قال تعالى: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}. الإنسان،
أيّ إنسان، لا يخلو أن يكون واحداً من اثنين: إمَّا جاهلاً، وإمَّا عالماً، والعالم
لا يخلو إمَّا أن يكون منصفاً، وإمّا منحرفاً، والعالم المنصف هو الّذي يقول ما
يعلم، ويسكت عمّا لا يعلم، وقد حدّد الله سبحانه وظيفة الجاهل بقوله: {فَسْئَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: 7]، فإن تجاوز وظيفته
هذه، صدق عليه قول الإمام عليّ (عليه السلام): "... جاهل خبّاط جهالات.. لا يحسب
العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أنّ وراء ما بلغ مذهباً لغيره..." .
وهذا الجاهل هو المقصود بقوله تعالى: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وبقوله في الآية 8 من هذه السّورة: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ
فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدىً ولا كِتابٍ مُنِيرٍ}[الحجّ: 8].
إنه يجهل الطريق إلى العلم بالله، ومع ذلك، يجادل فيه، ويقول فيما يقول: لو كان
الله موجوداً لرأيناه.. إنه يريد بمنطقه هذا أن يفسّر غير المادة بالمادة، وأن يرى
بالعين والبصر من لا يدرك إلا بالعقل والبصيرة، وأن يلمس باليد خالق السماوات
والأرض. ولا فرق بين هذا، وبين من حاول أن يمتحن في المعمل والمختبر نظريّة «البيّنة
على من ادّعى،واليمين على من أنكر»،أو أراد أن يختبر موهبته الشّعرية في قيادة
السيارة .
تذكرت، وأنا أكتب هذه الكلمات،ساعة من ساعات الدراسة في النجف، وقد مضى عليها حوالى
أربعين عاماً، كنا في هذه الساعة نتحلّق حول الأستاذ، نستمع إلى محاضرته، وفي
أثنائها، اعترض عليه أحد التلاميذ، واستشهد بحادثة لا تمتّ إلى موضوع الدّرس بسبب
قريب أو بعيد، فأعرض الأستاذ عنه، ونظر إلى بقيّة التلاميذ، وقال: كان فيما مضى رجل
معتوه يقال له « ».
وفي ذات يوم، مرّ بأحد الشّوارع، فرأى جمهوراً من الناس مجتمعين، وهم يموجون في
حيرة، ولما سألهم، قال له البعض: إنّ فلاناً سقط عن السّطح، وتحطّمت أعضاؤه، وقد
أوشك على الهلاك، ولا يدري أهله ماذا يصنعون؟ فقال « »: عندي دواؤه، وعليّ شفاؤه،
اربطوه بالحبل وشدّوه إلى السّطح، وأجلسوه عليه كما كان، فإنه يشفى لا محالة.. ولما
ضحكوا منه، احتجّ عليهم، وقال: لماذا تضحكون؟ في العام الماضي، سقط فلان بالبئر،
فربطوه بالحبل وأخرجوه منه سليماً.
وهذا هو بالذّات منطق من أنكر وجود الله لأنّه ما رآه.. أمّا الكون العجيب بنظامه
وجلاله فقد رآه، ولكنّه لا يدلّ بزعمه على وجود المكوّن والمنظّم.. ونحن نؤمن
بالمشاهدة والتجربة، ولكن نؤمن أيضاً بأنّ هذه التجربة لا تجري على كلّ نوع من
الوجود، بل تقتصر على النّوع المادّي منه، أما النوع الروحي، فإن لمعرفته سبيلاً
آخر . . نقول هذا، ونحن على يقين بأنّ كلاً من الوجود الإنساني والمادي متفاعلان
متكاملان، وأنه لا غنى للإنسانيّة عن المادّة، وأنّ القيم كالحقّ والخير، لا بدّ من
أن يكون لها أثر ملموس محسوس، وإلا كانت ألفاظاً بلا معنى. ولكن هذا لا يستدعي أن
يكون سبيل المعرفة واحداً في كلّ شيء، بل يختلف باختلاف الأشياء التي يراد معرفتها،
فالمشاهدة والتجربة سبب لمعرفة المادّة، والعقل سبب لمعرفة غيرها. وتكلّمنا عن
المعرفة وأسبابها في ج 1، ص 43 .
والخلاصة، أنّ من قال: لا أومن بالله حتى أراه، فقد اعترف بأنّه لا يريد أن يؤمن
بالله، ولو شهد بوجوده ألف دليل ودليل، ومعنى هذا، أنه يقرّ على نفسه بالجهل
والمكابرة، لأنّ المفروض أنّ الله لا يرى بالعين، وأنّ الطريق إلى معرفة الحقائق لا
تنحصر بهذه الرّؤية.
إن الله يريد من الإنسان أن يبحث ويدقّق ويجادل ويناقش، ولكن عن علم ووعي، لا عن
جهل وعمى.
قال تعالى: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ}. الإنسان،
أيّ إنسان، لا يخلو أن يكون واحداً من اثنين: إمَّا جاهلاً، وإمَّا عالماً، والعالم
لا يخلو إمَّا أن يكون منصفاً، وإمّا منحرفاً، والعالم المنصف هو الّذي يقول ما
يعلم، ويسكت عمّا لا يعلم، وقد حدّد الله سبحانه وظيفة الجاهل بقوله: {فَسْئَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: 7]، فإن تجاوز وظيفته
هذه، صدق عليه قول الإمام عليّ (عليه السلام): "... جاهل خبّاط جهالات.. لا يحسب
العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أنّ وراء ما بلغ مذهباً لغيره..." .
وهذا الجاهل هو المقصود بقوله تعالى: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ
بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وبقوله في الآية 8 من هذه السّورة: {ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ
فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدىً ولا كِتابٍ مُنِيرٍ}[الحجّ: 8].
إنه يجهل الطريق إلى العلم بالله، ومع ذلك، يجادل فيه، ويقول فيما يقول: لو كان
الله موجوداً لرأيناه.. إنه يريد بمنطقه هذا أن يفسّر غير المادة بالمادة، وأن يرى
بالعين والبصر من لا يدرك إلا بالعقل والبصيرة، وأن يلمس باليد خالق السماوات
والأرض. ولا فرق بين هذا، وبين من حاول أن يمتحن في المعمل والمختبر نظريّة «البيّنة
على من ادّعى،واليمين على من أنكر»،أو أراد أن يختبر موهبته الشّعرية في قيادة
السيارة .
تذكرت، وأنا أكتب هذه الكلمات،ساعة من ساعات الدراسة في النجف، وقد مضى عليها حوالى
أربعين عاماً، كنا في هذه الساعة نتحلّق حول الأستاذ، نستمع إلى محاضرته، وفي
أثنائها، اعترض عليه أحد التلاميذ، واستشهد بحادثة لا تمتّ إلى موضوع الدّرس بسبب
قريب أو بعيد، فأعرض الأستاذ عنه، ونظر إلى بقيّة التلاميذ، وقال: كان فيما مضى رجل
معتوه يقال له « ».
وفي ذات يوم، مرّ بأحد الشّوارع، فرأى جمهوراً من الناس مجتمعين، وهم يموجون في
حيرة، ولما سألهم، قال له البعض: إنّ فلاناً سقط عن السّطح، وتحطّمت أعضاؤه، وقد
أوشك على الهلاك، ولا يدري أهله ماذا يصنعون؟ فقال « »: عندي دواؤه، وعليّ شفاؤه،
اربطوه بالحبل وشدّوه إلى السّطح، وأجلسوه عليه كما كان، فإنه يشفى لا محالة.. ولما
ضحكوا منه، احتجّ عليهم، وقال: لماذا تضحكون؟ في العام الماضي، سقط فلان بالبئر،
فربطوه بالحبل وأخرجوه منه سليماً.
وهذا هو بالذّات منطق من أنكر وجود الله لأنّه ما رآه.. أمّا الكون العجيب بنظامه
وجلاله فقد رآه، ولكنّه لا يدلّ بزعمه على وجود المكوّن والمنظّم.. ونحن نؤمن
بالمشاهدة والتجربة، ولكن نؤمن أيضاً بأنّ هذه التجربة لا تجري على كلّ نوع من
الوجود، بل تقتصر على النّوع المادّي منه، أما النوع الروحي، فإن لمعرفته سبيلاً
آخر . . نقول هذا، ونحن على يقين بأنّ كلاً من الوجود الإنساني والمادي متفاعلان
متكاملان، وأنه لا غنى للإنسانيّة عن المادّة، وأنّ القيم كالحقّ والخير، لا بدّ من
أن يكون لها أثر ملموس محسوس، وإلا كانت ألفاظاً بلا معنى. ولكن هذا لا يستدعي أن
يكون سبيل المعرفة واحداً في كلّ شيء، بل يختلف باختلاف الأشياء التي يراد معرفتها،
فالمشاهدة والتجربة سبب لمعرفة المادّة، والعقل سبب لمعرفة غيرها. وتكلّمنا عن
المعرفة وأسبابها في ج 1، ص 43 .
والخلاصة، أنّ من قال: لا أومن بالله حتى أراه، فقد اعترف بأنّه لا يريد أن يؤمن
بالله، ولو شهد بوجوده ألف دليل ودليل، ومعنى هذا، أنه يقرّ على نفسه بالجهل
والمكابرة، لأنّ المفروض أنّ الله لا يرى بالعين، وأنّ الطريق إلى معرفة الحقائق لا
تنحصر بهذه الرّؤية.
إن الله يريد من الإنسان أن يبحث ويدقّق ويجادل ويناقش، ولكن عن علم ووعي، لا عن
جهل وعمى.