعر يقول:
احذرْ عَدُوَّكَ مَرَّة وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ ألفَ مَرَّة
فَلَرُبَّما انقلبَ الصَّديقُ فكَانَ أدْرَى بِالمضَرَّة
لذلك، على الإنسان أن لا يعطي سرّه لأحد، إذا لم يكن هناك قضيَّة توجب وتلزم أن يعطيه سرّه، لأنَّ بعض النّاس تعطيه سرّك، فينقله إلى أحد آخر، ويقول له أنا وعدت بأن أحتفظ بالسّرّ، ولكنّي أثق بك، والآخر ينقله، وهكذا، وخصوصاً في مجتمعنا الشَّرقيّ الّذي هو مجتمع فضوليّ ولا يحترم أسرار النَّاس، ويتلصّص ويتجسَّس على النَّاس، ومجتمع يحاول دائماً أن ينقل ما يسمع.
ومن الأمور التي نعيشها في مجتمعنا، أنّنا لا نحترم الإنسان فينا، ونحبّ أن نتكلَّم كثيراً، فلا نطيق أن نسكت لنفكّر، والإنسان عندما يحبّ الكلام، وخصوصاً الَّذي يثير انتباه النَّاس، حتَّى يصير محلّ اهتمامهم، يتحدّث بأيّ كان، سواء كان سرّيّاً أو غير سرّيّ.
فينبغي، أوّلاً، على الإنسان أن يحفظ سرَّه، وإذا حدَّثنا الآخرون بالسّرّ، فيجب علينا شرعاً أن نحفظه، لأنَّ السّرّ أمانة، وإذا لم يحفظها، فيكون خائناً كأيّ خائن للأمانة، فإذا وضع شخص سرّاً عند شخص آخر، وأفشى هذا الشَّخص السّرّ، وقد ائتمنه صاحبه عليه، فهو خائن، لأنَّه شرعاً لا يجوز إذاعة السّرّ.
وبقدر ضخامة السّرّ وتأثيره في صاحبه، فالإنسان الَّذي يفشيه يتحمَّل كلّ المسؤوليّة، فلو فرضنا أنَّ أختاً عندها سرّ معيّن، كعلاقة كانت لها مع شخص، ثمَّ تزوَّجت، ورحنا نحكي لزوجها عن سرّها، فطلّقها وتدمَّرت حياها، فيكون كلّ الإثم على من تكلَّم، والله يحاسبه على كلّ النَّتائج السلبيَّة الَّتي حدثت بسبب إفشاء السّرّ. وكم من هذه الأمور تحدث عندنا!...
إنَّ الشَّباب والفتيات قد تصدر عنهم أخطاء بحقّ أنفسهم، أو من خلال بعض العلاقات، ثمّ تتزوّج الفتاة أو الشّابّ، ولكنّ بعض النّاس لا يتركانهما بحالهما، فتراهم يأتون إلى الزَّوج، مثلاً، ويقولون له إنَّ تاريخ زوجتك كذا، ويأتون إلى الزَّوجة أيضاً، ويقولون لها إنَّ زوجك كان على علاقة سابقة مع فلانة، ويؤدّي ذلك إلى تدمير البيوت، فالَّذي يتحمَّل المسؤوليَّة هو الَّذي يتحدَّث ويفشي السّرّ.
يقال إنّه "يُؤتَى للإِنْسانِ في يَوْمِ القِيامَةِ بِقَارورةٍ فيها دَمٌ، فَيُقالُ لَهُ خُذْ هذا نَصيبُكَ مِنْ دَمِ فُلانٍ، فَيَقُولُ يَا رَبّ، لَقَدْ عِشْتُ حَيَاتي وَلَمْ أُرِقْ دَماً، فَيُقَالُ: سَمِعْتَ كلمةً مِنْ فلانٍ فنَقَلْتَها إلى فُلانٍ الجَبَّارِ فقَتَلَهُ، فهذا نَصِيبُكَ مِنْ دَمِهِ".
خيانة البلد
وكذلك الَّذي يتجسَّس للعدوّ، أيّ عدوّ كان، إذا كان يعرف سرّاً من أسرار بعض المؤمنين والمؤمنات، أو من أسرار بلده، فعندما ينقله إلى العدوّ، ويستخدم العدوّ هذا السّرّ، فيعتقل هذا، ويقتل ذاك، فهذا كلّه يتحمَّل مسؤوليَّته الَّذي نقل السّرّ..
بعض النَّاس ممّن يصبحون جواسيس للعدوّ، يبرّرون عملهم بأنّهم أصحاب بيوت وعائلات، وأنّهم لا يفعلون شيئاً سوى تقديم تقارير إلى العدوّ، باعتبار أنَّه عمل. لكن، ما نتيجة هذه التّقارير؟ وكم تبعد آباءً عن أولادهم، وأزواجاً عن زوجاتهم! كم من الأطفال يصبحون أيتاماً بسببها، وكم من أناس تُدمَّر حياتهم بسببها! هذه اللّقمة الَّتي يأكلها هذا الإنسان الَّذي يتجسَّس، هي لقمة مغموسة بالدّم والدّموع، فعندما نتجسَّس لصالح العدوّ، بحيث تدمَّر حياة أشخاص ويُقتَلُ أشخاص، فمعناه أنَّنا نطعم أولادنا لقمةً مغموسةً بدم فلان الَّذي قُتِل، وبدموع فلانة الَّتي اعتُقِلَ زوجها، والأطفال الَّذين تفرَّقوا عن والدهم...
لذلك، على الإنسان عندما يطّلع على أسرار النّاس أن يحفظها. وعلينا أن نركّز على أن تكون لنا شخصيَّتنا الأمينة الّتي تحفظ أمانة السّرّ، كما تحفظ أمانة المال.
أمانة الزّواج
وهناك أيضاً أمانة العلاقة الزَّوجيَّة، فعندما يتمّ عقد الزَّواج، فمعنى ذلك أنَّ العلاقة صارت أمانة عند الطّرفين؛ الزّوج أمانة عند الزَّوجة، والزَّوجة أمانة عند الزّوج، وعليهما أن يحفظا هذه الأمانة بكلّ متطلّباتها ومسؤوليَّاتها الشَّرعيَّة، بحيث يشعر الواحد منهما بأنَّه فقَدَ حرّيّته، لأنَّ الإنسان تحرّره كلمة، وتقيّده كلمة، والإمام عليّ (ع) يقول: "الكلامُ في وَثاقِكَ ما لم تَتَكلَّمْ بهِ - أي أنَّ الكلام قبل أن تتكلَّم به يكون خاضعاً لك - فإذا تَكَلَّمتَ بهِ صِرتَ في وَثاقِهِ". والإنسان كلمة في الحياة، فمن لا يحترم كلمته، لا يحترم نفسه ولا يحترم إنسانيَّته، فالكلمة الَّتي لا نستطيع أن نتحمَّل مسؤوليَّتها، علينا أن لا نتكلَّم بها.
والمرأة إذا كانت تعرف من نفسها قبل أن تتزوَّج، أنّها تستطيع أن تخلص لزوجها ولحياتها الزَّوجيَّة وأن تصون علاقتها به، فلتقدم على الزّواج، ولكن الَّتي تعرف من نفسها أنّها لا تستطيع أن تصون الحياة الزَّوجيَّة، وأن تحفظ أمانة الزّواج وتخلص لزوجها، فعليها أن لا تقدم على الزّواج، لأنّها ستكون خائنة، والخيانة ليس فقط بالزّنا، بل بغيره أيضاً، ويمكن أن تكون خائنة بالعواطف مثلاً.
في بعض الحالات، قد تكون هناك فتاة لا تحبّ شخصاً، ولكنَّ ظروفها قد تدفعها إلى الزّواج منه، ولكنّي أقول إذا كان هناك نفور من شخص، فعليها أن لا تدخل معه في الحياة الزّوجيَّة، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الرَّجل، لأنّه سيكون هناك ازدواجيَّة في الشَّخصيَّة، وسيكون هناك قلق وحيرة وتمزّق نفسيّ، وهذا ينعكس على الحياة الزّوجيَّة كلّها. وإذا كان بإمكان الإنسان أن يغشّ كلّ النَّاس، فلا ينبغي أن يغشَّ نفسه، وعليه أن يعرف نفسه، ما تفكيره وعواطفه واستعداداته، حتى يركّز حياته على أساس ذلك.
لذلك، فالحياة الزوجيَّة هي من الأمانات الَّتي لا يجوز للرَّجل ولا للمرأة أن يخوناها، لأنَّ هناك عقداً بينهما سمَّاه الله بالميثاق الغليظ، فالله يخاطب الأزواج ويقول: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء: 20 - 21]، فالله يعبّر عن العقد بين الزّوج والزّوجة بأنَّه ميثاق غليظ ومؤكّد وليس ميثاقاً عاديّاً.
لذلك، أمام ما نراه من حالات الانحراف، من أفلام إباحيَّة يراها نساء ورجال، وأوضاع منحرفة في المجتمع، ورجال يحاولون أن يخاطبوا مشاعر النساء من أجل أن يقودوهنّ إلى الخيانة، وأوضاع غير سليمة في مجتمعنا... أمام ما نراه من هذا الانحراف، على الإنسانة المؤمنة، سواء كانت فتاة أو امرأه، أن تحتاط لنفسها من كلّ ذلك، وأن نتَّقي الله في أنفسنا وأزواجنا.
مشكلة الاختلاط
وأنا دائماً أركّز على نقطة، وهي أنَّ هذا النَّوع من الاختلاط بين الرّجال والنساء، وما يحدث من مزاح وأحاديث في الجلسات، يؤدّي إلى الكثير من المشاكل، وحتّى لو كانت القلوب طاهرة، ولكنّ بعض الأجواء قد تنجّس القلوب، وأنا لا أتكلَّم معكم بالخيال، بل هناك الكثير من المشاكل من هذا ومن غيره.
الكثير من الناس يسألونني ما المشكلة أن يحضر الرّجل وزوجته أفلاماً إباحيَّة إذا كان الأمر فيما بينه وبينها، وأنا أقول لهم إنَّ هذا حرام حتَّى لو بينه وبينها، لأنّهما عندما يحضران فيلماً إباحيّاً، فإنَّ هذا يؤدّي إلى تمييع شخصيَّة الرّجل والمرأة، وقد يدفع الرَّجل إلى أن لا يكون مرتاحاً في العلاقة مع زوجته، لأنّه يرغب في أن تكون صورة زوجته كما صورة المرأة الَّتي يشاهدها في الفيلم الإباحي، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى المرأة، وهذا قد يؤدّي إلى تخريب العلاقة الزّوجيَّة.
ولذلك، علينا أن نتحمَّل مسؤوليَّة طهارتنا وعفَّتنا وأمانة العلاقة الزوجيَّة، وهذا شيء أساسيّ. الآن، مثلاً، عندما تحصل علاقات غير شرعيَّة بين المرأة المتزوّجة ورجل غير زوجها، فقد يولد أولاد غير شرعيّين، وينسب الولد إلى غير أبيه، عندما تقدّم المرأة الولد إلى زوجها على أنّه ابنه ولا يكون ابنه، فكم هي النّتائج الشَّرعيَّة السَّلبيَّة الّتي تترتّب على هذا الأمر؟! فمن الأمانة أن لا نخون في هذا المجال.
أمانة الأمَّة والوطن
وعندنا أيضاً أمانات أخرى هي مسؤوليَّاتنا في المجتمع، كأمانة الوطن، وأمانة الأمَّة، وأمانة السياسة، وأمانة الأمن، فنحن مسؤولون عن المجتمع، كلّ بحسب طاقته. الإمام عليّ (ع) يقول: "اتَّقُوا اللهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلاَدِهِ، فَإنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ". فعلينا أن نحفظ أرضنا ووطننا ومجتمعنا وأمَّتنا، فكلّها أمانة الله في أعناقنا، والإسلام أيضاً أمانة الله في أعناقنا، أن نحميه من تعدّيات الآخرين ومن محاربتهم له بكلّ ما نستطيع.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فيجب أن يكون لدينا وعي المسؤوليَّة والأمانة، حتَّى نحترم إنسانيَّتنا بمقدار ما نحترم أماناتنا.
فتنة الأموال والأولاد
ثمَّ يقول الله بعد ذلك: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، فالحياة أموال وأولاد {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: 46]، فالإنسان ينفتح قلبه عندما يكون عنده مال وأولاد، والله يقول إنَّهم زينة الحياة، ولكنّهم أيضاً فتنة بمعنى الاختبار، فالله يختبرنا في مالنا، هل نصرفه في حلال أم حرام، هل نؤدّي حقوق الله وحقوق النَّاس منه أم لا؟ هل نكسبه من حلال أم من حرام؟ وأولادنا أيضاً فتنة، لأنَّ العاطفة قد تجعل الإنسان يطيع ولده في معصية الله، وقد تجعله يتخلَّى عن مسؤوليَّته في تربية ابنه وتوجيهه ليكون مواطناً صالحاً ومسلماً جيّداً.
كذلك أراد الله لنا أن يكون أولادنا من حلال لا من حرام، فالله عندما حرَّم علينا العلاقات غير المشروعة، فلأنّه لا يريد لأولادنا أن يكونوا من حرام، كما لا يريد لأموالنا أن تكون من حرام، فهذا محلّ اختبار، فالله يختبرنا وسيسألنا كيف صنعتم في أولادكم الَّذين هم أمانة الله؛ هل وجَّهتموهم إلى الخير وربّيتموهم على طاعة الله؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التّحريم: 6].
نحن مسؤولون عن أنفسنا وعن أولادنا، ومسؤولون عن أموالنا، فالله يوم القيامة سيسأل الإنسان عن أربع؛ "عَنْ عُمرِهِ فِيمَ أَفْنَاه - بم أفنيت هذا العمر؛ بطاعة الله أم بمعصيته - وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ - والشّباب يمثّل قمّة الحيويَّة والقوّة للإنسان - وَعَنْ مَالِهِ ممَّ اكتسَبَهُ - من حلال أم حرام - وفيمَ أَنْفَقَهُ".
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، فالأموال والأولاد ليسوا رأسمال، بل الله هو الرأسمال {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف: 46].
ثمَّ يدعونا الله في الآية الأخيرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ - فإذا انطلقتم في خطّ التَّقوى، وراقبتم الله في كلّ أعمالكم، وفي كلّ أحاسيسكم ومشاعركم - يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا - يعطكم نوراً يشرق في قلوبكم، بحيث تستطيعون من خلاله أن تفرقوا بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشّر - وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال: 29].
زاد الآخرة
هذا هو الجوّ الَّذي نعيشه مع نداءات الله سبحانه وتعالى. قد نذهب الآن وننشغل وننسى، ولكن فلنسأل أنفسنا: أين آباؤنا وأمَّهاتنا وأجدادنا وأصدقاؤنا؟ كانوا مثلنا تشغلهم الحياة الدنيا، ولكنَّهم ذهبوا ولم يعودوا، وسنذهب ولا نرجع، وسننفصل عن مجتمعاتنا ولهونا وعبثنا.
لذلك، ينبغي أن لا نغفل عن أنفسنا وعن ذكر ربّنا، أن نعمل ونجهّز الزَّاد لآخرتنا، والله يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: 197]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: 18 - 20]. فمن يرد الجنَّة، عليه أن يعمل لها، ومن يرد أن يهرب من النَّار، عليه أن يبتعد عن أسبابها، والمهمّ أن نبقى واعين لا غافلين، لأنَّه يوم القيامة، يقول لنا الله: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق: 22].
وحتَّى يقال لنا: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}[الحاقّة: 19 - 37].
***
الأسئلة بعد الخطبة
س: ما معنى ما ورد في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: 33]؟
ج: يعني أنَّ الله اختارهم لأن يكونوا الأنبياء وعائلة الأنبياء.
س: ما معنى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}[آل عمران: 93]؟
ج: يعني أنَّ الله كان قد أباح كلَّ الطَّعام لبني إسرائيل، فلم يحرّم عليهم شيئاً، ولكنَّ إسرائيل، وهو يعقوب، كان قد حرَّم على نفسه أشياء قبل أن تُنزَّل التَّوراة، فأقرَّها الله.
س: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}[البقرة: 219]. ما هي منافع الخمر؟
ج: يمكن أن تكون النَّشوة الَّتي توحي للإنسان بالراحة والسَّعادة والهروب من المشاكل وما إلى ذلك.
س: سمعنا في تفسيركم لسورة يوسف على إذاعة صوت الإيمان، أنَّ الكذب حرام إذا أريد من خلاله التحرّك بما يسيء إلى الشَّخص وتحميله ما لم يفعل، وقلتم أيضاً إنَّه إذا كان هناك غاية كبرى، وكانت هذه الغاية من الأهميَّة العظيمة، فيجوز للإنسان أن يتجاوز بعض الحدود حتَّى يتحقَّق هذا الهدف الكبير. فهل الغاية العظيمة تبرّر الوسيلة غير المشروعة؟ ومن الّذي يحدّد هذه الغاية الكبرى؟
ج: الله إنّما حرَّم الكذب لجهة أنَّه يؤدّي إلى مفسدة لدى الإنسان، ولكن لو فرضنا، مثلاً، أنَّ رجلاً صالحاً مؤمناً يختبئ في البيت عندنا، وأتى شخص لاعتقاله أو لقتله، وسئلنا: هل فلان عندكم في البيت؟ فهل حرامٌ علينا أن نكذب في هذه الحال؟! بل إنَّ الصّدق هنا هو الحرام والكذب واجب، حتَّى لو أجبرونا على حلف اليمين، "احْلِفْ باللهِ كَاذِباً وَنَجّ أَخَاكَ مِنَ القَتْل"، وفي حال اعتقلَنَا العدوّ، وطلبوا منّا أن نفضح أسرار الوطن، وحلّفونا يميناً، فعلينا أن نحلف ونكذب، فالصّدق حرام عندما يؤدّي إلى مفسدة كبرى، والكذب هنا حلال وقد يصبح واجباً. أمَّا من يحدّد هذه الغاية العظيمة، فهم أهل الخبرة في هذا المجال.
س: ملخّص رسالة من شابّ في العشرين من العمر، يودّ سماعة نصيحة منكم، يقول فيها: أنا شخص كرهت الحياة كثيراً، ولم أعد أشعر بأنّي موجود من كثرة الوهم الَّذي أصبح يسيطر على واقعي، وأرى أنّي أتعس مخلوق في الدّنيا، وأذلّ النّاس على هذه الأرض، حتّى إنّي حاولت الانتحار بشرب السّمّ، لولا أنّي أُسعفت عن طريق الصّدفة. فلماذا يوجد هناك أناس فرحون وأنا دائماً حزين وتعيس، حياتي في البيت تعيسة، وفي العمل أيضاً؟ فهل هناك عدل في هذا الكون، أو ربّ يسيّر النّاس، أم أنّهم يسيرون كما يشاؤون؟ وهل يوجد طريقة لنحيا سعداء؟
ج: ليست القضيَّة أنَّ هناك أناساً فرحين بالصّدفة، وهناك أناس بائسون بالصّدفة، هناك أناس يفهمون الحياة، ويفهمون أنّها ليست ورداً كلّها، ولكن فيها ورد وشوك، والإنسان لا يحصل على الورد إلَّا بعد أن يجرح يديه بالشَّوك، وكما يقول الشّاعر:
إنَّ الحياةَ لَشَوْكٌ بَيْنَهُ زَهرٌ فَحَطّمِ الشَّوْكَ حتّى تبلغ الزّهرا
وكما يقول شاعر آخر:
تُرِيدينَ إِدْرَاكَ المعَالي رَخيصَةً وَلا بُدَّ دونَ الشَّهدِ مِن إِبَرِ النَحلِ
لذلك، بعض النَّاس يفهمون الحياة ويدرسون المشاكل فيها بطريقة واقعيَّة، وهناك أناس ينظرون إلى الحياة من جانبها الأسود.. والحياة فيها ليل وفيها نهار، وفيها شمس وفيها ضباب، وعلى الإنسان أن يدرس الصّورة من جميع جوانبها.
لذلك نقول لهذا الشابّ إنَّك عشت ظروفاً ربما جعلتك تعيش اليأس والشّعور بالتعاسة، وأنَّ الحياة كلّها بؤس وشقاء. ولذلك، لا بدَّ أن تعالج نفسك، ولا بدَّ أن تأتي إلينا في وقت من الأوقات حتَّى أدرس القضيَّة معك، وأنا أعتقد أنَّ مشكلتك ليست واقعيَّة ولكنَّها نفسيَّة، فإذا انفتحت نفسك على أبواب الأمل وعلى الله، فلن تيأس.
س: هل يجوز وضع صورة السيّدة مريم (ع) في السيَّارة، ومن المعروف أنَّ النَّاس يضعونها في البيوت والسيَّارات؟
ج: ليس هناك إشكال، لأنّنا نعظّم السيّدة مريم (ع)، كما نعظّم السيّدة الزَّهراء (ع).
س: رجل عنده جاروشة للقمح، يأتي إليها الكثير من النَّاس من المسلمين وغيرهم، فهل يجوز لنا أن ندرس عليها؟ وهل هناك حرمة أو نجاسة في ذلك؟
ج: إذا قلنا بطهارة أهل الكتاب، ونحن نقول بطهارتهم، فلا مانع من ذلك.
س: أنا فتاة أرتدي عباءة منذ أربعة عشر عاماً، ولكنَّها باتت تسبّب لي ألماً مزمناً في الرّأس والرَّقبة، وقال لي الطَّبيب إنَّ السبب هو الثّقل على الرأس، فجرَّبت في المنزل أن أبقى دونها، ولاحظت أنَّ الألم فعلاً يخفّ كما قال لي الطّبيب، وأنا الآن أقوم بعلاج فيزيائيّ للرَّقبة، فأرجو أن ترشدوني إلى ما فيه الخير؟
ج: إذا كان لبس العباءة يحدث مثل هذا الضَّرر الشَّديد، فيمكن أن تستبدل بها اللّباس الشّرعيّ، بشرط أن يكون محتشماً تماماً، وأن يكون قريباً من العباءة.
س: سمعت أنَّ صيَّاداً من بلدة حومين بينما كان يقوم بعمله، إذا بقطعة من اللَّحم قد علقت في سنَّارته، وعندما همَّ برميها، حدَّثته وقالت له لا ترمني أنا اسمي مبروكة، ومن يضعني في بيته أجلب له البركة والرّزق، ولكن بشرط أن يسقيني كلَّ يوم مرّتين...؟!
ج: هذه خرافات وكلام كلّه خرافة في خرافة في خرافة، ولذا على النَّاس أن لا يبيعوا عقولهم في ذلك.
*خطبة نهار الجمعة للنساء، بتاريخ: 05/04/1996 م.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال: 27 - 29].
العهد بين الله وعباده
تعالج هذه الآيات عدّة نقاط، لتؤكّد للإنسان خطّ الاستقامة والسَّلامة في علاقته بالله سبحانه وتعالى، وفي علاقته بنعم الله عليه، وبالخطّ الَّذي يتحرَّك به في الحياة.
الآية الأولى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فهناك عهد بين الله وبين عباده، فالله سبحانه وتعالى قال في آية أخرى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}[البقرة: 40]، أي أنَّ لله عهداً على عباده ينطلق من فطرتهم، لأنَّ فطرة الإنسان هي الَّتي توحي إليه بالإيمان بالله وبتوحيده.
ولذلك، فهو عهد بين الله وبين عباده؛ أن يؤمنوا به ويوحّدوه، وأن لا يشركوا به شيئاً، وأن يطيعوه في كلّ ما أمرهم به ونهاهم عنه. فالإخلاص لله سبحانه وتعالى إنما يكون بالإيمان به، وبتوحيده، وبإطاعته فيما أمر به أو نهى عنه، فمن لم يؤمن بالله، ومن لم يوحّده، ومن لم يطعه، فهو خائنٌ له سبحانه وتعالى، وأيَّة خيانة أعظم من أنَّ الله خلقنا ورزقنا وأفاض علينا نعمه، ونحن نتمرَّد عليه ونبتعد عنه وننحرف عنه في كلّ حياتنا؟!
لمن الاهتمام أوّلاً؟!
إنَّنا عندما ندرس أنفسنا من خلال التربية الَّتي تربّيناها، والبيئة الَّتي عشناها، والمؤثّرات الَّتي تأثَّرنا بها، نلاحظ أنَّ الله بالنّسبة إلينا هو أهون من كلّ شيء، فنحن نخاف من أشخاص أكثر مما نخاف من الله، ونهتمّ بأشخاص أكثر مما نهتمّ بالله، ففي الحياة الزوجيَّة، مثلاً، نرى أنَّ الزَّوج يهتمّ بأن ترضى زوجته عنه حتَّى تكون حياتهما مريحة، أو لأنّه يحبّها ويريدها أن تكون راضية عنه، والزَّوجة كذلك تهتمّ برضى زوجها عنها، فتراها تحوّل البيت، إذا قدم، إلى حالة طوارئ، وتهتمّ به كثيراً، باعتبار أنَّ زوجها يمثّل قيمةً كبيرةً في حياتها، وكذلك الزَّوج يشتري لزوجته بعض الأشياء ويهتمّ بها لأنَّ لها قيمة عنده، والزَّوجة تخاف أن يغضب زوجها عليها، وربّما يخاف الزوج أن تغضب زوجته عليه.. وهكذا الأولاد مع الآباء والأمّهات.
لكن لو فكَّر كلّ واحد منَّا: هل هو يهتمّ بالله سبحانه وتعالى كما يهتمّ بالإنسان الآخر؟ هل يخاف من الله كما يخاف من الإنسان الآخر؟ هل تخاف الزَّوجة من الله كما تخاف من زوجها أو من أبيها أو أخيها؟ البعض يعتبر العلاقة مع الله مسألة بسيطة، لأنّنا أساساً لم نربّ عظمة الله في نفوسنا، فنحن نتعاطى مع الله على أساس أنّه بعيد عنّا، فلا نحسب حسابه، بينما الآخرون موجودون معنا وأمامنا، وعلينا أن نحسب حسابهم!
ولذلك، يقول الله في بعض الآيات: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ - لم يتصوَّروا الله في مواقع عظمته - وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزّمر: 67]، فهذه الأرض الواسعة والسّموات والأرض كلّها في قبضة الله سبحانه وتعالى.
تعظيمُ مقامِ الله
والله سبحانه وتعالى يبيّن أنَّ مَن يدخل الجنَّة، هو الَّذي يعرف مقام ربّه ويخافه، يقول تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ - أي مقامه في عظمته ونعمته - وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النّازعات: 40 - 41]. فالجنَّة لمن يعيش عظمة الله في نفسه، وعندما يعيش ذلك، ينهى نفسه عن الأشياء الَّتي يريدها هواه مما يغضب الله. وأمَّا الَّذي تمرَّد على الله وعصاه، فصار يترك الواجبات، فلا يصلّي ولا يصوم، ولا يزكّي ولا يحجّ، ويلعب القمار، ويقوم بغيرها من المحرّمات {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}[النَّازعات: 37 - 39].
فينبغي علينا دائماً أن نربّى عظمة الله في نفوسنا، من خلال التَّفكير في نعم الله سبحانه وتعالى وفي خلقه، وكلّما تربت عظمة الله في نفوسنا، صرنا ننظر إلى النَّاس بأنَّهم لا يمثّلون شيئاً أمامه تعالى.
الإمام عليّ (ع) في وصفه للمتَّقين يقول: "عَظُمَ الْـخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ"، أي أنّهم عندما تربَّت عظمة الله في نفوسهم، أصبحوا ينظرون إلى النَّاس بأنَّهم لا يمثّلون شيئاً أمام الله سبحانه وتعالى.
فقد ترى النَّاس يتحدَّثون عن شخص بأنَّه عظيم أو كبير، لأنَّه يملك علماً أو مالاً أو بطولة، أو لأنّه شخصيَّة سياسيَّة، ولكن من هو فلان وفلان أمام الله؟ كلّهم عباد الله وخلقه؛ مالهم وعلمهم وقوّتهم وجاههم كلّه من الله.
ولذلك يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ}، يعني أخلصوا لله سبحانه وتعالى، فإذا عاهدتهم الله عهداً، فأخلصوا لعهدكم ولإيمانكم ولعلاقتكم مع ربّكم، لأنَّ العلاقات كلّها تتقطّع وتبقى علاقتنا مع الله فقط، فنحن خلقنا بإرادة الله، ونموت بإرادته، ونبعث بإرادته، ونقف أمامه بالسّؤال غداً بإرادته، لذا ينبغي أن تكون حساباتنا لعلاقتنا مع الله وليس مع النَّاس.
التّأمّل في أنفسنا
لذلك، ينبغي أن نفكّر في هذه المسائل ونتأمَّل بها، لأنَّها تمثّل حقائق وجودنا وحقائق الحياة. وأنا دائماً أتحدَّث مع نفسي ومعكم بأنَّنا نعيش في حياتنا ضجيجاً يشغلنا عن التأمّل في أنفسنا، فالمرأة في البيت تكون مشغولة ببيتها وبتنظيم أموره وأمور زوجها وأولادها، والرّجل أيضاً يكون مشغولاً بأموره، وكذلك إذا كان الإنسان موظَّفاً أو عاملاً، فيكون هناك ضجيج من الصّباح إلى اللَّيل، فلا يفرغ الإنسان لنفسه، حتّى عندما نصلّي، نستحضر كلّ مشاكلنا وأمورنا ونحن في الصَّلاة... ولا نتصوَّر أنَّنا واقفون أمام الله سبحانه وتعالى.
فهذا الضَّجيج الَّذي نعيشه؛ ضجيج الدّاخل والخارج، يمنعنا من أن نفهم أنفسنا، وقد قلتها مراراً، أنّه لو أتى شخص وسأل أيّ واحدة منكنّ: ما رأيك بجارتك فلانة أو بصديقتك فلانة؟ فإنّك تتحدّثين ساعة أو ساعتين عنها، لأنَّنا نعرف كلّ شيء بعضنا عن بعض، ولكن لو أتى شخص وفاجأنا وسألنا: ما تفكيركم في القضايا؟ ما هي أوضاعكم العقليَّة والثَّقافيَّة؟ تقولون له اسمح لنا لنفكّر ثمّ نتحدَّث. لماذا؟ لأنَّنا نجلس مع الآخرين أكثر مما نجلس مع أنفسنا، ونهتمّ بأشياء الآخرين أكثر مما نهتمّ بأشياء أنفسنا.
الآن، إذا اتَّسخ أيّ مكان في البيت، ترانا نفكّر كيف ننظّفه حتّى يبقى البيت نظيفاً، أمَّا كم كلمة سيّئة في اليوم تدخل في عقولنا، كم عادة سيّئة تستهوينا، كم منظر غير أخلاقيّ نعجب به، كم مشاعر خبيثة تنفذ إلى قلوبنا، كم صورة من الصّور الّتي نشاهدها تتعمَّق في تفكيرنا، فلا نهتمّ. فهل هناك مَنْ فكَّر أنَّ عليه يوميّاً أن ينظّف عقله وقلبه مما دخل فيهما من أوساخ، ممّا يسمعه ويراه ويمارسه؟! فكم يدخل في عقولنا وقلوبنا من أشياء غير صحيحة، ومن أشياء خبيثة وسيّئة، ونحن إنّما تتكوَّن شخصيّاتنا وأخلاقنا من الكثير من الأشياء الّتي تدخل قلوبنا وعقولنا من دون شعور وانتباه.
أنا الآن أسألكم، وسألت نفسي قبل أن أسألكم: هل اخترنا نحن أخلاقنا، سواء بطريقة السَّلام أو النَّظرة إلى الآخرين أو العلاقة معهم...؟ نحن لم نختر ذلك، وإنّما تأثَّرنا بالبيئة الَّتي عشنا فيها، بيئة البيت، وبيئة المدرسة، وبيئة الشَّارع، فهذه البيئة هي الَّتي أدخلت هذه العادات والأخلاق في داخل شخصيّاتنا، فنحن لم نخترها، وإنّما فرضت علينا من خلال المجتمع.
لذلك، ربّما يكتشف الإنسان أنَّ 90% من عواطفه ومشاعره وتقاليده وأخلاقيَّاته إنّما هي مفروضة عليه من المجتمع، ولم يخترها بنفسه عن قناعة. لذلك، عندما نجلس مع إنسان أو إنسانة، ونتحدَّث ساعة أو ساعتين، علينا بعد انتهاء الجلسة، أن نجلس ونفكّر ما الَّذي دخل في قلوبنا وعقولنا من كلام هذا الشّخص؟ لأنَّ الوسواس الخنَّاس ربما يتخفّى في داخل حديثه.
تأثير الأجواء الانفعاليَّة
فعلى الإنسان أن يحاول أن يعرف ما الَّذي ركز في قلبه وعقله في حديثه مع هذا الشَّخص، وما الشَّيء الَّذي لم يركز، فقد يأتي شخص يعقّد لنا أفكارنا من شخص، أو يبغّضنا بشخص، أو يحبّب لنا شخصاً بأسلوب عاطفيّ انفعاليّ، فنلاحظ أنّنا صرنا نحبّ فلاناً ولم نكن نحبّه، ونبغض فلاناً ولم نكن نبغضه، وأنّه صار لفلان قيمة عندنا ولم يكن كذلك... فكيف صار هذا الشَّيء؟! علينا أن نفكّر، لأنَّ الإنسان عندما يعيش بين أصدقاء، يتأثّر بالأجواء العاطفيّة والانفعاليّة، ولكن عندما يبتعد عن هذا الجوّ العاطفيّ، فعليه أن يجلس مع نفسه ويفكّر ما الّذي ينفعه وما الّذي يضرّه، فيأخذ الَّذي ينفعه عن قناعة، ويترك الشَّيء الَّذي يضرّه عن قناعة.
لهذا، نحتاج دائماً أن نصادق أنفسنا، وأن نتعوَّد على مناجاة النَّفس، وعلى الحديث معها واكتشافها، فما قيمة أن نعرف كلَّ الدّنيا ونجهل أنفسنا؟! نحتاج أن نعرف بماذا نفكّر، ما هي أفكارنا الدينيَّة والسياسيَّة، ما هي خطوطنا العاطفيَّة في الحياة، ما الأساس في عواطفنا الإيجابيَّة أو السَّلبيَّة في الحياة؟! علينا أن نعرف ذلك كلّه، حتَّى نفهم أنفسنا ونروّضها ونرتّبها، فلا يصحّ أن نهتمَّ بالبيت من الصّباح إلى اللَّيل ولا نهتمَّ بتنظيم أنفسنا، فكما نرتّب البيت، كذلك علينا أن نرتّب عقولنا وما تستقبله وتتركه، وهذا يحتاج إلى أن يجلس الإنسان مع نفسه ومع ربّه، ليدرس نفسه، وليعرف ربَّه، لأنَّ "مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ"، ومن نسي ربَّه نسي نفسه، فيجب أن نعرف ما لله علينا وما لنا عند الله، أن نعرف ماذا لأنفسنا علينا.
الإخلاص للرّسول
{لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}، وما هي خيانة الرَّسول؟ ما هي مهمَّة الرَّسول عندنا؟ {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[الجمعة: 2]، فمهمَّة الرَّسول أن يعلّمنا كتاب الله، وكيف نتصرَّف في الحياة بحكمة، وأن يزكّي نفوسنا ويطهّرها ويهدينا سواء السَّبيل. فمهمَّة النَّبيّ هي الرّسالة، وتزكية النَّفس وتطهيرها، ورفع مستوى العقل والرّوح، وأن تتأصَّل إنسانيَّة الإنسان في كلّ المعاني الإنسانيّة.. والإخلاص للرَّسول هو أن نتّبع رسالته، وأن نسير على خطّه ونهجه في كلّ ما بلَّغنا إيّاه عن الله سبحانه وتعالى، وفي كلّ ما عرَّفنا إيّاه من خطوط مسؤوليَّتنا في الحياة، فإذا ابتعدنا عن الرّسالة والتزمنا رسالةً غيرها، وإذا انحرفنا عن خطّ الرَّسول وانطلقنا مع خطّ غيره، فإنّنا بذلك نخون الرَّسول.
خيانةُ الأمانة
ثمَّ: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}، وهي الأمانات الشَّخصيَّة بين النَّاس. ففي الحياة الاجتماعيَّة، سواء كان مجتمعاً صغيراً، كما في مجتمع العائلة، أو مجتمعاً كبيراً، كما في مجتمع المحلَّة أو البلدة أو العالم، هناك أمانات إنسانيَّة.
والأمانات على أقسام، فهناك أمانة المال، كأن يودع أحد مالاً عند أحد ليحفظه له حتّى حين، وهناك أمانة السّرّ، كأن يودع أحد عند أحد سرّاً، ويطلب منه أن يحفظه له، وأن لا يتحدَّث به إلى أحد..
أمانةُ السّرّ
وربما تكون أمانة السّرّ أخطر من أمانة المال، فالبعض قد يكون عنده أسرار كبيرة تتَّصل بمصيره في الحياة، وتكون بالنّسبة إليه أهمّ بكثير من المال، لأنَّ السّرّ قد يدمّر حياته. لذلك، على الإنسان إذا كان خائفاً على سرّه، وكان خطيراً، بحيث يتعلَّق بمصيره وبالقضايا الحسّاسة عنده، فعليه أن لا يعطيه لأحد، حتّى لأقرب النَّاس إليه، لأنّ الإنسان إذا لم يستطع أن يحفظ سرّه، فكيف يحفظه غيره؟! على الإنسان أن يفكّر بهذه الطّريقة.
ثمَّ إنّنا أحياناً نعطي بعض النَّاس أسرارنا باعتبارهم أصدقاء نحبّهم ويحبّوننا، لكنَّ هؤلاء الّذين يحبّوننا اليوم، قد ينقلبون علينا غداً ويكرهوننا.. ألا تحدث مثل هذه الأمور؟ أن يكون هناك أصدقاء من الرّوح للرّوح، كما يقولون، ثمَّ يصبحون أعداء بالنّسبة ذاتها؟! الشَّاعر يقول:
احذرْ عَدُوَّكَ مَرَّة وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ ألفَ مَرَّة
فَلَرُبَّما انقلبَ الصَّديقُ فكَانَ أدْرَى بِالمضَرَّة
لذلك، على الإنسان أن لا يعطي سرّه لأحد، إذا لم يكن هناك قضيَّة توجب وتلزم أن يعطيه سرّه، لأنَّ بعض النّاس تعطيه سرّك، فينقله إلى أحد آخر، ويقول له أنا وعدت بأن أحتفظ بالسّرّ، ولكنّي أثق بك، والآخر ينقله، وهكذا، وخصوصاً في مجتمعنا الشَّرقيّ الّذي هو مجتمع فضوليّ ولا يحترم أسرار النَّاس، ويتلصّص ويتجسَّس على النَّاس، ومجتمع يحاول دائماً أن ينقل ما يسمع.
ومن الأمور التي نعيشها في مجتمعنا، أنّنا لا نحترم الإنسان فينا، ونحبّ أن نتكلَّم كثيراً، فلا نطيق أن نسكت لنفكّر، والإنسان عندما يحبّ الكلام، وخصوصاً الَّذي يثير انتباه النَّاس، حتَّى يصير محلّ اهتمامهم، يتحدّث بأيّ كان، سواء كان سرّيّاً أو غير سرّيّ.
فينبغي، أوّلاً، على الإنسان أن يحفظ سرَّه، وإذا حدَّثنا الآخرون بالسّرّ، فيجب علينا شرعاً أن نحفظه، لأنَّ السّرّ أمانة، وإذا لم يحفظها، فيكون خائناً كأيّ خائن للأمانة، فإذا وضع شخص سرّاً عند شخص آخر، وأفشى هذا الشَّخص السّرّ، وقد ائتمنه صاحبه عليه، فهو خائن، لأنَّه شرعاً لا يجوز إذاعة السّرّ.
وبقدر ضخامة السّرّ وتأثيره في صاحبه، فالإنسان الَّذي يفشيه يتحمَّل كلّ المسؤوليّة، فلو فرضنا أنَّ أختاً عندها سرّ معيّن، كعلاقة كانت لها مع شخص، ثمَّ تزوَّجت، ورحنا نحكي لزوجها عن سرّها، فطلّقها وتدمَّرت حياها، فيكون كلّ الإثم على من تكلَّم، والله يحاسبه على كلّ النَّتائج السلبيَّة الَّتي حدثت بسبب إفشاء السّرّ. وكم من هذه الأمور تحدث عندنا!...
إنَّ الشَّباب والفتيات قد تصدر عنهم أخطاء بحقّ أنفسهم، أو من خلال بعض العلاقات، ثمّ تتزوّج الفتاة أو الشّابّ، ولكنّ بعض النّاس لا يتركانهما بحالهما، فتراهم يأتون إلى الزَّوج، مثلاً، ويقولون له إنَّ تاريخ زوجتك كذا، ويأتون إلى الزَّوجة أيضاً، ويقولون لها إنَّ زوجك كان على علاقة سابقة مع فلانة، ويؤدّي ذلك إلى تدمير البيوت، فالَّذي يتحمَّل المسؤوليَّة هو الَّذي يتحدَّث ويفشي السّرّ.
يقال إنّه "يُؤتَى للإِنْسانِ في يَوْمِ القِيامَةِ بِقَارورةٍ فيها دَمٌ، فَيُقالُ لَهُ خُذْ هذا نَصيبُكَ مِنْ دَمِ فُلانٍ، فَيَقُولُ يَا رَبّ، لَقَدْ عِشْتُ حَيَاتي وَلَمْ أُرِقْ دَماً، فَيُقَالُ: سَمِعْتَ كلمةً مِنْ فلانٍ فنَقَلْتَها إلى فُلانٍ الجَبَّارِ فقَتَلَهُ، فهذا نَصِيبُكَ مِنْ دَمِهِ".
خيانة البلد
وكذلك الَّذي يتجسَّس للعدوّ، أيّ عدوّ كان، إذا كان يعرف سرّاً من أسرار بعض المؤمنين والمؤمنات، أو من أسرار بلده، فعندما ينقله إلى العدوّ، ويستخدم العدوّ هذا السّرّ، فيعتقل هذا، ويقتل ذاك، فهذا كلّه يتحمَّل مسؤوليَّته الَّذي نقل السّرّ..
بعض النَّاس ممّن يصبحون جواسيس للعدوّ، يبرّرون عملهم بأنّهم أصحاب بيوت وعائلات، وأنّهم لا يفعلون شيئاً سوى تقديم تقارير إلى العدوّ، باعتبار أنَّه عمل. لكن، ما نتيجة هذه التّقارير؟ وكم تبعد آباءً عن أولادهم، وأزواجاً عن زوجاتهم! كم من الأطفال يصبحون أيتاماً بسببها، وكم من أناس تُدمَّر حياتهم بسببها! هذه اللّقمة الَّتي يأكلها هذا الإنسان الَّذي يتجسَّس، هي لقمة مغموسة بالدّم والدّموع، فعندما نتجسَّس لصالح العدوّ، بحيث تدمَّر حياة أشخاص ويُقتَلُ أشخاص، فمعناه أنَّنا نطعم أولادنا لقمةً مغموسةً بدم فلان الَّذي قُتِل، وبدموع فلانة الَّتي اعتُقِلَ زوجها، والأطفال الَّذين تفرَّقوا عن والدهم...
لذلك، على الإنسان عندما يطّلع على أسرار النّاس أن يحفظها. وعلينا أن نركّز على أن تكون لنا شخصيَّتنا الأمينة الّتي تحفظ أمانة السّرّ، كما تحفظ أمانة المال.
أمانة الزّواج
وهناك أيضاً أمانة العلاقة الزَّوجيَّة، فعندما يتمّ عقد الزَّواج، فمعنى ذلك أنَّ العلاقة صارت أمانة عند الطّرفين؛ الزّوج أمانة عند الزَّوجة، والزَّوجة أمانة عند الزّوج، وعليهما أن يحفظا هذه الأمانة بكلّ متطلّباتها ومسؤوليَّاتها الشَّرعيَّة، بحيث يشعر الواحد منهما بأنَّه فقَدَ حرّيّته، لأنَّ الإنسان تحرّره كلمة، وتقيّده كلمة، والإمام عليّ (ع) يقول: "الكلامُ في وَثاقِكَ ما لم تَتَكلَّمْ بهِ - أي أنَّ الكلام قبل أن تتكلَّم به يكون خاضعاً لك - فإذا تَكَلَّمتَ بهِ صِرتَ في وَثاقِهِ". والإنسان كلمة في الحياة، فمن لا يحترم كلمته، لا يحترم نفسه ولا يحترم إنسانيَّته، فالكلمة الَّتي لا نستطيع أن نتحمَّل مسؤوليَّتها، علينا أن لا نتكلَّم بها.
والمرأة إذا كانت تعرف من نفسها قبل أن تتزوَّج، أنّها تستطيع أن تخلص لزوجها ولحياتها الزَّوجيَّة وأن تصون علاقتها به، فلتقدم على الزّواج، ولكن الَّتي تعرف من نفسها أنّها لا تستطيع أن تصون الحياة الزَّوجيَّة، وأن تحفظ أمانة الزّواج وتخلص لزوجها، فعليها أن لا تقدم على الزّواج، لأنّها ستكون خائنة، والخيانة ليس فقط بالزّنا، بل بغيره أيضاً، ويمكن أن تكون خائنة بالعواطف مثلاً.
في بعض الحالات، قد تكون هناك فتاة لا تحبّ شخصاً، ولكنَّ ظروفها قد تدفعها إلى الزّواج منه، ولكنّي أقول إذا كان هناك نفور من شخص، فعليها أن لا تدخل معه في الحياة الزّوجيَّة، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الرَّجل، لأنّه سيكون هناك ازدواجيَّة في الشَّخصيَّة، وسيكون هناك قلق وحيرة وتمزّق نفسيّ، وهذا ينعكس على الحياة الزّوجيَّة كلّها. وإذا كان بإمكان الإنسان أن يغشّ كلّ النَّاس، فلا ينبغي أن يغشَّ نفسه، وعليه أن يعرف نفسه، ما تفكيره وعواطفه واستعداداته، حتى يركّز حياته على أساس ذلك.
لذلك، فالحياة الزوجيَّة هي من الأمانات الَّتي لا يجوز للرَّجل ولا للمرأة أن يخوناها، لأنَّ هناك عقداً بينهما سمَّاه الله بالميثاق الغليظ، فالله يخاطب الأزواج ويقول: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء: 20 - 21]، فالله يعبّر عن العقد بين الزّوج والزّوجة بأنَّه ميثاق غليظ ومؤكّد وليس ميثاقاً عاديّاً.
لذلك، أمام ما نراه من حالات الانحراف، من أفلام إباحيَّة يراها نساء ورجال، وأوضاع منحرفة في المجتمع، ورجال يحاولون أن يخاطبوا مشاعر النساء من أجل أن يقودوهنّ إلى الخيانة، وأوضاع غير سليمة في مجتمعنا... أمام ما نراه من هذا الانحراف، على الإنسانة المؤمنة، سواء كانت فتاة أو امرأه، أن تحتاط لنفسها من كلّ ذلك، وأن نتَّقي الله في أنفسنا وأزواجنا.
مشكلة الاختلاط
وأنا دائماً أركّز على نقطة، وهي أنَّ هذا النَّوع من الاختلاط بين الرّجال والنساء، وما يحدث من مزاح وأحاديث في الجلسات، يؤدّي إلى الكثير من المشاكل، وحتّى لو كانت القلوب طاهرة، ولكنّ بعض الأجواء قد تنجّس القلوب، وأنا لا أتكلَّم معكم بالخيال، بل هناك الكثير من المشاكل من هذا ومن غيره.
الكثير من الناس يسألونني ما المشكلة أن يحضر الرّجل وزوجته أفلاماً إباحيَّة إذا كان الأمر فيما بينه وبينها، وأنا أقول لهم إنَّ هذا حرام حتَّى لو بينه وبينها، لأنّهما عندما يحضران فيلماً إباحيّاً، فإنَّ هذا يؤدّي إلى تمييع شخصيَّة الرّجل والمرأة، وقد يدفع الرَّجل إلى أن لا يكون مرتاحاً في العلاقة مع زوجته، لأنّه يرغب في أن تكون صورة زوجته كما صورة المرأة الَّتي يشاهدها في الفيلم الإباحي، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى المرأة، وهذا قد يؤدّي إلى تخريب العلاقة الزّوجيَّة.
ولذلك، علينا أن نتحمَّل مسؤوليَّة طهارتنا وعفَّتنا وأمانة العلاقة الزوجيَّة، وهذا شيء أساسيّ. الآن، مثلاً، عندما تحصل علاقات غير شرعيَّة بين المرأة المتزوّجة ورجل غير زوجها، فقد يولد أولاد غير شرعيّين، وينسب الولد إلى غير أبيه، عندما تقدّم المرأة الولد إلى زوجها على أنّه ابنه ولا يكون ابنه، فكم هي النّتائج الشَّرعيَّة السَّلبيَّة الّتي تترتّب على هذا الأمر؟! فمن الأمانة أن لا نخون في هذا المجال.
أمانة الأمَّة والوطن
وعندنا أيضاً أمانات أخرى هي مسؤوليَّاتنا في المجتمع، كأمانة الوطن، وأمانة الأمَّة، وأمانة السياسة، وأمانة الأمن، فنحن مسؤولون عن المجتمع، كلّ بحسب طاقته. الإمام عليّ (ع) يقول: "اتَّقُوا اللهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلاَدِهِ، فَإنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ". فعلينا أن نحفظ أرضنا ووطننا ومجتمعنا وأمَّتنا، فكلّها أمانة الله في أعناقنا، والإسلام أيضاً أمانة الله في أعناقنا، أن نحميه من تعدّيات الآخرين ومن محاربتهم له بكلّ ما نستطيع.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فيجب أن يكون لدينا وعي المسؤوليَّة والأمانة، حتَّى نحترم إنسانيَّتنا بمقدار ما نحترم أماناتنا.
فتنة الأموال والأولاد
ثمَّ يقول الله بعد ذلك: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، فالحياة أموال وأولاد {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: 46]، فالإنسان ينفتح قلبه عندما يكون عنده مال وأولاد، والله يقول إنَّهم زينة الحياة، ولكنّهم أيضاً فتنة بمعنى الاختبار، فالله يختبرنا في مالنا، هل نصرفه في حلال أم حرام، هل نؤدّي حقوق الله وحقوق النَّاس منه أم لا؟ هل نكسبه من حلال أم من حرام؟ وأولادنا أيضاً فتنة، لأنَّ العاطفة قد تجعل الإنسان يطيع ولده في معصية الله، وقد تجعله يتخلَّى عن مسؤوليَّته في تربية ابنه وتوجيهه ليكون مواطناً صالحاً ومسلماً جيّداً.
كذلك أراد الله لنا أن يكون أولادنا من حلال لا من حرام، فالله عندما حرَّم علينا العلاقات غير المشروعة، فلأنّه لا يريد لأولادنا أن يكونوا من حرام، كما لا يريد لأموالنا أن تكون من حرام، فهذا محلّ اختبار، فالله يختبرنا وسيسألنا كيف صنعتم في أولادكم الَّذين هم أمانة الله؛ هل وجَّهتموهم إلى الخير وربّيتموهم على طاعة الله؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التّحريم: 6].
نحن مسؤولون عن أنفسنا وعن أولادنا، ومسؤولون عن أموالنا، فالله يوم القيامة سيسأل الإنسان عن أربع؛ "عَنْ عُمرِهِ فِيمَ أَفْنَاه - بم أفنيت هذا العمر؛ بطاعة الله أم بمعصيته - وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ - والشّباب يمثّل قمّة الحيويَّة والقوّة للإنسان - وَعَنْ مَالِهِ ممَّ اكتسَبَهُ - من حلال أم حرام - وفيمَ أَنْفَقَهُ".
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، فالأموال والأولاد ليسوا رأسمال، بل الله هو الرأسمال {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف: 46].
ثمَّ يدعونا الله في الآية الأخيرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ - فإذا انطلقتم في خطّ التَّقوى، وراقبتم الله في كلّ أعمالكم، وفي كلّ أحاسيسكم ومشاعركم - يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا - يعطكم نوراً يشرق في قلوبكم، بحيث تستطيعون من خلاله أن تفرقوا بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشّر - وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال: 29].
زاد الآخرة
هذا هو الجوّ الَّذي نعيشه مع نداءات الله سبحانه وتعالى. قد نذهب الآن وننشغل وننسى، ولكن فلنسأل أنفسنا: أين آباؤنا وأمَّهاتنا وأجدادنا وأصدقاؤنا؟ كانوا مثلنا تشغلهم الحياة الدنيا، ولكنَّهم ذهبوا ولم يعودوا، وسنذهب ولا نرجع، وسننفصل عن مجتمعاتنا ولهونا وعبثنا.
لذلك، ينبغي أن لا نغفل عن أنفسنا وعن ذكر ربّنا، أن نعمل ونجهّز الزَّاد لآخرتنا، والله يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: 197]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}[الحشر: 18 - 20]. فمن يرد الجنَّة، عليه أن يعمل لها، ومن يرد أن يهرب من النَّار، عليه أن يبتعد عن أسبابها، والمهمّ أن نبقى واعين لا غافلين، لأنَّه يوم القيامة، يقول لنا الله: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق: 22].
وحتَّى يقال لنا: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}[الحاقّة: 19 - 37].
***
الأسئلة بعد الخطبة
س: ما معنى ما ورد في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران: 33]؟
ج: يعني أنَّ الله اختارهم لأن يكونوا الأنبياء وعائلة الأنبياء.
س: ما معنى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}[آل عمران: 93]؟
ج: يعني أنَّ الله كان قد أباح كلَّ الطَّعام لبني إسرائيل، فلم يحرّم عليهم شيئاً، ولكنَّ إسرائيل، وهو يعقوب، كان قد حرَّم على نفسه أشياء قبل أن تُنزَّل التَّوراة، فأقرَّها الله.
س: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}[البقرة: 219]. ما هي منافع الخمر؟
ج: يمكن أن تكون النَّشوة الَّتي توحي للإنسان بالراحة والسَّعادة والهروب من المشاكل وما إلى ذلك.
س: سمعنا في تفسيركم لسورة يوسف على إذاعة صوت الإيمان، أنَّ الكذب حرام إذا أريد من خلاله التحرّك بما يسيء إلى الشَّخص وتحميله ما لم يفعل، وقلتم أيضاً إنَّه إذا كان هناك غاية كبرى، وكانت هذه الغاية من الأهميَّة العظيمة، فيجوز للإنسان أن يتجاوز بعض الحدود حتَّى يتحقَّق هذا الهدف الكبير. فهل الغاية العظيمة تبرّر الوسيلة غير المشروعة؟ ومن الّذي يحدّد هذه الغاية الكبرى؟
ج: الله إنّما حرَّم الكذب لجهة أنَّه يؤدّي إلى مفسدة لدى الإنسان، ولكن لو فرضنا، مثلاً، أنَّ رجلاً صالحاً مؤمناً يختبئ في البيت عندنا، وأتى شخص لاعتقاله أو لقتله، وسئلنا: هل فلان عندكم في البيت؟ فهل حرامٌ علينا أن نكذب في هذه الحال؟! بل إنَّ الصّدق هنا هو الحرام والكذب واجب، حتَّى لو أجبرونا على حلف اليمين، "احْلِفْ باللهِ كَاذِباً وَنَجّ أَخَاكَ مِنَ القَتْل"، وفي حال اعتقلَنَا العدوّ، وطلبوا منّا أن نفضح أسرار الوطن، وحلّفونا يميناً، فعلينا أن نحلف ونكذب، فالصّدق حرام عندما يؤدّي إلى مفسدة كبرى، والكذب هنا حلال وقد يصبح واجباً. أمَّا من يحدّد هذه الغاية العظيمة، فهم أهل الخبرة في هذا المجال.
س: ملخّص رسالة من شابّ في العشرين من العمر، يودّ سماعة نصيحة منكم، يقول فيها: أنا شخص كرهت الحياة كثيراً، ولم أعد أشعر بأنّي موجود من كثرة الوهم الَّذي أصبح يسيطر على واقعي، وأرى أنّي أتعس مخلوق في الدّنيا، وأذلّ النّاس على هذه الأرض، حتّى إنّي حاولت الانتحار بشرب السّمّ، لولا أنّي أُسعفت عن طريق الصّدفة. فلماذا يوجد هناك أناس فرحون وأنا دائماً حزين وتعيس، حياتي في البيت تعيسة، وفي العمل أيضاً؟ فهل هناك عدل في هذا الكون، أو ربّ يسيّر النّاس، أم أنّهم يسيرون كما يشاؤون؟ وهل يوجد طريقة لنحيا سعداء؟
ج: ليست القضيَّة أنَّ هناك أناساً فرحين بالصّدفة، وهناك أناس بائسون بالصّدفة، هناك أناس يفهمون الحياة، ويفهمون أنّها ليست ورداً كلّها، ولكن فيها ورد وشوك، والإنسان لا يحصل على الورد إلَّا بعد أن يجرح يديه بالشَّوك، وكما يقول الشّاعر:
إنَّ الحياةَ لَشَوْكٌ بَيْنَهُ زَهرٌ فَحَطّمِ الشَّوْكَ حتّى تبلغ الزّهرا
وكما يقول شاعر آخر:
تُرِيدينَ إِدْرَاكَ المعَالي رَخيصَةً وَلا بُدَّ دونَ الشَّهدِ مِن إِبَرِ النَحلِ
لذلك، بعض النَّاس يفهمون الحياة ويدرسون المشاكل فيها بطريقة واقعيَّة، وهناك أناس ينظرون إلى الحياة من جانبها الأسود.. والحياة فيها ليل وفيها نهار، وفيها شمس وفيها ضباب، وعلى الإنسان أن يدرس الصّورة من جميع جوانبها.
لذلك نقول لهذا الشابّ إنَّك عشت ظروفاً ربما جعلتك تعيش اليأس والشّعور بالتعاسة، وأنَّ الحياة كلّها بؤس وشقاء. ولذلك، لا بدَّ أن تعالج نفسك، ولا بدَّ أن تأتي إلينا في وقت من الأوقات حتَّى أدرس القضيَّة معك، وأنا أعتقد أنَّ مشكلتك ليست واقعيَّة ولكنَّها نفسيَّة، فإذا انفتحت نفسك على أبواب الأمل وعلى الله، فلن تيأس.
س: هل يجوز وضع صورة السيّدة مريم (ع) في السيَّارة، ومن المعروف أنَّ النَّاس يضعونها في البيوت والسيَّارات؟
ج: ليس هناك إشكال، لأنّنا نعظّم السيّدة مريم (ع)، كما نعظّم السيّدة الزَّهراء (ع).
س: رجل عنده جاروشة للقمح، يأتي إليها الكثير من النَّاس من المسلمين وغيرهم، فهل يجوز لنا أن ندرس عليها؟ وهل هناك حرمة أو نجاسة في ذلك؟
ج: إذا قلنا بطهارة أهل الكتاب، ونحن نقول بطهارتهم، فلا مانع من ذلك.
س: أنا فتاة أرتدي عباءة منذ أربعة عشر عاماً، ولكنَّها باتت تسبّب لي ألماً مزمناً في الرّأس والرَّقبة، وقال لي الطَّبيب إنَّ السبب هو الثّقل على الرأس، فجرَّبت في المنزل أن أبقى دونها، ولاحظت أنَّ الألم فعلاً يخفّ كما قال لي الطّبيب، وأنا الآن أقوم بعلاج فيزيائيّ للرَّقبة، فأرجو أن ترشدوني إلى ما فيه الخير؟
ج: إذا كان لبس العباءة يحدث مثل هذا الضَّرر الشَّديد، فيمكن أن تستبدل بها اللّباس الشّرعيّ، بشرط أن يكون محتشماً تماماً، وأن يكون قريباً من العباءة.
س: سمعت أنَّ صيَّاداً من بلدة حومين بينما كان يقوم بعمله، إذا بقطعة من اللَّحم قد علقت في سنَّارته، وعندما همَّ برميها، حدَّثته وقالت له لا ترمني أنا اسمي مبروكة، ومن يضعني في بيته أجلب له البركة والرّزق، ولكن بشرط أن يسقيني كلَّ يوم مرّتين...؟!
ج: هذه خرافات وكلام كلّه خرافة في خرافة في خرافة، ولذا على النَّاس أن لا يبيعوا عقولهم في ذلك.
*خطبة نهار الجمعة للنساء، بتاريخ: 05/04/1996 م.