إشكاليّة الزّواج المدنيّ:
1ـ من الزّواج المدني إلى العلمانيّة:
2ـ انتقاد المحاكم الشَّرعيَّة:
3ـ الجانب التّشريعي:
I. مشاكل بنيويّة:
i. الاختلاف في الدّين!
ii. جنس المتعاقدَين!
II. مشاكل في الالتزامات:
i. الإنفاق
ii. الطّلاق
iii. تعدّد الزَّوجات
III. مشاكل في المفاعيل والآثار:
i. الحقوق الماليّة
ii. الإرث
iii. الحضانة
نقطة تأمّل!
IV. مشاكل في أساس العقد:
i. صيغة العقد
ii. إذن الوليّ
بين طائفة "جديدة" وأخرى "خارجة من التزامات الدّين":
I. الطّائفة الجديدة!
II. الجماعات الدينيّة الخارجة من التزاماتها:
III. وهل هناك خوف على الدّين؟!
4-منظومتان مختلفتان:
5- خيار ثالث: عقد وشروط:
6- نحو الحلّ:
- إشكاليّة الزّواج المدنيّ:
لطالما أثار موضوع الزّواج المدنيّ كثيرًا من الجدل في المجتمع، وذلك من عدّة زوايا، وهذا ما يحتاج إلى تسليط الضّوء عليه.
ولعلّ واحدة من أبرز الزوايا التي يترافق الحديث عنها في موضوع الزواج المدنيّ، هو "نقد المحاكم الشرعيَّة"؛ سواء من حيث آليَّة عملها، أو من حيث القضايا التي يمكن أن تأخذ وقتًا، أو من حيث القضايا العالقة في هذه المحاكم، والتي قد يأخذ بعضها وقتًا طويلًا لبتّها، وبعض القضايا تشتمل على تعقيدات كثيرة، ما يجعل المبرِّرات أو الجدل حول الزّواج المدني يترافق مع الحديث عن تلك المحاكم الشَّرعيَّة، وما يتضمنه ذلك من آليَّات عملها والمشاكل التي يمكن أن تعترضها، لا بل قد تصل النّوبة إلى الحديث عن مدى استقامة العمل في هذه المحاكم، أو ما يثار من حديث على وسائل التّواصل الاجتماعي، تتمّ المقارنة فيه بين الماليّة التي تفرزها الدولة للمحاكم الشرعيَّة والسلطة الدينيَّة، من جهة، والماليّة التي تفرَز لـ"السّلطة الزمنيّة"، من جهة أخرى، ليقال لنا، بشكلٍ واضح وصريح، بأنَّ رجال الدّين لا يقبلون بالزّواج المدنيّ، لأنّهم يخافون على امتيازاتهم!
ومن جملة الأمور الّتي يتمّ التطرّق إليها - أيضاً - خلال الحديث عن الزّواج المدني، مسألة التّشريع الدّيني نفسه! إذ يقال، في هذا السّياق، بأنَّ الإسلام لديه الكثير من التّشريعات المجحفة، وخصوصاً بحقِّ المرأة. وعليه، يقال بأنّ الزواج المدني قد يحلّ الكثير من المسائل المتعلّقة بحقوق المرأة بشكلٍ وبآخر. وتتجلّى مسائل حقوق المرأة في الحياة الزَّوجيَّة في أكثر من مجال، منها قيمومة الرّجل على المرأة، تلك المرتبطة بحركة قيادة الأسرة من قبل الرَّجل، ومنها الحقوق المتعلّقة بالطّلاق والحضانة والإرث الّذي يطرح نفسه أيضاً في مسألة الأحوال الشخصيَّة. فواحدة من أبرز مبرِّرات طرح الزّواج المدني، هي أنَّ هناك مشكلة فعليَّة في التشريع الإسلاميّ، وبالتّالي، لا بدَّ من علاج هذه المشكلة جذريّاً، فيتمّ طرح بديل من "الزواج الديني"، وهو "الزّواج المدني"؛ لأنّه لا يمكن لنا أن نعالج مسألة الزّواج الدّيني، بحسب الفرض...!
ويمكن للموضوع أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فيكون الهدف الأقرب من طرح الزّواج المدنيّ، هو التعديل في قوانين الأحوال الشخصيّة وتنظيمها بطريقة تستبعد الدّين من دائرة الحسابات، ليتحوَّل الزواج إلى زواج لا دينيّ، لا شروط دينيَّة فيه، لتصبح الجهات المدنيّة المشرّعة - حصرًا - هي من يحدّد المصالح والمفاسد... إلى أن نصل، شيئًا فشيئًا، إلى النظام العلماني للدَّولة، لتُستبعَد أيّ دخالة لرجال الدين أو للسلطة الدينيّة!
وفي معرض الإجابات التي يمكن أن تُقدَّم على الإشكالات المطروحة في هذا السياق، نورد التالي، لعلّ ذلك يشكّل نقطة انطلاق لحوارٍ جدّيٍ وموضوعيّ:
1ـ من الزّواج المدني إلى العلمانيّة:
إنّ مسألة العلمانيّة لها علاقة بالنّظام ككلّ، وهذه مسألة كبيرة بالنّسبة إلى الدّول، وعادةً ما يبدأ نقاشها من نقطةٍ ما، وقد يبدأ بنقطة الزَّواج المدني، ويصبح النِّقاش كالتّالي: "مَنْ مع الزّواج المدنيّ ومن ضدّه؟ وما هي التّوقّعات حوله؟ وإلى أين يمكن أن يؤدِّي؟ أو ماذا يمكن أن يمنع الوقوف في وجهه؟!...". فإذا كان الهدف - فعلًا - من طرح مسألة الزواج المدني هو النظام العلماني، فنحن هنا نصبح أمام موضوع كبير جدًّا له علاقة بشكل النّظام، لنفسّر الـ"مع" والـ"ضدّ" بهذا الاتجاه أو ذاك... وهذا موضوعٌ آخر، لسنا في وارد الخوض فيه هنا.
2ـ انتقاد المحاكم الشَّرعيَّة:
في البداية، ينبغي أن نكون موضوعيّين وعلميّين، بأن نفرّق بين ما يرتبط بالممارسة، وما يرتبط بالتَّشريع. ففيما يتعلَّق بالنظام الديني الذي يطرَحه الإسلام، فإنَّه يشتمل على كثير من الحلول المتعلّقة بالزّواج، ولكنّ المشاكل قد تكمن في التطبيق.
ولكن، في المقابل، فإنَّه أحيانًا قد تكون "المشكلة" في التّشريع، وذلك عندما تؤدِّي الاختلافات في الاجتهادات إلى مشكلةٍ في الواقع، كما هو الأمر في موضوع الحضانة؛ فبينما هناك رأيٌ يقول بأنَّ فترة حضانة الأمِّ لولدها هي سنتان، هناك رأي آخر يقول بأنَّ الحضانة تمتدّ لسبع سنوات. وعند البحث في أقوال العلماء، نجد أنَّ هناك في التَّاريخ من يجعل الحضانة لحدّ سنّ البلوغ! وهذا الاختلاف في الاجتهادات قد يفاقم من وجود الأزمة.
أمَّا طرح الموضوع من زاوية امتيازات السلطة الدّينيَّة، ومن زاوية المقارنات الماليَّة لهذه الجهة أو تلك، فإنَّه طرحٌ قد ينفع أصحابه في التَّسويق للخيارات البديلة من الدّين! ولكن، إذا ما نظرنا نظرة موضوعيّة محايدة للموضوع، فإنّنا نجد أنّ الميزانيّة المعطاة للسّلطة الدّينيّة أكثر من تلك المعطاة لـ"السلطة الزمنيّة"، لأنّ الأُولى أنيط بها هذا العمل، أمّا عندما ينتقل العمل إلى "السّلطة الزمنيَّة"، فستُفرَز لها الميزانيَّات التي كانت تفرَز للسّلطة الدينيَّة، بطبيعة الحال؛ لأنَّ العمل يحتاج إلى كادرٍ وظيفيٍّ وإداريّ، ومن الطّبيعيّ أن تُسدَّ هذه الحاجة...
وأمّا ما يُطرح في هذا السياق، بأنّ رجال الدّين يقفون - عادةً - في وجه الزواج المدني، لأنّ هناك خوفاً على امتيازاتهم، فسيتبيّن لاحقًا، من خلال النقاط التي سنثيرها، أنّ الموضوع أعقد من ذلك بكثير!
واللافت - اليوم - أنّ بعضًا ممن يقع في مشكلات معيَّنة، يصبح عنده الحنق تجاه المحاكم الشّرعيَّة أو تجاه التَّشريع الإسلاميّ نفسه! وهذه تشكّل مشكلةً بحدّ ذاتها؛ فالمشكلة قد تكمن في أنّ هؤلاء سلّموا، كما نسلّم في كثيرٍ من القضايا، لما هو سائد في المجتمع، بحيث أخذتهم العاطفة... فالمسألة أبعد من ذلك بكثير، وهي ترتبط بثقافة اجتماعيّة متجذّرة، ولا تنحصر بهذه المحكمة أو تلك... فعلى سبيل المثال، حينما يتَّفق شخصان على الزّواج، وتشترط المرأة شروطًا معيَّنة، فإنَّ الجانب الاجتماعي يلعب دورًا سلبيًّا في دعم خيارات المرأة، باعتبار أنَّ كثيرًا من المجتعات ترى أنّه من المعيب أن تشترط المرأة على الزَّوج.. حتى إنَّه، وفي بعض الزيجات التي نعقدها، يكون الرّجل موافقًا على شرط المرأة بأن تكون وكيلةً في الطّلاق، ولكنّه يتمنّى علينا أن لا نذكر ذلك علانيةً، لأنَّ الصّورة الاجتماعيّة لطبيعة موقع الزّوج في الحياة الزوجيّة، لا تتحمَّل مثل هذا النّوع من الشّروط... ولكن إذا ما تجاوزنا هذا الجانب، وخلقنا هذا النّوع من الثّقافة التي تتقبّل الشروط من الطرفين، فسيصبح هناك إمكانيّة لأن نتحدَّث عن حلول واقعيّة، وندرك أكثر بأنّ المسألة ليست محصورة بموضوع المحاكم الشرعيّة، بل هي ثقافة اجتماعيّة متكاملة.
3ـ الجانب التّشريعي:
لا بدَّ من أن نؤكّد نقطة منهجيَّة، وهي أنَّ الزَّواج - أيّ زواج، ولا نتحدَّث الآن عن زواج ديني أو مدني - هو في الحقيقة "منظومة"؛ بمعنى أنّه ليس أمرًا ذا بعد واحد فقط، وليست المسألة أن يُعقد عقد الزّواج عند موظَّف البلديَّة بدل أن يُعقَد عند الشَّيخ أو عند القسّ في الكنيسة! فالزّواج منظومة متكاملة؛ وهو يخضع لرؤية، وله بنية والتزامات ومفاعيل وآثار... أمَّا موضوع عقد القران بين الشَّخصين، فهو الخطوة التنفيذيَّة الأخيرة. وعليه، وقبل أن نتحدَّث عن المرجعيَّة الّتي يتمّ من خلالها عقد القران، سواء في الكنيسة أو في البلديَّة أو في المسجد، لا بدّ لنا من لحظ مجموعة من الأمور، وهذه الأمور هي الّتي يمكن أن تشكِّل نقاط التقاء أو نقاط اختلاف بين أيّ منظومتي زواج في هذا المجال.
أشرنا إلى أنَّ الاختلافات التي يجب علاجها هنا، هي تلك المرتبطة بالبنى أو الالتزامات والمفاعيل، وسنتناول ذلك تباعًا، علمًا أنّ مشروع الزواج المدني في لبنان يحوي قرابة 244 بنداً، ولا يمكن استعراض كلّ هذه البنود - في هذا المجال-، لكنّنا سنسلّط الضّوء على التالي:
- المشاكل البنيويّة.
- المشاكل في الالتزامات.
- مشاكل في المفاعيل والآثار الّتي تنتج من الزواج.
- المشاكل في أساس العقد.
فمثلًا، بعدما ننهي الالتزامات وما يُبنَى عليه العقد، ننظر إلى أشياء أخرى، كما إذا اكتشفنا أنَّ المرأة الّتي يريد أن يتزوَّجها الرَّجل هي أخته في الرِّضاعة، فالزواج يكون باطلًا، من الناحية الشرعيّة. وفي المقابل، من الناحية المدنية، إذا كان هناك شخص متبنَّى، وأراد أن يتزوَّج من ابنة المتبنِّي، فإنّ هذا غير مقبول في الزواج المدني، لأنّهما -في القانون- أخوان، ولكن في الزَّواج الدّيني، لا مانع من ذلك، لأنّها - فعليًّا- ليست أخته!
ومساحة هذه المشاكل، المذكورة أعلاه، تضيق وتتَّسع حسب الرّؤية التي تتناول هذا الموضوع؛ فمن يعتبر الزّواج، مثلاً، سرّاً من أسرار الدِّين، فلا يمكنه - عندئذٍ - أن يتحدَّث عن زواج مدني بتاتًا، إلا أن يقال إنّ هناك إمكانيّة أن يُصار إلى تسوية ما من خارج المنظومة، وهذا أمر آخر. أمّا في الإسلام، فالزّواج له جانب مدنيّ، وهو ليس دينيًّا فقط، وهذا ما سيتّضح تباعًا...
V. مشاكل بنيويّة:
ونؤسِّس على ذلك لنقول، بأنَّه إذا كان هناك مشاكل بين الزواج "الديني" والزواج المدني، في البنية والالتزامات والمفاعيل والآثار الموجودة... فسيكون الخلاف بين الزّواج "الدّيني" والزواج المدني في هذه المنطقة، قبل أن نصل إلى موضوع العقد، وحتى لو قلنا بأنّ أساس العقد في الإسلام مدنيّ، طالما أنّه تواجهنا اختلافات في البنية.
iii. الاختلاف في الدّين!
هناك مشكلة أساسيَّة وجوهريَّة في هذا السياق، وهي أن الزَّواج في النّظرة الإسلاميَّة، لديه اعتبار أساس لدين المتعاقدَين؛ فالرَّجل المسلم لا يجوز له أن يتزوَّج إلا المسلمة، أو التي تنتمي إلى أهل الكتاب، والمرأة المسلمة لا يجوز لها أن تتزوَّج إلا المسلم. وهذا لا يسمح لنا بأن نتحدَّث عن أيّ بناء لعقد أو غيره ما لم تتحقّق هذه القاعدة، وهي البنية التي يرتكز عليه الزَّواج. وبالتالي، فحينما نواجه مشكلة الاختلاف في الدّين، فستكون هناك مشكلة حقيقيَّة في بنية الزواج، ولن يستطيع الدّيني أن يوافق على زواج المسلمة من غير المسلم؛ لأنَّه بذلك يناقش التزامه بالتّشريع الدينيّ كقاعدة لحياته.
فطالما ننتمي إلى هذه المنظومة، فلا نستطيع أن نوافق على أن تتزوَّج المسلمة من غير المسلم، لأنَّ هذا يخالف التزامنا وتبنّينا لتلك المنظومة، ويمثِّل قبولنا بالزّواج المدني تناقضًا مع ذواتنا. أمّا إذا أردنا الخروج من هذا الالتزام كلّياً، فهذا أمر آخر، وهو يرتبط بمسارٍ آخر له مفاعيل مرتبطة بالخروج من المنظومة. وإذا أردنا أن نقرّب الصّورة، فإنّ الموضوع يشبه أن يمتلك شخصٌ شركة لديها منتج معيَّن، ولكنَّه يسوّق للمنتج الثَّاني المضادّ! فهذا الأمر لا يمكن أن يحدث في الحياة التجاريّة...
وهذه واحدة من أهمّ نقاط الاختلاف اليوم، وهي أنَّ بنية الزواج المدني تقوم على أن لا مشكلة في دين الطرفين، أمّا في الزواج الديني، فالأمر يختلف. وهذا موضوع له علاقة بفلسفة رؤية الإسلام للمجتمع، وكيف يبنى، وعلاقة الزّواج ببناء هذا المجتمع، وقد يكون له علاقة -أيضًا- بالنَّظرة إلى الدّين ودوره في تأسيس الأسرة...
iv. جنس المتعاقدَين!
مع أنها ليست مشكلة بارزة في موضوع الزّواج المدنيّ حاليًّا، إلا أنّ موضوع اختلاف الجنس يمثّل مشكلة بنيويّة أخرى في هذا السياق؛ فالإسلام يشترط - بكلّ وضوح وحسم- أنَّه لا يمكن أن يتمّ أيّ عقد قران ما لم يكن هناك اختلاف في الجنس بين المتعاقدين، أي أن يكون بين رجل وامرأة. في المقابل، فإنّ الحديث في بعض الساحات يأخذ مجرى آخر، حيث لا يمانعون زواج رجلين أو امرأتين. وحتى لو لم يكن الموضوع مطروحاً الآن في ساحتنا بقوّة، إلا أنّه لا شيء يمنع - في المنظومة التي يستند إليها الزواج المدني - من طرحه لاحقًا!
وكما نشهد، فإنّ مبدأ اختلاف الجنسين في الزواج بدأ يختلف في الغرب؛ ففي فرنسا، نشهد الحديث عن إلغاء كلمتي "أب" و"أمّ"! أي أنّه حتى المصطلحات بدأ التَّعديل فيها لصالح الرّؤية... فعندما يكون لدينا رؤية كليّة شاملة، فإنَّ هذه الرّؤية ستؤثّر حتى في المصطلحات التي نستخدمها. فمفهوم العائلة قد تغيَّر، والمسألة لم تعد لها علاقة بتكوين طبيعيّ ثنائيّ من ذكورة وأنوثة، بل صار الموضوع يتحمَّل ما بات يُعرف باسم "المثليَّة"!
VI. مشاكل في الالتزامات:
هناك اختلاف في الالتزامات بين الزَّواج المدنيّ والزَّواج الدّينيّ، لكن - من النَّاحية العمليَّة - يمكن أن نجد حلولاً لما يمكن أن يطرح من إشكاليّات في الزَّواج الدّيني؛ فهناك ما هو مذكور في القرآن الكريم صراحةً، وهناك ما يختلف الفقهاء فيه نظريًّا... وهذا الأخير قد يشكِّل أزمة إذا ما غضضنا الطرف عنه ولم نواجهه بصراحة وموضوعيّة ومنهج علميّ، فنبقى نراوح مكاننا بوجود حالات من الصّراع وفرض إرادات ما بالقوَّة بأشكال من التعصّب أو ما شابه...
iv. الإنفاق
من الناحية الإسلاميّة، إنَّ واجب الإنفاق هو على كاهل الرَّجل، أمَّا إنفاق المرأة، فهو مسألة اختياريّة وليس واجبًا عليها. في المقابل، فإنّ الزواج المدني يلزم كلًا من الرّجل والمرأة بالإنفاق.
وهذا الموضوع يمكن أن يُحلّ في التَّشريع الإسلامي بمعزلٍ عن الزواج المدني؛ بأن يشترط الرّجل على المرأة أن ينفق كلاهما على البيت بشكل متساوٍ، أو أن تنفق المرأة أكثر... ومن حيث المبدأ، يخضع الأمر في المنظور الإسلامي لحريَّة التعاقد، وخصوصًا أنّ الموضوع مرتبط بالإنتاج الذي يستقلّ فيه الرّجل عن المرأة، إضافةً إلى الأعباء التي تثقل ذاتيًّا أحد الطرفين، وهو المرأة، في مقابل الطرف الآخر؛ الأمر الّذي يفترض عدم طرح الموضوع خارج دائرة حريّة التعاقد من جهة، وإبقاءه في دائرة من المرونة التي يخضع فيها الشّرط لتقديرات ظروف كلّ حالة زوجيّة. في كلّ الأحوال، عند تأسيس العلاقة الزوجيّة بين الرجل والمرأة، يمكن لكلّ منهما أن يشترط - ضمن العقد - بعض الشّروط، ومنها موضوع الإنفاق على البيت.
v. الطّلاق
من الناحية الإسلاميّة، الطَّلاق بيد الرَّجل، أمَّا في الزَّواج المدنيّ، فالطَّلاق بيد الطَّرفين. وفي الوقت ذاته، فالمجال في التشريع الإسلامي يمكن أن يكون واسعًا للحلّ، كأن تكون المرأة وكيلةً عن زوجها في تطليق نفسها؛ الفقهاء لم يصلوا، بعد، إلى نظريّة فقهيَّة تقضي بأن تطلّق المرأة نفسها بالأصالة وليس بالوكالة. ولكن، في الحلّ العمليّ، يمكن للمرأة إذا أرادت أن تتزوَّج وأن تشعر بالاطمئنان، أن تلجأ إلى جعل الطلاق بيدها أيضًا، لتكون وكيلةً عن زوجها في الطّلاق، إذا وجدت أنَّ الحياة الزوجيّة أصبحت مستحيلة مع هذا الإنسان. فإذا وُضِع ذلك الشّرط في العقد الزّوجيّ، أصبح لازماً، ولا يستطيع الزَّوج لاحقاً أن يلغيه...
ولكن علينا الالتفات إلى مسألة، وهي أنه، من ناحية المبدأ، إذا حصل وأعطى شخص ما لآخر وكالةً (وكانت رسميّة ومسجّلة عند "الكاتب بالعدل")، فإنَّ الأوّل يستطيع أن يلغي هذه الوكالة في اليوم الثاني مثلًا؛ فالوكالة عقد جائز في الفقه. لكنّ الأمر يختلف في حال كانت الوكالة بالطّلاق جزءًا من عقد الزّواج؛ فإنها تصبح لازمة، لأنَّ العقد لازم، والعقد لا يمكن أن يُتراجع عنه... وبالتالي، لا يمكن للزّوج أن يلغي للمرأة وكالتها في الطّلاق.
إضافةً إلى ذلك، هناك مسألة الخُلع التي تمنح المرأة خيار إنهاء العلاقة الزوجيّة، عبر اللّجوء إلى القضاء، وهذا مؤسَّس فقهيًّا، وإن كانت بعض تفاصيله في محلّ جدل فقهيّ. لكنْ في كلّ الأحوال، يمكن تجاوز تلك التفاصيل عبر الاشتراط في ضمن العقد، فيكون للمرأة أن تخلع الرّجل من خلال اشتراط أن يكون لها الحقّ في إدارة كلّ تفاصيلها.
يبقى أنَّ للمرأة الحقّ أن ترفع دعوى قضائيَّة على الزوج في حال نشوزه، سواء فيما إذا أخلّ بواجباته الاقتصاديّة في الإنفاق عليها، أو فيما لو أضرَّ بها، وللقاضي الحقّ - ضمن مسار الدّعوى - أن يطلّقها إذا لم يرجع إلى الزوجيَّة بالمعروف ولم يطلّق، ويسمَّى هذا النَّوع من الطلاق طلاق الحاكم.
vi. تعدّد الزَّوجات
في موضوع الزواج المتعدِّد، فإنَّ الأمر يختلف بين التَّشريع الإسلامي - الذي يبيح ذلك - وبين الزّواج المدنيّ الذي يمنع ذلك إطلاقًا. والمسألة هنا يمكن أن يكون لها حلّ شرعي؛ فيمكن للمرأة، في التشريع الإسلامي، أن تشترط على الرّجل عدم الزواج من امرأة أخرى.
المشكلة أنّه في ما يتّصل بهذه النقطة، فإنّ الزواج المدني لا يستطيع أن يحمي المرأة كليًّا؛ لأنّه إنّما يضغط على الجانب الرسمي، أي أنّه لا يعترف بهذا الزّواج. فلو فرض أنّ الزوج كان يرى شرعًا صحة هذا الزّواج، فإنّ المشكلة التي تعترضه فقط هي مشكلة تسجيل هذا الزّواج. وكذلك - على ضوء المنظومة التي يرتكز عليها الزواج المدني - إذا ما أقام الزوج علاقة جنسيّة من دون زواج، فإنّ الزواج المدني لا يملك شيئًا في هذا المجال.
في هذه النقطة، يبدو أنَّ هذا النوع من المشاكل يرتبط بمشكلة واقعيّة، والحلّ "التشريعي" بالمنع لا يحلّ المشكلة!
VII. مشاكل في المفاعيل والآثار:
في المفاعيل والآثار بعد الطَّلاق، نواجه بعض المشاكل، كالحضانة، ومشكلة الإرث ما بعد موت أحد الزَّوجين - والتي لا يتساوى فيها الزَّوجان في النظام الإسلامي للإرث، فيما يرث كلّ منهما الآخر بالتّساوي في النظام المدني - وموضوع الحقوق الماليَّة بعد الطَّلاق... وإن كان هناك إمكانيّة للحديث -بشكل وبآخر- عن شيء من المرونة والحلّ لتلك المسائل في الزواج الديني.
iv. الحقوق الماليّة
في كثيرٍ من الأحيان، وفيما بعد الطلاق، نواجه أنواعًا من التعسّف تجاه المرأة في جانب الحقوق الماليّة؛ فالمرأة قد تكون ساهمت مع الرَّجل في البيت، وأعطت من نفسها لبيتها، ويمكن أن تكون قد تركت عملها وإنتاجها ومسارها التخصّصي والتّعلّمي من أجل أن تساعد في الإنفاق - الّذي هو واجب الرَّجل -، لا بل ربما تكون قد تنازلت عن كثير من طموحاتها في الحياة، وتقوم بذلك لأجل الرّجل أو لأجل الحياة الأسريّة... وعندما يطلّقها، تجد نفسها غير قادرة على أن تعيش كما ينبغي! وهذا ما يطرح مسألة الحقوق الماليّة بعد الطّلاق...
أمّا من الناحية الإسلاميّة، فالحلّ يمكن في أن تشترط المرأة على زوجها - في متن العقد - أنَّه إذا ما حصل الطّلاق، أن تأخذ نصف أملاكه أو ثلاثة أرباعها، أو حتَّى كلّ أملاكه. فإذا قبل الشَّرط، يُلزَم عندئذٍ - بمقتضى القضاء - بأن يدفع ما التزم به.
وهذا النّوع من الاشتراط يمكن أن يحصل كذلك من الزّوج، إذ هو خاضع لمبدأ حرية التعاقد والاشتراط.
v. الإرث
الزوج، من الناحية الإسلامية، يرث من المرأة النّصف إذا لم يكن لها ولد. فإن كان لها ولد، فله الرّبع. أمَّا المرأة، فترث الرّبع إذا لم يكن له ولد، فإن كان له ولد فترث الثّمن، الأمر الذي يطرح إشكاليّة المساواة بين الجنسين، فهناك نظامٌ متكامل للإرث في الإسلام، ولكن هناك اختلافات بين الفقهاء في موضوع إرث الزّوجة؛ فكثير من الفقهاء الشيعة الإماميّة، لا يورّثون المرأة من الأرض والعقار، بل يورِّثونها من قيمة البناء الموجود، أمَّا سماحة السيّد فضل الله (رض)، فيفتي بأنها ترث زوجها ويرثها من كلّ شيء تُرِك، كما هو القرآن الكريم: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم}. وأمام حكم الشّريعة بهذا التقسيم، سيعني تجاوزه أنّ الورثة قد يأخذون ما ليس لهم بحقّ، وبالتالي، يترتّب على عدم الالتزام بنظام الإرث الشّرعي أكل المال الحرام.
والحلّ الشّرعيّ يكمن في المرونة التي أعطاها الإسلام في موضوع التركة؛ فقد سمح للإنسان أن يوصي بثلث أملاكه لزوجته، أو حتّى كلّ أملاكه إذا رضي الورثة بما زاد عن الثّلث. وفلسفة "الثّلث" هو أن لا يكون للحرمان ما بعد حياة الميت أيّ مجال؛ لأنّ وصيّته لا تنفذ بأكثر من الثّلث إلا إذا رضي الورثة بذلك.
vi. الحضانة
هناك مشكلة موجودة حاليًّا، حيث هناك فتاوى تقول بأنَّ حضانة الأمّ لولدها الذّكر هي سنتان، وللأنثى سبع، ورأي السيّد فضل الله أنّ الحضانة للذكر والأنثى هي للأمّ إلى سبع سنوات، ولكن إذا ما ثبتت عدم أهليَّة الزّوج في حضانة أولاده، فإنَّ للمحكمة الحقّ في أن تتدخَّل وتلغي حضانته. وفي هذه المسألة، أيضًا، فإنَّ هذا الحقّ قابل للإسقاط، بمعنى أنّه يمكن للمرأة أن تشترط على الزَّوج، من ضمن العقد، نوعاً من التَّنظيم للأمور في حال حصل الطَّلاق بينهما، بمعنى أن تحدَّد لمن الحضانة، وإلى كم سنة... ففي هذه الحالة، حتَّى لو كانت الفتوى تنصّ على أنَّ الحضانة لسنتين أو لسبع سنوات، فإنّ الشّرط يكون ملزمًا للطَّرفين، ويمكن أن يحدّدا - في عقد الزواج - الشروط المرتبطة بكيفيّة إدارة مسألة الحضانة، بما يحسم كثيرًا من النقاط التي تقع عرضةً للمشاكل بين الوالدين بعد الطّلاق.
أمّا في الزواج المدني، فتخضع الأمور لما يراه القاضي من مصلحة للولد.
- نقطة تأمّل!
إذاً، هناك مشكلة ما في التّشريعات الدينيّة، كما هو الأمر في القوانين المدنيّة الموجودة عندنا؛ فبعض القوانين الموجودة تؤدّي إلى وجود مشكلة، حتى في المحاكم المدنيّة. فقد تكون هناك مشكلة ماليّة، وتقدَّم شكوى أمام المحاكم المختصّة، ولربّما تستغرق عشر سنوات ليحكم القضاء المدني بحكمٍ ما، قد يجعل ذلك المال المتنازع عليه غير ذي قيمة! هذا كلّه ناتج من وجود مشاكل في القوانين. ولا نقول ذلك بهدف تسجيل نقطة على الطَّرف الآخر، لكن لنقول بأنَّ المجتمعات، بطبيعتها، تتكامل نظرتها ويختلف فهمها حتى تجاه التَّشريعات؛ فقد تكون هناك تشريعات معيَّنة في زمن، ثم نجد أنَّ الفقه التشريعي برمَّته تطوّر بطريقة مختلفة، وأصبحت الأفكار التي كانت سائدة سابقًا، ليس لها أيّ قيمة في زمننا. هذا أمر واقع وموجود حتى في الفقه الإسلاميّ، وهناك تطوّر للأمور بشكل وبآخر.
VIII. مشاكل في أساس العقد:
إذا لم يكن هناك من مشاكل بنيويّة، كموضوع اختلاف الدين، وليس هناك من مشاكل في الالتزامات كموضوع الإنفاق.. نصل بالنقاش إلى مسألة العقد، والمشاكل التي قد تعتريه.
iii. صيغة العقد
في الزواج الشَّرعيّ الدّيني، هناك صيغة محدَّدة لإنشاء الزّواج، وهي أن تقول المرأة للرّجل: "زوّجتك نفسي على مهرٍ قدره كذا"، فيقول الرَّجل: "قبلت التّزويج"؛ فهناك من الفقهاء من يقول بأنَّ هذه الصيغة لا يمكن أن يُعقد عقد الزَّواج إلا بها. أمّا إذا ما ذهبنا إلى الزّواج المدني، وكانت الصّيغة مختلفةً، كأن يُسأَل الزوج طالب الزّواج: "هل ترضى أن تكون فلانة زوجتك؟" فيقول: "نعم"، وتُسأَل الزّوجة: "أترضين أن يكون هذا زوجك؟" فتقول: "نعم"، فيتمّ الزّواج ويُسجّل، ويوقّعان ويعلنان زوجاً وزوجة، وفق الزّواج المدني، فهذا مما لا يمكن أن يقبَل به هذا الصّنف من الفقهاء، لأنّ المتعاقدَين لم يستخدما الصّيغة المذكورة - التي يقول عنها كثير من الفقهاء إنّها شرط لازم في الزّواج-، فيكون العقد باطلاً، حتّى لو عُقد الزّواج بهذه الصيغة عند عالم الدّين.
أمّا السيّد فضل الله (رض)، فيتبنّى نظريّة أخرى، إذ يقول بأنَّه ليس هناك من صيغة خاصَّة للزواج؛ فكلّ صيغة تتحوَّل في العرف العام إلى صيغة زواج، تكون صيغة شرعيَّة. وهذه النظرية تحلّ مشكلةً بين الزواج المدني والزواج الدّيني في موضوع الصيغة. أمّا الّذين يرون أنَّ هناك صيغة ملزمة، فلا يناقشون أصلًا في المفاعيل والالتزامات، بل ينظرون إلى العقد، فإذا لم يجدوا الصّيغة الّتي حدَّدوها لإجراء عقد الزواج شرعًا، قالوا بأنَّ العقد باطل، أيًّا تكن الأمور الأخرى!
وتجدر الإشارة - هنا - إلى نقطة حسّاسة، وهي أنَّ كثيرًا من النّاس يتداولون فكرة تقول بأنّ السيّد فضل الله (رض) مع الزواج المدني، بينما الصّحيح هو أن السيّد (رض) يقول بأنّ الزواج في الإسلام - أساسًا - مدنيّ، بمعنى أنّه لا يشترط أن يعقده "رجل دين"، وحتى إذا عقده، فلا يعقده كـ"رجل دين"، بحيث يقوم رجل الدِّين بإعطاء سرٍّ عن واحد من الطّرفين أو عن الطّرفين! ليس الأمر كذلك بتاتًا. ولكن كلّ ما في الأمر، أنَّ العادة قد جرت بأن يقول "رجل الدّين" للمرأة: "هل ترضين أن أكون وكيلًا عنك في تزويج نفسك؟"، بمعنى أنه يقوم مقام الموكِّل. وإلا، فإنَّ الزّواج - في الأصل - هو أن تقول المرأة للرّجل: "زوّجتُك نفسي على كذا وكذا"، ويقول الرّجل: "قبلتُ". فمن حيث المبدأ، عندما يقال بأنَّ الزّواج في الإسلام مدنيّ، فيعني ذلك أنّ الإسلام لا يشترط أن يجري العقد "رجلُ دين"، ولكنّ ذلك لا يعني أبدًا أنَّ الشروط البنيويّة التي يبتني عليها الزّواج المدني يبتني عليها الزواج الدّيني، أو أنّ الآثار والالتزامات التي يلتزم بها الزواج المدني هي نفسها في الزواج الديني...
iv. إذن الوليّ
يشكّل هذا الموضوع مسألة حسّاسة على مساحة المسلمين جميعًا، فهناك رأيٌ فقهيٌّ موجودٌ يقضي بأنّه من دون إذن وليّ الفتاة - وهو الأب أو الجدُّ للأب - وموافقتِه على زواج ابنته، يعتبر الزّواج باطلاً، حتَّى لو كانت كلّ الشّروط والالتزامات الأخرى متوافرة. أمَّا السيِّد فضل الله (رض) - وآخرون من الفقهاء - فليس عنده مشكلة في هذه المسألة؛ لأنه يرى أنَّ الفتاة - إذا كانت راشدة -، فلها أن تستقلَّ بأمر زواجها، ولا حاجة إلى إذن الوليّ. وهذا حلّ - من هذه النَّاحية - في حال اعتُبرت هذه المسألة مشكلة بين الزّواج المدنيّ والدّيني.
- بين طائفة "جديدة" وأخرى "خارجة من التزامات الدّين":
IV. الطّائفة الجديدة!
كلّ الكلام الذي تناولناه له علاقة بالمنتمين إلى الدائرة الإسلاميَّة، والملتزمين بالتّشريع الإسلامي؛ فهناك أمور لا نستطيع الالتزام بها، وهناك أمور تتناقضُ كليًّا مع الأساس الّذي يقوم عليه الزّواج في الإسلام، وهناك أمور مرنة تحتاج إلى أن نحدِّد كيفيّة التعامل معها، ووضع حلول للمشاكل الّتي يمكن أن تعترضنا من النّاحية العمليَّة. أمّا إذا ما قامت مجموعة من النّاس وقالت إنّها ليست ملتزمة بالدّين، بل التزامها بالعلمانيَّة مثلًا، وأنها أصبحت تكوِّن طائفةً جديدة، ففي هذه الحالة، بتنا نتحدَّث عن "طائفة جديدة" ليس لها علاقة بالدّين الإسلامي ولا المسيحي، ولها قوانينها وتشريعاتها الخاصّة بها...
عند ذلك، يمكن القول إنّنا نتحدَّث عن هامش يمكن أن يُتَفَكَّر فيه جدّيًّا؛ لأنَّ الإسلام لا يقول إنَّ كلّ الزّيجات التي تحصل لدى كلّ الفئات الدينيَّة، إذا كانت مخالفة لشروط الزّواج الإسلامي، تكون باطلة... ومما يُروى - في هذا السياق - أنّه "كان لأبي عبد الله (ع) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذائين، ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرّجليريد غلامه، ثلاث مرّات، فلم يره، فلمَّا نظر في الرابعة قال: يا بن الفاعلة، أينكنت؟ قال: فرفعأبو عبد الله (ع) يده فصكّ بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله، تقذف أمّه! قدكنت أرى أنَّ لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع، فقال: جعلت فداك، إنَّ أمّه سنديّة مشركة،فقال: أما علمت أنَّ لكلّ أمّة نكاحاً، تنحّ عنّي". ومعنى ذلك أن كلّ أمّة لها زواجها الذي يميّزه عن الزّنا؛ فالزواج له مفهوم، ولكلّ شريعة منظومتها في الزواج، والإسلام يعترفُ بهذه المنظومة... وبالتالي، فزواج المسيحيِّين صحيح، وزواج اليهود صحيح، وزواج الهندوس صحيح... وكلّ زواج، حتى الزّواج المدني لمن لا يدينون بأيّ دين، صحيح... أفلا يعترف الإسلام بكلّ تلك الزيجات الموجودة في الغرب، ويعتبرها صحيحة؟! أيصحّ أن يقال ببطلان زواج كلّ هؤلاء المتزوّجين في الغرب - مدنيًّا -؟!
فالإسلام يعترف، على أساس هذه القاعدة المذكورة، بأنَّ زواج الجماعات - أيًّا كانت خارج الدّائرة الإسلاميّة - هو زواج صحيح في شرعها والتزاماتها - بما فيه الزواج المدنيّ-، لكن لا يمكن لأحد أن يقول إنّ على الإسلام أن يعترف بشرعيّة زواج المسلمين إذا كان مناقضًا لأحد الشّروط البنيويّة التي أشرنا إليها، كدين الزوج والزوجة خصوصًا، أو غيرها من الشروط التي قد يراها الفقهاء أو بعضهم بنيويّة كذلك.
V. الجماعات الدينيّة الخارجة من التزاماتها:
النقطة المحوريَّة في الاشتباك القائم بين الجهات الدّينية وغيرها، والتي تحتاج فعلاً إلى نقاشٍ حقيقيّ، هي حالة وجود مجموعة من الأفراد الّذين ينتمون إلى الإسلام ويلتزمون به كدين، لكنَّهم لا يلتزمون به كتشريع، فهل يمكن أن نطبِّق عليهم القاعدة المذكورة أعلاه أم لا؟
وفي معرض الإجابة والنقاش، نورد التالي:
في الدائرة الإسلاميَّة، وفي موضوع الزواج تحديدًا، هناك شروطٌ وبنية والتزامات، ولا يمكن لأيّ مسلم أن يخرج عنها، وإلا كانت العلاقة غير شرعيَّة. ولكن، إذا كان الرَّجل مسلمًا، أو كانت المرأة مسلمةً، وأراد كلّ منهما أن يتجاوز بنية الزّواج في الإسلام؛ كأن يتزوَّج الرَّجل المسلمُ امرأةً ليست من أهل الكتاب، أو تتزوَّج المرأة المسلمة رجلًا غير مسلم، فهل يمكننا، عندئذٍ، القول بأنَّ هذه الفئات أصبحت خارج الدائرة الإسلاميّة؟!
فالموضوع قد يكون أشبه ما يكون لشخص يشهد الشَّهادتين، ولكنَّه لا يريد أن يصلّي أو يصوم، فهل نخرجه من الإسلام؟ نحن لا نقول ذلك، بل نقول بأنّه يعصي الله - سبحانه وتعالى -، لأنّه لايزال ملتزمًا بدينه... أمّا إذا ما خرج من الإسلام، وأعلن أنه مرتدّ عن دينه، فيصبح حكمه حكم من هو خارج الدائرة الإسلاميَّة، وعندما يخرج من الدّائرة الإسلاميّة، يصبح حكمه حكمًا خاصًّا، أي حكم من هم خارج الدّائرة الإسلاميّة.
نقول هنا بأنّ المسألة ليست بالبساطة التي يستعرضها الإعلام أو تتراشق فيها الفئات الدينيّة وغير الدّينية، وذلك لأنّ الموضوع معقّد من الناحية الفقهيّة؛ فهناك كثير من النّاس الذين يريدون أن يتزوّجوا مدنيًّا، يقولون بأنهم ليسوا بطائفة جديدة، وأنهم مايزالون ضمن الجماعة الإسلاميّة (أو الجماعة المسيحيّة)، ولكنّهم يريدون الزواج مدنيًّا... ففي هذه الحالة، بتنا نتحدَّث عن موضوع آخر، نتحدَّث عن أناس مسلمين، لكنَّهم مخالفون، ومن الطبيعيّ أن يقول لهم الإسلام نظرته في الزّواج، وأنَّ هناك مشكلة شرعيّة في هذا الموضوع. ولكن، في الوقت ذاته، فالأمر يحتاج إلى "اجتهاد صعب"؛ فالموضوع بيد الفقهاء، وصعوبة تجاوزه تكمن في سببين:
- الأوَّل: أنَّ الأدلّة في هذا المجال مفقودة؛ لأنّه عندما يصبح الشّخص مسلمًا، تترتّب عليه كلّ الالتزامات الإسلاميّة.
- الثّاني: أنّ الجماعة نفسها لا تشرِّع ضدَّ نفسها، ولا تعطي شرعيّة لما يؤدّي إلى إباحة التسرّب منها؛ لأنّها عادةً تعمل على ما يحافظ على تماسكها، وهذا بعدٌ آخر يلعب دور المبطّئ للوصول إلى هذه الأفكار التي تُطرح في المجالات التشريعيّة غير الإسلاميّة أو غير الدّينيّة.
VI. وهل هناك خوف على الدّين؟!
قد يقال: "هل الدّين هشّ إلى درجة أنّنا نخاف عليه من الانفتاح على هذه الأفكار؟"، ونستذكر سماحة السيّد (رض) حينما كان يقول للفرنسيّين: "هل العلمانيّة هشّة إلى درجة الخوف من قطعة قماش تضعها الفتاة المسلمة فوق رأسها؟!". فالأمر نفسه قد يقال هنا: "هل الدّين هشّ لكي تخافوا عليه من الزواج المدنيّ؟!".
وفي معرض الإجابة نقول، إنّ الموضوع - فعليًّا - ليس كذلك؛ فقد حاولنا أن نوضح -سابقًا- بأنَّ لدينا مشاكل بنيويَّة جوهريَّة، ولدينا مشاكل يمكن حلّها عمليًّا. وبالتّالي، إذا كان بعض المسلمين يبرّر ذهابه نحو الموافقة على الزّواج المدنيّ بسبب ما يعترض الزّواج الدّينيّ من مشاكل في المحاكم، فهذا موضوع يحتاج إلى ضبط وتدقيق، تمامًا كما يوجد لدينا مشكلة في المحاكم المدنيّة عمومًا. فالبعض يتحدّث عن السّلك القضائيّ وأنّه بحاجة إلى إصلاح، فهل نقول بأنّ النظام كلّه خطأ؟ وهل نقول بأنَّ التّشّريع الإسلاميّ كلّه خطأ؛ لأنَّ فيه بعض المحاكم التي لا تمارس عملها بالشَّكل اللازم؟! وأمّا إذا كان هناك اختلاف في الاجتهادات، فيمكن أن نلاحظ كيف يتطوَّر فعليًّا هذا الاجتهاد، ليكون السَّعي بهذا الاتجاه. وهناك - فعليًّا - عمل على هذا الصّعيد، وهناك فتاوى كثيرة كانت في وادٍ، والآن أصبحت في وادٍ آخر.
وفي النّتيجة، الموضوع ليس مرتبطًا بأنّنا نخاف على الإسلام، ولذا فإنّ عندنا مشكلة مع الزواج المدنيّ، لأنّه يقضي على الإسلام في البلد أو في المجتمعات العربيَّة! القصّة ليست كذلك؛ فالموضوع - فعليًّا - يكمن في أنّ عندنا منظومة متكاملة، ويُراد لنا أن نوافق على منظومة ثانية! وهذا أشبه بمن ينشئ مصنعًا ويصرف عليه الملايين، ويعتقد أنَّ منتجه ممتاز، ولديه الإثباتات على ذلك، ثمّ يأتي من يقول له إنّ عليه أن يصدر تعليماته للعاملين في مصنعه أن يسوّقوا للمنتج الآخر الّذي تنتجه الشّركة الفلانيّة التي تنافسه في السّوق!
فمنظومة الزّواج لدينا، فيها كثير من التّفاصيل والجوانب الّتي يلحظها الإسلام إلى حدّ التّفاصيل الدّقيقة؛ فعلى سبيل المثال - لا الحصر - لا يقبل الإسلام أن يُفرض على الرَّجل أن يدفع نصف أمواله الّتي جمعها بتعبه طوال سنين إلى شخص آخر، حتّى لو كانت زوجته -والعكس صحيح أيضًا - إلّا إذا رضي بنفسه بذلك، بالإرادة والتّعاقد، وليس بالفرض، حتّى تبقى حريّة التعاقد من جهة، وحريّة العمل والإنتاج من جهة أخرى.
وقد أوردنا هذا المثال لنقول بأنَّ المنظومة تلحظ الأمور بطريقة كلّية، ولا تركّز على جانب معيّن، كأن نقول بأنَّ هناك مشاكل في المحاكم، أو في قضايا الطّلاق، أو بأنَّ هناك نظامًا علمانيًّا نريد أن نستورده من الخارج، كما هو، ونطبّقه في بلدنا دون أيّ مقدّمات... هذه هي المسألة، وليست مسألة الخوف على الدّين؛ لأنَّ ديننا قويّ ومتماسك، وحتّى هذه المنظومة نستطيع الدّفاع عنها، ولكنَّ الإشكاليَّة هي أنّه يُراد منَّا الموافقة على منظومة زواج أخرى، لأنّ هذه المنظومة لا تعجب بعضهم هنا أو هناك، أو لأنّ منظومة أخرى تعجب بعضًا هنا أو هناك!
4-منظومتان مختلفتان:
ليس الأمر في صراع نريد أن نكسر من خلاله بعضنا بعضًا، ولكن علينا أن نعرف نقطة أساسيّة، وهي أنّ الزّواج المدني الّذي يطرَح اليوم، هو منظومة متكاملة لا تتجزّأ، فلا يمكن أن أوافق هنا على مادّة فيه ولا أوافق على مادّة أخرى؛ فلمجرَّد أن يعقد الإنسان مدنيّاً، يكون قد وافق على كلّ هذه المنظومة التشريعيّة، والّتي يناقض بعضها -جوهريًّا- التشّريع الإسلامي. فالزّواج ليس مجرّد إجراء عقد في المحاكم المدنيّة، بل هو نظام متكامل يخضع لرؤية في مصادر التَّشريع، ويختلف في بعض بناه والتزاماته ومفاعيله عن منظومة الزّواج الديني. وفي الزّواج المدنيّ، يحقّ لكلّ من عقد زواجه، في ظلِّ هذا القانون، أن يحتفل بزواجه لدى أيّ مرجع ديني، سواء في المسجد أو الكنيسة أو المجتمع الدّيني الّذي هو فيه، ولا مشكلة في ذلك، لكن على أن يبقى خاضعًا، في كلّ ما يتعلّق بأحواله الشخصيّة، لأحكام هذا القانون. وعليه، لنفترض أنّه حصل الطّلاق، فهو -شرعًا- ملتزم أنَّ للطّلاق شروطًا حتّى يتمّ، وإلا تبقى الزّوجيّة قائمة، فإذا أجرى الطّلاق في المحكمة المدنيّة من دون موافقته للشّروط الشرعيَّة، فذلك يعني أنّه، من زاويته الدينيّة، يرى أن هذا الزواج باقٍ، وأمّا من زاويته المدنيّة، فيراه قد زال! بمعنى أنّ الزّوجيّة لاتزال باقية؛ فماذا تفعل الزّوجة، مثلًا؟ فلا يجوز أن تتزوَّج من شخص آخر؟... وهذا ما سيسبّب كثيرًا من المشاكل، وذلك لأننا نتحدَّث عن تضارب في منظومتين. فعندما تُجري العقد في البلديّة، فأنت لا تُجري - فقط - العقد، وإنما أنت توافق على كلّ مفاعيل المنظومة الثّانية والتزاماتها، وبالتّالي، أيُّ خطأ سيحصل لاحقًا في الزّواج، سيسبّب لك مشكلة مع المنظومة التي تلتزم بها، وهي منظومة الدّين، وهذا ما يترتّب عليه، أنّنا إمّا أن نقبل كليًّا بالزواج المدني، أو نرفضه كلّيًّا.
نحن هنا لسنا بوارد خطابات حادَّة، ولسنا بوارد إخراج النّاس عن دينها، ففي النّهاية، لكلّ فريق من المسلمين أدلّته؛ فمنهم من يعتبر أنَّ من يوافق على الزّواج المدني مرتدّ، وهذا يخضع لنقاش بين المذاهب الإسلاميَّة. ولكن، في نهاية المطاف، عندما نرفض الزواج المدني، فليس ذلك لأنَّ هناك حسابات مادّيّة مرتبطة بالزواج الديني، أو لأنّ هناك خوفًا على الدّين، أو لأنّ هناك امتيازات تريد كلّ جماعة دينية أن تحافظ عليها، بل لأنَّ الموضوع مرتبط بمنظومة يراد منَّا أن نتركها ونوافق على منظومة أخرى غيرها، وأن نعتقد أنها هي المنظومة التي يمكن أن تحفظ كثير من الأهداف في تسوية العلاقة بين الطرفين.
7- خيار ثالث: عقد وشروط:
هناك خيار ثالث، وهو أن تكون طريقة الزّواج مختلفة عن الطّريقة الّتي يجري فيها الزّواج اليوم، والّذي يجري بأن تأتي الزّوجة وتوكّل من يجري العقد وكالةً عنها، فيقول الوكيل للرّجل: "زوَّجتك موكّلتي"، فيقول "قبلت"، وتنتهي المسألة. لا، بل إنَّ الطّريقة المختلفة تكمن في أن يكون هناك مجموعة من البنود - على طريقة الزّواج المدني -، بحيث يدرس الطّرفان هذه البنود، وإذا ما تمَّ التَّراضي عليها - أو على بعضها - من قبل الطّرفين، وسُجِّلت هذه البنود في عقد الزَّواج، يصبح هذا العقد هو المستند القانوني أمام أيّ محكمة؛ كأن يكون هناك شرط بأن تحصل الزَّوجة على أسهم من أملاك زوجها - أو العكس - إذا ما حصل الطَّلاق، أو تشترط شروطًا تتعلّق بالحضانة بعد الطّلاق، أو غيرهما من المشكلات، فنحسم بذلك الكثير من المشكلات، ويحكم القضاء حينئذٍ وفق ما سُجِّل من شروط في العقد، و"المؤمنون عند شروطهم"!
لكنَّ المشكلة أنّنا لا نريد أن نواجه الأمور بواقعيَّة؛ فعادةً ما يبدأ الرَّجل والمرأة بأحلام ورديَّة قبل الزَّواج، ويعتبر كلّ منهما أنَّ هناك أمورًا لا يمكن أن تحدث - مستقبلًا -، ولكنّ ضغوطات الحياة وتحدّياتها قد تفرض كثيرًا من المشكلات، والإنسان - ذاته - قد لا يكون، غدًا هو ذاته اليوم. ولذلك، كان الإسلام في كثير من تشريعاته واقعيًّا؛ فهو يعرف كيف يمكن أن يتقلَّب حال النَّاس، ومن هذا المنطلق، وضع منظومة متكاملة، من ضمنها الشّروط، وأبقاها على مبدأ حريّة التعاقد لتحلّ من خلالها كثير من المشكلات.
8- نحو الحلّ:
المطلوب، في النّهاية، أن يحصل نقاش جدّيّ حقيقيّ في هذه المسألة؛ لأنّنا - اليوم- لا نسعى إلى تسجيل النقاط على الذين يريدون الزواج المدني، ولا يصحّ أن يسجّل الآخرون نقاطًا على الدّين، بل علينا - جميعًا - أن نتكلَّم عن الموضوع بعلميَّة وموضوعيَّة، ويجب أن يحصل نقاش حقيقيّ بين الجهات الدينية والجهات التي تطرح أيّ منظومة أخرى للزّواج؛ لأنّه - فعليًّا - يمكن أن نرى أنّ كثير من المبرّرات التي تطرح اليوم في الزّواج المدني، نستطيع حلّها في الزّواج الديني. نعم، هناك بعض الجهات الدينيّة قد يكون عندها مشكلة أكثر منّا كمسلمين، وقد يكون هناك بعض المذاهب الإسلاميَّة أقدر على حلّ المشاكل من مذاهب أخرى، وقد يكون هناك اجتهادات تحلّ أكثر من اجتهادات أخرى... كلّ ذلك يخضع للنّقاش الحقيقي والجدّي.
وطبعًا، ينبغي أن تطرح الإشكاليَّات أمام الاجتهاد المعاصر؛ فإذا ما وجدنا فتاوى عن الحضانة، مثلاً، بأنّها لسبع سنوات، فما المانع من أن يؤخذ بهذا الاجتهاد؟ وليتناقش العلماء في الأدلّة، فقد يتطوَّر الفهم لديهم بأن لا يكون هناك تحديد لسنّ الحضانة، على القاعدة القرآنيّة: {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ}، بحيث يكون تنظيم العلاقة، بعد الطّلاق، لا يضرّ بالوالدة ولا بالوالد، وعندئذٍ، يخضع الأمر للظّروف ولمصلحة الولد، فقد تكون الحضانة عند الأب أفضل، وقد تكون عند الأمّ أفضل، وقد تكون المناصفة هي الأفضل...
والّذي نقوله - أيضًا -، أن نطرح - فعليًّا - قانونًا نسمّيه "قانون الزواج الشرعي"، ببنود واضحة، ونسوّق لهذا القانون للنَّاس حتى يشكّل ثقافة، وعندما يشكّل ثقافة، يصبح أمرًا واقعيًّا. وبالتّالي، لا يصبح الزّواج عبارة - فقط - عن كلمتين، لأنّنا نريد أن نحلّ مشكلاتنا قبل أن تقع، وأن نوسِّع خياراتنا بناءً على التزاماتنا المسبقة، وعلى ضوء تشريعنا الّذي يعطينا فسحة من هذه الالتزامات والخيارات.
فلنصغ مشروع الزّواج الديني الإسلامي ببنود ضمن الفتاوى المعمول بها، ثمّ نفكِّر في النقاط الخلافيّة كيف يمكن حلّها. وأدّعي، أنَّ أكثر من 70 إلى 80 في المئة من المشاكل الّتي تحصل نتيجة "الزّواج الدّيني"، سببها أنَّه ليس هناك وعي لما ينبغي أن نواجهه من تحدّيات في أيّ زواجٍ نعقده. فإذا ما عملنا على حلّ هذا الموضوع، فسيصبح عندنا مشروع جديد اسمه مشروع "الزّواج الدّيني". مع العلم بأنّ هناك أشخاصًا لن يوافقوا عليه، وقد يكمن السّبب في تضاربه مع كثير من الأفكار الّتي لها علاقة بالثقافة التي ترتبط بموقعيّة الرّجل والمرأة في الزواج أو في الحياة العامّة.