كتابات
14/04/2019

ثقافة الدَّاعية ومسؤوليَّته

ثقافة الدَّاعية ومسؤوليَّته

هل يملك الدّاعية الذي أوقف حياته على الدّعوة إلى الإسلام، أن يجعل ثقافته خاضعة لمزاجه الذاتي فيما يحبّه وفيما يرغبه، مما ينفع الدّعوة أو يضرّها، أو لا يفيدها على الأقلّ، أو لا يملك من حرّيته إلا ما يتّفق مع حاجة الدّعوة في مسيرتها الصّاعدة المتحرّكة؟!

ربما يحسب بعض النّاس أنّ الدّاعية إنسان، له كلّ ما للنّاس الآخرين من رغبات ومشتهيات وحاجات ذاتيّة تنطلق معها نفسه، ويصفو بها مزاجه، وترتاح لها حياته، فيجوز له أن يمارس منها ما لا يحرّمه الشَّرع، وما لا يسخط الله من الأمور المباحة، فإنّ للنّفس أن تأخذ برخص الشّريعة، كما أنّ عليها أن تمتنع عن محظوراتها، سواء في ذلك ما يأكله أو ما يشربه أو ما يلبسه أو ما يقرأه وما يتعلّمه، ويبقى له بعد ذلك مجال كبير في الوقت الّذي يعمل على أن يستغله في الثقافة اللازمة له في شؤون العقيدة والشريعة.

1 ـ حاجة الدّاعية إلى ثقافة عامّة هادفة:

ولكنّنا نعتقد أن القضيّة لا تخضع لهذا الاتجاه في معالجة هذا الواقع، لأنّنا لا نطلب من الداعية الإسلامي أن يحصر نفسه في الإطار الثّقافي الإسلامي، بالمعنى الذي يحدّد له قراءته في الأمور الإسلاميّة الخاصّة، من كتاب أو سنّة أو فقه، وغيرها من الأمور التي تتّصل بالعقيدة والشّريعة والمفاهيم العامّة، فنحظر عليه المشاركة في الثقافة الأدبية والاجتماعية والنفسية والفنية، أو الثقافة العلمية المتعلقة بشؤون الطبيعة وظواهرها وأسرارها...

إنّنا لا نطلب منه أن يحصر نفسه في هذا الإطار الضيِّق من المعرفة، لأنَّ ذلك سوف يبعده عن فهم الإسلام نفسه، لحاجتنا الماسَّة إلى كثير من هذه الثّقافات في تعميق معرفتنا الإسلاميَّة، ومدى سلامة حلوله العمليَّة لمشاكل الحياة، فإذا لم يكن لدينا بعض المشاركة في قضايا النّفس والمجتمع، لم نستطع فهم كثيرٍ من التَّشريعات في الشَّريعة، أو كثيرٍ من الظَّواهر الفرديّة والاجتماعيّة في حياة النّاس، وإذا لم نحصل على الثقافة الأدبيّة التي تتجاوز القواعد النحوية والصرفية والبلاغة، إلى الحسّ الأدبي الصافي الّذي يلتقي بالمضمون في صفائه ونقائه، من خلال إحاطته بالعناصر الأصيلة التي يكشف فيها الشّكل عن طبيعة المضمون، وهكذا في المجالات الأخرى للمعرفة.

بل كلّ ما نحاوله، هو أن يكون الداعية هادفاً فيما يأخذ من أسباب الثّقافة، فيدرس حاجته منها تبعاً لحاجة الدّعوة إلى ذلك، ثم يطبع كلّ ما يحصل عليه من ألوان المعرفة بطابع إسلاميّ، فينظر إليها بعين مفتوحة على الحياة من خلال ارتباطها بالإسلام، وارتباط الإسلام بها، ويدرس حاجة الدّعوة إلى ذلك، من خلال المجال الّذي تتحرّك فيه الدّعوة...

2 ـ مخاطر انطلاق الدّاعية في مجالات التّرف الفكري:

إننا لا نريد أن نحدّد للداعية ثقافته، بل نريد له أن يدرس موقعه، ويتّخذ لنفسه من الثقافة ما يتناسب مع هذا الموقع من ناحية الحاضر والمستقبل، وأن يبتعد ـ مهما أمكن ـ عن كثير من أنواع المعرفة التي تدخل في إطار الترف الفكري الذي عبَّر عنه النبيّ محمّد (ص) في بعض أحاديثه مع أصحابه، فقد روي عنه أنه دخل ذات يوم على المسجد، فرأى المسلمين مجتمعين حول رجل يحدّثهم، فيستمعون إليه بإصغاء وشغف، فقال لهم النبيّ (ص): ما هذا؟ فقالوا: علاّمة. قال(ص): وما العلّامة؟ فقالوا: إنّه عالم بأنساب العرب وأيّامها وأشعارها. فقال لهم النبيّ (ص): "ذاك علم لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله، إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، وفريضة قائمة، وسنّة متّبعة".

ولعلّ من الطبيعي للإنسان أن لا يأخذ بأسباب التّرف، ويترك ما هو بحاجة إليه، لأنّه يكون بمثابة الإنسان الّذي يبحث عن الكماليات وهو بحاجة إلى الضّروريّات، أو الذي يطلب الترف وهو لا يمسك نفسه من السّقوط تحت وطأة الجوع.

إنّ الانطلاق مع الرغبة في التّرف الفكريّ، يفوّت على الإنسان كثيراً من الجهد الّذي ينبغي أن يصرفه فيما يحتاج إليه من معرفة عمليّة مرتبطة بحركة الدعوة الإسلاميّة في الحياة، لأنّ الإنسان لا يملك الوقت الّذي يسمح له باستيعاب المعرفة وشمولها لكلّ شيء، فلا بدّ له من الدخول في عملية الاختيار، وتقديم الأفضل فالأفضل، أو الأشدّ حاجة حسب الأفضليات، ليستيطع الإنسان أن يصل إلى هدفه في أقلّ قدر ممكن من الوقت والجهد معاً...

إنَّ مسؤوليّة الداعية المسلم تنطلق من إحساسه بالحياة، وهي تتحرَّك في إطار الرِّسالة.. وفي ضوء ذلك، نشعر بأنّ المزاج الذاتي بكلِّ تطلّعاته ورغباته، لا يمثِّل شيئاً بالنّسبة إليه، إلا بقدر ارتباطه برسالته، فلا بدَّ له من أن يثير الرّسالة في كلّ قضاياه الثقافيّة، فيسخّر الثقافة لها فيما يأخذه وفيما يمارسه، فلا يستريح فيه إلى ترفٍ لا يجني منه إلا العبث، ولا يطمئنّ للنّزوات الفكرية التي تستسلم لأوضاع الانحراف وخطوطه، بعيداً عن خطّ الرّسالة وتطلعاتها في الحياة، مما يسيء إلى عمله فيها وجهاده من أجلها، أو يضيّع جهده فيما يحتاج إلى أن يربحه ويحصل عليه كضرورة عمليّة، لأنّنا نؤمن بأنّ ما يملكه الداعية من وقت وجهد وفكر هو للرّسالة، فحسبه من حياته وقوّته ومواهبه أنها تحقّق له فكره ورسالته، وتجسّد له أهدافه الكبيرة في الحياة.

*من كتاب "خطوات على طريق الإسلام".

هل يملك الدّاعية الذي أوقف حياته على الدّعوة إلى الإسلام، أن يجعل ثقافته خاضعة لمزاجه الذاتي فيما يحبّه وفيما يرغبه، مما ينفع الدّعوة أو يضرّها، أو لا يفيدها على الأقلّ، أو لا يملك من حرّيته إلا ما يتّفق مع حاجة الدّعوة في مسيرتها الصّاعدة المتحرّكة؟!

ربما يحسب بعض النّاس أنّ الدّاعية إنسان، له كلّ ما للنّاس الآخرين من رغبات ومشتهيات وحاجات ذاتيّة تنطلق معها نفسه، ويصفو بها مزاجه، وترتاح لها حياته، فيجوز له أن يمارس منها ما لا يحرّمه الشَّرع، وما لا يسخط الله من الأمور المباحة، فإنّ للنّفس أن تأخذ برخص الشّريعة، كما أنّ عليها أن تمتنع عن محظوراتها، سواء في ذلك ما يأكله أو ما يشربه أو ما يلبسه أو ما يقرأه وما يتعلّمه، ويبقى له بعد ذلك مجال كبير في الوقت الّذي يعمل على أن يستغله في الثقافة اللازمة له في شؤون العقيدة والشريعة.

1 ـ حاجة الدّاعية إلى ثقافة عامّة هادفة:

ولكنّنا نعتقد أن القضيّة لا تخضع لهذا الاتجاه في معالجة هذا الواقع، لأنّنا لا نطلب من الداعية الإسلامي أن يحصر نفسه في الإطار الثّقافي الإسلامي، بالمعنى الذي يحدّد له قراءته في الأمور الإسلاميّة الخاصّة، من كتاب أو سنّة أو فقه، وغيرها من الأمور التي تتّصل بالعقيدة والشّريعة والمفاهيم العامّة، فنحظر عليه المشاركة في الثقافة الأدبية والاجتماعية والنفسية والفنية، أو الثقافة العلمية المتعلقة بشؤون الطبيعة وظواهرها وأسرارها...

إنّنا لا نطلب منه أن يحصر نفسه في هذا الإطار الضيِّق من المعرفة، لأنَّ ذلك سوف يبعده عن فهم الإسلام نفسه، لحاجتنا الماسَّة إلى كثير من هذه الثّقافات في تعميق معرفتنا الإسلاميَّة، ومدى سلامة حلوله العمليَّة لمشاكل الحياة، فإذا لم يكن لدينا بعض المشاركة في قضايا النّفس والمجتمع، لم نستطع فهم كثيرٍ من التَّشريعات في الشَّريعة، أو كثيرٍ من الظَّواهر الفرديّة والاجتماعيّة في حياة النّاس، وإذا لم نحصل على الثقافة الأدبيّة التي تتجاوز القواعد النحوية والصرفية والبلاغة، إلى الحسّ الأدبي الصافي الّذي يلتقي بالمضمون في صفائه ونقائه، من خلال إحاطته بالعناصر الأصيلة التي يكشف فيها الشّكل عن طبيعة المضمون، وهكذا في المجالات الأخرى للمعرفة.

بل كلّ ما نحاوله، هو أن يكون الداعية هادفاً فيما يأخذ من أسباب الثّقافة، فيدرس حاجته منها تبعاً لحاجة الدّعوة إلى ذلك، ثم يطبع كلّ ما يحصل عليه من ألوان المعرفة بطابع إسلاميّ، فينظر إليها بعين مفتوحة على الحياة من خلال ارتباطها بالإسلام، وارتباط الإسلام بها، ويدرس حاجة الدّعوة إلى ذلك، من خلال المجال الّذي تتحرّك فيه الدّعوة...

2 ـ مخاطر انطلاق الدّاعية في مجالات التّرف الفكري:

إننا لا نريد أن نحدّد للداعية ثقافته، بل نريد له أن يدرس موقعه، ويتّخذ لنفسه من الثقافة ما يتناسب مع هذا الموقع من ناحية الحاضر والمستقبل، وأن يبتعد ـ مهما أمكن ـ عن كثير من أنواع المعرفة التي تدخل في إطار الترف الفكري الذي عبَّر عنه النبيّ محمّد (ص) في بعض أحاديثه مع أصحابه، فقد روي عنه أنه دخل ذات يوم على المسجد، فرأى المسلمين مجتمعين حول رجل يحدّثهم، فيستمعون إليه بإصغاء وشغف، فقال لهم النبيّ (ص): ما هذا؟ فقالوا: علاّمة. قال(ص): وما العلّامة؟ فقالوا: إنّه عالم بأنساب العرب وأيّامها وأشعارها. فقال لهم النبيّ (ص): "ذاك علم لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله، إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، وفريضة قائمة، وسنّة متّبعة".

ولعلّ من الطبيعي للإنسان أن لا يأخذ بأسباب التّرف، ويترك ما هو بحاجة إليه، لأنّه يكون بمثابة الإنسان الّذي يبحث عن الكماليات وهو بحاجة إلى الضّروريّات، أو الذي يطلب الترف وهو لا يمسك نفسه من السّقوط تحت وطأة الجوع.

إنّ الانطلاق مع الرغبة في التّرف الفكريّ، يفوّت على الإنسان كثيراً من الجهد الّذي ينبغي أن يصرفه فيما يحتاج إليه من معرفة عمليّة مرتبطة بحركة الدعوة الإسلاميّة في الحياة، لأنّ الإنسان لا يملك الوقت الّذي يسمح له باستيعاب المعرفة وشمولها لكلّ شيء، فلا بدّ له من الدخول في عملية الاختيار، وتقديم الأفضل فالأفضل، أو الأشدّ حاجة حسب الأفضليات، ليستيطع الإنسان أن يصل إلى هدفه في أقلّ قدر ممكن من الوقت والجهد معاً...

إنَّ مسؤوليّة الداعية المسلم تنطلق من إحساسه بالحياة، وهي تتحرَّك في إطار الرِّسالة.. وفي ضوء ذلك، نشعر بأنّ المزاج الذاتي بكلِّ تطلّعاته ورغباته، لا يمثِّل شيئاً بالنّسبة إليه، إلا بقدر ارتباطه برسالته، فلا بدَّ له من أن يثير الرّسالة في كلّ قضاياه الثقافيّة، فيسخّر الثقافة لها فيما يأخذه وفيما يمارسه، فلا يستريح فيه إلى ترفٍ لا يجني منه إلا العبث، ولا يطمئنّ للنّزوات الفكرية التي تستسلم لأوضاع الانحراف وخطوطه، بعيداً عن خطّ الرّسالة وتطلعاتها في الحياة، مما يسيء إلى عمله فيها وجهاده من أجلها، أو يضيّع جهده فيما يحتاج إلى أن يربحه ويحصل عليه كضرورة عمليّة، لأنّنا نؤمن بأنّ ما يملكه الداعية من وقت وجهد وفكر هو للرّسالة، فحسبه من حياته وقوّته ومواهبه أنها تحقّق له فكره ورسالته، وتجسّد له أهدافه الكبيرة في الحياة.

*من كتاب "خطوات على طريق الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية