كتابات
04/04/2019

الأصوليّة لا تعني العنف

الأصوليّة لا تعني العنف

س: مفردات يتمّ تداولها بين الحين والآخر في الفضاء العام، وعند محطّات وأحداث معيّنة، ومن ذلك، ضرورة "تأصيل النص"، ومصطلح "الأصوليّة"، كمشتقّ من التأصيل، مع الاختلاف في المفهوم. فما الفرق؟

المقصود بـ"التأصيل" إرجاعُ الفكرة إلى جذورها الثقافيّة التي انطلقتْ منها، وعاشت في ظروفها، وامتدّتْ في حركيّتها، بحيث تجسِّد الفكرةَ في كلّ عناصرها المختلفة، فتواجهها كما لو كانت شيئاً حيّاً تخاطبه ويخاطبكَ. لذلك، فإنّ المسألة التي نواجهها هي: ما الجذورُ الدينيّة؟ فنحن نلاحظ أنّ في الأوساط الاجتهاديّة الشيعيّة أو السُّنّيّة نوعاً من التخلّف في فهم الفكرة وفي الانفتاح على جذورها، إذ إنّ الكثيرين يأخذون النصّ فلا يتدبّرونه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: 24]. هؤلاء لا يمارسون التدبّرَ الّذي يجعل من النصّ كوناً ينفتح على قضايا الحياة؛ فالنصّ قد ينطلق من حادثة معيَّنة، لكنّ هذه الحادثة تمثّل النموذجَ الذي ينفتح على الامتدادات التي تلتقي بخصوصيَّة النموذج وبعناصره.

ولهذا، فإنَّ مسألة الأصوليّة تختلف عن مسألة التّأصيل؛ فالأصوليّة، في مفهومها اللّغويّ، هي رجوعُ الناس إلى الأصول. لكنّ السؤال هو: كيف نفهم الأصول؟ فالّذين يتحدّثون عن الأصوليّة مطالبون بأن نرجعَ إلى ما قاله الرسولُ (ص)، أو ما أَخذ به المسلمون من الكتاب، لا أن يخوضوا في الظروف التي أحاطت بكلامه (ص)، وهي ظروفٌ قد تجعل لكلامه امتداداً أوسعَ من طبيعة الحادثة التي انطلق منها.

وكذلك الأمرُ بالنّسبة إلى القرآن؛ فالقرآن هو كتابُ الحركيّة الإسلاميّة، لأنّه كان يلاحق الدّعوةَ الإسلاميّة، عندما كان المسلمون ينتصرون أو ينهزمون، أو عندما كان الإسلام يدخل في صراع مع أهل الكتاب أو المنافقين أو المشركين، أو عندما يتحدَّث عن الخطوط الأخلاقيّة أو السلوكيّة، وما إلى ذلك.

لهذا، لا بدَّ من أن نفهم الظروفَ التي انطلقتْ منها كلُّ هذه المفردات، والتي تشكّل منها النصّ القرآنيّ. وهذا يعني أن ندرس ما صَحّ من أسباب النزول في القرآن، حتى نستطيعَ أن ننفتحَ على الآفاق القرآنيّة في هذا المجال، أيْ على الآفاق الممتدّة التي يمكن بموجبها للعناصر الخاصّة أن تحمل في داخلها العناصرَ العامّةَ.

وحين يكون المسلم "أصوليّاً"، فإنَّ عليه أن يفهم ما هي الأصول، فمن الطّبيعيّ عندما نكون مسلمين، أن نرجعَ إلى الإسلام في أصوله العقائديَّة والمفاهيميَّة والشرعيّة؛ لكنَّ السّؤال هو: كيف نفهم هذه الأصول؟ هل الإسلام دينُ العنف أم الرّفق مثلاً؟ أهو دينُ التخلّف أم التطوّر؟ دينُ الانفتاح أم الانغلاق؟ دينُ الحرب أم السِّلم؟ ما هي أساليبُ الإسلام في الدعوة، وفي إدارة الصراع؟... وما إلى ذلك من المبادئ التي يمْكنها أن تؤسّس "الإسلامَ الحضاريّ." ولهذا، نحن لا نعتبر أنّ "الأصوليّين" ـ ممّن يروْن العنفَ أساساً في الإسلام، ويكفّرون مَن يختلف معهم في الرأي، ويستحِلّون دماءهم ـ يفهمون الإسلام، لأنّهم عاشوا في بيئاتٍ حاولتْ أن تسجنَهم داخلَ بعض المفاهيم الّتي استوردوها عن طريق بعض الدراسات، أو نتيجة فهم معيّن.

ولعلّ إطلاقَ كلمة "الأصوليّة" على "المتطرّفين المسلمين" هو اصطلاحٌ غربيّ، باعتبار أنَّ الغرب هو الذي عاش الأصوليّة. فالغرب كان يمثّل العنفَ في كلّ تاريخه، وبين أفراده أنفسهم.

ونحن نَعْرف أنّ هناك حروباً عاشها الغربيّون حتى وصلوا إلى دَور المؤسّسات، وهو لايزال يختزن هذا العنف، ولكنْ بطريقةٍ يُبرِّره بها لحماية مصالحه الاستراتيجيّة، كما حدث في احتلالاته في القرن الماضي، وكذلك في احتلالاته في هذا القرن؛ وكما نلاحظ هذا العنفَ أيضاً في المافيات الموجودة في الغرب، وفي الحروب الصليبيّة التي كان يقودها الباباواتُ من أجل السيطرة على الأماكن المقدّسة في القدس وغيرها.

لذلك نقول إنَّ مفهوم "الأصوليّة" لا يتّفق مع مفهوم هؤلاء؛ فالمسلمون أصوليّون يرجعون إلى الأصول، لكنْ ليس كلُّ المسلمين مؤمنين بأنّ أصوليّتهم تَفْرض عليهم العنفَ في أيّ مقام.

فالثقافة الإسلاميّة قائمةٌ على الرّفق، والعنفُ فيها إنّما هو عنفٌ وقائيٌّ ودفاعيّ، ذلك لأنَّ مَنْ أَطْلق عليك صاروخاً لا يمكن أن تقدِّمَ إليه إضمامةَ ورد!".

مقابلة مع مجلّة الآداب بتاريخ 4-5-2009م 

المقصود بـ"التأصيل" إرجاعُ الفكرة إلى جذورها الثقافيّة التي انطلقتْ منها، وعاشت في ظروفها، وامتدّتْ في حركيّتها، بحيث تجسِّد الفكرةَ في كلّ عناصرها المختلفة، فتواجهها كما لو كانت شيئاً حيّاً تخاطبه ويخاطبكَ. لذلك، فإنّ المسألة التي نواجهها هي: ما الجذورُ الدينيّة؟ فنحن نلاحظ أنّ في الأوساط الاجتهاديّة الشيعيّة أو السُّنّيّة نوعاً من التخلّف في فهم الفكرة وفي الانفتاح على جذورها، إذ إنّ الكثيرين يأخذون النصّ فلا يتدبّرونه {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد: 24]. هؤلاء لا يمارسون التدبّرَ الّذي يجعل من النصّ كوناً ينفتح على قضايا الحياة؛ فالنصّ قد ينطلق من حادثة معيَّنة، لكنّ هذه الحادثة تمثّل النموذجَ الذي ينفتح على الامتدادات التي تلتقي بخصوصيَّة النموذج وبعناصره.

ولهذا، فإنَّ مسألة الأصوليّة تختلف عن مسألة التّأصيل؛ فالأصوليّة، في مفهومها اللّغويّ، هي رجوعُ الناس إلى الأصول. لكنّ السؤال هو: كيف نفهم الأصول؟ فالّذين يتحدّثون عن الأصوليّة مطالبون بأن نرجعَ إلى ما قاله الرسولُ (ص)، أو ما أَخذ به المسلمون من الكتاب، لا أن يخوضوا في الظروف التي أحاطت بكلامه (ص)، وهي ظروفٌ قد تجعل لكلامه امتداداً أوسعَ من طبيعة الحادثة التي انطلق منها.

وكذلك الأمرُ بالنّسبة إلى القرآن؛ فالقرآن هو كتابُ الحركيّة الإسلاميّة، لأنّه كان يلاحق الدّعوةَ الإسلاميّة، عندما كان المسلمون ينتصرون أو ينهزمون، أو عندما كان الإسلام يدخل في صراع مع أهل الكتاب أو المنافقين أو المشركين، أو عندما يتحدَّث عن الخطوط الأخلاقيّة أو السلوكيّة، وما إلى ذلك.

لهذا، لا بدَّ من أن نفهم الظروفَ التي انطلقتْ منها كلُّ هذه المفردات، والتي تشكّل منها النصّ القرآنيّ. وهذا يعني أن ندرس ما صَحّ من أسباب النزول في القرآن، حتى نستطيعَ أن ننفتحَ على الآفاق القرآنيّة في هذا المجال، أيْ على الآفاق الممتدّة التي يمكن بموجبها للعناصر الخاصّة أن تحمل في داخلها العناصرَ العامّةَ.

وحين يكون المسلم "أصوليّاً"، فإنَّ عليه أن يفهم ما هي الأصول، فمن الطّبيعيّ عندما نكون مسلمين، أن نرجعَ إلى الإسلام في أصوله العقائديَّة والمفاهيميَّة والشرعيّة؛ لكنَّ السّؤال هو: كيف نفهم هذه الأصول؟ هل الإسلام دينُ العنف أم الرّفق مثلاً؟ أهو دينُ التخلّف أم التطوّر؟ دينُ الانفتاح أم الانغلاق؟ دينُ الحرب أم السِّلم؟ ما هي أساليبُ الإسلام في الدعوة، وفي إدارة الصراع؟... وما إلى ذلك من المبادئ التي يمْكنها أن تؤسّس "الإسلامَ الحضاريّ." ولهذا، نحن لا نعتبر أنّ "الأصوليّين" ـ ممّن يروْن العنفَ أساساً في الإسلام، ويكفّرون مَن يختلف معهم في الرأي، ويستحِلّون دماءهم ـ يفهمون الإسلام، لأنّهم عاشوا في بيئاتٍ حاولتْ أن تسجنَهم داخلَ بعض المفاهيم الّتي استوردوها عن طريق بعض الدراسات، أو نتيجة فهم معيّن.

ولعلّ إطلاقَ كلمة "الأصوليّة" على "المتطرّفين المسلمين" هو اصطلاحٌ غربيّ، باعتبار أنَّ الغرب هو الذي عاش الأصوليّة. فالغرب كان يمثّل العنفَ في كلّ تاريخه، وبين أفراده أنفسهم.

ونحن نَعْرف أنّ هناك حروباً عاشها الغربيّون حتى وصلوا إلى دَور المؤسّسات، وهو لايزال يختزن هذا العنف، ولكنْ بطريقةٍ يُبرِّره بها لحماية مصالحه الاستراتيجيّة، كما حدث في احتلالاته في القرن الماضي، وكذلك في احتلالاته في هذا القرن؛ وكما نلاحظ هذا العنفَ أيضاً في المافيات الموجودة في الغرب، وفي الحروب الصليبيّة التي كان يقودها الباباواتُ من أجل السيطرة على الأماكن المقدّسة في القدس وغيرها.

لذلك نقول إنَّ مفهوم "الأصوليّة" لا يتّفق مع مفهوم هؤلاء؛ فالمسلمون أصوليّون يرجعون إلى الأصول، لكنْ ليس كلُّ المسلمين مؤمنين بأنّ أصوليّتهم تَفْرض عليهم العنفَ في أيّ مقام.

فالثقافة الإسلاميّة قائمةٌ على الرّفق، والعنفُ فيها إنّما هو عنفٌ وقائيٌّ ودفاعيّ، ذلك لأنَّ مَنْ أَطْلق عليك صاروخاً لا يمكن أن تقدِّمَ إليه إضمامةَ ورد!".

مقابلة مع مجلّة الآداب بتاريخ 4-5-2009م 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية